( مائة يوم للإسقاط أم التعبئة ؟)… المعارضة .. إيجابية المبادرة وهواجس حصان طروادة وحاذبية الخطاب حددت المعارضة ممثلة في قوى الإجماع خطة أطلقت عليها خطة المائة يوم من أجل اسقاط النظام، وهي خطوة إيجابية بانتقال المعارضة السلمية من مرحلة المماحكات، ودائرة الجدل البيزنطي ، اسقاط النظام أم تغييره؟، وهي خطوة نقلت المعارضة من خانة رد الفعل إلى خانة الفعل، وهو أمر ظلت قوى التغيير تفتقر إليه منذ أمدٍ طويل بعد ان نجح النظام باستمرار في عملية استدراجها إلى أجندته بأخذه زمام المبادرة .إلا أن ما رشح من " خطة المائة يوم " لا يزال شحيحاً، وبالطبع ليس بالضرورة أن تكشف المعارضة كل أوراق لعبها قبل الوقت المناسب، إلا أن الأمر يقتضي كذلك جدية، ووضوح رؤية، والابتعاد عن الشعارات اللزجة، والخطب الطنانة التي لا تقتل ذبابة. ومع وجود عدد من السلبيات المصاحبة للخطة المعلنة يمكننا أن نقول أن نشير إلى الكثير من الإيجابيات وتتمثل في : - 1- اقتناع قوى الأجماع الوطني بأن طريق التغيير في السودان يبدأ بعملية اسقاط النظام . 2- وضع سقف زمني للحراك السياسي والجماهيري، وهو ما كانت تفتقر إليه المعارضة في السابق . 3- المعارضة تبنت تكتيكاً هجومياً يحول النظام إلى موقف دفاعي، وكلما حرص الخصم على الاهتمام بتحصين دفاعته، يجد الفريق المهاجم فرصاً في تهدئة الأوضاع، وولو استثمر ذلك سوف يربك الخصم . 4- انفتاح المعارضة على الجماهير، والعمل على التنسيق في لحظة مناسبة مع قوى الجبهة الثورية السودانية . إلا أن عقبات كبيرة، وجبال من الصعاب ستواجه قوى الأجماع الوطني في تنفيذ خطتها، وتتمثل الصعاب في الآتي : - 1- تحديد سقف زمني لاسقاط النظام يصلح أن يكون خطة سرية، والأفضل أن تكون الخطة للتعبئة ، والحشد والتنظيم، وترك عملية الإسقاط إلى الظروف المواتية والوقت المناسب ، لأن مرور مائة يوم دون سقوط النظام سيحول الأمر إلى منفعة لصالح النظام المعروف بآلته الدعائية، مما يساهم في تدني الروح المعنوية للجماهير. 2- حدد النظام مدة مائة يوم، يتخللها شهر رمضان الكريم، وعطلة الأعياد، ومعروف أن مظاهرات العام الماضي توقفت مع بداية رمضان ، وهو شهر يصعب خلاله العمل التعبوي والتنظيم للمظاهرات خاصة في صيف السودان الساخن، إلا إذا ما استثمرت المعارضة الأمسيات الرمضانية والافطارات الجماعية، وصلاة التراويح، والتجمعات المعروفة في السودان في مثل شهر رمضان المبارك. 3- وجود حزب الأمة القومي ضمن قوى الأجماع، وهو حزب معروف بمواقفه الملتبسة، وتردده وربكته، فهو لا يريد الاسقاط، وفي نفس الوقت يتبنى موقف المعارض، ويريد الحوار لكنه لا يدرك ماهية الحوار، وما يتمخض عنه، وسقفه الزمني، بالإضافة إلى مشاركة حزب الأمة في الحكومة، وإن أصر على رفض ذلك، وفتح قنوات مع النظام تصلح لتسريب أجندة وخطط المعارضة، وسبق أن واجه حزب الأمة سيلاً من الاتهامات، بعد أن وضع نفسه في وضع الريبة بمواقفه تلك، وقد ذكر زعيم الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق خلال مساجلات مع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في عام 2000، بعد إبرامه اتفاقية " نداء الوطن " في جيبوتي في عام 1999، واتخاذه لقرار الانسحاب من " التجمع الوطني الديمقراطي " المعارض في الخارج، وكتب قرنق قائلاً (منذ مؤتمر أسمرا 1995م، كان للحركة الشعبية وحزب الأمة علاقات عمل جيدة، داخل وخارج التجمع الوطني، لكن، ومنذ خروجك من السودان تغير المناخ داخل التجمع الوطني. لقد شعرنا برغبة في إعادة صياغة كل مواثيق ومؤسسات التجمع الوطني. وفي كثير من المرات حاولت جر التجمع لكي يبصم على مشروعك للمصالحة مع نظام الجبهة، وقد نجح التجمع في مقاومة وصد هذه المحاولات. وفي الحقيقة، واسمح لي هنا أن أستعير صفحة من قاموسك، فإن أعداداً من السودانيين قد حذرونا من أنك قد جئت للتجمع ك «طابور خامس» للجبهة الإسلامية، وقد أشارت اتفاقيات جنيف وجيبوتي وعلاقتك المتحسنة مع الجبهة، إلى وجود شيء من الحقيقة في هذه الأقاويل)، ولا تزال الأمور هي ذات الأمور، ولا يزال حزب الأمة يعلن تمصله عن الخطة، في وقت يوجد له مندوبون داخل كيان قوى الإجماع الوطني، ويبقى السؤال ، كيف تتعامل المعارضة مع مواقف حزب الأمة ؟ هل ستشركه في كل تفاصيل الخطة؟، أم ستغيب عنه بعض تفاصيل ؟. 4- لا تزال الخطة تعتمد على ندوات معظمها في داخل دور الأحزاب، وهي دور صغيرة المساحة، وقليلة الحضور، فهل سيكتفي المعارضون بممارسة ديمقراطية رجع الصدى؟. وتكرار ما هو معروف لديهم،؟ أم ستنجح في احداث اختراقات توصلها إلى قواعد شعبية مهمة ؟ فكيف يتم ذلك ؟ 5- فقدان قوى الإجماع الوطني لوسائل إعلامية مؤثرة مثل القنوات الفضائية، والإذاعات، والصحف، والاعتماد على ما يتركه لها النظام من مساحات مناورة للتعبير عن مواقفها، وهي عرضة للرقابة الأمنية والذاتية، وهو ما يعني أن الخطة " بكماء" لن يصل صوتها إلى قطاعات واسعة. 6- وجود مسافات كبيرة بين قوى الإجماع الوطني، وكثير من الإعلاميين الديمقراطيين، وناشطي الحركات الشباية، وسوادنيي المهاجر، ومنظمات المجتمع المدني، حيث لا يتملك معظمهم معلومات الخطة، وبالتالي لن يكون دورهم فعالاً، لأنهم سينظلقون من قناعات ذاتية، واجتهادات فردية، وهموم شخصية. 7- استمرار المواقف المشوشة والملتبسة من قوى الهامش، لا سيما حملة السلاح في الجبهة الثورية السودانية، فهناك قوى تصف هوى الهامش تارةً بالعنصرية، وتارة أخرى بأنها قوى مسلحة لا تصلح لإحداث التغيير . إن الضربة القاضية لا يمكن أن توجه دون مشاركة الجماهير، وتشكيل كتلة حرجة، هي كتلة اللحطة الحاسمة والقطيعة الكاملة مع النظام، وفرض عزلته، وركله تماماً، ومن البداهة أن نقول إن القوى السياسية المنظمة ليست هي التي تستطيع إنجاز التغيير وحدها، وأمامنا تجارب دول الربيع العربي في تونس، ومصر، وليبيا ، وقد لاحظ الجميع أن القوى السياسية لم تكن حاضرة في تلك اللحظات، لأن الأحزاب السياسية ، وخلال كل حراك الربيع العربي لم تكن حاضرةً، ويكفي الإشارة إلى دولة مثل ليبيا لم تكن تعرف حتى معنى الأحزاب السياسية ، أو حتى أحزاب مصر ، فهي أحزاب "كرتونية"، وواجهات تعبر عن مصالح نخب محدودة في معظمها دون أن نلقي القول على عواهنه ، لكن الجماهير هي السيل العرمرم اسمه " فرغم محاولات تغييب وتزييف الوعي، المتعمدة ، والممنهجة من قبل النظم الشمولية لتحويل "الجماهير" إلى "حالة سلبية"، أو متماهية في النظام، أو منكفئة على ذواتها، مستخدمةً في ذلك كل وسائل الترهيب والترغيب، و آليات العنف، والإعلام، والتعليم، والخداع، والكذب، إلا أنها هي المارد الذي سيدك حصون النظام، لكن يبقى ثمة سؤال مهم، وهو كيف نستفز ذلك الوحش؟ أو المارد؟ وكيف نخرجه من براثن الاحباط والسلبية واللامبالاة ؟؟. إنَ الجماهير لا يحركها العقل، بل تحركها العواطف، وفق رؤية " عقلية القطيع"، وقد جربت هذه النظرية خلال الثورة الفرنسية في القرن السادس عشر، واحتلال سجن الباستيل، وهو كان من أعتى زنازين القمع في ذاك العصر، لكن الجماهير حين انتفضت، وثارت اقتحمت هذا الحصن العتي، وأقامت المذابح في الشوراع، والغريب أن من بين الثائرين رجال قانون، ومفكرين، وقادة رأي، إلا أن اجتماع الجماهير في مكان واحد، وفي لحظة زمانية واحدة، يغيب العقل، ويصبح الجميع مثل قطيع أبقار تقوده البقرة التي تقف في المقدمة، ويتحرك بعواطفه، أو غريزته، أو شعوره بالخطر حركة جماعية. ومثلما يرى الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " سيكلوجية الجماهير" إن العديد من خصائص الجماهير الخصوصية، من مثل سرعة الانفعال، والنزق، والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر، وغيرها، كل ذلك نلاحظه لدى الكائنات التي تنتمي إلى الأشكال الدنيا من التطور كالشخص الوحش، أو الطفل مثلاً، وهذه المقارنة التشبيهية لا أثيرها هنا إلا عرضاً" ، والجماهير عرضة للتحريض، ولدغدغة المشاعر، والعواطف، لكنها تحتاج في عملية تعبئتها وحشدها إلى " محفزات". فما هي محفزات قوى الإجماع للجماهير؟ ، وما هي خططها لتحريك الساكن، واستفزاز حالة الصمت الرهيب، وكسر حاجز الخوف ؟ ونلاحظ أن خطاب المعارضة لا يزال خطاباً تقليدياً، يقوم على نقد النظام وممارساته، إلا أنه لا يزال عاجزاً عن طرح البدائل، ومخاطبة القضايا المهمة التي تلامس مشاعر الجماهير مثل الضائقة الإقتصادية وحلولها، عطالة الخريجين والشباب، تحقيق السلام الإجتماعي والمصالحة الوطنية، الرؤية الإقتصادية الواضحة واغراء الجماهير برفع الإنتاج، وتشجيع العناصر المنتجة، وتوفير السلع الأساسية ودعمها، وخفض لهيب نيران ارتفاع الأسعار، وكذلك وحدة البلاد، ووقف شلالات الدماء، وتطمين ضحايا الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بمساءلة الذين ارتكبوا جرائم حرب،أ و انتهكات واسعة لحقوق الإنسان، وتحديد وسائل العدالة الإنتقالية. أن تبني خطة " المائة يوم " في حد ذاته حدث يحسب لصالح المعارضة، إلا أن الغاماً كثيرة لا تزال تحت عجلات مركبة قوى الإجماع الوطني، وعليها إزالة هذه الألغام وهو ما يتطلب الآتي .: - 1- تبديل الخطة إلى خطة " مائة يوم للتعبئة " ثم معرفة نتائجها فيما بعد وتقويم الخطة ، وتحديد آليات تنفيذ الخطة . 2- اتخاذ موقف حاسم من حزب الأمة القومي، فأما استيعابه بكلياته، حتى لا يكون " حصان طروادة للنظام"، أو ابعاده عن المعادلة مع التركيز على القيادات الشبابية المؤثرة في حزب الأمة للوصول إلى قواعده المؤثرة واقناعها بالسير في طريق اسقاط النظام. 3- التنسيق مع قوى الأجماع الوطني، والوصول إلى صيغة مشتركة تمكن كل أطراف المعارضة من المشاركة في عملية اسقاط النظام. 4- إشراك خبراء في مجال الإعلام وعلم النفس وعلم النفس الإجتماعي لإعداد خطط وبرامج اسقاط النظام . 5- تقديم خطاب سياسي جذاب، ومغري للحركات الشباية والقطاعات المهملة والمهمشة، والمنسية بما في ذلك مفصولي الصالح العام، في القوات النظامية والخدمة المدنية. 6- تأسيس قناة إعلامية كنافذة حرة للمعارضة تعمل على التعبئة، والاستقطاب والحشد، بطريقة علمية ممنهجة . بالطبع هناك كثير من الأدوات والوسائل التي تحتاجها قوى الأجماع الوطني، في عملية التعبئة والتنظيم والحشد، ولا بد من تقديم خطاب مغري، وجاذب، وموضوعي يخاطب القضايا الحيوية، مع التحرك بعقلانية وثقة . وبعدها سيكون الحديث عن مائة يوم بعد اسقاط النظام.