سيف الحق حسن تخيل أنني طلبت من القراء الكرام التوقيع على تعهد يقضي بعدم التعليق في المواقع الإلكترونية. هذا تعهد غريب يقضي بحرمانك من حرية التعبير عن رأيك. ولكن لكي أقنعك بضرورة ذلك بإختيارك ورضاك فإنني أولا أقنعك بأن هذا ليس لغرض شخصي ومصلحتي الخاصة، وإنما يهدف للمصلحة الوطنية العامة ونصرة الدين مثلا. بإختصار إنك لن توقع على طلبي ما لم تكون قد خضعت لعملية تزييف وعي طويل جدا، أو بالأحرى غسيل مخ. هذا ما أريد تشبيهه بعملية تزييف الوعي التي تؤدي إلى جهل الإنسان. للمرأة النصيب الأكبر في المجتمع.. فقد زيف وعيها على مر السنين حيث جئ لها بالنصوص المغلوطة والمفهومة بالخطأ كالمرأة ناقصة عقل ودين، فصدقتها وصادقت عليها بنفسها فأصبحت مقهورة ومظلومة في مسيرة التزييف. إن الدين جاء أساسا ليحرر المرأة ووضع تشريعات لحفظها وإخراجها من دائرة التزييف والجاهلية. وقد نجح الأولون في جعل المرأة تشارك مشاركة فعالة في المجتمع بحسب زمانهم. ولكن عاد المتخلفون فزيفوا وعيها وجعلوها كومبارس أو كأي عامل يعمل خلف الكواليس. وبهذا التزييف لهذا العنصر المهم في المجتمع ضاعت الأجيال. فالام هنا ليست مدرسة إنما مربية مقهورة ومتضهدة تقوم بواجبها الفيسيولوجي مع طمس كبير لدورها السيكولوجي. وأعطيك مثالا بهذا الخبر: "أبدت أمانة المرأة بحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان مخاوف واضحة من الدفع بمرشحات لمنصب رئيس الدولة أو ولاة الولايات، وقالت إنها لا تريد خلق مشادات مع المجتمع، وأن هناك أسباباً تمنعها من الخوض في هذا الاتجاه. وقالت أمينة المرأة للحزب بولاية الخرطوم ابتسام خضر إن القطاع النسوي بالمؤتمر الوطني حريص على إشراك المرأة بصورة حقيقية وفاعلة في الانتخابات العامة، لكن دون التركيز على المناصب التنفيذية والسياسية. وأضافت أنهن يسعين للمشاركة الحقيقية في وضع السياسات التي تدير البلاد في المرحلة المقبلة، مؤكدة تمسك الحزب بمواصلة حملة الإصلاح، وقالت إنه لا تراجع عن الإصلاح ومستعدون لتقديم من كانوا يديرون العمل من خلف الكواليس لاعتلاء المناصب." [حريات: 31/8/2014م]. لاحظ كيف تم تزييف وعيهن. وما من شك، أن من بين نساء المؤتمر الوطني، متعلمات، وخريجات جامعيات. وهن لا بد أن يكن قد سمعن بحقوق المرأة، ومشاركتها في القضايا السياسية، وفي الحياة العامة. ولا شك أنهن يعرفن أن المرأة السودانية تقدمت على نظيراتها من نساء المجتمعات العربية، والأفريقية، وولجت مجالات السياسة قبلهن. ولكنهن يقبلن هذه الحقوق المنقوصة والدور الثانوي من رجال المؤتمر الوطني لأن وعيهن مزيف. وقد زيفوه بأن هذا ما يريده لها الإسلام، فلكي يكن طائعات لله، وخاضعات لشرعه الحنيف، يجب ان يخضعن للرجال. واظن أن كل هذا مستمدا من المنظرين الإسلاميين كأمثال حسن البنا الذي يقول: " أما ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الإنتخاب والإشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا آداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين"!![حسن البنا –حديث الثلاثاء صفحة 37]. لقد كتبت مقالات عدة عن حقوق المرأة يمكنك الرجوع إليها. فنحن نحتاج للمزيد من النشاط في توعية النساء بحقوقهن. فإن لم تخرج المرأة من دائرة تزييف الوعي لن يخرج المجتمع من ظلمة التنويم الإجتماعي. ومن أكبر المضار التي حدثت هو إضطهاد المرأة. فالمجتمع يرى النساء يعذبن ويجلدن ويغتصبن ولا يحرك ساكنا ولا يثور ولا يندد ولا يخرج بتظاهرة. وحتى عندما عرفوا ان الرئيس قال على ملأ من قومه: ان وطء "إغتصاب" جنسيات معينة من رجال بعينهم يمثل شرف لهن. والى ان جاءت جريمة تابت، والمجتمع خارج شبكة الوعي وفي سبات جماعي، ولا حياة لمن تنادي. القرآن الكريم وعي إجتماعي ولكنه للأسف يستخدم كتخدير جماعي… عندما كنت صغيرا قرأت كتابا عن معجزة الرقم 13 في القرآن الكريم، ومن ثم بدأت أركز أهتمامي بالإعجازات الأخرى والتي من ضمنها محاولة معرفة سر الحروف النورانية ك: آلم، كهيعص، حم … فقد قال أحدهم لي اننا إذا جمعناها (تصاعديا أو تنازليا..) تعطي معنى عبارة مهيبة وهي: "نص حكيم قاطع له سر". بهرتني المعلومة وضيعت وقتا ثمينا لأرتب تلك الحروف المبعثرة المتقاطعة. ويمكنك إستخراج عبارات أخرى منها ولكن ما الذي ستستفيد منه أويفيد واقعنا. ثم ظهرت موضة الإعجاز العلمي بتبني بعض رجال الدين مفهوما ان بالقرآن الكريم كل العلوم والمعادلات الرياضية والكيميائية والفيزيائية والعلوم المختلفة وغيرها. فربما ولكن كيف نستنبطها. أيريدون الناس ترك المواكبة والتطور العلمي وإستخراج هذه الأشياء منه أم ماذا؟. كنا سنرفع لهم القبعة إذا كانوا فعلا يكتشفون إكتشافات ويخترعون إختراعات جديدة منه. ولكنهم فقط يطابقون منه ما يكتشفه العلماء (غير المسلمين). وقد نقضوا كثير من النظريات العلمية من قبل إلى أن ظهرت حقيقتها بأنها آية من آيات الله في الأفاق. ولكن القرآن هو في حد ذاته وعي لمن يتدبره. فهو لا يدمدم على الظالمين والمنافقين والطغاة أبدا، ولا يداهن مع من زيف وعيه. فليس هناك عذر إن كان الإنسان يفعل الخطأ وهو لايشعر ولا يعلم، ويحسب إنه يحسن صنعا. فهذه مشكلة ذلك الإنسان الذي لم يفعل نعمة العقل والسمع والبصر والفؤاد لينجو من تزييف الوعي. فيقول عنهم الله تعالى: ((إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)) [الأنفال: 22]. إن إعجاز القرآن في تقديري هو انه نور للتوعية التي تسبب الإصلاح الإجتماعي في مختلف الأزمان كما حدث في إخراج قوم الجاهلية من الأمية إلى التحضر، وليس في مطابقة ما تجئ به العلوم لتثبت معجزته. ففيه عدم الظلم والصدق والأمانة والعدل وكل المبادئ الإنسانية الثابتة على مدى العصور. إنه كتاب ثورة توعوية للتغيير الإجتماعي الشامل نستنبط منه العبر والدروس للمضي قدما فيما يناسب واقع حياتنا.