بالرغم من المحاذير الدولية والإقليمية التي صاحبت تعيين تعبان دينق غاي خلفاً ل د.رياك مشار، إلا أن لتعيين الرئيس سلفاكر لتعبان العديد من الأهداف والدوافع، التي من ضمنها تشجيع الفصائل الأخرى الموالية لزعيم المعارضة د.رياك مشار للانضمام لمجموعة تعبان. وليس أدل على ذلك من انضمام الجنرال ديور مانجور والجنرال لياه دياو والجنرال ماكال كول، الذين يمثلون قادة فصائل كبيرة ومؤثرة. وربما تكون المقدرات الدبلوماسية العالية التي يتمتع بها تعبان ونهجه البرغماتي مقارنة بمشار، أكثر نجاحاً في جلب فرص واعدة للمشاركة في إنفاذ اتفاقية السلام، وإعادة إدماج قوات الأمن للمعارضة في حكومة جوبا. في وقت صرح فيه أحد مسؤولي الإيقاد السابقين، قائلاً "دينق جلب معه شيئاً جديداً على الطاولة"، مضيفاً "لقد جلب معه المسيرية"، وهي القبيلة ذات الأصول العربية التي ينتمي إليها، الأمر الذي يُمكَّنه من تعزيز علاقات أفضل مع السودان. اتفاقيات مزدوجة وقد تكون هذه بشريات أمل إلا أن إبعاد مشار سيؤدي إلى إذكاء نيران الاحتراب لا محالة. وبداية خلق عزل مشار انشقاقاً عميقاً في المعارضة التي لا تزال تدين معظم فصائلها بالولاء لمشار، وهدَّد بعضهم باجتياح جوبا، حال لم يتم نشر القوات الإقليمية فيها، تمهيداً لعودته. وعليه، بالرغم من نجاح الرئيس سلفاكير ميارديت في إبعاد مشار من البلاد، إلا أنه خلق لنظامة عدواً خارجياً جديداً. وذلك أنه وفي حال تمكن سلفاكير من إقناع وسطاء الإيقاد بالتزامه بإنفاذ اتفاقية السلام، إلا أن وضع مشار الخارجي يمنحه فرصة أكبر للفت أنظار المجتمع الدولي إلى تصرفات الرئيس سلفاكير المثيرة للشكوك. وهو ما يقوض محاولات الرئيس سلفاكير إقناع الأممالمتحدة بإيقاف التحقيق حول مقتل اثنين من قواتها على أيدي قوات الجيش الشعبي، واغتصاب عدد من عاملات الإغاثة التابعات لها على أيدي قوات سلفاكير في جوبا. إضافة إلى ذلك، فإن مشار بدأ في تعزيز علاقاته مع قادة دول المنطقة مثل جمهورية الكنغو الديمقراطية، بالرغم من أن رفض السودان وإثيوبيا استقباله، وضعهما قيوداً قوية على إقامته وأنشطته السياسية على أراضيهما. وذلك أن القليلين يمكنهم نسيان مقدرات مشار الكبيرة في عقد اتفاقيات مزدوجة مع قوى أجنبية، وليس ببعيد عن الأذهان انشقاقه عن الحركة الشعبية بداية التسعينيات وانضمامه للخرطوم في منتصف التسعينيات، ومن ثم رجوعه مرة أخرى إلى الحركة الشعبية في العام 2001. استعداء خارجي ومما لا شك فيه أن المعارك التي تقودها مجموعة مشار ذات أبعاد أمنية خطيرة لعملية السلام الهشة، كما أن عزله يُعدّ جزءاً من خطة واسعة لسحق المعارضة في البلاد. وليس أدل على ذلك من تورط القوات الحكومية في محاولة اغتياله بوصفه واحداً من أكبر قادة النوير شعبية. وفي حال تم ذلك، فإنه يعني بداية حملة تصفيات منظمة تقودها جوبا ضد قادة قبيلة النوير المناوئين لها. وتحتاج مثل هذه القرارات إلى دعم قوي من الجبهة الداخلية، خاصة بعد أن نجح سلفاكير في استعداء - ما يطلق عليه - الجبهة الخارجية، بما في ذلك معارضوه السياسيون والمسؤولون الأجانب وموظفو الإغاثة. ومنذ اندلاع العنف في يوليو قررت الإيقاد إرسال 4000 جندي ليرتفع عدد القوات من12500 جندي إلى 16500 جندي، إلا أن جوبا تنصلت بعد ذلك عن الموافقة على نشرها سلسلة من الحجج. وقالت جوبا إنها تحتاج إلى إجراء مزيد من المفاوضات مع الأممالمتحدة بشأن تفويض هذه القوات وعددها والدعم اللوجستي لها والدول المشاركة بها. بادرة تحفظات على مشاركة بعض دول الجوار مثل يوغندا والسودان، كونهما يواجهان حركات متمردة داخلية، فضلاً على المصالح التي تربطهما بالدولة الوليدة، الأمر الذي يجعل حيادهما موضع جدل. طاولة الاختلافات وقيدت جوبا أيضاً أنشطة هؤلاء الأجانب، وظهر ذلك جلياً في الشارع الجنوبي في جوبا، إذ انتشرت على طرقاتها لافتات تنادي بإبعاد الأممالمتحدة من جنوب السودان. ومنذ اندلاع العنف في جوبا، الذي أدى إلى مقتل العشرات وجرح المئات مجدداً ومخاوف حدوث إبادة جماعية وشيكة، لم يتم إحراز تقدم فعلي في إنفاذ اتفاقية السلام. ويرى الكثيرون أن انفجار العنف في جوبا بعد فشل طرفي الصراع الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه د. رياك مشار في تجاوز خلافاتهما، عودة إلى المربع الأول، إلا أن غياب قائد المعارضة ونصف الجسم الذي شكل المشهد السياسي بالجنوب منذ الاستقلال 2011م عن طاولة التفاوض أو طاولة الاختلافات التي جلس عليها سلفاكير وتعبان، سيكون له ما بعده. وبعد توقيع اتفاقية السلام في العام 2015 بدأ القائدان يجرجران أقدامها لإنفاذها. ولم يتمكن أي من الطرفين زرع الثقة في نفس الآخر وبدأ التوتر في الارتفاع لعام كامل حتى اندلاع العنف في التاسع من يوليو، حيث اصطدم حراس سلفاكير بقوات مشار المرابطة بالقرب من القصر الرئاسي. قبول غربي وبعد ذلك تطورت المعارك، واشتبك الجيش الشعبي مع قوات المعارضة التابعة لمشار في منطقة الجبيل على الناحية الغربية من جوبا، وقتل المئات من الأشخاص خلال الاشتباكات التي أعقبت ذلك. وأمر القائدان قواتهما بالالتزام بوقف إطلاق النار، إلا أن مشار سرعان ما اتهم سلفاكير باستهداف قواته والتخطيط لاغتياله. وفي الوقت الذي اختفى فيه مشار عقب أحداث القصر عيّن سلفاكير ميارديت تعبان دينق غاي خلفاً له. إلا أن شرعية تعيين تعبان ظلت مثار جدل كبير، وفي الوقت الذي حاول فيه الرئيس سلفاكير أن يظهر بمظهر الحادب على السلام، إلا أن كثيرين قرأوا القرار على أنه تأكيد لنية سلفاكير بالتخلص من غريمه التقليدي مشار. فيما وصف مشار تعيين تعبان بأنه خرق واضح لاتفاقية السلام كونه المفاوض الرئيس فيها. وبالرغم من تأييد المجتمع الدولي والإقليمي لما ذهب إليه مشار، إلا أن الأممالمتحدة والولايات المتحدة الأميركية تقبلتا تعبان دينق نائباً أول للرئيس عندما سمحتا له بتمثيل جنوب السودان في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انعقدت بنيويورك. إلا أن الأهم من شرعية تعيين تعبان أو عدمها، يبقى السؤالان الأكثر أهمية: هل سيساعد استبدال مشار بتعبان عملية السلام المترنحة أو يعجل بانهيارها؟ وهل سيساعد عزل نصف المنافسين الذين كانوا شركاء أصيلين في المشهد السياسي الجنوبي منذ الاستقلال على جلب السلام؟ وأخيرا تراجعاً وليس تغييباً، ماذا يعني غياب مشار لعملية السلام بالجنوب؟