(محمد سعيد محمد الحسن – الشرق الاوسط) قال رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني محمد عثمان الميرغني، إن «الشراكة في الحكم بين حزبه، والمؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير، ليست رباطا مقدسا»، لا فكاك عنه، وإنما هي اتفاق قابل للمراجعة». وأكد الميرغني وهو زعيم أحد أكبر الأحزاب السودانية جماهيرية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن ما يجمع حزبه مع حزب البشير «هو رباط المسؤولية الوطنية.. فقضيتنا الوطن أولا وأخيرا». وأوضح أن «الاتحادي يشارك بتمثيل رمزي في مؤسسات الدولة، ولا يتفق مع وزنه الجماهيري ولا تاريخه الوطني لكنه لا يعطي هذا الأمر اهتماما حاليا، لأن الأولوية للأجندة الوطنية ومنع تمزيق البلاد». والميرغني كان يوما زعيما للمعارضة السودانية، تحت لواء «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي انفرط عقده، منذ سنوات، وأزعج قادة المعارضة السودانية حاليا بانضمامه أخيرا إلى الأحزاب المشاركة في الحكم. وتحدث الميرغني في حواره مع «الشرق الأوسط»، عن تطورات الأوضاع في دارفور، والخلافات مع دولة جنوب السودان، وكذا التطورات التي تشهدها مصر. وأكد وقوفه مع خيار المصريين، قائلا إن «شعب مصر هو الذي يمنح السلطة، وهو الذي يسحبها». وناشد كل القوى أن تجعل أمن وسلامة ومكانة مصر فوق المزايدات والخلافات. ويعد الحزب الاتحادي السوداني تاريخيا من الأحزاب المؤيدة لمصر، وكان ينادي بالاتحاد معها، وقد استمد اسمه من هذا الشعار الذي يرفعه. وفيما يلي نص الحوار: * هل الشراكة مستقرة بين حزبكم وحزب الرئيس البشير؟ - الشراكة السياسية بين الطرفين تستند على برنامج وطني، وعلى إرادة موحدة للتصدي للقضايا الوطنية القومية ومعالجة المشكلات الرئيسة؛ خاصة فيما يتعلق بالمواطنين وحقهم المشروع في الحياة الآمنة والمطمئنة. والمطلوب في عالم السياسة هو التوازن والتعقل وإنفاذ الحكمة والعمل بما هو صحيح. * هل توجد خلافات أو مشكلات أو أزمات مسكوت عنها بين الطرفين؟ - الشراكة السياسية الوطنية ليست مسألة مزاجية أو شخصية، إنما تمثل مسؤولية مشتركة.. وبالتالي تكون هنالك قضايا تتباين فيها الرؤى والحلول والمعالجات بين الطرفين، خصوصا وأن الوطن يواجه مشكلات صعبة ومعقدة. والتطورات تتلاحق تباعا وفي أجواء شد وجذب داخليا وإقليميا. ومن جانبنا نعمل على إيضاح موقفنا ورؤيتنا إزاء كل مشكلة حرصا على تجنب المزالق والوصول إلى ما هو مطلوب في إطار المصالح العليا، والتي تعلو على كل اعتبارات أخرى. * يقول بعض المراقبين السياسيين إن تعدد لقاءاتكم الأخيرة مع الرئيس البشير ونائبه الأول علي عثمان محمد طه وراءها أزمات مسكوت عنها؟ - لقاءاتنا مع الرئيس البشير قبل الشراكة، وأثناء الشراكة مع المؤتمر الوطني، تصب جميعها في هدف واحد وهو الوصول إلى رؤية مشتركة ومعالجات للتحديات والمهددات الماثلة. وأحرص من جانبي في كل لقاء على طرح القضايا الرئيسة للوطن وتوضيح وجهة نظرنا السياسية في المعالجة والتصويب، وأجد من الرئيس البشير اهتماما واستيعابا تاما لوجهة نظرنا، بصفتيه رئيسا للدولة ورئيسا للمؤتمر الوطني.. ونتداول في كل القضايا بوضوح لا لبس فيه، ويوجد تباين في وجهات النظر في القضايا العامة، ولكنها لا تشكل في مجملها ما يمكن تسميته أزمات مسكوتا عنها، أو أنها تهدد الشراكة السياسية بين الحزبين الاتحادي والوطني. * ما تقييمكم للشراكة في وضعها الحالي مع المؤتمر الوطني؟ - عندما اتخذ الحزب الاتحادي الديمقراطي قرار الشراكة استند على مسؤوليته التاريخية تجاه الوطن.. فهو الحزب الذي أسس الدولة الوطنية في السودان بعد نيله الأغلبية في أول برلمان منتخب عام 1954، ونستشعر حجم الأخطار التي تحدق بالوطن، وضرورة التصدي لها لمنع التصدع والتفتت والتجزئة والدفع به نحو ما لا تحمد عقباه. * وما حصاد هذا الموقف؟ - استطعنا بالبرنامج الذي وقعناه مع المؤتمر الوطني أن نجعل من طرح توحيد الجبهة الداخلية والوفاق الوطني الشامل القضية الأولى، فلا يمكن مواجهة التحديات والمخاطر دون جبهة داخلية متماسكة ووفاق وطني شامل ووحدة وطنية قوية. وقد شددنا على ضرورة الوصول إلى مبادئ حول الحد الأدنى للقضايا، ونسعى في كل الجهود التي تبذل من أجل تحقيق هذا الهدف. وأجد أن المؤتمر الوطني استجاب بالكامل لهذا الطرح، وقيادته تبادر وتعمل معنا على السعي إلى الوفاق الوطني الشامل.. ولا يزال الحزب الوطني الاتحادي الديمقراطي يعتبر أن على الرئيس عمر البشير – بحكم موقعه كرئيس للدولة السودانية – المبادرة والمثابرة والدعوة إلى لقاء جامع لكل القوى السياسية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني من أجل الوصول إلى رؤية واتفاق وطني قومي على القضايا العليا للسودان. ومن جانبنا لم تتوقف اتصالاتنا ولا مساعينا مع كل الأطراف والقوى السياسية والوطنية للتصدي للمهددات والمخاطر بتوحيد الصف الوطني، وببرنامج قومي متفق عليه من الجميع؛ ودون استثناء لأي جهة. * إلا أن الشراكة في الحكم.. تتعارض (أحيانا) مع مبدأ الوفاق الوطني الشامل الذي تنادون به؟ - الالتزام بالشراكة مع المؤتمر الوطني مرتبط بالمسؤولية الوطنية والتي اقتضت وصنعت هذا القرار، ولكن الشراكة مع المؤتمر الوطني ليست رباطا مقدسا لا فكاك عنه، وإنما هي تعهد واتفاق قابل للمراجعة متى ما انتفت دواعي الوصول إلى ما هو مطلوب. فقضيتنا الوطن أولا وأخيرا. * هل صحيح أن الاتحادي الديمقراطي يطالب بشراكة فاعلة في الحكم على كل المستويات؟ - صحيح أن الحزب الاتحادي الديمقراطي يشارك الآن بتمثيل رمزي لا يتفق مع وزنه الجماهيري ولا مسؤولياته القومية، ولكننا لا نعطي هذا الأمر الأولوية حاليا، وإنما الأولوية الآن للأجندة الوطنية، ولأن توحد الجهود لسد كل الثغرات، ولمنع الأجندة الخبيثة من أن تأخذ طريقها لتمزيق الوطن أو الدفع به نحو الهاوية. * ما موقفكم من علاقة السودان مع دولة الجنوب؟ - عندما التقيت نائب رئيس جمهورية الجنوب رياك مشار في زيارته الأخيرة للخرطوم، وتحدث عن التطبيع والعلاقات الثنائية بين السودان والجنوب، قلت له إننا في الحزب الاتحادي السوداني الذي أشرك الجنوب في كل المؤسسات الدستورية؛ من رئاسة الدولة إلى مجلس الوزراء إلى البرلمان إلى أجهزة الخدمة المدنية بعد أن حرمه الاستعمار من أي مشاركة طوال أكثر من نصف قرن.. متمسكون باتفاقية السلام التي وقعناها مع مؤسس وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق في نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 بأديس أبابا بالحفاظ على أرض السودان شماله وجنوبه ووحدة شعبه، لأن وحدة السودان وحدها التي تحقق الاستقرار والتواصل والتداخل والسلام الشامل، لأننا عرفنا الحرب وثمنها الباهظ. ولذلك نتمسك بوحدة السودان والسلام الدائم في الوطن الواحد. * وماذا عن الأوضاع في إقليم دارفور؟ - نحن نرى أهمية الوصول إلى سلام وأمن واستقرار في دارفور، ونؤيد اتفاق الدوحة لتحقيق السلام والأمن والحياة الكريمة لكل أهلها، وبضرورة وقف أي نوع من العنف وعودة كل أبناء دارفور إلى بيوتهم ومناطقهم وتحقيق التنمية والخدمات. وندعو الجميع إلى السلام والتآخي والعمل معا من أجل استقرار أهل دارفور وتحقيق الحياة الكريمة لهم. * كيف تنظرون إلى ما يجري في مصر؟ - ننظر بقلق بالغ إلى ما يجري في مصر، وقد نقلنا إلى كل الأطراف رسائلنا داعين إلى عدم اللجوء للعنف من أي نوع وعلى أي مستوى لأن مصر وسلامتها وأمنها مهم للمصريين ولنا ولكل العرب. ونؤيد خيار الشعب المصري ونسانده بالنسبة لما يريده، فالشعب المصري وحده الذي يمنح السلطة أو يسحبها. ونأمل من كل الأطراف في مصر أن يجعلوا مصالح مصر العليا فوق كل اعتبار وفوق كل مصلحة. ومصر العريقة وشعبها الذي صنع ثورة 25 يناير 2011 قادر تماما على تجاوز الصعاب ودحر المهددات على أي مستوى.