توقف الخدمات في نقاط تحصيل العبور، والسجل المدني، والرخص، وربما ديوان الزكاة، وهدر ملايين الجنيهات التي لم تذهب لا إلى خزينة الدولة ولا إلى الجهات التي قيل إنها كانت تستفيد من أورنيك (15) القديم. هذا هو العنوان الأبرز لبداية نظام التحصيل الإلكتروني الذي طبقته وزارة المالية. أنظروا كيف جمع هذا الارتجال المالي/ الإلكتروني بين سيئتين، الأولى توقف خدمات حيوية وضرورية للمواطن، والثانية هدر ملايين الجنيهات كان من الممكن أن تصل الخزينة العامة على مدار اليوم، بل كانت تصل فعلاً عبر أورينك 15 الذي أصبح غير مبرئ للذمة. (طبعاً حاولت المالية استدراك السيئة الأولى عبر السماح بتقديم الخدمة بدون رسوم). لا أحد يبكي على الأورنيك القديم (إلا من يستفيد منه أو من التحصيل خارجه)، ولا يوجد من يرغب في أن تظل معاملاتنا المالية تقليدية وقديمة وبالية (اللهم إلا أن يكون هذا الراغب فاشستياً يتلذذ بعذاب المواطنين). الهدر المالي " من الذي أعطى شارة البداية لنظام إلكتروني اتضح أنه مليء حتى هذه اللحظة بالعيوب والثقوب. عفواً، هذا ليس استخلاصي، ولكنه الواقع الذي جعل بعض المعاملات تتم دون أي أورنيك لا إلكتروني ولا ورقي. " لكن البكاء هو على هذا الهدر المالي الناجم عن عيوب في تطبيق النظام الإلكتروني. ما الفرق بين ما يهدره خطأ النظام الإلكتروني من مال عام، وبين ما كان يهرب من خزينة الدولة عبر النظام القديم؟ الفرق من وجهة نظري، هو أن الحكومة كانت تجهل الجهة التي يتسرب منها المال بفعل النظام القديم، أما الآن، فإن الفاعل معلوم فلِمَ لا يحاسب ويُساءل؟ من الذي أعطى شارة البداية لنظام إلكتروني اتضح أنه مليء حتى هذه اللحظة بالعيوب والثقوب. عفواً، هذا ليس استخلاصي، ولكنه الواقع الذي جعل بعض المعاملات تتم دون أي أورنيك لا إلكتروني ولا ورقي. وهذا أيضاً حديث وزير المالية نفسه الذي أقر بوجود صعوبات واجهت النظام الإلكتروني، وقال إن كثيراً من السلبيات والنواقص بدأت تتكشف بفعل تطبيق الأورنيك الإلكتروني. المؤسف أن النقد الذي يوجه إلى تطبيق نظام التحصيل الإلكتروني الجديد يتم توظيفه على أنه نقد لفكرة التحصيل الإلكتروني نفسها وحنين إلى الأورنيك الورقي القديم الذي لم يحن إليه أحد ولم يبك عليه متحصل. وإذا سادت هذه النظرة، فإن كثيراً من أخطاء النظام الإلكتروني لن يتم التعامل معها بمسؤولية. إيقاف العمل كيف أقدم وزير المالية على إيقاف العمل بالأورنيك القديم رسمياً دون أن يتأكد بصورة كافية أن كل الجهات الإيرادية تسلمت أجهزة التحصيل الجديدة؟ وهل اطمأن الوزير إلى سلامة النظام وانسيابيته قبل أن يضع خطاً فاصلاً بين (إيصالين)؟ وهل ما تكشَّف لوزارة المالية حتى هذه اللحظة هي صعوبات تواجه النظام الإلكتروني أم هي مشاكل فنية في هذا النظام؟ بالطبع هناك فرق بين الصعوبات والمشاكل. كان أولى بوزارة المالية أن تطمئن أولاً إلى فعالية نظام التحصيل الإلكتروني لدى الجهات صاحبة التحصيل الأكبر (الجمارك، الضرائب، المرور... وغيرها)، وتعمل على تلافي أي قصور للنظام في هذه الجهات، حتى تضمن عدم تأثر الموقف المالي للدولة. الخوف أن تلجأ وزارة المالية إلى تعويض فاقد التحصيل الإلكتروني عبر حيلة جبائية أو ضريبية تضعها على عاتق المواطن. إن الانصراف إلى ذم نظام التحصيل الورقي القديم لا يجدي كثيراً ولا يفيد لتبرير الإخفاقات التي تلازم نظام التحصيل الإلكتروني الحالي، بل على العكس تماماً ربما عمق التبرير هذه الإخفاقات. تحسين الخدمة " المخيف أكثر أن وزارة المالية بررت إخفاقات النظام الإلكتروني الجديد، تبريرات ذات نكهة سياسية نفاذة تقف على مسافة بعيدة عن قواعد العلمية التي تُرفع عليها المشاريع التقنية مثل هذا المشروع المالي الرائد " فبدلاً من أن تكرس وزارة المالية كل جهودها لتحسين الخدمة الإلكترونية ومعالجة الثقوب والثغرات التي أفرزها التطبيق، فإن جهداً كبيراً تبذله الوزارة في ذم النظام القديم. المخيف أكثر أن وزارة المالية بررت إخفاقات النظام الإلكتروني الجديد، تبريرات ذات نكهة سياسية نفاذة تقف على مسافة بعيدة عن قواعد العلمية التي تُرفع عليها المشاريع التقنية مثل هذا المشروع المالي الرائد. وضعتُ الاتهامات/ التبريرات التي ساقتها وزارة المالية بشأن الصعوبات التي تواجه المشروع على طاولة التحليل والاستنتاج لأعرف مدى علاقتها بالتعثر الكبير الملازم للتحصيل التقني، فلم أفلح. وقبل أن تشترك معي عزيزي القارئ في هذا الاستنتاج (ومن حقك أن تخرج بنتيجة غير التي خرجت بها)، فإنه من الجدير بالذكر أن المالية اتهمت (جهات وأشخاص بأن لديهم مصلحة في ألا يقوم مشروع التحصيل الإلكتروني، وأن هذه الجهات حاولت إفشاله ولكنها لم تنجح، وأن المشروع واجه مقاومة شرسة). احتمالات ثلاثة هناك احتمالات ثلاثة بشأن الجهات التي حاولت إفشال المشروع وقاومته ولم تنجح في ذلك (ومن كان لديه المزيد من الجهات فليمدني، أو أقل مما ذكرته فلينبهني مشكوراً). الجهة الأولى الافتراضية هي جهة داخل جهاز الدولة سعت لمنع صدور القرار وهذا يشبه المفردات التي ساقتها المالية من أن القرار (واجه مقاومة شرسة)، أو أن تكون هناك جهة حاولت تقنياً إفشال النظام ومنعه من العمل، وهذا هو الاحتمال الثاني، والاحتمال الثالث هو أن يكون هناك تلكوء من بعض الجهات في تنفيذ القرار. إذا صحّ الافتراض الأول فإنه أمر لا علاقة له بالتعثر الذي يلازم التحصيل حالياً، فمقاومة القرار كانت في مرحلة سابقة تجاوزتها وزارة المالية حالياً وأصبح القرار نافذاً، خاصة بعد أن قالت المالية إن التحصيل الورقي (أورينك 15 القديم)، تم إعدامه ولا رجعة إليه. حسناً، إذا كان هذا النظام القديم أعدم، فما الداعي للتركيز الشديد على عيوبه ومثالبه، والاجتهاد في حصر البنود والأنواع المتحصلة بموجبه والتي بلغت 36 ألف نوع، كما ذكرت وزارة المالية. برنامج إلكتروني " النقد الذي يوجه إلى تطبيق نظام التحصيل الإلكتروني الجديد يتم توظيفه على أنه نقد لفكرة التحصيل الإلكتروني نفسها وحنين إلى الأورنيك الورقي القديم الذي لم يحن إليه أحد ولم يبك عليه متحصل " وإذا كان الاحتمال الثاني صحيحاً فكيف يجوز تصميم برنامج إلكتروني يستند عليه قوام الدولة المالي وهو بهذه الهشاشة التقنية؟ وكيف يمكن أن تعتمد الحكومة على مشروع وهو في حالة عدم تحصين منذ مراحله الأولى وسنواته الغضة؟ وإن كان الاحتمال الثالث هو الصحيح (رغم أنه أضعف الاحتمالات الثلاثة)، فإن واجب المالية تنظيم حملة (دفتردارية) على هؤلاء الذين يتلكأون في تنفيذ القرارات الكبرى. هناك خطأ ما زالت وزارة المالية تقع فيه، وقد نبهت إليه في الفقرات الأعلى من هذه المقالة ونصه أنه من (المؤسف أن النقد الذي يوجه إلى تطبيق نظام التحصيل الإلكتروني الجديد يتم توظيفه على أنه نقد لفكرة التحصيل الإلكتروني نفسها وحنين إلى الأورنيك الورقي القديم الذي لم يحن إليه أحد ولم يبك عليه متحصل. وإذا سادت هذه النظرة، فإن كثيراً من أخطاء النظام الإلكتروني، لن يتم التعامل معها بمسؤولية).