[email protected] تُنظم الدورات الرياضية عالمياً لإرساء وغرس مفاهيم التعارف والإخاء وتلاقح الثقافات الإقليمية والدولية المتباينة في ساحات النزال الخضراء وعلى أسس أخلاقية قيِّمة تكون محصلتها النهائية ذكريات جميلة تدوم في مخيلة الرواد وحتى دورة أخرى. لاتقتصر مقاصد هذه الدورات على تلك الأهداف فقط بل تتعدَّاها لتشمل المكاسب العينية والمادية الضخمة التي تُجْنى من إعداد الملاعب وتهيئة خدمات السياحة وتسويق هذه الدورات … إلخ والتي عادة ما تساهم في إنتعاش إقتصادي للدولة المضيفة. تأتي دورة سيكافا هذه المرة بدولة السودان وهي تشهد من الإضطراب السياسي والأمني والإقتصادي ما لم تشهده دولة من قبل علماً أن للسودان الحق في إستضافة مَن يرتضيه وإسباله بفيض كرمه وتوفير أسباب الراحة والحماية له، لكننا نملك الحق أيضاً في طرح رأينا دون مواربة أو تحفظ ما دام ذلك الحق يتعارض مع القِيم الأدبية و الأخلاقية لهذه الإستضافة. يأتي رفضنا المطلق لقيام هذه الدورة بمدينتي كادوقلي والفاشر تحديداً لعوامل كثيرة وأسئلة شتى يدوخ لها العقل ويدمي من هولها الفؤاد ومنها: 1 كيف تقيم دولةٌ ما دورةً بهذه القِيم والمفاهيم في مدينتين تدكُّ طائرات الأنتينوف والقاذفات الحديثة والحوامات العسكرية والراجمات ومختلف الصواريخ لأطرافها، بل لقلبها وتحصد الآلة العسكرية أرواح السكان صباح مساء، كما وأنهما محاصرتين من كل إتجاه؟ 2 جمهور المدينتان يعانون الأمرين وأكثر ولا يكادون يملكون من لقمة العيش وجرعة الماء وسكينة الأمن الّا اللمم، فكيف لهم بالإنصراف والصرف لمشاهدة فعاليات هذه الدورة ومن ثمَّ التمتع بفنونها إن وُجِدت. 3 كيف تجتهد الحكومة إجتهاداً وتصر إصراراً على عدم فتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات للمتضررين من الحرب من أهل المنطقة وتمنع عنهم الغذاء والدواء ثم تقيم دورةً كُرويةً لهؤلاء الجوعى والمرضى وفاقدي الأمن والطمآنينة بهذه المناطق؟ 4 إن أتت هذه الدورة الكُروية عقب سلام ترفرف أجنحته على روابي وتلال تلك المناطق مبشِّرة بدوام الأمن والإستقرار فإنها لا محالة ستجد كل القبول والترحاب ذلك أن نبل مقصدها وعميق أثرها النفسي سينزلان برداً وسلاماً على قلوب من أعيتهم الحروب وقُتِلت في أفئدتهم السرور والحبور حتى وإن لم ترتق الدورة لإهدافها المادية التي تعين على رتق ما أفسدها الدهر. 5 هل أرادت الحكومة من وراء قيام هذه الدورة إقناع العالم أجمع بتوفر الأمن والأمان بتلك المناطق؟ أم أرادت إستفزاز أبناء تلك المناطق وإدماء كرامتهم النازفة أصلاً بإقامة دورة ترفيهية إقليمية في الوقت الذي يكابد فيه أهلهم لظروف أقل ما توصف بأنها كارثية ولا إنسانية؟ أم أنها الدعاية الإعلامية والتي ظلت تنتهجها حكومة المؤتمر الوطني بأن المتمردين حفنة من المارقين الذين ينفذون أجندة خارجية ولا يسعون إلّا لإفساد وتدمير البلاد؟ 6 أهو الخبث والمكر من المؤتمر الوطني ومحاولتها لإظهار خصمها الحركة الشعبية لتحرير السودان على أنها الجهة التي تهاجم الآمنين وتدمِّر منشآت التنمية وهى التي لا ترغب في السلام إذا ما حاولت إعاقة تلك الدورة ومن ثمَّ تقوم الحكومة بتأليب تلك الدول المشاركة عليها ومن بعد المنظمات الدولية وإعلامها بإرهاب الحركة والمطالبة بإضافتها ضمن لائحة المنظمات الإرهابية؟ وما هي الحكمة في قيام تلك الدورة في مدن تعلم الحكومة علم اليقين بعدم إستتباب الأمن فيها أصلاً؟ 7 كيف للحكومة من عائدات مالية وهي تعي بأن أسباب نجاح الدورة غير متوفرة؟ أم أنها ستقوم بتغطية العجز من خزينة الدولة؟ وأذا كان الأمر كذلك، أليس الأولى صرف هذه الأموال في تنمية تلك المناطق المتخلِّفة والتي قامت الحرب فيها لأسباب التخلف ذاتها!!! إن كانت مقاصد الدورات الرياضية تمتين العلائق بين الشعوب، فمن الضروري بمكان أن تمتنع الدول المشاركة في هذه الدورة عن قيام مبارياتها بتلك المدن أحتراماً لأخلاقيات الرياضة ورسالتها السامية أولاً والوقوف مع شعوب تلك المناطق في معاناتها اليومية وألَّا تتبارى فوق جماجم الأطفال والكهول والثكالى ثانياً، لأنها بمشاركتها هذه تكون قد داست مع سبق الإصرار على أخلاقيات التنافس الشريف الذي يحرِّم اللعب غير الشريف ناهيك عن إبادة الشعوب وتكون قد شاركت الحكومة جرائمها ضد الإنسانية وشرعنت لها إقترافها لجرائمها الجسيمة تلك. لا يمكننا إستثناء المنظمات الدولية ذات الصلة بأمر تنظيم تلك الدورات وعلى رأسها الإتحاد الأفريقي ومن خلفها الإتحاد الدولي لكرة القدم عن تحمُّلمها للمسئولية الأخلاقية لقيام تلك الدورة بمناطق السودان والتي تشهد إنعدام أدنى مقومات الحياة الإنسانية اليومية فيها وهي ترفع شعار " اللعب النظيف " و تعاقب المخالفين لذلك الشعار بالطرد فما بالك بأولئك الذين يقومون بقتل مواطنيهم عياناً جهاراً !! إن قيام هذه الدورة و بهذه الكيفية المشينة وفي هذا التوقيت بالذات إنما تدل على عدم المبالاة بإنسان تلك المناطق وتدل على رَخَصَته كذلك وهي ما عنتها الحكومة تماما ً وكما يقول المثل السوداني " الناس في شنو والحسانيَّة في شنو " وحقاً إنها ثورة الإعجاز.