الأثنين 31 يناير 2011م أصبت بالالتهاب الرئوي وقصدت مستشفى أمدرمان حيث تعمل قريبتي وكانت تتولي إعطائي حقن بالوريد كل ثمانية ساعات!!!!!!، بعد دخولي المستشفي عرفت بوفاة الطالب محمد عبدالرحمن، من جامعة أمدرمان الاسلامية!!!!، وحزنت وتأسيت جداً لما علمت أنه توفي متأثرا بجروحه بعد أن ضربته بوحشية قوات الامن أثناء المظاهرات التي خرجت أمس!!!!!!!!!!. نظرت حولي ووجدت أفواجاً وجموعاً من الناس ينتظرون!!!!!!، اعتصر الألم قلبي، وخنقتني عبرة حرى وأنا أنظر للهلع والخوف والجزع الذي أصاب جموع المنتظرين!!!!!، ارتأيت أن أنتظر معهم لحين خروج الجثمان من المستشفى!!!!!!!، وأن أواسيهم وأذكرهم بأن يصبروا ويصابروا!!!!!!!. عرفت من بين الجموع، أهل الشهيد، وكانوا بحالة يرثى لها، وكانت فاجعتهم كبيرة في ولدهم الذين ينتظرون تخرجه بفارغ الصبر ليساعدهم في تخفيف أعباء المسئوليات الجسام!!!!!!!!!، بحثت كثيراً في الوجوه البائسة والحزينة، لأرى أين هي الأخت الشقيقة، وأين هي الأم ليتلقوا عزائي في مصابهم الجلل، ولدهشتي الشديدة لم أجد من يدلني عليهم، فقد أصاب الجزع والهلع كل الجموع حتى أصبح من الصعب أن أميز بينهم!!!!!!. وتساوت الأحزان وأغرورقت الدموع وتعالت الصرخات والعويل!!!!!، فالحزن أصاب الجميع، وأُغمي على بعض الطالبات، وكان الطلاب يجرون في كل اتجاه كمن فقد غقله!!!!!!، وبعضهم يسير على غير هدى!!!!!!!!!. اتبعت حدسي وحواسي لأتعرف على أهل الشهيد، ولكن كان الحزن والأسى يتقاسمهم جميعهم، أخوته الطلبة والطالبات قبل الأم والأخت والأخ والأب!!!!!!. رغم نظرات الوجوم والغضب الصامت الذي خيم على المكان، أستطعت أن أقرأ بوادر انفجار لبركان ينذر بوعيد!!!!!!، وأحسست أنه لحظة تسليم الجثمان فسوف ينفجر البركان وسوف تخرج أمدرمان عن بكرة أبيها لتشهد بذلك!!!!!!، وبينما نحن كذلك!!!!!، كان الناس يتلمسون الأخبار حول أن الجثمان سوف يتم تسليمه الآن!!!!!!، وبعد لحظات، سمعنا أن الجثمان قد تم تسليمه لأهل الشهيد وخرجوا به من باب أخر، وأن الدفن سوف يكون بمقابر حمد النيل!!!!!!!. تم إبعادنا من المكان الذي ننتظر فيه بالقرب من المستشفى بواسطة عناصر من الشرطة وجهاز الأمن!!!!!. تفرقت بعض الجموع بنية الذهاب إلى مقابر حمد النيل للدفن!!!!!!، وبينما أُهم بالانصراف سمعت صوت طالبة تنادي وتقول أن الجثمان تم تسليمه وأن الدفن بمقابر سوق ليبيا!!!!!!. ثم سمعت أن من ذهبوا إلى مقابر حمد النيل ومقابر سوق ليبيا لم يجدوا دفناً هنالك!!!!!!!!. تحيرت في أمري، وشعرت أن هنالك تخوفاً كبيراً من تسليم الجثمان الذي يعني مزيد من الثورة والغضب وسوف يفتح طاقة جهنم!!!!!!، وحزنت لحال الطلاب وأهل الشهيد ولحالي، فالجميع كان يلهث ويجري وراء سراب لا يعرف أوراه إلا جهاز الأمن!!!!!!، وحزنت للحال التي وصلنا إليها، فحتى لحظات الموت التي تعتبر من أشد اللحظات التي تنحني فيها الهامات والقامات!!!!!!!، الموت عظة وتذكير وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير!!!!!!! والموت هو الخطب الأفظع، أصبح لعبة يساوم بها جهاز الأمن ويتلاعب بها لتحقيق أهدافه!!!!!، فلم يهتم أحد لجزع ولحزن أهل الفقيد في مصابهم الجلل، فقد تفرق أهل الشهيد بين المقابر ولم يستطيعوا حتى أن يباشروا مراسم كفنه، ناهيك عن دفنه!!!!!!!. رجعت إلى المنزل وأنا أحمل علاجي وحزني ومصيبتي!!!!!!، وحتى هذه اللحظة لم أعرف إذا كانت الأجهزة الأمنية سلمت الجثمان إلى أهله أم لا؟؟؟ وأين تم دفنه؟؟؟؟؟، فما زالت المقولات تتضارب وتتناقض ولم نعرف أين توجد الحقيقة!!!!!!!!. كنت أعتقد أن تعذيب أبوذر على أيدي قوات الأمن، وأن مرضه الذي ما زال يعاني منه، هو أمر قاسي وعنيف ولا مثيل له!!!!!!!!، ولكن ما شهدته اليوم!!!!!!، هو أمر يفوق حد الوصف والخيال!!!!!!!!، فلم يخطر ببالي في يوم من الأيام أن هناك من يتكبر ويتجبر على آية الموت وعظته ونذيره!!!!!!!. وقلت في نفسي، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!!!!!.