كان في الصف الأول حين أحس بضربات قلبه تتلاحق كلما مرت بقربه، أو أتى أحد على ذكرها. وكان يمعن النظر في شعرها الكستنائي ويتمنى من أعماق قلبه أن تكون له. كاد يحلق في سماوات النشوة لمجرد أن طلبت منه دفتره الخاص لتنقل منه بعض الواجبات ذات صباح. كان يتمنى (...)
صناعة الآلهة حرفة تناقلتها الأجيال منذ عصور ما قبل التاريخ. وكأن الإنسان لم يرد للآلهة أن تتفرد بشيء لا يستطيعه، فخلقها كما خلقته، ودافع عنها بكل ما أوتي من حمق كي تدافع عنه بكل ما أوتيت من عجز، وكان له في ذلك نوادر خلدتها كتب التاريخ لا تملك إلا أن (...)
لا يمكنك أن تختار غرفة ولادتك ولا كفّي القابلة ولا لون القماط ولا حجم الصدر الذي سيرضعك. وأبدا لن تتمكن من اختيار لون بشرة والدك ولا دخله الشهري ولا المنزل الذي ستقضي فيه سنوات طفولتك. ويقينا، لن تستطيع أن ترفض بؤس طفولتك أو رقة حال أسرتك أو فقر (...)
الحلم بوابة هلامية تفتح على الممكن أحيانا أو المستحيل كثيرا لتخرجنا من ضيق الحاضر إلى رحابة الأمل، ومن فظاظة الواقع إلى لين المحتمل، وهو ليس سلبيا على الدوام، فالقادرون على صناعة خبز الأحلام هم أنفسهم القادرون على ملء صوامع المستقبل بقمح التغييرات (...)
في تركيا، يمكنك أن تعارض، ولكن عليك أن تختار طريقة لا تثير سخط أحد، ولا تكشف سوأة أحد. يمكنك أن تستقل قطارا من أنقرة إلى اسطنبول بحثا عن عدالة غائبة فوق الأرصفة الفاصلة بين الشعب والحزب الحاكم، وأن ترفع ما تشاء من لافتات شريطة أن لا يراك أحد. أما أن (...)
على الخارجين من بلاط الحلم أن يتوقفوا عن بذل وعود لن يستطيعوايوما الوفاء بها، لا سيما وأن الذين أخرجوهم من أرضهم وديارهم قادرون على مطاردتهم حتى آخر حدود اليأس. يمكنهم فقط أن يحملوا أوزارهم وأوزار قومهم، وأن يرحلوا في كنف الليل سرا وهم يرتلون تعاويذ (...)
اليوم يتقدم "الجهاديون" في سوريا خطوة أخرى على رقعة الموت، فيقررون - هكذا فجأة - التحول من مربع الفساد إلى مربع الفضيلة، وكأن الماء الذي يتعمدون ب في ألمانيا سيكفي لتطهير أرواحهم القذرة من أدران الهمجية وحمامات الموت التي غاصوا فيها من منابت الشعر (...)
لم يكن بوسع المتصارعين باسم الحمق في روما إلا أن يحملوا أسلحتهم، وأن يقتتلوا حتى النزع الأخير. ولم يكن بمقدورهم أن يديروا ظهورهم لرفاق الفجيعة أبدا، لأن قوانين روما لا تقر الانسحاب من بلاط المدرج إلا للجثث الهامدة. وكان على العبيد أن يقضوا جل وقتهم (...)
لن تبالي "بالي" اليوم بزائرها القادم من فجاج البداوة، وستقف رغم كل التاريخ المضمخ بالمودة في وجه سيارات الدفع الرباعي حاسرة عن نهديها. ولن يضطر "ديوا ماهندرا" للدفاع عن حضارة "السارنغ" التي كشفت عن ساقيها في وجه التاريخ ذات حضارة. حرة "بالي" وإن (...)
إفريقيا بقعة سوداء فوق خريطة تبيت شمسها وتبيض في البيت الأبيض، أما خراجها من فوم وعدس وبصل ومن وسلوى، فيصب دائما في حجر الرجل الأبيض ولو كره المتنطعون محروقو الجباه. والاستقلال في إفريقيا ليس سوى قشرة برونزية فوق وجه ينز بياضا وقبحا. أما تحية العلم، (...)
حين يذهب زيد ويأتي عمرو، يسأل الناس عن سر الإطاحة بالأول، لكنهم لا يسألون أبدا عن سبب قدوم الأخير .. ربما لأنهم جربوا زيدا ولم يروا على يديه إلا الفقر والبؤس والحاجة، وربما لأنهم يفهمون بالسليقة أن الاختيار كان عشوائيا بامتياز، فلا يكاد يميز أى عمرو (...)
لم تعد شعوب عالمنا البائس تنتظر خيرا من قادم ولا إحسانا من مقيم، ولم تعد تكترث لاراقة دم، أو تنتفض لانتهاك حرمة، فقد دجنتها الأحداث وأهلتها لانتظار الأسوأ عند كل المنعطفات. فإذا ما ذهب زيد أو جاء عمرو، قلب الأعرابي البائس وجهه في السماء في انتظار (...)
تقدم المحامي الشاب من المنصة بعد أن وضع المعطف والقبعة مكانه. وتظاهر بتعديل هيأته كي يتجنب النظر في عيني القاضي. والتفت يمنة ويسرة، لكنه لم ير مما حوله شيئا. حاول أن يجمع أي مفردات ذات معنى على لسانه الذرب، فلم يجد. وفجأة باغته القاضي بسؤال ضاعف (...)
قبل أن تتخذ قرار للحرب، وتختار أرض المعركة، عليك أن تنتقي بعناية عدوك ولون خوذته وبيرقه. فإن كان في متناول السبابة والإبهام، وكانت عظامه غير عصية على الدق والمسخ والتشويه، فانطلق أيها الصنديد تحفظك عناية الآلهة، وكل الشعب - أو ما تبقى من الشعب - (...)
يحكي التاريخ سيره دون أن يدلك بأطراف أصابعه الخشنة فروات رؤوسنا، ولا يهتم إن أسدلت قصصه ستائر جفوننا التي أضناها السهر. يحكي التاريخ دون أن ينتظر شهقة المفاجأة أو زفرة اليأس من حلوقنا اليابسة، ويمر دون أن يلتفت إلى وجوهنا المكفهرة أو جباهنا المقطبة. (...)
تجلس فوق أريكتك متعبا تداعب شعر الفراغ، وتنظر ذاهلا لكأسك وقطعة من الكعك المحلى هي آخر ما تبقى من وجبتك الدسمة .. ثم تتناول في بطء شوكتك الفضية وسكينا ينعكس فوقها نور الثريا فوقك. تشطر الكعكة نصفين، وتمزق النصفين أنصافا كثيرة. ثم ترفع في تؤدة (...)
حر أنت أيها العربي في لون خوذتك واتجاه السلاح، وحر أنت في زيك العسكري ولون العلم، لكنك لن تستطيع أن تلون التاريخ بدمك الأصفر البارد لتطمس آخر ما تبقى من آثار وعي. يوما، خرج الطغاة على الحسين بالسلاح وادعوا أن قلوبهم تخفق بحبه، فليتهم وضعوا السلاح (...)
زامبيا دولة صغيرة بحجم مفحص قطاة في محيط زاخر بالسواد والقلق في غرب القارة الهرمة، لكنها رغم واقعها البائس وحجمها الصغير تستطيع أن تبهر العالم كل صباح، وأن تخرج من معطفها الأسود المملوء بالفول السوداني قرارات بحجم المحيط. فها هي الدولة القزم التي لا (...)
"أهرق عليهم دماء الخنازير قبل أن تطلق الرصاص،" ، ولأن التدنيس في شرع "القديس" باتريك ستين يأتي قبل الذبح دائما، فعلى "الصراصير" التي فرت من مراحيض الصومال "النتنة" أن تلاقي السحق والتنكيل تحت أقدام "الصليبيين" الجدد، وهو الاسم الذي اختاره ستين (...)
وفجأة توقفت "زيتونة"، وقد اختطفها الواقع الكئيب من ثرثرات نسوة أخفين توترهن خلف نظارات شمسية قاتمة. "ها هو الموت يقترب،" قالت إحداهن وهي تنظر بعين ذاهلة صوب زوارق افترشت الماء من كل جناح. وعلى مبعدة ثمانين كيلومترا من حدود غزة، عقد الصمت شراع سفينة (...)
"الإنسان دموي بطبعه، ولولا الحضارة والقانون لشهدنا من العنف ما لا عين رأت ولا كاميرا نقلت،" هذا خلاصة ما توصل إليه جوز ماريا جوميز الباحث في جامعة جرانادا بإسبانيا. فبعد بحث استند إلى ألف وأربع وأربعين دراسة تناولت سلوك ألف وأربعة وعشرين نوعا من (...)
بعد أن ظلت زيمبابوي تصدر القطن والذرة والتبغ لسنوات، ها هي اليوم تصدر خيرة مثقفيها لمن يدفع ثمن أياديهم المعروقة وجماجمهم المحروقة. وبعد ثلاثة عقود ونصف من القمع الأسود، سقطت جوهرة إفريقيا في حضن الخراب، ولم يستطع موجابي الحفاظ عليها كما وعد. كما لم (...)
"من يرفض مصافحة الخصم في المنافسات الرياضية غير العرب؟" سؤال استنكاري لا ينتظر أوفير جندلمان عليه ردا، فالسياسي الإسرائيلي المحنك يعلم أكثر من القارئ العربي المتابع عدد الرياضيين العرب الذي قبضوا أياديهم وأداروا ظهورهم للخصم الإسرائيلي بعد الفوز (...)
شمالها التل، وجنوبها مغارات منس، وحاضرها مرهون ببراميل البارود ومستقبلها مهدد بفخاخ داعش. وأهلها لا يخرجون إلا إلى الصلاة أو الموت. قدر فرضه التاريخ على قرية أصرت على إشعال فتيل الثورة في جيوب القمح ورؤوس الزيتون حتى الحرية. وتوضأت بالدماء والحزن (...)