غازي كباشي الشيء المدهش جدا ليس في حليب مدهش ولكن في سلطنة عمان تلك الدولة الخليجية المضيافة والفتية والتي لا تعد أصلا من الدول التي تمتلك ثروة حيوانية منتجة وربما تأتي في آخر قائمة الدول في العالم التي تمتلك ثروة حيوانية كبيرة.. حسب دراستنا للجغرافيا وحسب تصنيف السودان كبلد زراعي رعوي فأنه يحتل مكانة مرموقة بين دول العالم التي تمتلك وفرة عالية من الثروة الحيوانية من أبقار و ماعز و إبل وغيرها من الأنعام التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى أهل السودان… حسب علمي أن سلطنة عمان لا تمتلك غير حفنة قليلة من الأبقار مقارنة بما يملكه السودان من هذه الثروة .. ورغم ذلك تجد حليب مدهش وفي عبوات مختلفة صغيره و متوسطة وكبيرة يملأ أرفف المحلات الكبرى بالخرطوم ويتهافت عليه أصحاب الأموال وذوي الدخول من أصحاب اللحى الطويلة والشالات المزركشة وناس هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه… والأغرب من ذلك ان هذا الحليب (اي المدهش) كان يوزع على قوات الدفاع الشعبي (زاد المجاهد) ويحرم منه افراد القوات المسلحة في أرض العمليات حيث كان يرى فرد القوات النظاميه أخوانه من افراد الدفاع الشعبي وهم يتلذذون بإحتساء حليب مدهش ولسان حاله يقول يا أصحاب الجاه افيضوا علينا من المدهش او مما رزقكم به أهل الإنقاذ… فيقولون أنها محرمة على أصحاب القوات المسلحة… و لكن الشيء المدهش أكثر من المدهش الحليب أن هنالك مدهش عماني آخر يغزو أسواق الخرطوم بغزارة الا وهو مدهش معجون الصلصة المصنوع من الطماطم… هل تصدقوا أن السودان يستورد صلصة طماطم من سلطنة عمان بالعملة الصعبة والمعروف ان سلطنة عمان ليست بلدا زراعيا و لاتوجد فيها مشاريع زراعية … والزراعة فيها أهلية وبوسائل أقل من بدائية … ومع العلم أن سلطنة عمان تستورد الطماطم الطازجة من الأردنوالهند وأحيانا من هولندا ومع ذلك تصدر صلصة طماطم مدهش الى السودان… إذن المدهش هو أن السودان سلة غذاء العالم يشرب حليب مدهش من سلطنة عمان ويقوم بإعداد وجبة غذائه بمساعدة صلصة مدهش العمانية يا لها من مفارقة… ليست سلطنة عمان وحدها التي تنتج حليب كثير بأقل أبقار فهولندا تصدر ألبانها ومنتجات البانها الى دول كثيرة من العالم وهي لا تمتلك عشر أبقار السودان ولكن انتاج البقرة الهولندية الواحدة يساوي انتاج عشرين بقره سودانية من الحليب …. طبعا العيب ليس في البقرة السودانية ولا في راعيها.. ولكن العيب في وزارة ثروتنا الحيوانية و معاهد البحث العلمي الحكومية التي لم تسعى اصلا الى عملية زيادة انتاج الأبقار السودانية من خلال التغذية وتوفير مراعي غنية و رعاية صحية عالية وكذلك من خلال عملية التهجين وتحسين النسل لإستنساخ ابقار سودانية قادرة على رفع القوة الإنتاجية… إن السياسة الإنتاجية الصحيحة تسلتزم على أصحاب القرار اتباع سياسة علمية واضحة وذلك بإعداد الخطط التي تفرق تماما بين ما بين الأبقار المعدة لانتاج الألبان والأبقار التي تربي لإنتاج لحوم فقط وأخرى للتناسل والتكاثر مع أصناف عالية الجودة مثل أبقار الفريزين وكل الأنواع ذات الإنتاج العالي والجودة … كما أنه لا بد من إعادة النظر في أمر الزراعة خصوصا في مجال الخضروات والفاكهة بما يجعل من ولايات مثل الخرطوم ، الجزيرة والنيل الأبيض مواقع انتاج لمثل هذا النوع من المنتجات وذلك لتغطية السوق المحلي والخليجي الذي تستورد دوله الطماطم من الأردن والبصل من الهند والموز من الفلبين وغيرهم من منتجات الخضر والفاكهة من دول كثيرة أخرى لا تفوق السودان مساحة و لا خبرة في هذا المجال… والى أن نستعيد هيبة أبقارنا ومواشينا فالنجعل من المدهش العماني حدثا مدهشا يفيق فيه المسؤلين من غفوتهم المدهشة و نستعيد به زمام المبادرة نحو سودان ديمقراطي تنموي…