تبحر الكاتبة التركية أليف شافاق في روايتها "قواعد العشق الأربعون" بجرأة القرن الواحد والعشرين في عالم المتصوفة من القرن الثالث عشر ميلادي. وأليف شافاق تكتب بالتركية والإنكليزية، وقد ترجمت اعمالها الى 30 لغة. ونشرت روايتها "قواعد العشق الاربعون" عام 2010 في الولاياتالمتحدة الأميركية، وقام بترجمتها عن الإنكليزية خالد الجبيلي ونشرت عن دار طاوي سنة 2012. وتتناول الرواية تفاصيل من حياة المتصوّف الأفغاني الإيراني التركي جلال الدين الرومي. ويمتد زمن الحكاية قبل وبعد سقوط دولة الخلافة العباسية على أيدي المغول حيث تنتهي الوقائع سنة 1260 ميلادية. وفي "قواعد العشق الاربعون" يلتقي "مولانا" الخطيب بالدرويش المشرد شمس الدين التبريزي لسلب الاخير لبّ وعقل مولانا الرومي، فيسكنه بيته بين افراد اسرته، وينشغل عن العالم كله بهذا الدرويش التائه. وقال شمس" في نهاية المطاف، ماذا يهم في أي مدينة أمكث، مادام الرومي ليس بجانبي، فحيثما يوجد، توجد قبلتي". ويفسران هذا الوله بينهما باعتباره عشقا معرفيا صوفيا، لكن الكاتبة أليف لا تسعى ان تقنع القارئ المعاصر بهذا الانطباع. وتكنيكيا، يصل النص من خلال مسودة رواية "الكفر الحلو" التي أُرسلت الى اليهودية الاميركية إيلا روبنشتاين الساكنة في بوسطن لتقيّمها، فتقع في حب كاتبها العولمي الشخصية، عزيز المتحول من ملحد يساري الى مسلم متصوف والساكن في امستردام. وتنمو علاقتهما رغم أّنّها ام لثلاثة ابناء كبراهم جانيت في السابعة عشرة تريد ترك البيت، فيما زوجها ديفيد لا يفتأ يخونها. ومن خلال سرد الكفر الحلو ومراسلتهما نعرف قواعد العشق الاربعين تباع. ويلخص عزيز مفهوم مولانا عن العالم بالقول" كما ترين يا إيلا، كل ما يمكنني أن أمنحك إياه هو اللحظة الراهنة، هذا كل ما املكه، وفي الحقيقة لا أحد يملك أكثر من ذلك". وهو بهذا يردد تصور الرومي عن العالم وتنكشف للقارئ تفاصيل علاقة غامضة بذلها المتصوف الخطيب مولانا للدرويش التائه، وتصل الى الأمور الى حدود قصوى. وتسير الأحداث باتجاه تزويج شمس الدين من ربيبة مولانا الساكنة في بيته "كيميا" العذراء ذات الخمسة عشر ربيعا، ليضمن بقاء الدرويش الى جنبه. وتدريجيا ينمو الهاجس الحسي لدى القارئ، هاجس محموم يفترض أن علاقة الايميلات بين إيلا وبين عزيز"كريغ" بدأت تنمو باتجاه التماس الجسدي، كما كانت العلاقة الصوفية الغامضة تثير لدى محيط الرجيلين هواجس حسية غامضة. وبنفس المقدار، وقبل 8 قرون ينمو هذا الشعور لدى القارئ، حين يعجز شمس الدين عن مقاربة عروسه الجميلة ليلة زفافهما، ويبقى بعيدا عنها بعد تلك الليلة رغم محاولاتها التي تعلمتها من المومس السابقة "زهرة الصحراء" ربيبة مولانا الأخرى لإثارته وتحريك فحولته. ولن يتمكن أي قارئ نبيه الا أن يفترض أنّ ما بين الرجلين هو الذي يحول دون مضاجعة شمس لامرأته. وعلاقة الرجلين قد يفسرها قول الرومي الشهير" كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر، غير أنّ هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات". وتتحدى علاقة إيلا بالمصور الكاتب التائه "عزيز" مستوى التفسير، فهي ترحل اليه مجذوبة بسحر علاقة الرومي بشمس، لتجده يُعلن لها انه مريض لم يترك له مرض السرطان سوى 14 شهرا، وبذا فإنه لا يريد ان يخرّب حياتها لأجل نزوة. التشابه بين الحالتين يكتمل، حين يتآمر أهل قونية على قتل شمس التبريزي، كما تآمر السرطان على قتل عزيز- كريغ! وقواعد العشق الأربعون تتخطى حدود الأديان، والاستقطاب الطائفي الديني العالمي السائد في يومنا هذا، فمولانا متزوج من "كيرا " المسيحية، وقبلها كانت زوجته "جوهر" بهائية، وهو لا يهتم أن تختلف الأديان ما دام المعشوق" الله" واحد. وينطبق هذا الى حد بعيد على شمس، فهو لا يهتم لحدود الاسلام، ويطلب من مولانا ان يشتري قناني خمر، ويشربها في الحانة ليفقد احترام الناس له، فيكون حبه خاليا لله، وليس حبا للثواب المنتظر من الله!. وفي القواعد الأربعين جاء أنّ "الاسلام يعني السلام الداخلي وضمنا الاستسلام، والاستسلام لا يعني أن يكون المرء ضعيفا أو سلبيا، ولا يؤدي الى الأيمان بالقضاء والقدر، بل على العكس تماما".وهو بهذه الطريقة يختلف مع كل ما ذهب اليه فقهاء الاسلام من المذاهب كافة. ونفس المقاربة، فإن إيلا اليهودية لم تمانع أن تقيم علاقة حب بملحد- مسيحي-متحول الى الإسلام الصوفي، ولم تمانع أن تتحدى ضوابط الديانة الموسوية الصارمة التي تحرّم ارتباط اليهود بآخرين أو أخريات من خارج ملّتهم بشكل قاطع. وتفتت التضحية الجسيمة على صخرة عجز فرضه مرض العصر السرطان، ولم تتفتت على صخرة علاقة غامضة تربط ديفيد بطرف ثالث. وبقيت شخوص الرواية الاخرى في ضوء تنامي العلاقة رباعية الأطراف عبر القرون.