خلافاً لكل ما قيل عن أن عُمر الحوار الاخير ( بين نظام المؤتمر الوطني والاحزاب والقوى السياسية) سيكون قصيرا وأنه لن يستطيع الصمود وأنه سينهار ( قبل أن يصيح الديك) ، الا ان كل المؤشرات تدل علي أن انهيار هذا الحوار ، و خاصة بين حزب المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير, وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الشيخ حسن عبدالله الترابي لن يكون قريبا, وانه سيؤدى الى المصالحة بينهما, وأنه سيصمد ما لم يستجد معطيات سلبية يدفع المؤتمر الشعبى الي الانسحاب ، و ثم أنه غير صحيح علي الإطلاق أن حزب المؤتمر الشعبي قد بدأ كل هذه الرغبة تجاه حوار الأخير وأنه قد سارع اليه بدون شروط او تردد, وان ذلك تم فقط حبا في التخلص من هذا الخلاف المدمر بين الأشقاء أصحاب الايديولوجية الواحدة وانما ، ولكن الحوار قد تم البدء فيه باعتباره لغم " لغم" في العملية السلمية التى يمكن ان ينتج من المفاوضات بين النظام والحركة الشعبية قطاع الشمال والتى انتهت بفشل ذريع قبل شهرين ولعل ما يجب الاشارة اليه ونحن بصدد الحديث عن هذا الحوار الوطني, الذي لا يزال يعتبره بعض المراقبين والمحللين انه مجرد مناورة متبادلة بين قطبي الحركة الاسلامية, ويعتبره البعض ايضا أنه في حقيقة الأمر هروب من أزمات طاحنة كان يعيشها هذان الحزبان ، وان كل واحد منهما اراد الالتفاف علي مشكلاته الداخلية والخارجية ، وقد اراد الحزبان الظهور بمنظر من يريد الوصول الى الوفاق السياسى الكامل ، ولكن فى حقيقة الامر ان الحزبين يسعيان الى تحقيق هدف استراتيجى ، وهو السعى الى لم الشمل وتحقيق المصالحة " الاخوانية". وهذا يعني فعلا ان المؤتمر الوطني والشعبي قد ذهبا الي خيار المصالحة ووحدة" الحركة الاسلامية" مجبرين, فالمؤتمر الوطني بعد تورطه في الازمة السودانية والفشل في حلها ، وبعد تعطيل كل مناحي الحياة في الدولة, ومواجهة الضغوط من المعارضة السودانية عامة ومن الشعب السوداني ، اتجهه الي هذا الخيار" الحوار" اولا لشراء المزيد من الوقت للوصول الي الانتخابات المقبلة, وثانيا اراد المصالحة مع عرابه وشيخه ومخطط انقلابه المشؤوم فى عام 1989, ليخوضا معا الانتخابات. لهذا اتجه الي خيار الحوار ، اي خيار المصالحة الاخوانية ووحدة الحركة الاسلامية, لتجنب غضب الشعب السوداني واسترداد بعض الثقه المفقودة ، في حين ان المؤتمر الشعبي ، والذي فقد كل رهاناته السابقة علي الاخوان المسلمين ، رغم انه يمثل احد فروع تنظيمهم الاساسية, فقد وجد انه لا خلاص له إلا بالعودة الي الدفاتر العتيقة واحياء الشعارات السابقة بينه وبين المؤتمر الوطني ، والتي ليس من بينها انقلاب 1989 الذي لم يجر الحديث عنه ولا التطرق اليه اطلاقا فى الاعلام ! كان حزب المؤتمر الشعبي قد بني استراتيجته, باعتباره فرعا ل" الاخوان المسلمين" وردد كل أعضائه قسم: " الولاء والطاعة" للمرشد العام, علي أن هذه المرحلة هي مرحلة" اخوانية" عربيا واسلاميا وعالميا وان حكم" الاخوان" في مصر راسخ كرسوخ أهرامات الجيزة في مصر وانه في حقيقة الأمر حكمهم هَم علي اعتبار ان الخرطوم ملحقة ودائما وابدا لدى الخرطوم مصر هى الشقيقة الشمالية الكبري.. وايضا وانه لا داعي وجودهم في قوي التحالف الوطني المعارض اطلاقا وان علاقته مع دولة قطر ستبقي مريحة وان قاعدته المعروفة في هذه المنطقة ستبقي من دون اي منفعات حتي التحرير: "من البحر الي النهر". بعد مصالحة الرياض التي استندت الي اتفاق سعودي- قطري وبوساطة كويتية ينص احد بنوده علي التزام"الاشقاء" القطريين باخراج كل قيادات الاخوان المسلمين ومن ضمنهم الشيخ يوسف القرضاوي, وبعض قيادات اخوانية أخري من الدوحة.. بعد هذه المصالحة أحس حزب المؤتمر الشعبي بانه لم يعد امامه إلا خيار العودة الي الحوار لوحدة الحركة الاسلامية السودانية والعودة السريعة والعاجلة الي جناحه العسكري ، وهو المؤتمر الوطني برعاية ووساطة قطرية تحت ضغط التنظيم العالمي للاخوان المسلمين وايضا بمساعدة دولة الولي الفقيه الايرانية ، والتى كانت ولا تزال تعتبر رقما رئيسا في معادلة القوي لانظمة الاسلام السياسي. لقد جاء انهيار نظام الاخوان المسلمين في مصر بمثابة الطامة الكبري بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي, بل لكل الاخوان في السودان, والذين كانوا يعتبرون نظام الاخوان في مصر نظام كل الاخوان في العالم,وهو فعلا كذلك (شاهدنا الشيخ حسن الترابي في مقدمة المتظاهرين في الخرطوم تأييدا لشرعية محمد مرسي), هل الشرعية من الشعب أم من الكرسي؟! فوجد المؤتمر الشعبي نفسه في سجن كبير هو الخرطوم وقد شمل النظام الجديد, نظام حركة الثلاثين من يونيو, بقراره اعتبار" الاخوان" منظمة ارهابية, إذا الرسالة واضحة من مصر والسعودية اتجاه الاخوان المسلمين, وتعتبر " الشعبي" واحدة من هذه الحركات ، مما أدي الي وضع الكثير من القيود علي قيادات المؤتمر الشعبي في المستقبل القريب, ومما جعله يعيش حالة من الاختناق الشديد في السودان الذي يعد الأكثر والأهم والوحيد في المنطقة والعالم لاستيعاب الاخوان المسلمين ، وهذا يؤكده لنا كمال عمر, الامين السياسي ل" المؤتمر الشعبي " في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم يوم الثلاثاء الماضي, عن تمسك حزبه بالحوار بمعزل عن مواقف الأحزاب المعارضة الأخري بقوله :" هرولة تلك الأحزاب الي تأييد السيسي علي الشرعية فى مصر", وأضاف ان" أي محاولة لاعطاء السيسي الشرعية الانتخابية, تمثل كذبة, قاطعا بأن مصر حاليا عادت مئة ألف عام الي الخلف ولعهد الفرعون", معلنا مناصرة حزبه لجماعة" الإخوان المسلمين" وللشعب المصري الرافض السيسي) حسب تعبيره . إن هذه الاجراءات التي طبقها النظام المصري علي جماعة" الإخوان المسلمين" قد أصابت القيادة السياسية للمؤتمر الوطني والشعبي بالشلل التام واتصالاتها الخارجية توقفت مما أدي الي النكوص عالميا.. وهكذا ولعل الأخطر من هذا كله أن هذه القيادة وفي مقدمتها الشيخ الترابي بدأت من خلافات مستجدة بينه وبين قيادة جماعة" الإخوان" في مصر الذي بات يشعر بعدما فقد الأمل بقياداته السياسية بالخوف من ظاهرة تسرب بعض أعضائه وكوادره الأساسية الي تنظيم" القاعدة الارهابية". ثم ومما زاد الطين بلَة, كما يقال, أن أعضاء المؤتمر الشعبي في السودان يعيشون بعد خمسة عشر عاما من المفاصلة الشهيرة 1999, أوضاعا شديدة المأساوية وأن اعضاء حزب المؤتمر الشعبي اصبحوا يحسون في ضوء كل هذه المستجدات أنهم سوف ينفجرون فى وجهه أمينهم العام الشيخ الترابي وينقلب عليه فجأة وفي أي لحظة ولذلك فإنه لم يعد أمامه من أجل الخلاص العاجل إلا الهروب والهرولة الي الأمام والعودة الي من أدارظهره اليه وهو الحوار الذي أطلقه جناحه العسكري (المؤتمر الوطني) وعدم التردد في الارتماء العشوائي في أحضان المؤتمر الوطني وفى نفس الوقت في أحضان الحركة الاسلامية السودانية. كما أكد لنا كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي عن استمرارية الحوار بمعزل عن القوي السياسية المعارضة بقول:" لو تم اعتقال قيادات المؤتمر الشعبي أنفسهم, بمن فيهم زعيم الحزب حسن الترابي, فلن نتراجع عن الحوار". ولذلك فإنه من المستبعد جدا أن يتراجع هذا الحزب, أي حزب"المؤتمر الشعبي" عمَا دخل عليه قبل أيام قليلة في الحوار الوطني في المدي المنظور وذلك طالما بقيت مسيرة جماعة" الإخوان المسلمين", الذي هو فرع منهم, متجهة ، وفي المنطقة كلها وبل العالم بأسره من السيئ الي الأسوأ وهنا فإن ما يدل علي هذا أنه بادر وبسرعة وعلي غير العادة الي تمجيد التصريحات والحوار الأخير الذي أطلقه الرئيس السوداني عمر البشير والذي جدد فيه التزام المؤتمر الوطني بحل للأزمة السودانية والتمسك بالحل السلمى واطلاق المعتقلين السياسيين والحريات وانعاش الهوية والحوار مع جميع قوي المعارضة سواء مدنية او عسكرية. وكذلك ربما يصح ما يقوله البعض من ان هذا الحوار سيجدد الانقسام بين الشعبي والوطني من جهة وحزب الامة القومي برئاسة المهدي من جهة اخري علي اعتبار انه سيصبح هناك مركزان لقرار الحوار, الاول في جماعة الاخوان المسلمين والأخر في الحركة الاسلامية اي بمعني الأخر هيمنة الاخوان علي مفاصل الدولة! ولذلك تم اعتقال الصادق المهدي لاسباب سياسية ، وليس بسبب تصريحه ضد المرتزقة الاجانب التي يقودها" حميدتي", فمن المفترض علي حسب مخرجات الحوار, ان السفاح عمر البشير سيكون رئيسا للجنة الحوار التي تتشكل من الاحزاب, اضافة الي رئاسة الحركة الاسلامية والبلاد, حيث يقرر البشير أيضا اجراء الانتخابات في موعدها.. وهذا يعني أنه لن يكون هناك أي حوار يخرج السودان من أزمته, بل انما يزداد تعقيدا بمصالحة الذين حكموا السودان منذ ربع قرن. ثم.. وإنه لابد من الإشارة الي أنه لدي السودانيين الفترة الكافية كي يرتبوا أوضاعهم التنظيمية والسياسية لخوض معركة المستقبل, فالاسلاميون تحت ضغط أوضاعهم السلطوية المهلهلة وغير المتماسكة لا يريدون استئناف المفاوضات المتوقعة قريبا والسودانيون المنشغلون باستكمال عملية تصالحهم السياسية واستعادة وحدتهم الوطنية بدورهم لا يسعون لاستعجال هذه المفاوضات, وهذه ايضا هو موقف المجتمع الدولي الذين ينشغلون الآن بما يعتبرونه الأكثر أولوية واوله مشكلة اوكرانيا الملتهبة وثانية الأزمة السورية وثالثة أزمة جنوب السودان ورابعة الاتفاق النووي المتعثر في ايران. ولكن اليوم الحاصل في العراق مسألة حرجة للمجتمع الدولي أيضا. صحيح أن الثقة تكاد معدومة بين جماعة الإخوان المسلمين في السودان سواء الوطني او الشعبي وجماعات أخري ، لكن ما يدعو الي الاعتقاد الجازم بانه لا تراجع قريبا من قبل حزب المؤتمر الشعبي عمَا وافق عليه من الحوار طالما ان هذا الحوار قد جاء لانتشاله من أزمة طاحنة وبالتالي فانه يعتبر موضوع الحوار من الاهمية بمكان , ولذلك فانه من غير المتوقع هناك تراجع" الشعبي" عنه ما دام أوضاع المنطقة هي هذه الأوضاع وما دام جماعة الإخوان المسلمون يتراجعون علي هذا النحو. احمد قارديا خميس