نحن وأمريكا والعالم خالد داوود مقابل حالة الحرب الدائمة والأكاذيب المدهشة التى كان يرددها الرئيس الأمريكى السابق المتغطرس، ضيق الأفق، جورج دبليو بوش، وأدت إلى قتل مليون عراقى واحتلال دولة عربية محورية دون سبب، ودعمت من نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة الإرهابية بدلا من ردعها، وفجرت حربا مذهبية مقيتة بين سنة وشيعة لم نشهدها منذ قرون، مقابل كل ذلك، جاء الرئيس الحالى باراك أوباما بوعد أساسى للناخبين الأمريكيين: الحد من هذا الاستعراض الجنونى للقوة العسكرية الأمريكية لدرجة الدفع بنحو نصف مليون أمريكى جندى للخارج فى العراق وأفغانستان مرة واحدة، والتركيز بدلا من ذلك على القضايا التى تهم المواطن الأمريكى البسيط، وتحديدا الاقتصاد، وخلق فرص العمل والتأمين الصحى والاجتماعى. سعى أوباما إلى أن تتراجع صورة الولاياتالمتحدة فى العالم كدولة تعتمد على القوة العسكرية فقط، وتمسك بأن حلفاء أمريكا ودول وشعوب المنطقة نفسها يجب أن تسهم بدور فعال فى التعامل مع أى أزمات طارئة. وفى هذا الإطار، يجب النظر إلى العلاقة بين إدارة أوباما وجماعة الإخوان المسلمين فى مصر. فهذه الجماعة العتيدة التى تجاوز عمرها ثمانية عقود، قدمت نفسها للمسؤولين الأمريكيين على أنها التنظيم الأكثر شعبية فى مصر، وأنها الأكثر قدرة على تنفيذ أهداف ومطالب الإدارة الحالية دون أى معارضة شعبية كما كان يحدث فى زمن المخلوع حسنى مبارك. وزعموا أنه، وبسبب الشعارات الإسلامية للإخوان، فإنهم سيكونون قادرين كذلك على احتواء الجماعات المتشددة الإرهابية كالقاعدة، وربما وقف نشاطها. النظرية التى ابتلعتها السفيرة الأمريكية فى القاهرة، وسوقت لها فى أروقة البيت الأبيض والخارجية فى واشنطن، هى أن وصول الإخوان إلى الحكم عبر صناديق الانتخاب والتأييد الشعبى سيضمن لأمريكا تحقيق مآربها برضا شعوب المنطقة. وبالتالى، سيتوقف فرع الإخوان فى غزة، حماس، عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، كما ستسهم مصر فى أى دور تتطلبه واشنطن فى الحرب الأهلية السورية نصرة لإخواننا السنة فى حربهم ضد الشيعة الرافضة من العلويين الذين يسيطرون على دمشق. كما أن الإخوان رأسماليون يعشقون المال والتجارة، وبالتالى، لا خوف ولا قلق على أى استثمارات أمريكية، بل مرحب بالمزيد. ما حدث هو أن الإخوان فشلوا فى تنفيذ وعودهم، وذلك على الرغم من مقاومة السفيرة الأمريكية حتى الرمق الأخير لذلك، وتأييدها لأكاذيبهم بأن المعارضة المدنية فى مصر هى مجرد نخبة صغيرة لا شعبية لها ولا نفوذ، متجاهلين، آن باترسون والإخوان، أن المرشحين المدنيين فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (حمدين وشفيق وموسى والبسطويسى وخالد على) حصلوا بمفردهم على ما يزيد على ستين فى المئة من أصوات المصريين، وكذلك كان الحال فى الاستفتاء على الدستور المشوه الذى كتبه الإخوان بمفردهم، والذى لولا التزوير المتعمد الذى نظمه الإخوان والتضييق على الناخبين حتى طالت الطوابير لست وسبع ساعات، لما تم تمريره بالنسبة الرسمية التى تم الإعلان عنها. نعم قد يستطيع الإخوان السيطرة على حماس فى غزة، أو فتح باب الجهاد للمشاركة فى الحرب الطائفية الدائرة فى سوريا، ولكنهم فشلوا فى إدارة البيت الداخلى، مصر، وفقدوا رضا غالبية الشعب مما جعل من خروجهم من كراسى الحكم أمرا محتوما. وكما أقرت إدارة أوباما بإرادة الشعب المصرى فى أعقاب خروجه فى ثورة 25 يناير 2011 المجيدة، اضطرت سريعا إلى الاعتراف بخطأ استخفافها بمعارضة الشعب المصرى للإخوان ورفض الغالبية لهم، وذلك فى أعقاب الخروج العظيم للملايين على مدى 4 أيام متواصلة، بين 30 يونيو و3 يوليو، فى أكبر مظاهرة عرفها التاريخ الحديث لمطالبة ممثل الإخوان فى قصر الرئاسة بالرحيل. لا أعتقد أنه من المفيد الآن استعداء إدارة أوباما، أو رفض لقاء نائب وزيرة الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز كما فعل شباب تمرد، رغم أن زيارته معناها ببساطة أن واشنطن قد أقرت الوضع الجديد القائم فى مصر واحترمت إرادة الشعب المصرى، خصوصا مع المضى قدما فى تنفيذ خريطة الطريق والتوجه نحو عقد انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة بعد إقرار دستور يليق بنا. وكذلك الحال بالنسبة إلى الاتحادين الأوروبى والإفريقى. مطلوب منا أن نشرح للعالم برحابة صدر ما حدث لدينا، وأن شعبنا لم يعد يقبل أن تتحكم فيه أى ديكتاتورية، سواء كانت قائمة على القمع والفساد كما فى عهد مبارك، أو تتمسح بالدين وتسىء استغلاله كما فعل الإخوان. وإذا كان لواشنطن من دور مطلوب الآن، فهى أن تقنع أصدقاءها من قادة الإخوان بقبول الأمر الواقع، وبالتوقف عن قتل المصريين، وإلا سيتعامل معها العالم قريبا على أنهم منظمة إرهابية، تستعين بإرهابيين تلقوا تدريباتهم فى العراق وأفغانستان وباكستان، وبدؤوا فى تنفيذ ما تعلموه فورا فى شبه جزيرة سيناء، مما أدى إلى استشهاد 16 جنديا مصريا وثلاثة عمال كادحين فى أسبوعين فقط بأساليب القنابل المزروعة على جانب الطريق وصواريخ ال«آر بى جى»، بل ويهددون بنقلها قريبا إلى القاهرة والمدن المصرية الأخرى. سيكون حساب الشعب المصرى عسيرا مع الإخوان لو استمر كل هذا الإرهاب فى مدننا وسيناء.