القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    الأفيال تنادي بعضها بعضاً بالاسم    شاهد.. فيديو لمدرس بصالة رياضية يثير ضجة كبرى في مصر.. والسلطات تتحرك    البرهان يهنئ صقور الجديان    قطر ياأخت بلادي ياشقيقة،،    هدية معتبرة    المريخ يعود للتدريبات ويخضع البدلاء لتدريبات خاصة    الهندي عزالدين: القاعدة الروسية .. "البرهان" ليس " تشرشل" والسودان ليس بريطانيا العظمى    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا يزور أهل حي العباسية وبانت بأمدرمان    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شاهد.. مطربة سودانية تطلق أغنية جديدة تهاجم فيها قائد الدعم السريع "حميدتي" وتصفه بالخائن (انت شردت الغلابة وخليت الخرطوم خرابة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر أبكى المتابعين.. بصوت عالي ومن المدرجات جمهور جنوب السودان يردد النشيد الوطني السوداني (نحن جند الله جند الوطن) مع لاعبي صقور الجديان    السودان يستعيد الصدارة من السنغال بتصفيات المونديال بثلاثية نظيفة في جنوب السودان    مجلس الوزراء: عطلة عيد الاضحى بالأحد    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    تُقلل الوفاة المبكرة بنسبة الثلث.. ما هي الأغذية الصديقة للأرض؟    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    لماذا قد تبدي "حماس" تحفظًا على قرار مجلس الأمن؟    ليفربول يخطط لإبقاء صلاح تفاديا لسيناريو "الرحيل المجاني"    بفستان أخضر.. إلهام شاهين وإيناس الدغيدي في العرض الخاص لأهل الكهف    وزير الداخليه المكلف يتفقد منطقة اوسيف    عدوي: السودان يمر بظروف بالغة التعقيد ومهددات استهدفت هويته    في عملية شهدت أحداث درامية بليبيا.. نادي الأهلي بنغازي يخطف لاعب الهلال السوداني جون مانو..يخفيه عن الأنظار يوم كامل ويقوم بتسجيله مقابل 450 ألف دولار للهلال ومثلها للاعب    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    "حكم تاريخي" على المتهمين بالعنصرية ضد فينيسيوس    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجيديا الحوت ..
نشر في قوون يوم 20 - 01 - 2013

حتى العام 1998 كنت أعتقد أن الراحل محمود عبد العزيز هو أحد ابناء الحبيبة للقلب مدني السني .. وأذكر أنني قد دخلت في جدال كبير مع بعض زملاء الدراسة في جامعة أمدرمان الأهلية مدافعا عن إنتماء محمود لمدني لا لسواها .. ليس لأن أعيننا كانت قد تفتحت لنجد الحوت بين ظهرانينا في مدني يعطر ليالينا بجميل غنائه يعرف كل أهل المدينة يطوف بأحيائها متفقدا أصدقاءه الذين هم في كل مكان هناك .. ولكن لأن مستوى ما كان يقدمه محمود من فن وما وجده من إجماع وحب من كل أطياف مدني السني لم يكن يقل عن ما يجده عركي والباشكاتب محمد الأمين كان يجعلني وغيري نعتقد أن الراحل محمود هو (ابن بطن) مدني السني .. هذه البطن التي أنجبت العباقرة من أهل الفن والرياضة والسياسة وغير ذلك في شتى الضروب .. المضحك أنني كنت قد التقيت فيما بعد بمجموعة من الأصدقاء من مدينة الأبيض فوجدتهم يعتقدون أن الحوت هو أحد أبناء عروس الرمال الأبيض الجميلة .. قضى حياته كلها في ترحال حتى صار من كل المدن !!
بعد سنين من الإستماع لمحمود وجدت أن هذا الفتى يجاهر من خلال فنه بإنتمائه لكل مكان في هذا الوطن .. فلا تجد أي من البوماته التي رفد بها مكتبة الغناء السوداني تخلو من أغان تحمل إيقاع الغرب أو الجنوب .. فكانت القلوب تتوحد وتتلاشى كل الفواصل .. وأظن أن هذه هي كانت رسالة الحوت التي استغل الفن لكي تصل لكل الناس أننا وطن واحد .. لا يكتمل جماله ولا تتكامل قوته إلا عندما نتوحد جميعا خلفه لنرفع رايته عاليا بغض النظر عن إختلاف الأعراق والأجناس واللهجات ..!
أنا مثلا تعرفت من خلال أغاني محمود على (الدونكي) الذي سقته منه المحبوبة (حبة موية) من الحنان الفيها .. عرفت ما هو (القوز ) الذي تسلقه عاليا وهو يبحث عنها .. طفت بمدينة جوبا .. من أطلع بره .. إلى كونجو كونجو .. إلى مونكي .. ونياكورين حتى قبل أن أزور هذه المدينة لأجدها مفتونة بمحمود .. شعرت بقيمة أغاني محمود عندما كنت أطوف في أسواق جوبا وأستمع لصوته الجميل يصدح هناك والناس تردد خلفه ..صدقوني لن أنسى تلك اللحظات أبدا أبدا ونحن لا نشعر بالغربة في تلك الأصقاع وصوت الحوت يرافقنا ونجده في كل مكان هناك.. هكذا كان الإحساس مع محمود .. ولمثل هذه الأسباب كان الجميع يعتقد أن محمود ينتمي لدياره ونجح هو في أن يجعل جمهوره من شباب هذا الجيل الأكثر تسامحا وقبولا للآخر ..استطاع الحوت ان يجمع بفنه (المثقفاتية) وخريجي الإعدادية إستطاع أن يجمع بين شباب الجنوب والغرب والشمال والشرق فصاروا جميعهم (حواتة) تجمعهم مدرسة الحوت .. مدرسة الحب الكبير .. !!
على الصعيد الشخصي كلنا يعلم مقدار الألم الذي كان يعانيه محمود في كل مراحل حياته .. كان صوته يخبر عن ذلك الوجع .. كان شيء ما يؤلم محمود وينهش في لحمه وعظمه .. تدهورت صحته منذ سنين ولم نكترث للأمر.. لم يتحرك جمهوره ولا المسؤولون لمساعدة محمود .. وربما كان السبب أن محمود كان دائما هو (الصمود).. رغما عن شحوب وجهه والوهن الظاهر على جسده كان يخرج على جمهوره قويا يبادلهم تحيته المشهورة .. فيغني لهم .. أبقوا الصمود .. ماتبقوا زيف ..فيظن الناس أن محمودا بخير وهو لم يكن كذلك .. !!
أذكر حفلا لمحمود عبد العزيز في مدني في أحد الأعياد كانت قد سبقته شائعات بأن محمودا لن يحضر للحفل بسبب وجوده في السجن .. ولكن حضر الحوت وأحيا ذلك الحفل .. غنى كما لم يفعل من قبل حتى جاءت تلك اللحظة التي شدا فيها فيها محمود بأغنية كمال ترباس المعروفة التي تقول في أحد مقاطعها :الناس تصابح العيد (وانا بالحزن موعود).. فكان محمود يغنيها (وانا بالسجن موعود)فتختلط دموعه مع حشرجات صوته الحزين .. أذكر كيف ان كل الحضور انخرط حينها في نوبة صادقة من البكاء
كان الحزن والألم والوجع هما أصدقاء محمود واحبابه ورفقاء حياته .. ولعمري فإن كل الحزن الذي لف الناس بعد رحيله كان هو لسان حال محمود .. وكل الآهات التي خرجت من الحناجر في يوم السابع عشر من يناير الحزين لم تكن سوى آهة (واحدة)خرجت من جوف محمود فتقسمت بين كل هذه الحناجر علها تحملها وتنطقها بصدق ليعلم الناس مدى الوجع الذي عاناه محمود حتى لحظة وفاته .. !!
عانى الحوت في شبابه .. عانى خلال محنته الأخيرة والبعض يتاجر بمرضه والبعض ينتهك خصوصيته وينشر صوره وهو في أسوأ الأوضاع .. بل حتى بعد موته اقتحم البعض غرفة الموتى ليكشف عن جثمان الحوت وينشر صورته عبر مواقع التواصل .. عانى محمود في كل مراحل حياته رغما عن كل ما قدمه لنا من حب شفيف وتواصل صادق .. الآن حان الوقت لينال محمود قسطا من الراحة .. حان الوقت الذي نرد فيه الدين لمحمود حتى تنام روحه في سلام .. ولا سبيل لذلك سوى الدعاء لهذا الشاب الحزين بأن يتجاوز الله تعالى رحمان الدنيا ورحيمها عن سيئاته إن كان مسيئا .. وأن يزيد في حسناته إن كان محسنا..!! لم نرحم محمود حيا .. فلنرحمه ميتا يا كل الحواتة..!!
قف :
الموت باب وكل الناس داخلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.