لم يكن الوضع الإنساني السيئ الذي يعيشه إنسان جبال النوبة مهد صدفة ، فمنذ الثمانينيات الماضية تعرض شعب جبال النوبة للإضطهاد والتطهير العرقي الممنهج بغرض الإبادة العرقية وتغيير الهوية الثقافية والتهجير القصري الممنهج والمخطط له بإشراف الدولة السودانية. حيث تبنت الدولة الهوية العربية والإسلامية في ظل التنوع الثقافي والعرقي للشعب السوداني، فسعت لتقوية نفوز القبائل العربية والمجموعات المستعربة والمتأسلمة وتمكينها على حساب القبائل والمجموعات المحافظة الغير عربية او إسلامية ، وهي فكرة قديمة قدم الدولة السودانية نفسها وقد تضرر منها كثيراً كل من شعب النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور، فكانت اول تلك الخطوات عندما خصصت الدولة كتيبتين من القوات المسلحة السودانية بكامل عتادها العسكري لحماية المجموعات العربية، فكانت ان خصصت كتيبة لحماية قبيلة الرزيقات في ترحالها من مناطق دارفور بإتجاه المراعي الجنوبية في إقليم بحرالغزال بولاية شمال بحرالغزال قبل الإنفصال، اما الكتيبة الثانية فتم تخصيصها لحماية قبيلة المسيرية العربية في ترحالها من إقليم جبال النوبة إلى المراعي الجنوبية أيضاً بولاية واراب وبالعكس. لم تعلن الحكومة السودانية عن مهمة هاتين الكتيبتين إلا بعد ظهور وخروج التجاوزات والإنتهاكات عن سيطرتها والتي إرتكبتها هذه القبائل تحت حمايتها، من قتل وسلب وتلف للمزارع وخطف للأطفال والنساء ونهب للمواشي في حق القبائل الغير عربية والإسلامية والتي اصبحت تتهم الحكومة بمساعدتها ووقوفها خلف هذه القبائل، وتقول الحكومة في إجابتها على سؤال لماذا تسير القوات المسلحة بكامل عتادها العسكري مع المراحيل؟ (إن مهمة هذه القوات هي عدم السماح بوقوع نزاعات بين هذه القبائل والقبائل الجنوبية حتى لاتنهار إتفاقية أديس أبابا)! وكانت تسمى هذه القوات ب (قوات المراحيل)، ولكن سمة أسئلة ماتزال تؤرق مضاجع الكثيرين وقتها وحتى الآن! - ألم يكن من الممكن والأفضل ان تحدد نقاط على المناطق التي يتوقع ان تحدث فيها نزاعات -وتتمركز فيها هذه القوات الحكومية لضمان حيادية الدولة؟ - هل هذه القوات هي من توجه هذه القبائل أم ان هذه القبائل هي من تسيير القوات الحكومية حسب الإتجاه الذي تنويه؟ - ألم تكن هناك قبائل أخرى من دارفور وجبال النوبة تمارس نشاطاتها الرعوية والزراعية والحياتية الأخرى على طول الإتجاهات التي تقصدها هذه القبائل وقوات دعمها؟ - لماذا لم تشرع الدولة قانون او قوانين تنظم ترحال المراحيل وتحدد مساراتهم بما لايتعارض مع نشاطات المواطنين المستقريين؟ ( كأن يكون هناك مسار ثابت به نقاط إستجمام للرحل ومواشيهم، كيفية السير والتفويج، زمن الزهاب والإياب، إخطار مبكر لأعيان القبائل التي تقع على طول إتجاه المسار)، ويمكن ان تستغل هذه المناسبة السنوية أي الموسمية في برامج بسيطة تهدف إلى بناء الثقة و السلام الإجتماعي بين هذه القبائل اوالمجتمعات ورتق نسيجها الإجتماعي، ولكن يبدو ان للحكومة مخطط اخر!!. بعد تراجع حكومة الصادق المهدي عن تنفيذ إتفاقية أديس أبابا بالإلتفاف على بعض النصوص مما ادى إلى فشل الإتفاق، قامت الحكومة إثر ذلك بتغيير مهمة قوات المراحيل بعد سحب القوات المسلحة و تسليح هذه القبائل حتى تختار المراعي المناسبة لبهائمها بقوة السلاح دون رقابة من الدولة او محاسبة لأي تجاوزات ، لذا إختارت هذه القبائل مزارع القبائل الغير عربية هي الإتجاه للمسار نحوها ، وأي مقاومة من أصحاب المزارع تواجه بقوة السلاح من قتل وإتلاف للزرع بإدخال الأبقار بها وخطف للأطفال والنساء وإغتصاب للنساء امام زويهم، فكيف يواجه شخص في يده ( جراية) مع شخص مسلح ومدعوم من قبل الدولة، بل هو الدولة ذاتها ؟!! وقد إستمرت هذه القوات بنفس إسم (قوات المراحيل) حتى يعتقد الشعب السوداني ان هذه القوات هي ذاتها التي تتبع لقوات الشعب المسلحة وتقوم بنفس المهام التي أعلنتها الحكومة، ولكن الواقع غير ذلك حيث تقوم هذه القوات بفظائع ضد شعب النوبة ودارفور وجنوب السودان قبل الإنفصال وتنفيذ أجندتهم التوسعية بالإستيلاء على الأراضي. فقد كان للممارسات اللاإنسانية التي كانت ومازالت تمارسها هذه القبائل بمساندة الدولة دور كبير في إنضمام أعداد ضخمة من أبناء جبال النوبة للجيش الشعبي لتحرير السودان من أجل بناء دولة سودانية قائمة على التنوع التاريخي والمعاصر، وقد أكد السيد/ إسماعيل البشاري زين العابدين تغيير مهمة قوات (المراحيل) في تعليقه على مقال كتبه الأستاذ/ حامد أحمد حامد ونشر بصحيفة (الراكوبة) الإلكترونية بعنوان (هناك سؤ فهم … الصادق مؤسس المراحيل لايهاجم الجنجويد ..!) وذلك بتاريخ 17/5/2014م، فقد ذكر بعد القسم: (( # في يناير 1983م كنا برتبة الملازم في الجيش السوداني وفي اللواء الأول هجانة. # تم تكوين اول قوة مكونة من سرية مشاة بقيادة النقيب آنذاك عبد الرؤوف محمد إبراهيم يسكن الدناقلة شمال بحري وتمت تسميتها بقوات المراحيل . # تضم هذه القوة كل من الملازمين : (أ) حامد حمد تيراب وهو لواء معاش اليوم . (ب) الملازم عبد الباسط فضل المولى . (ت) الملازم شخصي الضعيف. # واجبات هذه القوات التحرك في مسار الرعي من أبيي حتى بحرالعرب بين الدينكا وعرب المسيرية بكل بطون القبيلة الذين يرعون في هذا المسار وحل المشكلات ومنع كل من يتعدى الحدود الفاصلة بين القبيلتين. # كان إسم (قوات المراحيل) يبعث الطمأنينة بين الرعاة… # عدت من التجوال برتية (رائد) او (المقدم) ووجد إسم المراحيل تم إفراغه من مضمونه في هذا العهد وقواته عبارة عن مليشيات ، ومجرد ذكر الإسم يثير الرعب في نفوس الدينكا وغير العرب وصارت مليشيات لاصلة لها بالقوات المسلحة.)) . كان بإمكان المجلس العسكري الإنتقالي بعد إنتفاضة إبريل 1985م بقيادة سوار الدهب ان يغير هذه الأفكار إلا انه من المؤسف ان المؤسسة العسكرية هي أول مؤسسة تم إستغلالها لتمرير هذه الأفكار العنصرية، فقام بإحياء الفكرة ومن ثم تنافست الحكومات المتعاقبة في تنفيذها. فقد قامت حكومة الصادق المهدي بدعم ماسمي بالتجمع العربي عام 1987م والذي يتكون من (27) قبيلة وعشيرة عربية ومستعربة من جبال النوبة وحتى دارفور، فقاموا بتنفيذ أجندتهم التوسعية القبلية والدينية الخفية وقتها، فهاجموا جيرانهم المدنيين من النوبة والقبائل الغير عربية بدارفور والجنوبيين ونهب مواشيهم والإستيلاء على أراضيهم وقتل كل من يحاول مقاومتهم. ،،، ونواصل ،،،