[email protected] يسعدنا ويسعفنا الاخ قوقل ،ابن خالتنا الانترنت، بكنوز ودرر كلما سألناه وعندما لا نساله حتى. ومما اقتنيته منه تسجيلا صوتيا محببا وجميلا لحلقة من السهرة التلفزيونية الشهير مطرب وجماهير استضافت المبدع الأشهر النور الجيلاني اتم الله شفاءه واسبغ عليه جميل عافيته. يعود تاريخ الحلقة لفجر ثمانينيات القرن الماضي. حينها كنا أطفالا بالمرحلة الابتدائية واذكر أن طفولتنا كانت تستمتع بالخلط المندهش بين النور الجيلاني وبوب مارلي حتى انني شخصيا كنت مقتنعا بيني وبين نفسي أنهما أولاد خالات أو شيئا من هذا القبيل.وكانت الطماطم لاتزال تتمتع بموقع متميز في مائدة الطبقة الوسطى السودانية .. معجونة بالدكوة أو الجبنة في الإفطار ومفجخة في ملاح الغداء، أومقطعة مع الفولة الكاربة عشاء إن كان الطقس يسمح بوجبة ثالثة. لم يكن حينها الجيب يمتنع بحال من الأحوال. سقى الله تلك الأيام وذكراها شآبيب الغمام . كان واضحا من حديث النور جيلاني في تلك السهرة، أن النقاد الفنيين كرهوه في طريقة أدائه المميزة والمضيفة لأغنيات الحقيبة فاعلن في جو شابه الصدق والظرف أنه لن يغني من الحقيبة أكثر مما غني ، لكن بصماته ترسخت في وجداننا في (صفوة جمالك) و(وفي الضواحي) وغيرها مما سمعه محبوه وأدهشهم وأعجبهم حتى الثمالة. الشاهد في الأمر أن تلك الحلقة عمرها أكثر من 30 سنة الآن وهي نفس الفترة التي تفصلها تقريبا، من الجانب الآخر لخط الوقت، عن نهاية عهد الحقيبة الأولى في الاربعينات والخمسينات. علينا ننتبه إذن أن أغاني السبعينات والثمانينات، ومن بينها اغاني نور الجيلاني نفسها، أصبحت لنا بمثابة (حقيبة ثانية) ينهل منها المبدعون الشباب مثلما نهل الذين من قبلهم من نبع الحقيبة الأولى. لقد حدث هذا عندما صارت أغاني سيد خليفة وزيدان ابراهيم وثنائي العاصمة وغيرهم وغيرهم (تختة) يجرب فيها أشبال (نجوم الغد) مواهبهم، في ذات الوقت الذي صارت فيه الطماطم بعيدة عن المائدة نوعا ما ليحل محلها بليلة العدسي المضاف إليها زيت وشطة كبديل عن الفول الذي استعصم هو الآخر بالبعد عن السودانيين الذين اصبحوا جميعهم تقريبا طبقة تحت-وسطى بكثير وظهرت بدائل مقيتة بضم الميم رغم أنها مقيتة بفتحها مثل سندوتش الموز والجلكسات وما خفي كان أمقت. صحيح أننا نهرب من الطماطم لأننا تطورنا في الفقر ولم يعد ثمنها متوفرا في جيبنا على الدوام ولكن مع ذلك صارت الطماطم (تخوف) نتيجة للإهمال قبل سنوات تعد على أصبع يد واحدة من تاريخ تسجيل تلك الحلقة فشلت ثورة سودانية شبيهة في تأثيرها بثورة سبتمبر إلى خد كبير. فمثلما زلزلزت سبتمبر عرش البشير دون أن تطلق عليه رصاص الرحمة وقد كادت، زلزلت ثورة 2 يوليو 1976 كيان النظامي وافقدته صوابه وغيرت تماما طريقته في إدارة البلاد. نقطة الشبه الثانية بين يوليو 76 وسبتمبر 2013 أن ذات القيادات السياسية التي تسببت في فشل الأولى لا زالت تعمر المشهد وكان لها القدح المعلى في صناعة الواقع الذي قادنا لما نحن فيه الآن يتحكم فينا فيه رئيس راقص فاقد الأهلية ويضطر فيه أولادنا لأكل سندوتشات الموز والجلكسات، إن وجدت، وإن نجوا هم من القتل اليومي المترصد، ولا زالوا يتطلعون إلى المزيد من إرهاقنا بغبائهم وفشلهم. واحتفاءا مني بذكرى 2 يونيو 76 ، بطريقتي الخاصة، طالعت خلال الاسبوعين الماضيين معظم ما كتب وقيل عن أسباب فشلها في إسقاط النظام . ولم أجد اتفاقا وتطابقا إلا في اثنتين، تنافس المكونات السياسية على غنائم السلطة قبل سقوط النظام حتى، وضعف الإمدادات أو عدمها على نحو أدق. تخيل أن هؤلاء الشباب الذين تحملوا أسوأ الظروف وأصعبها خلال سنوات في معسكرات التدريب وفي الفيافي والصحاري لأجل تلك اللحظة التاريخية لم يقدم لهم السياسيون سوى سيارات خردة زادتهم رهقا واربكت خططهم وساعة صفرهم واقتحموا على جيش النميري النظامي ثكناته وانتصروا عليه ثلاثة أيام بلياليها على الرغم من أنهم ظلوا يعانون العطش والجوع قبل وأثناء المعركة بأمر ذات السياسيين الذين كانوا مشغولين حينها ببزاتهم وكرافتاتهم وبأن (يتشاكلوا) حول من يذيع البيان ومن يكون وزيرا هنا ومن لا يكون هناك . فتأمل. الجدير بالذكر أن من الذين قتلهم نميري في يوليو 76 عقب فشل الثورة كان المبدع وليم اندريا ويبدو أنه اشتبه في أنه يؤوي بعض الذين شاركوا فيهافي منزله. بيد أن مهرجانات الثقافة لم تنقطع ابتداءا من تلك السنة نفسها والتي انتجت لنا مطربين كانوا ملء السمع والبصر منهم عبقري الغناء السوداني والعالمي المرحوم مصطفى سيد احمد ومنهم الانسان الفنان خوجلي عثمان الذي قتله الانقاذيون (انتو الديكتاتوريات دي مشكلتا مع الفنانين شنو؟ ) ومنهم حبيبنا النور الجيلاني نفسه متعه الله بالصحة والعافية. 37 سنة أو أكثر بين الثورتين المجهضتين ولا زالت الأسماء التي كانت جزءا من ذلك الإجهاض تتحاوم حول هذا الإجهاض، صحيح أن تلك كانت ثورة مسلحة وهذه سلمية، لكن في الحالتين بذل شباب مخلص يافع روحه والغالي والنفيس محبة في هذا الوطن وطلابا لرفعة شأنه وعزة أهله واستشهد المئات منهم في المرتين.وما نود الخلوص إليه هو المناشدة المملوءة بالإعزاز للقيادات السياسية التي جاءت بنا إلى هذه المساغب من زمن الطماطم ويونيو 76 والحقيبة ، أن تستحي وتغيب عن المشهد فنحن نعرف عين اليقين أن طريقتهم في أداء أغنية الوطن مليئة بالشترة وبالقبح والنشاز. ومثلما أن الحقيبة لم تعد مرحلة واحدة وصار هناك حقيبة اولى وحقيبة ثانية وربما ثالثة. فكذلك قيادة الشعوب في المعارضة والحكومة تحتاج لإصدارات ومدارس وطرق جديدة ليس من بينها هذا العك الذي دمر كل أوجه الحياة في بلادنا حتى قائل القائل وصدق : السبعة أشياء التي يفلح فيها السودانيون هي أربعة : الغنا والولادة .