(حريات) وجع على طالبات دارفور.. ليتها لا تضيع رباح الصادق المهدى أبدأ أولاً بتحيتك قارئي/تي الكريم/ة، بعد انقطاع طويل، فمنذ يوليو 2012م ونحن في حالة فراق، قطعتها فقط للعزاء أو المحاولة، بمناسبة رحيل الحوت الفاجع في يناير 2013م. وأعبر عن سعادتي أن يكون لقاؤنا هذه المرة في رحاب (التغيير) وطاقمها المميز ممن زاملتهم من قبل في (الصحافة)، أعني الأستاذين النور أحمد النور وحيدر المكاشفي، وغيرهما من الصحفيين والكتاب الذين أتشرف بصحبتهم. وأشكر رئيس التحرير الأستاذ إمام محمد إمام على الأريحية والترحاب اللذين قابلني بهما، والأستاذة عفراء فتح الرحمن التي "قشت" الدرب بتعبير أهلنا الطيبين.. وأرجو صادقة أن يكون كما تقول النسوة "جديداً متابع"، أي لقاء لا ينقطع. اخترت أن أبدأ بوجع قضية قضت مضجع الوطن مؤخراً وهي قضية طالبات دارفور بداخلية البركس. ففي اجتماع عقدته مبادرة لا لقهر النساء مع بعض هاته الطالبات بدار حزب الأمة القومي بأم درمان يوم الأربعاء 9 أكتوبر الجاري روين ما تعرضن له من فظائع بأيدي قوات ترتدي زي شرطة مكافحة الشغب، وأخرى تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وثالثة لقوات الدعم السريع، وفي حضور مسئولي الصندوق القومي لرعاية الطلاب بولاية الخرطوم، ومدير سكن (البركس)، والحرس الجامعي، وطالبات زميلاتهن ينتمين لحزب المؤتمر الوطني. القصة بدأت بإنذار للطالبات من قبل الصندوق علّق في يوم 25 سبتمبر يطالبهن بإخلاء الداخلية في موعد أقصاه 27 سبتمبر. بعض الطالبات ذهبن لقضاء العيد مع أهاليهن في دارفور أو في الخرطوم، وبقيت اللاتي لا يتاح لهن ذلك، غالبهن جئن من معسكرات النازحين في مدن دارفور التي تستقبل حوالي ثلث أهالي الإقليم الآن. تمسكن بحقهن في السكن لأنه الشيء الوحيد الذي يملكنه فلا خيارات أخرى، وحينما أوقفت أمامهن بصات الترحيل لداخليات أخرى بعضهن استجبن وغالبيتهن رفضن لعلمهن بأنه نقل مؤقت، فحالما تنتهي إجازة العيد وتأتي ساكنات تلك الداخليات وينذرن بالرحيل للشارع، وهذا بالفعل ما حدث لمن رضين، إذ تم إنذار اللائي حولن لداخلية البرهانية مباشرة بعد العيد ليخلين مواقعهن في تاريخ أقصاه الأحد 12 أكتوبر.. الشاهد، تمسكت الطالبات بالداخلية المأوى الوحيد المتاح لهن في غربتهن داخل وطنهن، وبأملهن أن العيد على الأبواب ولا يتوقع ممارسة فظاظات فيه، وأزمعن بعد العيد أن يكررن مشهد التضامن السنوي منذ عام 2011م، حيث يأمرهن الصندوق بالمغادرة ويعتصمن بوحدتهن وتضامن الأخريات وتنقضي سحابة الطرد. ولكن هذه المرة فاق السعار أية حسابات، وجد العزم على تحويلهن (رماداً) إذا اعترضن الطريق، بحسب رواية إحدى الطالبات على لسان أحد المسئولين الحاضرين، وفي ثاني وثالث ورابع أيام عيد الأضحى المبارك، بينما كان المسلمون في كل مكان يقدمون الأضاحي لله شكراً وتقوى، ويلبسون الجديد ويحتفون، تحول مجمع البركس لميدان معركة، قالت إحدى الطالبات، (صار البركس أشبه بمنطقة عمليات ذكرتني بمنظر حرق القرى وقصفها في دارفور). كان المشير عمر البشير قال في دعوة إفطار بمنزل دكتور التجاني السيسي في رمضان قبل الماضي، في لحظة نفسٍ لوامة أقسم بها خالقها، قال: (نحن، من الرئيس عمر البشير مروراً بالتجاني ولغاية ما نصل لغاية آخر واحد شايل بندقيته، كلنا وكل واحد عاوز ربنا يستجيب دعاءه ويتقبل عمله فكيف ده ونحن بنقتل ونسفك دماء مسلمين لأتفه الأسباب؟) مؤكداً (مافي حدث كبير في دارفور واللي حصد المئات لما جينا شفنا البداية لقيناها والله العظيم ما بتستحق الزول يضبح ليها خروف خلّي بني آدم!!) (بالنص من فيديو اللقاء في اليوتيوب). هل كانت تلك لحظة تجلٍ يتيمة، ثم واصل في سفك الدماء؟ المهم.. أظن كذلك الآن تعرضت هاته الطالبات لكل تلك القسوة، والضرب، والتحرش اللفظي والجسدي، لأتفه الأسباب! ما هي أسباب ما جرى؟ الرواية الرسمية على لسان الصندوق تقول إن إخلاء داخليات الطالبات كان بغرض بناء (5) أبراج رأسية بعد أن تبين أن هنالك (5) داخليات في المجمع آيلة للسقوط (هي بنايات مجمع الزهراء الذي تسكنه طالبات دارفور ويشمل داخليات خديجة، بركة، أم المؤمنين، سمية وأم أيمن). ولكن للأمر كذلك أبعاداً أخرى. فسكن طالبات دارفور في البركس يتم لقاء دفع مبلغ رمزي هو 25 جنيهاً في العام وفقما أوضحت بعض الطالبات، ولكن هناك خلاف بين فهم الطلاب ومنظمات المجتمع المدني وبين السلطة الانتقالية لدارفور والحكومة الاتحادية حول مدى تلك الاستحقاقات واستمراريتها، فالمطروح الآن هو أن تدفع طالبات القبول الحكومي 250 جنيهاً سنوباً، وتدفع طالبات الدبلومات والقبول الخاص مثلها شهرياً، وذلك باعتبار أن فترة الاتفاقية قد انتهت. والحقيقة أن اتفاقية أبوجا والتي عقدت في مايو 2006م، نصت في المادة (14: المؤسسات التعليمية)، على (إلغاء الرسوم المدرسية عن كافة الطلاب الجدد من دارفور على جميع المستويات لفترة خمسة أعوام) البند 86 (ب)، و(تخصيص ما لا يقل عن 15% من مجموع المقبولين في الجامعات العامة والمؤسسات الأخرى للتعليم العالي في العاصمة القومية) (لصالح طلاب دارفور لفترة عشر سنوات كحد أدنى) (البند 88). ولكن في نفس عام نهاية فترة إلغاء الرسوم (أي بعد خمس سنوات) تم تكرار التعهد ذاته في وثيقة الدوحة الموقعة في يوليو 2011م. ففي المادة 14 (الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا التي تديرها الدولة) تم الحديث عن تخصيص 15% من المقاعد المتاحة للقبول في الجامعات القومية للطلبة من دارفور لمدة 5 سنوات (البند 89)، و(يعفى جميع الطلبة أبناء النازحين واللاجئين في ولايات دارفور الذين يتم قبولهم في الجامعات القومية من المصاريف الدراسية لمدة 5 سنوات) (البند 92). هذه التعهدات الجديدة لم تدخل حيز النفاذ، واحتجاجات طلاب دارفور في الجامعات قوبلت بعنف بلغ غايته في حادثة مقتل 4 من طلاب جامعة الجزيرة في ديسمبر 2012م. الشاهد، وفقاً لهذه النصوص فهناك توقيتات معينة، وحقوق لطلاب دارفور، وتساؤل حول: كيفية إثبات أن الطالب/ة من المعسكرات لاستيفاء حقوقه المذكورة؟ عضو المفوضية القومية لحقوق الإنسان محمد أحمد الشايب قال للوفد الذي مثّل المحتجين بوقفة أمام المفوضية يوم الخميس 16 أكتوبر إن المسألة فيها تعقيدات، ولكنه أقرحقوق الطالبات الثقافية بتلقي العلم والسكن الملائم. وقال إن الصندوق أنكر أنه فتح بلاغات ضد الطالبات، ولكن إدارة السكن هي التي قامت بفتح بلاغات. والسؤال: إذا كان هناك بلاغ قد فتح فلماذا لم تتدخل الشرطة بإعلان المتهمات ورقم البلاغ وأماكن الحراسات اللائي يحتجزن بها؟ ولماذا أمسك بالطالبات جهاز الأمن والمخابرات الوطني؟ 15 منهن تأكد اعتقالهن، و26 لا زلن مختفيات، وجميعهن في مكان غير معروف. الأمر إذن متعلق بخطط معمارية مزمعة، واختلاف حول تفسير نصوص اتفاقيات السلام، وهي أمور مدنية لا جنائية، فكيف يؤدي لجلب ذلك الجيش العرمرم لبنات غضات الإهاب خاليات عن سلاح، متوشحات بذكريات مرة من غارات وقصف وأهالٍ تحت خيام الكرتون والمشمعات، وإمطارهن مع ضربات العصي دناوات العنصرية وبذاءات السوقية؟ أشكالاً من التحرش الملموس والمنطوق.. حينما يتحدثن كن يجهشن بالبكاء، وكان الوطن يعتصر جنبه الغربي من الوجع.. هكذا ذهب الجنوب، هل هكذا نود لدارفور أن تذهب؟ أيتها السلطة الانتقالية لدارفور، لا تكوني في صف الانتهاك. أيتها الحكومة اسألي أطرافك عن بناتك وأطلقي سراح المعتقلات. أيها الشعب السوداني لا تترك الطالبات في العراء، ولا تترك دارفور أيضا تضيع! وليبق ما بيننا (نسخة إلكترونية بدون سنسرة ذاتية).