[email protected] بروف عوض حاج علي، عالم لا يشق له غبار، وهذا أمر لا يحتاج لشهادتي المتواضعة، فقد شهدت له بذلك جامعات ودور علم عالمية، وابحاث قدمها ودراسات ابدع فيها، ولكن آخر باب كان من المفترض الا يطرقه هو باب السياسة التي تحاول ان تثبت أن «واحد زائد واحد» لا يساوي اثنين، الأمر الذي يناقض ما قام ويقوم به من بحث علمي ودراسات تبوأ بسببها درجة الاستاذية الرفيعة وفي أعقد الخصصات!! أقول ما أقول والبروف صديق أبادله احتراماً باحترام، ودائماً ما أدخل معه في نقاشات سياسية تخالف رأيه ولم يفسد اختلاف الرأي ما بيننا، فهو دائم الحضور في مناسباتي سراءً كانت أم ضراء، وهذا ما يعمق العلاقات بيننا ويزيد من احترامنا لبعضنا البعض!! لذا لا يظنن أحد ان خلافي السياسي مع البروف ناتج عن خلاف شخصي، فالذي بيننا اجتماعياً واخلاقياً وانسانياً عامر كل العمران!! اختلف تماماً مع البروف في مطالبته برفع الدعم عن الوقود والقمح والكهرباء، وهي ضرورات حياتية وارتفاع اسعار الوقود بالتالي يرفع اسعار القمح، فالقمح يزرع بالوقود، فرفع أسعار الوقود يرفع تلقائياً أسعار القمح الغذاء الاستراتيجي لغالبية الشعب السوداني!! ورفع الدعم عن القمح تترتب عليه زيادات أخرى برفع الدعم عن الوقود والكهرباء، يعني هذا ان الدعم يرفع عن القمح ويضاف إليه ما رفع عن الوقود والكهرباء يعني ارتفاع مركب على الغذاء الاستراتيجي لعامة الشعب!! كنت اتمنى لو تقدم البروف بدراسة عن تكلفة انتاج الكهرباء، وقد كتبت كثيراً عن ذلك فأسعار الكهرباء مرتفعة ليس بسبب ارتفاع اسعار الوقود بقدر ما هي اسباب إدارية تتلخص في الكفاءة الانتاجية، فرفع الكفاءة الانتاجية يزيد في انتاج الكهرباء، والسبب الثاني في تدني الانتاج المتدني اصلاً هو الفاقد في الشبكة الذي بلغ اكثر من اربعين في المائة، ومع ذلك يرغم المواطن على دفع قيمة الانتاج المتدني وفاقد الشبكة!! قمت بدراسة نشرتها قبل بضع سنوات في صحيفة «الرأي العام» واثبت فيها ان محطة بحري الحرارية بسبب تدني كفاءة الانتاج فيها تحرق ما قيمته ثلاثين مليار جنيه سنوياً في الهواء اضافة إلى ما تسببه من انبعاثات غازية قاتلة من اكاسيد الكبريت والنتروجين والاجسام المجهرية، هذا بالاضافة إلى خمسة عشرة الف طن من غاز ثاني اكسيد الكربون الخانق وهذه الكمية المهولة يومية!! وكان هذا استناداً إلى دراسات قامت بها جامعة ماليزية!! ثلاثين مليار جنيه سنوياً تحترق في سماء الخرطوم بسبب تدني كفاءة الانتاج. ويومئذٍ كان الدولار يعادل جنيهين فقط او قل بحساب الامس الفا جنيه!! على الحكومة أن تدعم الموظفين.. أخي البروف لقد ذكرت في احصائياتك نسباً مئوية كمثل ان ستين في المائة من السودانيين محرومون من الكهرباء وان واحداً وعشرين في المائة من الشعب السوداني في حالة فقر مدقع، ورغم ان هذه الاحصائيات غير دقيقة والواقع يقول غير ذلك ولكنك لم تذكر لنا نسبة الموظفين الذين طالبت الدولة برفع مرتباتهم كم نسبتهم إلى الشعب السوداني، وارجو حين يوضح هذه النسبة ما صدر من قرارات قبل أكثر من عشرين عاماً تخص المرافق العامة والتخلص منها، وكم نسبة الموظفين والعمال الذين شردوا جراء تلك الاجراءات!! لم يذكر لنا البروف كم نسبة الأغنياء في السودان رغم انه ذكر نسبة الفقراء وحددها بنسبة الفقر المدقع، فكم نسبة الفقر غير المدقع لم ترد هذه النسبة؟ وحسب ما أحصاه البروف فإن نسبة الفقراء والأغنياء مجتمعين هي تعسة وسبعين في المائة.. ورغم أنه عالم رياضيات معروف ومشهود له عالمياً لم يتقدم لنا بما يفيد أن الدعم الذي يطلب رفعه إلى أي نسبة يمكن ان يؤثر في انخفاض نسبة الفقر المدقع وغير المدقع، وأي تأثير يمكن ان يقوم به رفع الدعم من تخفيض عدد السيارات في المنزل الواحد والتي حددها بخمس سيارات، هل يا ترى ستتقلص هذه السيارات إلى أربع اوثلاث مثلاً؟!! وماذا يضير الفقير ذا صفة الفقر المدقع او غير المدقع من تقلص او زيادة عدد هذه السيارات، هل يا ترى ينصلح حال هؤلاء حين تصبح السيارات الخمس ثلاثاً او اثنتين او حتى ان اختفت جميعها!! لعل الأخ البروف عني سيارات معينة لم يفصح عنها، وذكر عدد السيارات الخمس تورية او كناية عن سيارات الدستوريين والتي قال أحد وزراء المالية المنبطحين انه حاول تخفيضها من خمس إلى أربع ورغم ذلك مني بهزيمة نكراء!! اما دعوته للشباب.. وليس للعاطلين الذين تكتظ بهم الشوارع.. بأن يتجهوا للزراعة والتعدين فهي دعوة لم تقم على دراسة علمية وتطبيقية ساهمت فيها الدولة بالقدر الاكبر، بل هي كلام والسلام، وهي دعوة للدولة لمواصلة التنصل عن واجباتها تجاه المواطن الذي شردته عن عمله وعجزت عن توفير عمل له بعد تخرجه!!. ذكرت في مقال سابق أن لولا دا سلڤا ذلك الكناس الفقير الذي تولى حكم البرازيل كان محور اهتمامه هو الفقراء الذين نجح في انتشالهم من الفقر واتاح لهم دخول الجامعات ودفع لهم تكاليف الدراسة وخلق لهم عشرين مليون وظيفة منتجة، وجعل لكل عائلة فقيرة مرتباً شهرياً كل هذا تم خلال ثمانية اعوام حكمها دا سلڤا، وليجبني البروف كم طالب في جامعته التي كان يديرها حُرم من الدراسة بسبب عدم المقدرة على دفع تكاليفها!! الزراعة والتعدين تحتاجان إلى المواد البترولية والقمح والكهرباء التي تطالب برفع الدعم عنها، ومن تدعو من العطالى لممارسة الزراعة او التعدين لا يملكون ما يمكنهم من ولوج تلك المهن التي تحتاج أول ما تحتاج إلى موارد مالية ضخمة، لذلك لا تجد الا الاغنياء واصحاب المقدرة هم من يستغلون هؤلاء للعمل معهم، الأمر الذي يرفع عدد السيارات في منازلهم إلى اكثر من تلك الخمس التي تستكثرها عليهم!!. ان الدولة ملزمة بدعم الفقراء حتى يصبحوا مواطنين منتجين، وعندها تسترد الدولة ما قدمته لهم في شكل ضرائب تدعم بها فقراء آخرين وتحولهم من حالة الفقر إلى الانتاج، هذا ما فعله دا سلڤا الذي رأيناه يطبق مبادئ الاسلام وهو غير مسلم!! رأى عمر بن الخطاب مسناً يهودياً يتسول بالمدينة، أخذ بيده إلى بيت المال وأمر له بمعاش شهري، وبرر هذا قائلاً «اخذنا منه الجزية وهو شاب يعمل أنتركه وهو عجوز كهل يتسول»، عليك رضوان الله يا عمر بن الخطاب.