مدخل أول، هو الخوف من ديمقراطية تونس دفع تنظيم الدولة "داعش" إلى الهجوم على الاقتصاد السياحي التونسي، أما المدخل الثاني، فإن مستقبل الدولة التونسية كئيب إذا لم تعد السفن السياحية لإفراغ شحناتها من السياح مجدداً. وتقف سيارة هامفي العسكرية وسط الأعمدة الرخامية لمدينة قرطاجة المتهدمة في ضواحي تونس، حيث وُضعت تلك السيارة لتطمئن الزائرين بعد الهجوم الذي وقع على متحف باردو منتصف مارس الجاري. لكن لم يكن هناك زوار تقريباً منذ أن قضت عملية القتل الإرهابية على 21 شخصاً منهم 18 سائحاً، كما أن موظفي المتحف يخشون أن يبقى الحال كما هو عليه. فقد قال محمد غضب الذي ظل يعمل مرشداً سياحياً هناك لمدة 43 عاماً "نأمل أن يعود السياح أدراجهم، فنحن لا ندري ما إذا كانت أحداث مدينة باردو ستؤثر على السياح ولكن سنعرف ذلك يوم الأربعاء 25 مارس". تحرك البصات يوم الأربعاء هو اليوم الذي تتحرك فيه البصات من مرسى السفن السياحية في الميناء، فتطوف تلك البصات على الأسواق وتقف فيها كما يشمل طوافها زيارة مدينة قرطاجة ومتحف باردو. لكن بصات الأسبوع الماضي تحركت نحو المأساة عندما فتح مسلحان اثنان النار على البصات وأمطراها بوابلٍ من الرصاص ومن ثم قاما بذبح عددٍ أكبر داخل المتحف نفسه. والخوف أن تكون الكارثة الأكبر هي صناعة السياحة نفسها التي تشكل إحدى مصادر الدخل القليلة لاقتصادٍ مأزوم، فواحد من كل عشرة من التونسيين يعملون في السياحة. وفي العام الماضي، زار البلاد 424 ألف بريطاني، والآن أصبح موظفو السياحة في قرطاجة المدينة الأشهر جذباً للسياح في تونس يتساءلون كم من السياح سيعودون. وقال محمد غضب وهو يقف على الأنقاض الخاوية ويرنو ببصره إلى البحر المتوسط ذي اللون الرمادي "السياح البريطانيون هم أصدقاؤنا ونريد أن نطمئنهم أن أي شيء جميل، ونأمل أن يأتوا إلينا مرة ثانية". مؤشر العودة " المجلة الجغرافية القومية وصفت تونس، بأنها واحدة من محطاتها السياحية العالمية البالغة 20 محطة للعام 2015 والآن كل ذلك يتعرض للخطر، فقد قالت صفاء بن سعيد محررة "تونس مباشر" "عمود اقتصادنا هو السياحة، وهي قطاعٌ ضعيف فإذا حدث أي شيء يمكن أن تدمّر " لكن حتى الآن مؤشر العودة يشير إلى العكس، فأغلب القتلى والجرحى في الهجوم أتوا من السفينتين السياحيتين كوستا فاسينوزا& إم. إس. سي إسبلنديدا اللتين أقلعتا سريعاً عقب الهجوم، حيث أعلنت الشركات التي تتبع لها السفينتان أنهما لن تعودا مرة ثانية. وأصدرت الخارجية البريطانية بياناً حذرت فيه البريطانيين من "حدوث تهديد كبير من الإرهاب". إن الضربة تعتبر الأعظم خطراً لأن صناعة السياحة التونسية استردت عافيتها لتوِّها بعد صدمة الربيع العربي عام 2011م التي شهدت الإطاحة ب زين العابدين بن علي. وأصبح المسؤولون يفكرون في إضافة المهرجانات وعناصر الجذب الثقافية إلى سحر الشواطئ مع اقتراب عدد الزوار العام الماضي إلى مستوى ما قبل الثورة البالغ سبعة ملايين زائر. ووصفت المجلة الجغرافية القومية تونس، بأنها واحدة من محطاتها السياحية العالمية البالغة 20 محطة للعام 2015. والآن كل ذلك يتعرض للخطر، فقد قالت صفاء بن سعيد محررة "تونس مباشر" "عمود اقتصادنا هو السياحة، وهي قطاعٌ ضعيف فإذا حدث أي شيء يمكن أن تدمّر". نشر الجنود كان رد فعل الحكومة الفوري عقب الهجوم هو نشر الجنود على الشوارع في الوقت الذي تعمل فيه الشرطة على اكتساح أماكن المتهمين الإرهابيين، لكن إقرار مزيد من الأمن كوضع سيارات الهامفي العسكرية وفرق الجنود في قرطاجة لا يمثل حلاً حقيقياً لأن السياح يتجنبون المخاطرة. فمشهد المنتجعات التي يحيط بها الجنود من كل جانب لا يشجع الزوار على الدخول إليها بل يصدهم عنها. يبدو أن الهجوم على متحف باردو يدفعه منطق بارد بسبب جنونه الظاهر، ذلك أن الزعماء الذين يريد المهاجمون خلعهم من الحكم محميون حماية جيدة من الاستهداف السهل وعليه يكون من الأفضل استهداف نقطة ضعف الدولة، أي الاقتصاد في هذه الحالة. فقد قال ديفيد ثومبسون أحد خبراء الإرهاب الرائدين في فرنسا "فسر لي أحد الجهاديين خطة العمل الهجومي، فقال إن الشيء الأساس فيها هو استهداف الاقتصاد وخلق الفوضى، فالشيء المؤكد أن هذا الهجوم ستكون له عواقب بالغة على السياحة". هجوم الأقصر استخدم الإسلاميون ذات النهج الهجومي في منتجع الأقصر المصري عام 1997 في هجوم ذُبح فيه 58 أجنبياً وحقق المتطرفون هدفهم حيث خرَّبوا صناعة السياحة وأثاروا الاضطراب. إن فقدان الزوار والعملة الصعبة التي يجلبها السياح إلى تونس ربما تشهد تدني اقتصادٍ محتضرٍ أصلاً كما تشهد فقدان الثقة في الديمقراطية نفسها. وفي هذا تقول صفاء بن سعيد "لدينا الحرية لكن الناس لم يشعروا بأي تغيير في حياتهم اليومية، فالديمقراطية جلبت لنا اقتصاداً سيئاً كما جلبت لنا الإرهاب الآن". وفي ذات الوقت، هناك أعداد متزايدة من الشباب التونسي يغادرون البلاد لينضموا إلى الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وليبيا، حيث يحدوهم إلى التطرف إحساسٌ من اليأس الذي يسود في بلدٍ به أعداد غفيرة من الشباب وليس به وظائف كافية. فالمفارقة أن ياسيني العبيدي -أحد المهاجميْن الاثنين لمتحف باردو- كان هو نفسه موظفاً في صناعة السياحة وقد وصل يوم الأربعاء 18 مارس إلى مكان عمله في وكالته السياحية التونسية، ومن ثم غادر مكان العمل ليبث القتل والمذابح وسط الناس الذين تعمل وكالته لخدمتهم. الأطراف والهوامش " في الوقت الذي ضربت فيه الحرب والاضطراب دول ربيع عربي مشابهة مثل مصر وليبيا وسوريا واليمن، تونس أجرت سلسلة من الانتخابات الخالية من المشاكل " لقد اندفع أكثر من ثلاثة آلاف تونسي أفواجاً إلى الانضمام إلى داعش في الخارج، حيث قالت هويدا النوار المحررة بموقع هافينغتون بوست "لا يمكن للمتطرفين أن ينتشروا في تونس لأنهم يُدفعون إلى الأطراف والهوامش". لقد أعلنت داعش مسؤوليتها عن هجوم الأربعاء 18 مارس، متوعدة بعنف أكثر لكن الحركة لم تشهد تدفقاً جماعياً من التأييد وربما اكتفت بعرقلة الديمقراطية التونسية. وفي الوقت الذي ضربت فيه الحرب والاضطراب دول ربيع عربي مشابهة مثل مصر وليبيا وسوريا واليمن، نجد تونس أجرت سلسلة من الانتخابات الخالية من المشاكل. وباعتبار تونس البلد الديمقراطي العربي الوحيد في العالم، فقد تشكل لحركة داعش تهديداً وجودياً أكبر من ضربات التحالف وذلك من خلال إثباتها لوجود طريق مفضٍ إلى السلام عبر صندوق الاقتراع. كان رد فعل التونسيين العاديين على الهجوم هو الانطلاق إلى الشوارع بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية على ضوء الشموع على نطاق العاصمة. تجمع السبت " نجيب تبوري الذي يعمل مرشداً سياحياً يقول الإرهاب يضرب كل بلدان العالم، فقد شاهدناه في فرنسا وفي الولاياتالمتحدة وفي المغرب، وكلها تخلصت منه، ونحن يمكن أن نتخلص منه أيضاً " فقد شهد يوم السبت 21 مارس تجمعاً في كاتدرائية "سانت فنسنت دي بول" بالعاصمة ليدلَّ هذا التجمع على أن المسيحيين واليهود يتعايشون مع الأغلبية المسلمة. فقد قال محمد الجعال -صاحب متجر- وهو يقف في متجره الفارغ الذي توجد فيه دلائل الكتب والبطاقات البريدية وكتل من صخور الساندبلاستيد المجلوبة من الصحراء "لقد شاهدتم ما حدث اليوم في الكاتدرائية، إنه دليلٌ على وحدتنا". وكانت قرطاجة تمثل حضارة ازدهرت قبل قرونٍ من ميلاد المسيح وقد مجّدها أرسطو بسبب فضائلها الديمقراطية. ومنذ انهيار الديمقراطية التي سحقها الغزو الروماني آنذاك، فقد تلاشت من تونس إلى أن عادت في عام 2011 ولم يهددها الآن إلا عدو من الداخل. ويقول نجيب تبوري الذي يعمل مرشداً سياحياً "الإرهاب يضرب كل بلدان العالم، فقد شاهدناه في فرنسا وفي الولاياتالمتحدة وفي المغرب، وكلها تخلصت منه، ونحن يمكن أن نتخلص منه أيضاً".