في العام 1996م بدأ المزارعون السودانيون الانسحاب من منطقة الفشقة بعد تمدد المليشيات الإثيوبية واعتداءاتها المتكررة عليهم، خاصة بعد سحب القوات المسلحة السودانية التي كانت تنتشر في المنطقة، ليشكل الأمر في مجمله احتلالاً إثيوبياً لمنطقة الفشقة بقسميها الكبرى والصغرى والاستئثار بأرض زراعية منبسطة، عالية الخصوبة تزيد مساحتها عن مليوني فدان. المزارع (عز الدين جالوا) وعدد كبير من المزارعين يتراوح عددهم ما بين 500 الى 600 مزارع، هجروا اراضيهم التاريخية تحت تهديد السلاح، وظلوا يحلمون طوال ربع قرن كامل بالعودة إلى مشاريعهم الزراعية وتعمير اراضيهم.. فالمزارعون هناك يعتبرون الزراعة جزءا مكملا لحياتهم، يرونها ناقصة بغير عنت تربية النبات واستخراج خيرات الأرض. الفشقة تُعرف الفشقة، بأنها واحدة من المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف بشرق السودان، وتضم نحو 2 مليون فدان، كانت تحتل منها إثيوبيا نحو مليون فدان منذ تطور الخلاف بين السودان واثيوبيا في اعقاب فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، التي اتهمت بها حكومة الخرطوم، ما جعل الرئيس الإثيوبي الراحل ملس زيناوي يسمح بتوغل الجيش الإثيوبي داخل الأراضي السودانية إلى عمقها، ثم انسحب لاحقاً وبقي في أجزاء من أراضي الفشقتين الصغرى والكبرى (وليس كلهما) بشكل شبه دائم منذ 1998. وتعترف حكومة إثيوبيا الرسمية قانونياً باتفاقية الحدود لعام 1902، وبروتوكول الحدود لسنة 1903، واتفاقية عام 1972 مع حكومة السودان المستقلة بأن منطقة الفشقة أرض سودانية. لكن على أرض الواقع يبدو الأمر ليس كذلك، فلا تزال أجزاء من الفشقتين تحت سيادة إثيوبية فعلية. التحرير في اعقاب الحرب التي نشبت بين الحكومة الإثيوبية وقومية التغراي طلب رئيس الوزراء الإثيوبي من الحكومة السودانية بسط سيطرتها على الحدود الشرقية لمنع استخدامها ضد الجيش الإثيوبي من التغراي فكان ان قادت القوات المسلحة عملية انتشار واسعة استعادت بها مساحات كبيرة من الاراضي المحتلة، فشكل الامر ازمة جديدة بين البلدين، لكن الجيش السوداني واصل تقدمه وبسط سيطرته على المنطقة، واكد في تصريحات متتالية احرازه التقدم وطرد المليشيات الاثيوبية والمزارعين الاثيوبيين عن ارض الفشقة، وعمل على إنشاء جسور لربط المنطقة ببعضها تحسبا لانقطاعها في فصل الخريف. مواجهات واستمرت الاشتباكات العسكرية بين الجيشين السوداني والاثيوبي منذ بداية الانتشار في نوفمبر من العام الماضي وحتى اليوم. وفي اول مارس الماضي، شهدت منطقة الفشقة الكبرى مواجهات شرسة بين الجيش السوداني ومليشيات إثيوبية كانت استولت على مساحات زراعية واسعة داخل الأراضي السودانية. وكانت مليشيات إثيوبية من قوميتي الأمهرا والكومنت نفذت الأسبوع السابق للاشتباك هجمات مسلحة على مزارعين سودانيين في الشريط الحدودي بين البلدين. وقالت المصادر العسكرية يومئذ "استطاع الجيش دحر المليشيات من مشروعي إبرة وتدلي ومطاردتهم حتى مستوطنة برخت على الحدود السودانية الإثيوبية". وأفادت بأن الجيش أقام معسكراً ونقطة ارتكاز في مستوطنة حسن كردي قبالة الحدود مع إثيوپيا، وبحسب المصادر فإن هذه المعركة مكنت القوات السودانية من التوغل مجدداً وإعادة السيطرة الكاملة على المساحات الزراعية في الفشقة الكبرى بمحاذاة منطقة التغراي بطول 110 كم. هيمنة بسطت القوات المسلحة السودانية سيطرتها على أراض واسعة في الفشقة واكدت قيادة القوات المسلحة أن الاراضي التي تم تحريرها جاهزة لتسليمها للمزارعين، خاصة وأن الجيش لن يسمح بأي حال من الأحوال ان يدخل مزارع اثيوبي للزراعة في السودان مجددا، مبينة ان زراعة الارض يعتبر جزءا من خطة التأمين على اعتبار ان ترك الارض من غير زراعة يحولها لادغال نظرا لكثافة الامطار ما يجعلها مهددا امنيا في حد ذاتها. تحركات المزارعين منذ قدوم القوات المسلحة وانتشارها في المنطقة ظل المزارعون التاريخيون للفشقة يلازمونهم وقادوا مبادرات كبيرة لدعم القوات المسلحة كون ان انتشار الجيش سيعيدهم عاجلا ام آجلا لارضهم فكان أن نزل تصريح القوات المسلحة بالسماح بزراعة الارض للمزارعين السودانيين بردا وسلاما عليهم، فتجمعوا في كيان موحد بهدف العمل على زراعة الارض بالصورة التي تسمح بها القوات المسلحة وكوّنوا لجنة لمعرفة اقصر الطرق التي تعيدهم للارض. أرض صالحة للزراعة عز الدين جالوا مقرر لجنة المزارعين يقول ل(الصيحة)، انهم هرعوا بفرح نحو القوات المسلحة وعملوا بجانبهم كونهم الادرى بتضاريس وجغرافيا المنطقة، وبعد التحرير جلسوا مع قيادة القوات المسلحة الموجودة هناك، فأخطرتهم ان الجيش قسم الارض الى ثلاثة محاور، منها محور المقدمة وخط النار المواجه للقوات الاثيوبية والذي لن يسمح الجيش بوجود مدنيين فيه كونهم سيكونوا في دائرة الخطر، ومحور ثان حول المعسكرات التي اقامتها القوات المسلحة وهو محور تمنع فيه الزراعة ايضا لخصوصية المعسكرات وضرورة ان تكون بعيدة عن مناطق السكن، فضلا عن محور ثالث من الاراضي التي تم تأمينها وهو ما يسمح للمزارعين باستغلاله، ولفت الى ان قيادة القوات المسلحة اخطرتهم بانها سلمت الزراعة الآلية في القضارف خارطة تحوي احداثيات المناطق المسموح بزراعتها والتي تزيد مساحتها عن مليون فدان، وان الامر كله الآن في يد حكومة القضارف تمنح الارض لمستحقيها. اهداف بحسب حديث جالوا، فان القوات المسلحة اكدت لهم انها لا ترغب في ان تقوم بزراعة الارض بواسطة منسوبيها، لكنها تشدد على اهمية زراعة الارض لتحقيق عدة اهداف اهمها استغلال الارض التي تم تحريرها، فضلا عن تأكيد سيادة الدولة على ارض بالاضافة الى ان زراعة الارض يزيد من تأمين المنطقة، علاوة على ان زراعة المساحات الشاسعة تلك يدفع بقيمة اقتصادية كبيرة تصب في صالح خزينة الدولة، وقال جالوا ان قائد المنطقة العسكرية قال لهم بالحرف الواحد "نحن لا نريد زراعة الارض نحن جئنا لتحريرها وتأمينها للمواطنين". متاريس ما ان وصل الامر للجهاز التنفيذي، الا وبدأت المتاريس امام المزارعين التاريخيين للفشقة، فقد أكدت هيئة الزراعة الآلية في القضارف انها لم تتسلم اي احداثيات من القوات المسلحة ليكتشف المزارعون ان احد العاملين في مكتب والي الولاية هو الذي تسلم الاحداثيات وابقاها ليدار الملف جملة من مكتب الوالي قبل ان يتفاجأوا بان الوالي يخطرهم بان عقوداتهم التي كانوا قد وقعوها مع الحكومة لفلاحة الارض انتهت، وان الحكومة لا ترغب في استئجارها لهم مجددا وتكون ام المفاجآت ان الوالي يخطط لاستجلاب مزارعين جدد لفلاحة الارض وفق محاصصات سياسية تدعم وجوده في الولاية بالاضافة لعدد من افراد لجان المقاومة، واستنكر المزارعون مسلك الوالي خاصة وانه لم يسمح بمقابلتهم. تفنيد المزارعون يقولون ان اراضي الفشقة غير ممسوحة، وانهم توارثوها جيلا بعد جيل وكانوا يقومون بتسديد رسوم للحكومة في فترات متباعدة لتأكيد ملكية الارض، وان ما يسميه الوالي عقدا ما هو الا تأكيد لامتلاكهم الارض غير الممسوحة اصلا، ويلفت الى ان القانون لا يعتبر ان السنوات التي مضت سارية في العقد، على اعتبار ان العقد يلزم الحكومة بتوفير الحماية للمزارعين وهو ما فشلت فيه لربع قرن حيث كانت الارض فيه تحت الاحتلال الإثيوبي وخارج سيطرة الدولة، ويرون ان حكومة الولاية شككت في لجنتهم التي كونوها من المزارعين ووصفها بغير الشرعية كونها لم تشارك في تكوينها، وقال جالوا "لا ارى سببا يمنع ان يقوم عدد من ملاك الارض بتفويض نفر منهم للتحدث باسمهم"، ويبين ان حكومة الولاية لم تسمح لهم بالحديث عن ارض الفشقة وتصف كل من بيحث عن حقوقه في الولاية بأنه احد فلول النظام السابق، وتساءل "لا ادري لمصلحة من يتم منع المزارعين من الزراعة وتفويت موسم الخريف الذي بدأ فعليا على المزارعين في مساحة تزيد عن مليون فدان". مشكلة اخرى جالوا اشار لمشكلة اخرى تعترض عودتهم لزراعة الارض تتعلق بإجراءات القوات المسلحة التي تطالبهم بإذن زراعة من الزراعة الآلية، في وقت لا تملك فيه الزراعة الآلية حق اصدار الإذن بعد ان اخذ الوالي صلاحيات منح الإذن، ويرون في نفس الوقت ان هناك من قام بالتحضير للزراعة في اراضيهم، وقال "بالتأكيد هذا الامر سيؤدي في النهاية للصدام بين المزارعين وسيقود الى ما لا يحمد عقباه". تصعيد جالوا اكد ان المزارعين يتمسكون بملكيتهم للارض ولن يسمحون لدخول الاجندة السياسية فيها وتوزيعها على اصحاب الحظوة والاحزاب السياسية التي تحكم او تطمع في حكم البلاد، مبينا انهم لا يخوضون في السياسة، لذا فإنه يرتبون الآن لوصول وفد منهم الى الخرطوم لمقابلة رئيس الوزراء ووزير الزراعة لحل القضية التي يمكن حال تجاهلها ان تفجر ازمة جديدة في ولاية القضارف يكون نتاجها غير حميد.