هاتريك.. لوكمان يصنع تاريخا أفريقيا جديدا بالنهائيات الأوروبية    آل إيه.. آل هزمنا الأهلى والترجي!!؟؟    المريخ يخرج بالتعادل الايجابي أمام سيراميكا المصري    عادل الباز: من ياتو ناحية.. يا أشاوس؟!    لجنة حصر النازحين فى المدارس والمعسكرات تناقش المواقع المقترحة لإقامة معسكرات بديله لتفريغ المدارس    البرهان يتفقد الجرحى والمرضى والمصابين بمستشفى شندي العسكري    أتالانتا ينهي سلسلة ليفركوزن التاريخية    مصدر مصري يرد على اتهامات "منع إدخال المساعدات إلى غزة"    مفضل يقدم بيان السودان أمام المؤتمر الدولي حول الأمن النووي    شاهد.. في فيديو مؤثر: أطفال الشهيد محمد صديق يهتفون في عزاء والدهم: (الله أكبر أبونا شهيد)    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    شاهد بالصورة والفيديو.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر مع حسناء ويطالبها بالهتاف لقاداتهم وتمجيدهم والجمهور يسخر: (سبايا الجنجا)    شاهد بالفيديو.. سوداني بإحدى دول الخليج يحرج الفنانة رؤى نعيم سعد ويقوم بوضع أموال النقطة داخل جسدها أثناء تقديمها وصلتها الغنائية والفنانة تصده على استحياء    هل دفع ميسي ثمن رعونة البدايات؟    شاهد بالصورة والفيديو.. العادات السودانية تقتحم البيوت المصرية.. عروس مصرية تجرب "دخان" النساء السودانيات وتشيد به    كيف ولماذا عاد الكيزان الي المشهد ..    في خطوة أثارت استياء إسرائيل.. 3 دول أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية    واقعة جديدة لتحرش سائق نقل خاص بفتاة في مصر.. والداخلية تكشف الملابسات    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    ودقَّتْ طبول انتخابات الرئاسة الأمريكية    ترتيبات لتفويج الحجاج بالفاشر    المدير العام لقوات الشرطة يلتقي بمكتبه ناظر عموم قبائل وعموديات البجا    قرارات إجتماع مجلس الإدارة برئاسة معتصم جعفر    حسين خوجلي: وما زالت الجزيرة في محطة الانتظار المفضوح    البطل محمد صديق ..هل تم تسليمه..؟    ولاية الخرطوم تشرع في إعادة البناء والتعمير    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الثلاثاء    قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    الحقيقة تُحزن    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(مجتزاءات من آمي وحكايات المدينة عرب)
نشر في حريات يوم 08 - 08 - 2014


عبد الفتاح عرمان
[email protected]
أكتوبر 1988 قُبيل هجتي الكبيرة تلك وبُعيد غضب المطر وجنون السيل الذي هو علامةٌ ليتنا إستبناها،قصدت المدينة عرب ذات خميسٍ وأتاتني له المشاغل،أظنني اصطحبت معي مثلما تعودت بعضٌ من أصدقاء النسيج أدركناها بعد العصر وملامح البيتَ كثيرٌ من الحميمة حيث يقتعدون لها عناقريبنا الهبابيات بصدرِ الفناءِ ذلك وظلِ حُجرة أبي يرحمه الله ثم يتسامرون،تيمم بهم المؤانسةِ ديارهم وأهليهم ثم يطوفون بذكري الغائبين من أهل الدار ولي من ذلك نصيبٌ لا شك وافر لغياباتي الطويلة نسيبا رغم مرمي نظر مكاني (مدني).
لم يكونوا وحدهم أهل الدار (أبي،أمي،اشقائي السر وأمنة) خليةٌ من النحلِ البشري بيتنا كان،ضجةٌ رحيمة ووجوهٌ مستبشرات كأنه العيد أو كأنما بيتنا (الواقف براهو) يتأبط فرحةً لا علم لي بها،البهجة لا تقُلقك لكنَّ عدواها تجذبك لمركز دائرتها وتُذهب عنك الوعثاء ولا وعثاء أنما تعثر (البرينسة) ومجابداتها مع تراب دروب الجزيرة الفادح النعومة.
كانت النساء أغلبية راجحة وأنيقة انها مواجبات العصاري التي يُدلكنَّ لها الطرقات جمالا ومحنناتٍ راتبة منذ أزل تقسيم العمل وفق مقتضيات العصر الأبوي.
كانت أمي مركز إلتئام ذاك العصر بدا لي وجهها مرهقا لكنَّ بسمتها أضأته،أبصرتُ بعض ظلالٍ تُحيط بعيونِها وتجري علي طول شلوخها المطارق،جالسةٌ كانت وجمع النساء حلقاتٌ تمتدُ من بطن راكوبتها حتي باب بيتنا الصغير،سالمنني وطايبنني وحِمدن الله علي سلامة امي.
أدركت امي احتضنتني شممتها وشمتني لكنني لاحظت عند المسالمةِ انها مدت لي الرسغ،كان كفها ملفوفا بخرقةٍ قماش قديمة لكنها نظيفةٌ خضراء،بردَ حيلي.
الا ان شقيقي الراحل السر سندني وأخذني حيثُ أبي وضيوفه وضيوفي،كنتُ بادئ الأضطراب تتنازعني الأسئلة والمخاوف،أحسستُ ببعضِ طمأنينة لمرآي الناس دخولهم سلامهم ثم ضحاتكهم يبدو أنها أزمةٌ وعبرت،استعدتُ ملامح أمي سِماتها وما أعتري الوجه وبان علي يدها من ورمٍ بائن.
كان وجه الراحل السر مستبشرا ولا جديد فهو كثيراً يطرب للضيوفِ ومجئيهم،تفرش لهم روحه الصدّيِقة انضر ملايات ترحابها،تقابلت عيوننا فحبست المآقي دمع الأخوة دارته بأبتساماتٍ قليلة الحِيلة تستوجبها فناءات الحضور الرجالي،ألحفت عيناي السؤال فأجابني وسمعت.
لا فرق بين رواية أمي والراحل شقيقي،لكنني انتميتُ لما روته ثم مزجتُ الروايات.
أكتوبر مطالعٌ للشتاءِ،تُظعن الشمس نحو كويكباتِ السرطان بمدارها الشمالي،اما شتاءُ الجزيرةَ فجُله يأخذه الحقل كدحٌ وإبذارٌ ومواسمٌ إتصلت حيث أخضرت له ارضها السمراء وتبرجت فتنةٌ تسر الناظرين،أما ناموس درانا فشتائيةٌ وتائره،نحتفي به ونجأر بالشكوي منه وهكذا الناس أجمعين يأوون لدفء الحجرات تجملهم المسامرات الشيِّقة إينما انتهي بهم الليل.
قالت امي وقال شقيقي الراحل وقالت أمنة كما حكوني اخرين وأخريات.
ان فاطمة الشايقية عصرا بدري طوت علي المنجل شوالها بعد ان ودعتهم وتركتهم بظل فناءِ البيت يتسامرون،سلكت دربنا الصاعد شرقا،مرت فيما مرت بجمع (الضمنةِ) بشجرة المرحومة (مكة) إنعطفت يسارا خفيفا عند طاحونة (ود الحاوي) ثم يميناً صوب الطرفِ الجنوبي لحي الموظفين،كانت وجهتها حواشات الذرة شرق الحي نفسه.
قالت أمي يا محمد حين صحوتُ لصلاةِ الفجر صرفت انقباضا اعتراني،تخليتها جالسةٌ بمنتصف عنقريبها و الفجرُ خيطٌ شفيفٌ وجديد وآذانه بدايةٌ وصوت المؤذن جهادٌ نابض الانعتاق من النُعاس،رددت المآثور ثم استوت علي صراط الدعاء،لهجت بغناء روحها الي أن فضَّ صحوها غُلالة النوم وأسلمت للصبحِ آنيته (أصبحنا وأصبح الملك لله).
ثم مضي يومها مثل كل الأيام الأخريات أرجعت امي انقباضها لأمر عارض لان حسِّها اكمل طوافه بنا الغائبين،لم توفر لها دخيلتها او قلبها إشارةٌ تخصنا.
كلمتني انها انتظرت (غُنيماتها) وحين وصلنَّ من (سربتهم) المأجورة،ربطت أغنامها بالمُرِاح
ثم روت عطش تجوالهن الراتب لعيونِ الكلأ بمائها الممزوج ببقايا عجين (كِسرتها) لذاك اليوم.
كانت قد نوت منذ أمسها بعد ان تفقدت شوال (القش) واستبانت خلوءِه من الكلأ الذي تواظب علي توفيره كل يومين، اذاً أنه الميعاد حيثُ ان خيارها الأمثل هو (عِرق أب دم) تقصد له جهات المدينة عرب الأربع والمكان هِبة الزراعة وحواشات المشروع عِقدٌ مِعصمه البيوت.
لا تدري فاطمة بت ود المدائن لماذا قررت الذهاب شرقا حيثُ ينتهي (حي الموظفين) وتنهض الخُضرة حقولا كانت دورتها ذاك الموسم ذُرة.
تغدينا ثم شربنا الشاي قالت….
طويت الشوال علي المنجل و ربطته،ودعتهم ومرقت بالباب الكبير عكس عاداتي بالمغادرة ببابنا الصغير إذا نويت الذهاب لجلبِ (القش) لا أدري لماذا قررت التوجه للحواشات المجاورة لحي الموظفين برغم انني توقفت عنها لسنوات. اثار الخريف مازالت شاخصة بالمكان فأمطاره لعامنا هذا لا تشبه اي أمطار شهدتها من قبل تغير المطر يا (محمد) حتي انه اخلف كل عِيناته،(( لا (الطَرفه) بكِّايِه ولا (الجبهة) ندّيانة ولا (النترة) هي نترة ولا (الضراع) ياهو الضراع ولا الأسد ذاتو عندو صبر عشان نحسِب نومو وقيامو وغضبو وكواريكو أيام وضُهريات وضحويات).المطر يا (محمد) تغير ولا أدري ما الذي تخبئه لنا المواسم؟! المهم كانت أثار المطرتين او الثلاث التي أعادت حوائط البيوت لأصولها شاهدة تتبينها بخطِوكَ .
(باريت دروب الناس السالكة وضحكت علي الطوب الأحمر الذي بقي شاهدا علي محاولتهم النطيط إيام زنقة الماء،مسكين اخوك السر الله يبارك فيهو كانت مساسقاته لا تنقطع حتي انه (قطَعَ) ثلاثة (براطيش) وما فترت مشاويرو،سالمت (الفنقلوو) عِن باب بيتم وحمدلت ليهو السلامة من الملاريا فلقد ضاق إيامَ (كُرّبَة)،عند تقاطع دربي مع الشارع الصاعد للمستشفي والنازل لدكانِ (الفاتح القاسم) ومدرسة البنات المتوسطة شِلت غُصن شوك من الطريق وحمدت الله هي حسنتي التانية بعد مطايبة (الفنقلوو)،رأني (عمر ود الحرم) صاحبك ضحك وسالمني ثم عنك سأل،بعدو وقُبالة بيت (أحمد شين) قابلت صاحبك الاستاذ يوسف سالمني وايضا سألني منك،قلت والله محمد دا ظنيتو حيجي الخميس دا).
عند شجرة مكة حين مرت أمي كان الجمعُ كبيراً تباينت أعمارهم وجهاتِهم في المدينة عرب،انشغلوا (بالضمنةِ) عنما سواها حيتهم ولا أظنهم رأوها ثم مضت لا تلؤي الا علي عشاءِ غِنيماتها.
أتخيل خطوها رقيقٌ ورفيق،يحتشدُ صدرها بالدعاء،تتحاشي ما وسعت إنتباه الكلاب وجلبةَ إلتزاماتها،تُبادر بالتحيات وتطرب لذكراتها ومشاغل سلامها وفيضُ محانناتها.
الارض تحت خطوها سجادةٌ نحتت تضاريسها المياه وشغلتها الامطارَ أخاديدٌ من التعرجاتِ والانحناءاتِ والعلوِ والإنخفاض ثم رسمتها الأقدام الحافية والأحذيةَ المنتعلة كيفما شاءت إرداتِ مرورها ومنازعات بحثها عن مسالك مؤقتات.
اما البيوت فلقد تنازعت تشققاتها الصمود بوجه خريفٍ قادم وزمانٍ جاري،عادت موادَ زبالتها لأصولها الأولية التحق التراب بالتراب وتلكأ الروثَ بالجدار يُمسِكه العشب الجاف وبقايا سيقان القمح والذرة،أما الأبواب فلقد صارعت عتباتها الترحاب والصد فلا هي والغةٌ بالقبولِ ولا هي مستبشرةٌ بالرفضِ.
محمد سيف الدولة احمد محمد صالح
يوليو (2014).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.