………. كارثة الامطار و السيول في بلادنا جسدت درجة الفقر عند غالبية المواطنين و عرضتها مآسي تدمي القلوب داخل البلاد و للعالم اجمع علي شاشات الفضائيات. كما ان هذه الكارثة جسدت ايضا فشل حكوماتنا المحلية و الولائية و الاتحادية في تقديم ابسط الخدمات لمواطنيها. ما هي الكوارث الطبيعية؟ يعرفها اهل البلاد التي اعيش فيها في شمال امريكا، انها الكوارث التي تنتج من التفاعلات الطبيعية لكوكب الارض و التي تسبب الزلازل و البراكين و الاعاصيرو الفيضانات ….الخ، و يعترفون صراحة ان لا مجال لمنعها ، و لكن يؤكدون ان تخفيف اثارها و درء مخاطرها ممكن ، وواجب علي الحكومات اولا ثم المجتمعات و الافراد البحث عن السبل الكفيلة بالتنبؤ بها و الاستعداد لها. و يعترفون ان الكوارث رغم ذلك تسبب ضررا بالانسان و الممتلكات و البني التحتية و الاقتصاد. و بهذا المفهوم يعرفون مواعيد الاعاصير الموسمية ، لدرجة ان كل اعصار له اسم، و بعد التنبؤ بحدوثة باكبر قدر ممكن من الدقة، تعلن الحكومات حالة الطوارئ و تجلي السكان من مناطق العاصفة، و بعد انتهاء الكارثة ، يعاد بناء البيوت و احيانا الجسور في مدة لا تتجاوز الاربعة اسابيع. كما انهم يعلمون اطفالهم في مدارس الاساس كيفية الاستعداد للكوارث الطبيعية. في الحصة المخصصة للتعريف بالكوارث الطبيعية ، يعطوهم تفسيرا علميا لما يحدث و يعترفون بان العلم عاجز عن منعها ، لكن يجب ان نسيتعد لها و نعرف السبل الكفيلة بتقليل مخاطرها. احد اساتذتهم يكتب الجملة التالية (If you live in a flood zone, figure out where the high, safe places are, and plan how to get there. Then if a tsunami comes, you'll know where to go) و المعني: (اذا كنت تسكن في منطقة فيضانات، تعرف علي الاماكن العالية الآمنة، وضع خطة للوصول الي المنطقة العالية. هكذا ستعرف اين تذهب عندما يأتي التسونامي.) و بعد ان زودتي الباحث الامين "قوقل" عن نظرة الغرب للكوارث، سألته نفس السؤال باللغة العربية ، و اتاني بالكثير من الآراء ، الغث منه و الثمين. و من هذا النوع الاخير المفيد اقتبس التالي من احدي المواقع الاسلامية: سؤل الدكتورزغلول النجار: هناك فريق من الناس يقولون إن الزلازل والبراكين والكوارث هي من غضب الطبيعة، و يقدمون التفسير العلمي على الإيماني أو يرفضونه؟ فاجاب: هذا الكلام غير صحيح، والكوارث التي تحدث في كون الله لا تقع إلا بعلم الله وقدرته، فهو سبحانه الفاعل المطلق في الكون كله، قال تعالى في سورة يس في الآيات 81 83: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، وقال أيضا في الآية 29 من سورة آل عمران:(قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقال في الآية 59 من سورة الأنعام: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) والذين يقولن هذا الكلام ينسون أشياء كثيرة أو يجهلونها، وقد كنت منذ أيام ضيفا على إحدى القنوات الفضائية وكان مشاركا معي في الحلقة عالمان فاضلان من الأزهر الشريف هما الأستاذ الدكتور عبد المعطي بيومي والأستاذ الدكتور علي ليلة، وكان حديثنا حول الدروس والعبر التي يجب أن نخرج بها من الزلزال الأخير الذي وقع في آسيا، وبينما كنت أؤكد على هذا الذي حدث وأقول هو إنذار من الله للعصاة والجبارين وأنه عقاب منه للظالمين والمجرمين إلا أنني فوجئت بهما يصران على عدم الربط بين الزلزال كظاهرة علمية وبين المعاصي والذنوب كخطايا يرتكبها البشر، ويقولان إنه ليس هناك علاقة بينهم. كما نري يتفقون في ان الكوارث من سنن الله في الكون ، و انه لا حول و لاقوة الا بالله. و لكن يختلفون في ان تكون الكوارث عقابا علي المعاصي. و الدكتور النجار يقول بهذا الرأي و في موقع آخر في الحوار يعطي مثالا فيقول ان الزلازل التي اصابت آسيا كانت نتيجة للفساد في تلك البلاد التي تبيح، من اجل السياحة، كل الموبقات. و رغم انني لا امتلك العلم الذي يؤهلني لمناقشة الدكتور النجار، الا ان لي سؤال: كيف نفسر الزلازل التي اصابت باكستان؟ رغم هذا التحفظ ، و انا مسلم يؤمن ايمانا يقينيا ان لا حول و لا قوة الا بالله، اقبل رأي الدكتور النجار، و هذا ما دعاني الي الكتابة بالعنوان "عبر الدنيا و الآخرة". عبر الدنيا يتذكر ابناء جيلي الذين قدموا للخرطوم في اواخر خمسينيات القرن الماضي، ان بلديات العاصمة المثلثة كانت لها ادارة تسمي التنظيم ، يرأسها مهندس مدني، و يعاونه عدد من مشرفي العمال الذين كانوا يسمونهم "الملاحظين" ، و كانت مسؤولية هذه الادارة القيام بترميم و نظافة شوارع الاسفلت و اعداد المجاري التي ستحمل مياه الامطار للنيل. و عندما تكون الامطار و الفيضانات كارثية كانت وزارة الاشغال و بمعاونة رجال الجيش و الشرطة تدرأ آثار الكوارث و توفر الملجأ و المأكل للمتأثرين من السكان. ما الذي جعل مثل هذا الحل ممكنا في ذاك الزمان ، و غير موجود في زمننا هذا؟ السبب بسيط وواضح: تعطلت النظم التي كانت تدير دولاب العمل في دواوين الحكومة ، و غابت السلطات التي كانت تحاسب و غابت معها الادوات التي كانت تطبق اللوائح الجكومية ، بل تعطل القانون كله. لكن ما الذي ادي لهذا الانهيار لسلطة الدولة و غيابها في الدواوين التي بها تنظم نشاطات المجتمع، و تضبط تصرفات الافراد و الجماعات؟ هنالك سببان رئيسيان: 1. التمكين الذي حكم علي رجال الخدمة المدنية السودانية العريقة الي تقاعد اجباري ، و حل محلهم رجال لا عهد لهم بالادارة و لا دراية لهم بنظم الخدمة المدنية ، و مؤهلهم فقط الولاء للاسلام السياسي. 2. بيئة الفساد ، و لا اقول الفساد، فكثير من الدول فيها الفساد ، لكن لا زالت النظم الادارية مفعلة ، و هذه البلاد هي التي تعاني من الفساد العارض او فساد الافراد. اما بيئة الفساد فلا تسود الا في بلد يعاني من الفساد المنهجي ، حيث كل فاسد له من يحرسه من اصغر موظف و انت طالع!! هاتين الآفتين ادتا الي الفوضي و غياب القانون، و تعطل نظم الخدمة المدنية التي كانت لوائحها تفرض الاستعداد للخريف و الاستعداد لبدء العام الدراسي، و توجب ايضا التعامل مع الكوارث الطبيعية بتعاون كل الاجهزة ، مدنية كانت او عسكرية. لا اقترح حلا و لكن اترك لكم التفكر في الحل!! عبر الآخرة انا اريد ان اسلم بان الابتلاءات و الكوارث تأتينا عقابا لذنوب اقترفناها ، ابتلاءا و تذكيرا بقدرة الله العلي العظيم و تأكيدا بان لا حول و لا قوة الابالله، و انه الحكيم الخبير ان اراد ان يعجزنا و يعجز العلم و التكنولوجيا فلا راد لقضائه و لا مانع لامره. يا تري ما هي الذنوب التي جعلت رب العباد ان يبتلينا بهذه الكارثة و ينذرنا لنتبه و نتعظ؟ اولا ما هي الذنوب؟ تقسم الذنوب في ديننا الحنيف الي كبائر و صغائر، يقول ابن القيم: " الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار " و علينا ان نتعرف علي الكبائر و بذلك نتعرف علي الصغائر. يختلف علماء الدين في عدد الكبائر ، لكن معظمهم يقولون انها سبعة ، و دليلهم في ذلك الحديث الصحيح المتفق عليه: روى البخاري (2767) ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ . و هنالك حقيقة اخري يجب ان نؤكدها، اننا جميعا عباد الله نخطئ و نصيب، و يجوز ان يرتكب احدنا الكبائر ، و بعضنا اللمم الذي يجليه الاستغفار. فمن يا تري الذي ارتكب الكبائر بيننا و حق بذلك علينا ابتلاء الحكم العدل بكارثة السيول؟!! أنا لن اجيب و لكن اترك لكم التفكر في الاجابة. لكنني اريد ان انبه الذين غرتهم الدنيا ، و انشغلوا بجمع المال و حب الشهوات ، و انشغلوا بالدنيا و زينتها انهم في الآخرة من المفلسين و ذلك بنص هذا الحديث: عن أبي هريرة – رضي الله عنهُ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون ما المفلسُ؟" قالوا":المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:" إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار" رواه مسلم اعوذ بالله من غضبه و من النار. و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.