"إنها لا تؤدي دورها المطلوب" هذا هو الشيء الوحيد المتفق عليه بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور، وكذلك الأممالمتحدة وسكان دارفور بشأن أداء بعثة اليوناميد (البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة في دارفور). بهذا الاتفاق النادر بين أطراف الصراع والوسطاء والضحايا على ضعف نتائج بعثة اليونميد على الأرض، فإن كل ما يتعلق باليونميد أصبح على المحك، ابتداءً من وجودها على الأراضي السودانية وليس انتهاءً بصلاحياتها ومهامها الممنوحة لها من مجلس الأمن الدولي وبموافقة الحكومة السودانية. تشخيص الأداء الاتفاق بين الحكومة وحركات دارفور والأممالمتحدة على تشخيص أداء اليونميد والتأمين على أنه ضعيف، لا يعني التوافق على العلاج، العكس تماماً، فلكل طرف وصفته الخاصة التي يريد أن يعالج بها ضعف بعثة اليونميد التي مضى على وجودها بدارفور نحو سبع سنوات شهدت كثيراً من التغييرات على أرض دارفور وعلى أرض السودان برمته. ؛؛؛ الاتفاق بين الحكومة وحركات دارفور والأممالمتحدة على تشخيص أداء اليونميد والتأمين على أنه ضعيف، لا يعني التوافق على العلاج، العكس تماماً ؛؛؛ المطروح الآن من جانب الحكومة علاجاً جذرياً ونهائياً لإخفاقات اليونميد، هو الخروج التام من كامل الأراضي السودانية، وترى الحكومة أن يونميد أصبحت تشكل عبئاً أمنياً يُضاف إلى العبء الذي تمثله الحركات المسلحة في الإقليم، كما أن الحكومة تتوافر - كما أعلنت وزارة الخارجية- على معلومات تشير إلى أن أعضاء البعثة خاصة ذوي الطابع العسكري يقومون بانتهاكات جنسية دون أن يتعرضوا لإجراءات عقابية، فضلاً عن أن مقرات البعثة أصبحت ملاذاً لمطلوبين لدى الحكومة السودانية التي لا تستطيع أن تفعل شيئاً إزاء الطرفين، أعضاء البعثة المتورطين، أو المواطنين السودانين الذين يلوذون بمقارها. رغم أن الحكومة لا تربط هذه الملاحظات بتداعيات الأحداث حول قرية تابت، لكن يبدو أن اللغط الكثيف حول ملابسات قضية تابت دفع بالحكومة أن تميط اللثام عن مكاتبات ومباحثات جرت بينها وبين الأممالمتحدة عمرها نحو ثلاث سنوات حول وضع خطة لخروج قوات اليونميد من دارفور، غير أنه من الواضح أيضاً أن أي انتهاكات تقع من أفراد يونميد لا تعد سبباً كافياً - على الأقل بالنسبة للأمم المتحدة- لتبحث مع الحكومة إمكانية خروج بعثتها بشقيها المدني والعسكري من دارفور، فالخروج المتدرج من الإقليم يتم وفق حيثيات كثيرة أهمها وجود تحسن كبير على الأرض فيما يتعلق بالأمن إلى جانب عملية سياسية تحقق سلاماً كبيراً في دارفور، وليس بناء على خروقات وإخفاقات البعثة أو انتهاكات أفرادها. وضع القوات عندما تأتي أي بعثة أممية ذات طابع عسكري إلى بلد من البلاد، فإنها تمهد لوجودها بتدابير قانونية مع البلد المضيف توفر لها هذه التدابير الوقاية والحصانة القانونية التي ترى أنها مهمة بالنسبة لها ولأفرادها لممارسة مهمتهم التي جاءوا من أجلها، وهو أمر موجود في كل البعثات ذات الطبيعة المشابهة وتسمى اتفاقية وضع القوات (سوفا). ورغم أن البعثات الأممية تمهد لاتفاقها بديباجة تؤكد فيها امتناعها هي وامتناع أعضائها عن أي نشاط أو عمل لا يتوافق مع مهامهم الدولية، وتشدد فيها على احترام كافة القوانين واللوائح المحلية، لكنها في المقابل تتمتع بحصانات وامتيازات الأممالمتحدة نفسها، وتنال امتيازات وتسهيلات واسعة بشأن الاتصالات والمقار والتأشيرات، ويتعدى تيسير مهام البعثات الأممية ليشمل في بعض الأحيان تحويل العملات. وفي غالب اتفاقيات وضع القوات لا يجوز لمسؤولي الحكومة احتجاز أي عضو من أعضاء البعثة إلا بطلب من الممثل الخاص أو عند إدانة هذا العضو بارتكاب مخالفة جنائية أو محاولة ارتكابه لها، ويسلم هذا الشخص وما ضبط معه إلى أقرب ممثل للبعثة، ويخضع الأعضاء العسكريون للمكوّن العسكري في البعثة فقط لاختصاص الدول التابعين لها عند ارتكابهم لأي مخالفات جنائية في البلد المضيف، ومعظم هذه البنود التي نقلناها هنا والتي تنص على الامتيازات والحصانات الواسعة، هي ذاتها المبثوثة في اتفاقية وضع قوات اليونسفا التي وقعها السودان مع الأممالمتحدة ووقع عليها د.لام أكول عن الحكومة السودانية ويان برونك عن الأممالمتحدة (كان هذا قبل انفصال الجنوب إبان تولي لام أكول لوزارة الخارجية). ؛؛؛ الحصانات والامتيازات لا تتغير أو تتقلص، مهما تقلص حجم البعثة، وتظل سارية إلى حين مغادرة آخر فرد من أفراد هذه البعثة ؛؛؛ حصانات لا تتغير ومهما تقلصت حجم البعثة الأممية - كما هو الغالب في اتفاقية وضع القوات - فإن الحصانات والامتيازات لا تتغير أو تتقلص وتظل سارية إلى حين مغادرة آخر فرد من أفراد هذه البعثة، ويبدو أن هذه النص إلى جانب ما تملكه الحكومة من معلومات بشأن سلوك بعض أفراد البعثة يضاف إليه عدم الفعالية والكفاءة الأمنية والتحسن النسبي في الوضع الأمني على الأرض، كل هذه العوامل متضافرة دفعت بالحكومة إلى البحث عن منافذ تخرج بها بعثة اليونميد من السودان. من حسن حظ الحكومة أن الأممالمتحدة شرعت فعلياً في تقليص بعثة اليونميد ابتداءً من يوليو 2012- أي قبل ملابسات قرية تابت - فقد قرر مجلس الأمن تقليص عدد عناصر الجيش والشرطة في البعثة، على مدى 12 إلى 18 شهراً مقبلة، على النحو التالي: 16,200 جندي 4,690 ضابط شرطة 2,310 من أفراد الشرطة 17 وحدة شرطة مشكلة تضم كل واحدة ما يصل إلى 140 فرداً. وقرر مجلس الأمن والسلم الأفريقي في يونيو من ذات العام أيضاً تمديد تفويض بعثة الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) لمدة (12) شهرا . واعتبر رئيس مكتب متابعة تنفيذ سلام دارفور د.أمين حسن عمر تمديد تفويض البعثة بأنه قرار عادي يأتي في موسمه، وأشار إلى أن هنالك تفاهماً على تخفيض القوة العسكرية لليوناميد بنسبة 25%، والتركيز على العمليات المدنية والشرطة لحفظ الأمن. وأكد رئيس السلطة الإقليمية لدارفور د. التيجانى سيسي أن تمديد فترة بعثة اليوناميد متفق عليه مع الحكومة. وجاء تعداد بعثة يونميد حتى سبتمبر من العام الحالي وحسب الموقع الرسمي للبعثة كالآتي: 15,996 مجموع الأفراد النظاميين 12,656 جندياً 299 مراقباً عسكرياً 3,041 الشرطة (بما في ذلك التشكيلات) 1,022 من الموظفين المدنيين الدوليين 2,914 من الموظفين المدنيين المحليين 306 من متطوعي الأممالمتحدة. ؛؛؛ البعثة بدأت في تقليص عدد أفرادها، وجرى اعتماد ميزانية لها حتى يونيو من العام القادم تقدر بنحو 640 مليون دولار ؛؛؛ ميزانية مغرية إذن، فإن البعثة بدأت فعلياً في تقليص عدد أفرادها، وجرى اعتماد ميزانية لها حتى يونيو من العام القادم تقدر بنحو 640 مليون دولار، وفي هذا الخصوص تتحدث بعض التقارير الغربية عن أن الميزانية المخصصة للبعثة وملايين الدولارت التي يتم توجيهها لعملها تعد واحدة من الأسباب التي تجعل خروج البعثة من السودان أمراً غير ميسور، فالمستفيدون من بقاء اليونميد يمثلون طيفاً واسعاً من شخصيات نافذة أممياً وعشرات الدول التي يعمل منسوبوها في البعثة وينعمون بأوضاع مريحة تشجع دولهم على بذل الممكن وبعض المستحيل لبقائهم في دارفور التي هي الآن منطقة تجمع لأكبر بعثة أممية على مستوى العالم. وإذا كان من حسن حظ الحكومة أن البعثة شرعت فعلياً في تقليص عدد قواتها على الأرض، فإن من سوء حظها أن عملية خروج اليونميد لن تكون بين عشية وضحاها كما قال بذلك مسؤول أممي كبير، بل إن الخروج النهائي نفسه تفسره يوناميد على أنه اختياري وليس إلزامياً، وأكدت أن قراراً لمجلس الأمن تمت الموافقة عليه في أغسطس الماضي ذكر ذلك على أنه خيار. وقالت البعثة إن تقييماً سيكون معداً بنهاية فبراير المقبل، ولن يكون من طرف الحكومة السودانية وحدها، ولكن لابد فيه من التوافق بين الحكومة والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة. ويبدو أن مهمة الحكومة بإقناع هذه الأطراف بالخروج سيكون أمراً متعذراً ما لم تكن هناك معطيات على الأرض مصحوبة بعمل سياسي في دارفور يساعد في إنفاذ قرار الخروج المتدرج. ؛؛؛ السيسي قدّم مقترحاً يروق للحكومة، ويثير حفيظة الحركات المسلحة واليونميد إذ قال "إن على الأممالمتحدة أن تتخذ إجراءات تدريجية لتقليص البعثة.. " ؛؛؛ بدائل رئيس السلطة الانتقالية د.التجاني السيسي قدّم مقترحاً يبدو أنه يروق للحكومة، ولكنه - في المقابل - يثير حفيظة الحركات المسلحة وربما حفيظة اليونميد أيضاً، إذ قال لقناة (الشروق) "إن على الأممالمتحدة أن تتخذ إجراءات تدريجية لتقليص هذه البعثة، وتوجيه بعض الاعتمادات التي تُصرف عليها لبنود أخرى". وطالب السيسي بعثة اليوناميد بتغيير أولوياتها، وذلك بالاتجاه نحو عمليات الإنعاش المبكر. وقال إن القوات المشتركة السودانية التشادية أدت دوراً مهماً وكبيراً في الشريط الحدودي، ورأى أنها – أو قوات آفرو أوسطية- تصلح بديلاً لليونميد، لكن السيسي وهو العارف بدهاليز السياسة الدولية أشار إلى أن ذلك يتطلب تفويضاً دولياً. ورغم أن مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان أشبع البعثة ذماً، وقال لصحيفة لوموند الفرنسية إن بعثة (يوناميد) لا تقوم بواجبها ولا تفعل إلا تغطية الجرائم التي ترتكبها الحكومة وإضفاء الشرعية للإبادة الجارية - حسب وصفه-، وإن البعثة محظورة من التحرك بحرية في دارفور، وتهينها السلطات المحلية بانتظام، وغير قادرة على حماية المدنيين من الهجمات، ولا تؤمِّن لدخول المساعدات الإنسانية للسكان، إلا أن نائبه الريح محمود طالب ببقائها ودعمها وتأهيلها، وذهبت حركة العدل والمساواة إلى أبعد من ذلك عبر المناداة بالتوسع في منحها مزيداً من التفويض والصلاحيات. ويفاقم من صعوبة مهمة الخروج وجود حركة تأليب داخل المعسكرات تطالب ببقاء يونميد، وربما ساندت الخلفية التي تأسست عليها يونميد حجة المطالبين بمنحها مزيداً من الصلاحيات، إذ أنها كانت تطويراً لبعثة أفريقية صرفة تم توجيه الانتقادات لها، فأنتج الانتقاد مزيداً من القوات بمزيد من الصلاحيات، فأي ورقة ستسقط يا ترى من شجرة اليونميد التي تُقذف الآن بالحجارة، هل هي ورقة الخروج أم البقاء؟ هذا كله سيتحدد في يونيو القادم تاريخ انتهاء التمديد وليس الآن.