إحدى الزميلات الصحافيات روت لنا أنها كانت شاهدة عيان على حادثة بطلها سائق (لوري) أراد العبور فوجد ترساً في الطريق، وعندما ترجل وحاول إزالة الترس قام صبي بتحطيم زجاج اللوري، فما كان من الرجل إلا أن أمسك الصبي بيد واستل سكيناً كانت بذراعه باليد الأخرى ووضعها على عنق الصبي وهدده بالذبح إذا لم يدفع مبلغ 3 آلاف جنيه عبارة عن غرامة لتهشيمه زجاج سيارته وبالفعل جرى رفاقه وأخبروا والده بالأمر فهرع الوالد إلى مكان الحدث ودفع المبلغ إلى صاحب اللوري الذي استلم المبلغ ثم طلب من الصبي إزالة الترس ففعل الصبي ما أمر به ثم ولى هارباً، وواصل الرجل مسيرته. (1) القيادة العامة.. من هنا بدأت القصة (ما في ترس بنشال..الترس وراهو رجال)، كان ذلك هو الهتاف الذي ردده المعتصمون في ميدان القيادة العامة في مواجهة الدعوة التي وجهها المجلس العسكري عبر التفاوض مع قوى الحرية والتغيير بإزالة المتاريس التي وضعها الثوار، وإن كان الناس لم يمانعوا في بداية الثورة في وجود تلك المتاريس باعتبارها تشكل حماية للثوار من استهداف أفراد أجهزة النظام وقتها، وإعاقة حركة سياراتها المدججة بالأسلحة التي لم تتوان في تصويبها تجاه صدور الثوار العزل، إلا أن تلك المتاريس نفسها كانت سبباً في أن تنكفئ الثورة على وجهها إن صح هذا التعبير خاصة وأن من يضعون تلك المتاريس لا علاقة لهم بالثورة، وجلهم مأجورون حيث تحدث مراقبون عن ركشات تحمل الحجارة مقابل 40 جنيهاً للدور إضافة لأطفال صغار يتم استغلالهم لوضع تلك المتاريس سواء بالترغيب أو التغرير متجاهلين القوانين التي تجرم عمالة الأطفال والحقوق التي نص عليها إعلان حقوق الإنسان. (2) شرق النيل… مشاهد لم تحجبها (المتاريس) في رمضان مر المواطنون بظروف قاسية، وهم يدبون في الطرقات خاصة في شارع النيل الذي كان محبباً للسير فيه دبيب النمل، وهم يعانون الأمرّين، خاصة وأن رمضان هلّ والشمس تكاد تسقط من كبد السماء، ولكن شارع النيل أصبح مثيراً للرعب خاصة في المنطقة المسماة (كولومبيا) التي ذاع صيتها بعد حادثة تطهيرها والتي أسفرت عن مقتل عدد من الشباب بعد أن احتمى روادها بساحة الاعتصام، الأمر الذي أدانه الكثيرون مطالبين بمحاسبة المتسببين في تلك المجزرة، كما وصفت خاصة وأن الدنيا (قبايل عيد)، ونتج عن ذلك تنفيذ ما هددت به قوى الحرية والتغيير إضرابها وعصيانها المدني الذي طالما لوحت به فأسفر ذلك عن مزيد من المتاريس بينما كان الناس يتطلعون لإزالتها ليتمكنوا من التواصل مع أهلهم في العيد في ظل انقطاع خدمة الإنترنت . شهود عيان في منطقة البطاحين قالوا إن بعض المواطنين أشهروا أسلحتهم التقليدية من سكاكين وسواطير مهددين بقطع رقبة كل من تسول له نفسه إغلاق الطريق. أما في منطقة كبري رفاعة فقد لقي أحدهم مصرعه بعد محاولته وضع ترس وتصدى المواطنون له. وفي حلة كوكو لقي طفل مصرعه بطلق ناري أصاب بطنه فمزقها، وهو يضع المتاريس التي قامت القوات النظامية بإزالتها. أما في مدينة الفيحاء بشرق النيل فلم يكتف اليافعون بإغلاق الطرق الرئيسية فقط، بل تمددوا ليغلقوا الطرق الداخلية معيقين حركة المواطنين داخل الحي نفسه مما جعل بعضهم يطرق الأبواب ويحذر أولياء الأمور بأنهم إذا لم يمنعوا أبناءهم من ذلك الفعل فسيقوم باحضار دفار ليحمل الحجارة بعيداً، الجدير بالذكر أن التروس عادة تتكون من طوب وحجارة معدة للبناء، ومن ثم فقد أفلح التهديد في إرغام بعضهم لأبنائهم بإزالة المتاريس جانباً تفادياً للمصادرة. (3) وضع المتاريس… آثار اجتماعية وعواقب اقتصادية في مدينة الصفوة غرب أم درمان، نصح أحد كبار الحي الشباب الذين يترسون الطريق بقوله :(يا أولادي البتعملوا فيهو ده بضركم انتو أكثر مما يضر أي جهة، سيد الخضار ما بجي وسيد اللبن كذلك وكل الخدمات حاتنقطع عن المدينة الحديثة النائية، بينما ناس الخرطوم البحرضوكم ديل قاعدين في مكاتبهم وكل احتياجاتهم متوفرة عشان كده الناس تتعامل بوعي وحكمة وتتصدى لأي شخص يحاول يقطع الطريق على مصالحنا)، ولاحظ الشيخ أن 80% ممن يضعون المتاريس وجوه غير معروفة مما يعني أنهم مأجورون أتوا من خارج المدينة الصغيرة يعاونهم 20% من أبناء المنطقة . أما مأذون حي البركة بالحاج يوسف سليمان يوسف سألته: (أها الأعراس في العيد ده كيف؟) فأجابني بقوله: (ما في عرس ذاتو، المتاريس وقّفت الحال)، وقال إن المتاريس لا تتفق وطبيعة البشر الذين جبلوا على الحركة، والشوارع عملت ليتم استغلالها في المناسبات وفي حالات المرض، المتاريس حقيقة منافية لطبيعة الإنسان، موضحاً أن الشوارع عملت ليستغلها الناس في المناسبات وفي حالات المرض وفي الوفيات، ولكن الآن سائق الركشة يحتاج لساعة ليصل إلى بيته. في منطقنا لا زالت المتاريس موجودة لأن في ذلك دفع ضرر ودفع الضرر يقدم على جلب المصلحة، ولكن المواطنين لا يدركون ذلك. (4) المتاريس… سلوك مرفوض وخسائر مؤكدة وكيل شركة التأمين الإسلامية عصام الدين الخير، أشار في حديثه ل(الصيحة) لخسائر كبيرة في الممتلكات والسيارات نتيجة تصدي أصحابها لمن يضعون المتاريس على الطرقات فيقومون بتهشيم زجاج السيارات أو حرقها وكذلك المحلات التجارية، مما جعل البعض يحجم عن صدهم خوفاً على ممتلكاتهم وأرواحهم، ووصف عصام الدين تتريس الطرق بأنه سلوك خارج عن توجيهات الشريعة الإسلامية، حيث وصف الحديث الكريم إماطة الأذى عن الطريق ب(الصدقة)، ومن ثم فإن من يؤذي الطريق بالمتاريس فهو آثم لأنه يؤذي المواطنين بتعطيل مصالحهم وفيهم المريض وفيهم من يسعى على رزق أولاده، وبالتالي فقد دعا محدثي الشرطة لتقوم بدورها في حفظ الأمن ومنع الفوضى، وكذلك المواطنين مطلوب منهم أن يكونوا أكثر وعياً بمصالحهم ومصلحة البلاد، وأن يعملوا جنباً إلى جنب مع قوات الدعم السريع التي تضطلع بإزالة المتاريس وحدها، وهذا عمل مرهق لتلك القوات خاصة وأنها تقوم بإزالة تلك المتاريس ليلاً، وفي الصباح تعود من جديد، وطالب بتفعيل مواد القانون التي تجرم هذا السلوك، لأن حرية الحركة والتنقل منصوص عليها في الدستور. وعلى عكس عصام الدين يرى أبو شيماء من أم درمان أنه ليس من الحكمة تدخل المواطنين لإزالة المتاريس لأنها يمكن أن تقود لمشاكل بين الأهل وداخل الحي الواحد وقال إن على الدولة التصدي للظاهرة هذه عبر الأجهزة المختصة بذلك والتي تعاطفت مع الثوار ونسيت أنهم لا يمثلون كل الشعب، ووصف أبو شيماء مستوى التوعية والبيانات الصادرة من الجهات المعنية بهذ الأمر ب(الضعيفة) مفترضاً وجود مواعين للتوعية بخطورة المتاريس وأضرارها، وأوضح: (المتاريس للأسف تؤسس بممتلكات الدولة، ولم يوفر تجمع المهنيين أو قوى الحرية والتغيير معداتها، لذلك يجب أن يقدموا لمحاكمة وتغريمهم الخسائر لأن الجهة معلومة ويمكن مقاضاتها في الحق العام والخاص). واتهم ردود أفعال المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان واصفاً إياها بالضعيفة ولم تصدر بيانات إدانة لذلك السلوك. وعرج محدثي على الثورة الجزائرية التي قامت منذ 5 شهور وقوامها في الجمعة 2 مليون متظاهر ولكن لم يتورط المتظاهرون في إتلاف حق عام أو وخاص، وتحسر على الثورة الجميلة شوهت المتاريس أهدافها. ثم ختم محدثي بأنه ليس من أنصار إزالة المتاريس بواسطة المواطنين، لأن ذلك من شأنه خلق فتنة لأن من وضعوها تشربوا بثقافة الكراهية وتكاليف مواجهتهم أكبر من فوائدها، ومفروض أن الدولة تقوم بواجبها، وأردف:( ما شايف أي دور لمؤسسة الطرق والجسور، وإذا كانوا مضربين مفروض الدولة تتدخل خاصة وأن بعض المناطق تم كسر الأسفلت فيها. (5) وضع المتاريس… جريمة مكتملة الأركان من جهته حمل المجلس العسكري قوى الحرية والتغيير المسؤولية الكاملة لكل الأحداث المؤسفة التي تسببت فيها لجان المقاومة بالأحياء، وقال رئيس اللجنة الأمنية عضو المجلس العسكري الفريق أول ركن جمال الدين عمر في بيان أمس، أن هذه اللجان تستخدم الأطفال وتجبرهم على إغلاق الطرق وإقامة المتاريس في مخالفة صريحة للقانون الدولي والإنساني، مما شجع المتفلتين على التعدي على المواطنين وأقسام الشرطة للحصول على السلاح والسلب والنهب، وقال إن أسلوب إغلاق الطرق الذي تمارسه الحرية والتغيير يتعارض مع القانون الدولي والأعراف والدين ويتعدى حدود ممارسة العمل السياسي ويمثل جريمة مكتملة الأركان بحرمان المواطنين من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. وأعلن جمال عن قرار المجلس لتعزيز الوجود الأمني للقوات المسلحة والدعم السريع والقوات النظامية الأخرى لإعادة الحياة لطبيعتها وتأمين المواطنين وفتح الطريق وتسهيل حركة المواطنين والمركبات وحراسة المرافق الإستراتيجية والأسواق، وأن القوات المسلحة ستعمل على مدار اليوم خاصة بعد عدم استجابة المواطنين لدعوات العصيان المدني وإصرارهم على الوصول لمواقع عملهم رغم المعوقات والحواجز. (6) المتاريس.. رؤية قانونية ومسؤولية أخلاقية قانونيون تحدثوا للصيحة قالوا إن المادة 69 (الإخلال بالسلام العام) تقول (من من يخل بالسلام العام أو يقوم بفعل بقصده أو يقوم بفعل يحتمل أن يؤدي للإخلال بالسلام العام أو الطمأنينة العامة وكان ذلك في مكان عام يعاقب بمدة لا تتجاوز الشهر أو الجلد بما لا يتجاوز 20 جلدة). والمتاريس تعتبر إخلالاً بالسلام العام والطمأنينة، أما المادة 77 (الإزعاج العام) فهي أكثر وضوحاً، وتقول (يعد مرتكباً لجريمة الإزعاج العام من يقوم بفعل يحتمل أن يسبب ضرراً عامًا أو خطراً أو مضرة للجمهور يجوز للمحكمة إصدار أمر بإيقاف الإزعاج أو عدم تكراره). والتنقل والحركة مكفولة بموجب الدستور. وبخصوص استغلال الأطفال، فالطفل ليس عليه مسؤولية جنائية، ولكن المحرض يتحمل المسؤولية بنفس المواد . من النصوص القانونية أعلاه على صاحب البصيرة أن يحكم على امرأة لم يتمكن ذووها من توصيلها للمستشفى لتضع مولودها فانفجر الرحم وفقدت المولود كما روى بعضهم للصيحة، أما منع بعضهم من الوصول بالجنازة لمنزل العزاء لغسلها ودفنها فحكمه أيضاً متروك للقارئ الكريم.