[email protected] لأبي حامد الغزالي كتاب مشهور بعنوان تهافت الفلاسفة أخذ حظه من الشهرة لقرون حتى جاء الفيلسوف ابن رشد فكتب كتابه تهافت التهافت ردا على الغزالي الذي قطع في تهافته بتكفير الفلاسفة . وقد شهد هذا العام تهافت " تهافت التهافت " حين عاد حسن الترابي للمسرح السياسي عبر مسرحية الوثبة ورأينا كيف تهافت بعض الساسة ليضمهم تحت جناحه يحاور بهم ويناور ولعله يكفّر من لا يسير في ركب الحوار الكسيح .. ويمضي قرابة عام الآن دون أن تلوح في الأفق سوى المماحكات والمزايدات. ويستمر مسلسل التهافت ونحن نشهد البعض يتساقط تساقط الذباب على الشراب لحضور ندوة الترابي ، ربما كان ظنا منهم وبعض الظن إثم وقطعا كل الظن إثم في حال الظن بالترابي خيرا ، متوهمين أن عجوز السياسة وغريم البشير قد يقول في لحظات تجلي الغضب المكتوم ما يسر السامعين ، لكن ربما خاب ظن الخائبين لأنهم كدموا في غير مكدم واستسمنوا ذا ورم .. وأورام الترابي التي يطفح بها قلبه أصابت جسد الوطن كله فلا تحسبوا الشحم في من شحمه ورم. جاء الترابي لندوة المحامين التي اختارت لها النقابة عن قصد عنوانا يبعدها عن شبهات مهاجمة النظام وتسترت وراء اختيار متخصص في القانون والدساتير ليتحدث عن تعديل الدستور المرتقب لكي تلبس على الناس الحق بالباطل وتصور لهم أن الإنقاذ تبيح حرية التعبير مع أن السلطة نفسها رفضت عدة طلبات أخرى لإقامة ندوات تخشى أن تحرض الجماهير على الثورة ..!! وما تحدث فيه الترابي هو موضوع فارغ .. فارغ المحتوى وبائس المضمون ! ما الذي يهم الشعب الذي لا يجد قوت يومه إن تم تعديل دستور هذه الطغمة الحاكمة أو تم إلغاؤه أو حتى داسوه بالجزمة .. أين الدستور في حياتنا ؟.. الدستور حفظ للحقوق وصون للكرامة وتحقيق للعدل وتطبيق لمبدأ المساواة فأين نحن في ظل الإنقاذ من كل ذلك ؟ ضعف الطالب والمطلوب ! ما الذي يهم الناس إن عيّن البشير الولاة الجباة أو تركهم لينتخبهم أصحاب انتخابات " الخج " ولصوص العمرة والحج ..؟؟ ما الفرق وفي جميع الحالات أمراء الضلالة منكم شاء الناس أم أبوا .. شاركوا أم قاطعوا ؟؟!! لكن الترابي هذه المرة يواصل أداء دوره المرسوم بدقة منذ أن تصالح مع النظام وهاهو يقود القطيع من أهل الوثبة نحو سلخانة الإنقاذ .. الرجل لم يفتح الله عليه سوى أن يقول إن المعارضة فشلت في إسقاط النظام لذلك اختار هو التصالح معه أو التحاور معه !! هذا القول الساذج الذي طار به صبيان الصحافة كان الهدف منه تثبيط الهمم وقتل الأمل وإشاعة روح الانكسار وخلق أجواء تشجع على اللحاق بركب المتهافتين على موائد حوار الوثبة .. هذا القول لا جديد فيه .. يردده القانطون من النضال في كل زمان .. وكان يردده بعض اليائسين في تونس ومصر واليمن وليبيا .. كانوا يرون في تلك الأنظمة قلاعا لا يمكن اختراقها وحصونا يستحيل دكها وجيوشا لا يمكن قهرها وأجهزة أمن لا تغيب عنها همسة بين اثنين ولا غمضة عين لكن حين انتفضت الشعوب تهاوت القلاع المشيدة من الخوف وتساقطت حصون الرعب وأسوار الهلع وطفق زعماء تلك الأنظمة وقادة جيوشها وأجهزة أمنها يبحثون لهم عن خندق يختبئون فيه أو جبل يأوون إليه ليعصمهم من طوفان غضب الشعوب وفي أيام قلائل انهارت تلك الأنظمة تباعا طوعا أو كرها وذلك ما سيحدث في السودان رغم أنف الترابي وسدنة النظام القدامى منهم والجدد. ما فات على الترابي هو أن النظام لم يجنح للسلم رغبة بل رهبة ولم يلجأ للحوار طواعية وما خضع إلا قسرا بعد أن أعياه القتال في ميادين المنازلة بالبندقية حينا والمقاتلة بالقلم واللسان أحيانا أخرى في كافة ساحات المواجهة سواء في الميادين الداخلية أو في المحافل الدولية رغم امتلاكه لآلة عسكرية وإعلامية ضخمة وأجهزة أمن باطشة سخّر لها كل ثروات الوطن والحوار ما هو إلا موقف فرضته عليه المعارضة الشعبية فرضا ودفعت به انتفاضة سبتمبر دفعا ولم يخضع النظام إلا بعد أن رأى نذر الثورة وأحس لفح لهيب ريحها وشعر بدنو الأجل لذلك حاول تدارك الأمر قبل استفحاله وقبل فوات الأوان وجاء بحيلة ماكرة سماها " الوثبة " وهاهو يمر عام كامل دون أن نرى من ملامحها شيئا .. وذهبت الوعود الكاذبة أدراج الرياح فالمعتقلات ملأى والسجون مفتوحة والجلادون يجوبون الطرقات والصحف تتعرض كل يوم للمصادرة وتتم ملاحقة الصحافيين وأصحاب الرأي بلا هوادة !! والفقر والمسغبة والقتل والاغتصاب هي عناوين البلد البارزة في الإعلام العالمي !! الترابي الذي تدفع به الإنقاذ للواجهة وتهمس في أذنه " خذّل عنا إن استطعت " يمارس دوره بحرفية ومهنية ولكنها تظل محاولة بائسة لإقناع الناس بعدم جدوى المعارضة وهي " شنشنة نعرفها من أخزم .." وهذا الأخزم شيمته الغدر وسجيته الكذب فما أشد رعونة الذين يصدقون الترابي ذلك الكذاب الأشِر ، فهل من مدّكر ؟؟؟!!!