الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في مسيرة فاشلة (3) من أين أتى فساد الحُكم.، ماهي قصة البيوت (الآمنة) ..؟!!
نشر في حريات يوم 04 - 12 - 2014


خالد ابواحمد
لا زالت الكثير من صور الفساد المالي والاداري والاخلاقي لقادة الحزب الحاكم تترائ أمام نظر المواطن السوداني يشاهدها الجميع على مستوى الكرة الأرضية، واضحة المعالم لا يشك أحد في صحتها، ببساطة لأن الفساد بكل أنواعه قد أصبح هو الثيمة المعروفة والبارزة في سنوات حكم هذه العصابة، جزء منها أكدته مضابط الجهات الرسمية مثل الشرطة والمحاكم، وحتى دوائر الحزب الحاكم عبر القنوات التنظيمية المتعددة، لكن ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة للمتفكر والمتأمل في كنه هذا النظام..من أين أتى فساد الحُكم..وماهي الأسباب..؟!، وكيف صار السودان بوتقة كبيرة للفساد والمفسدين، ليس في المركز فحسب بل على مستوى الولايات والمدن؟؟!.
ومن خلال هذه التأملات واستنادا على تجربتي السابقة نرد على الكثير من الأسئلة التي ربما تكون قد قفزت للشباب وطلاب الجامعات الذين يعيشون في معمعة الصراع السياسي، وتجاذبات الاطروحات المقدمة لهم في أركان النقاش وغيرها..أقول أن الخبل التنظيمي والشطط العقلي للقائمين على (التنظيم) وعلى الدولة في دهاليز الحُكم جعلهم يعتقدون بأن قياداتهم في المكاتب والادارات التنظيمية ملائكة لا يخطؤون ومحصنين من الشيطان ووساويسه، فكانت ميزانيات الأعمال التنظيمية تدفع لهم نقدا وتسلم لهم يدا بيد وتكون في بيوتهم وحيث يقيمون أو في مكاتب أو في مقرات خاصة سنأتي لذكرها لاحقا.
إن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الشورى (ولَو بسط اللَّه الرزقَ لعبادِهِ لَبغوا فِي الأرضِ ولكن يُنزلُ بِقَدَر مَا يَشَاء إِنه بعباده خبِير بَصِير)، من أسباب النزول يمكننا فهم المعنى الذي أرمي إليه، إذ يقول أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي "نزلت هذه الآية في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الدنيا والغنى، قال خَبَّاب بن الأَرَتّ: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال قُرَيْظَةَ والنَّضِير فتمنيناها، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
الطغيان في الأرض
لكن في في تفسير (الجلالين) المعنى أكثر وضوح في قول الله سبحانه وتعالى { ولو بسط الله الرزق لعباده} جميعهم { لبغوا } جميعهم أي طغوا {في الأرض ولكن ينزل} بالتخفيف وضده من الأرزاق {بقدر ما يشاء} فيبسطها لبعض عباده دون، وينشأ عن البسط البغي { إنه بعباده خبير بصير}.
أما تفسير الطبري يعطي الصورة الواضحة التي أريد توصليها للقاري "أَن هذه الآية نزلت من أَجل قَوم مِن أَهل الفاقَة مِن المسلمينَ تمنوا سعة الدنيَا والغنى، فَقَال جل ثناؤُهُ: ولو بسط الله الرزق لِعبَاده، فوسعهُ وكثرهُ عندهمْ لبغَوا، فتجاوزُوا الحد الذِي حدَّهُ اللَّه لهم إِلَى غَير الذِي حَدَّهُ لهم في بِلاده بِركوبِهِم فِي الأَرض مَا حظره عليهِم، ولكِنه يُنزل رِزقهم بِقَدر لكفايتهم الّذِي يَشَاء منهُ".
وحتى نبين الصورة أكثر فإن معنى البغي الذي جاء في الآية الكريمة يوضحها معجم (المعاني) الجامع إذ يقول "بغى ( فعل)، و بغَى/ بغَى على يَبغِي، ابْغِ، بَغْيًا ، فهو باغٍ ، والمفعول مَبْغيٌّ عليه، ويقال بَغَى الوَلَدُ: كَذَبَ/ و بغَتِ المرأةُ أي زَنَتْ، وفَجَرت وتكسّبتْ بفجورها {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}، بَغَى فلانٌ بَغَى ِ بَغْياً : تجاوَز الحَدَّ واعتدى، وفي التنزيل العزيز: سورة الحجرات آية 9 (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبْغِي حَتَّى تَفِىءَ إلَى أمْرِ اللهِ)، و بَغَى تسلَّط وظلم وفي التنزيل العزيز: الشورى آية 527 (وَلوْ بَسَطَ اللهُ الرَّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ)، وفي موضع آخر في سورة القصص آية 576 يقول المولى سبحانه وتعالى ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ)، و بَغَى يعني سعَى بالفسادِ خارجا على القانون، وهم البُغَاة.
لم يضع قادة التنظيم هذه الآية ومضامينها البليغة في حسبانهم (ولَو بسط اللَّه الرزقَ لعبادِهِ لَبغوا فِي الأرضِ ولكن يُنزلُ بِقَدَر مَا يَشَاء إِنه بعباده خبِير بَصِير)، إن معنى هذه الآية الكريمة عضدته ما ثبت بالتجربة البشرية لدى المفكرين وأحاديث الخبراء عندما قالوا بأن (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة)
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
وكل هذه الأوصاف ومعاني الكلمات تنطبق على هؤلاء القوم حُكام السودان قادة المؤتمر (الوطني) لأنهم سلموا مقدرات البلاد المالية ومن خزينة الدولة للفاسدين فبغوا في الأرض كما بينت الآية لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وقيادة التنظيم لم يعطوا سُلطة مطلقة فحسب بل أموال طائلة فوق مستوى تفكير وذهنية المواطن العادي، وهي تجربة عشتها بنفسي مع أحد القادة الذي كنا كشباب نضعهم في سويدا القلب والبعض منا حسبونهم من الرسل والأنبياء..!!.
وهي ليست تجربة واحدة بل تجارب عديدة ليّ ولغيري، وكانت المحصلة النهائية في العمل الذي كنا نقوم به الخسران المبين، لأن من كان مسؤولا عن تحقيق النتائج المثمرة لتنمية البلاد لم يكن يعمل إلا لإشباع غرائزه بشتى الصور، ويدفع المال الذي أوتمن عليه في الحرام يمنة ويسرى ويستفيد منه من يشاركه هذه الأفعال، وفي اليقين انها لم تكن حالة واحدة ولا اثنتان ولا خمس لذلك ظهرت الكارثة وألقت بظلالها على مستقبل أسر وعوائل ومجتمعات صغيرة، وعندما استشرى هذا الفساد واستمر هذا الطوفان لقادة الحكم ولسنوات طويلة انتقل التأثير إلى المجتمع وأصبح واضحا للعيان، تماما مثل البصلة المتعفنة التي تقبع وسط جبال البصل، أدت تلقائيا إلى انتشار رقعة الفساد في البلاد، وعبرت عنه الكثير من الصور والمواقف وأكدته الصحف السيارة بالأخبار العجيبة التي لم تكن تصدم القارئ السوداني حتى تأقلم معها لكثرة ما هو موجود على الواقع، وتسبب فيه قادة الدولة المارقة، مما جعل القيادية الكبيرة د. سعاد الفاتح تصرخ بأعلى صوتها وفي أكثر من محفل عندما حذرت من تفلتات اخلاقية بالمجتمع وقالت اصبح هناك زواج "رجل من رجل" في اشارة لزواج المثليين، واعتبرت "ان ما يحدث في السودان من تفلت لايحدث في اي بلد اوربي متفلت ووصفته بالخزي والعار".
شهادة القيادية د. سعاد الفاتح
وبتلقائية شديدة نجد د. سعاد الفاتح قد اعترفت بفساد النظام في اقوال لها كثيرة نشرتها الصحف السودانية عندما أقرت القيادية فى الحركة الإسلامية بفساد وفشل تجربة (الإنقاذ)، وحسب صحيفة (اليوم التالي) إنتقدت سعاد قيادات المجلس الوطني اثناء حديثها فى جلسة سابقة للتداول حول خطاب عمر البشير "نحن قاعدين خاتين يدنا فى الموية الباردة وننتقد ونحن السبب فى الفساد والفقر"، وأردفت قائلة "دى بقاقة ووجعة لو ما طلعناها حنموت، فى ناس بيأكلوا الديك الرومى وناس رجلين الدجاج وناس أم شعيفة ما لاقينها"، وأوردت صحيفة (الجريدة) ان سعاد وجهت هجوماً لاذعاً على نواب الهيئة التشريعية واعتبرت أن الجوع استشرى داخل المجتمع السوداني ووصل مداه لدرجة دفعت فتاة عشرينية لسرقة دجاجة من سوبر ماركت، وأضافت "حين نموت سنسأل سؤالاً دقيقاً عن كل جائع وكل مشرد وكل ساقط في السلم التعليمي) وفي ذات الصدد أعربت عن أسفها بشأن "ضبط فتاة عشرينية سرقت دجاجة من سوبر ماركت وخطف صبي في الثالثة عشر من عمره لدواء لينقذ به حياة والده المريض، واعتبرت أن عدم محاسبة المفسدين جعل الفساد يتفشى في المجتمع من كبيره الى صغيره وتساءلت عن المسؤولين من بيع لحم الحمير للمواطنين وإدخال الدجاج الفاسد البلاد".
إن مجموعة صغيرة داخل الحُكم متنفذة على مستوى عال أفسدت عبر المال السائب فانتشر الفساد داخل المنظومة الحاكمة لغياب الردع الذي أصلا هو غير موجود في هذا الكيان الكبير نسميه ما نشاء (الحركة الاسلامية) ..(المؤتمر الوطني) ولم نعهد عليه انه حاسب فاسدا على الاطلاق، وقد أثبتنا في مقالاتنا الكثير من أوجه الفساد بالمعلومات والارقام والوثائق، ولم يحاسب احد وحتى داخل الأطر التنظيمية يتم إثبات الفساد والتهمة المثبتة بالمعلومات والأدلة الدامغة لكن ليس هناك فهم في هذا الاتجاه لذلك تفاقمت الخسارة بشكل كبير في المجتمع، بسبب بصلة واحدة متعفنة التي تتمثل في مجتمع قادة الحكم الأنبياء الكذبة الذي يفتتن بهم المواطن البسيط عندما يراهم بجلابيبهم الناصعة البياض، وعماماتهم وشالاتهم الأنيقة وأحذيتهم النظيفة وسياراتهم الفارهة، ومظاهر التدين الكاذب، لكن وراء هذه الهالة الشكلية كانت ولا زالت تختفي شخصية نتنة وفاسدة ومفسدة لعبت الدور الأساس فيما وصلت إليه حالة المجتمع من انهيار اخلاقي وفساد مالي..!.
استباحة المال العام بدء في أول يوم للحُكم ..!.
إن استباحة المال العام في عهد العصابة الحاكمة بدأ منذ أول يوم الذي صادف يوم صباح الجمعة 30 يونيو أتذكر بأن أحد الأخوة كان مسؤولا عن إدخال اكبر مجموعة من الاسلاميين للعمل في تأمين الانقلاب العسكري في يومه الأول فتم تسليم هذا الاخ مبالغ مالية ضخمة جدا جدا لانجاز هذا العمل، فقام بجزء من المهمة وتمكن من ادخال عدد لا بأس به وتم تسليمهم للمنطقة المركزية بأمدرمان، لكنه بعد ايام اختفى بباقي المبلغ الكبير، وتم تعميم توجيه بعدم التعامل معه اطلاقا، وبعد فترة ليست بالطويلة ظهر في المنطقة الصناعية بالخرطوم واشترى محلا لبيع الاسبيرات وأطلق لحيته وأصبح تاجرا، وكنت قد قابلته بالصدفة ذات مرة وعرفت انه لم يتعرض لأي محاكمة أو إجراء من شأنه إعادة المبالغ المالية، ولانها أموال الشعب لم يعمل هؤلاء على إعادتها بل هم أنفسهم بعد فترة سرقوا أضعافها المضاعفة.
إن القيادي التنظيمي الكبير الذي تحدثت عنه هو وغيره من القيادات كانت الأموال بحوزتهم مكوّمة ومتراصة فوق بعضها البعض، وكنا نستغرب امتلاكهم لمنازل فاخرة وفي مناطق الرياض والطائف يسمونها (آمنة) لأغراض العمل التنظيمي بحجة عقد الاجتماعات (الخاصة)، وهي خالية لم يسكن فيها أحد، وفي فترة من الفترات كانت علامات الاستفهام الكبيرة تحدث صداعا شديدا نحو هذه الشخصيات التي كانت في حدقات العيون، والبعض منا مع الاحتكاك اليومي في العمل مع هؤلاء الذين نعنيهم بتأملاتنا هذه رويدا بدأوا يفهمون ويستوعبون الحقيقة لكن بعد صداع ذهني شديد جراء علامات التعجب والاستفهام الكبيرة بحجم البلد، وعدد منا وشخصي منهم قد استطعنا فك الطلاسم، والتي ما كان أن تفك إلا بعد الأسئلة الملحة من القيادات (العليا) وهي تستفسر عن من هو ذاك الشاب الذي أصبح يلازم القيادي المعني في حله وترحاله..؟!.ومن أين جاء..؟؟ وماذا يفعلان..؟!.
كنا نقف حائرين أمام الطرّق المستمر في رؤوسنا تريد اجابة لا نستطيع التفوه بها، لكن الأيام كانت كفيلة بمعرفة الحقيقة الكاملة وبوضوح شديد، لأن صورا أخرى لقيادات أخرى كانت تحدث لها عملية استنساخ كامل الوضوح في ذات الاتجاه، وكانت ترن في اسماعنا عبارة (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة) وقد رأيناها بأعيننا وعشناها بكل جوارحنا، ولم يكن التعايش مع هذه الأمور أمرا سهلا ألبتة، كان أمرا صعبا للغاية لكنها في النهاية قد مثلت لنا واحدة من أسباب مجتمعة للخروج من هذا المجتمع، بيد أن عددا مقدرا من الشباب في منتصف التسعينات قد غادروا محطة (الانقاذ) وتركوننا وشأننا، وكنا نستغرب إصرارهم على الابتعاد بهذه السرعة لأننا لم نكن حينها ندرك ما أدركوه هم من خطوط فاصلة، لأن ظروفا كثيرة وعوامل مختلفة تظافرت قد مكنتهم من معرفة حقيقة (الحركة الاسلامية) و(المؤتمر الوطني)، كانت النتيجة بالنسبة لهم واضحة لذلك خرجوا مطمئنين ومرتاحي الضمير، وقد أتخذوا القرار الشجاع في الوقت المناسب بالنسبة لهم، أما نحن فقد خضنا تجربة إثر تجربة عملية راينا فيها العجب..سقوط التماثيل الكبيرة التي كنا نموت في حبها، ونسعد بالقرب منها، لكن كانت التجربة خير برهان.
حالة المنتمين للعصابة الحاكمة يرثى لها..!
قبل أيام كنت أتحدث لمجموعة على الواتساب من الذين لا زالوا في دهاليز الحُكم وعندما حكيت لهم تجربتي هذه وجدتهم في حالة يرثى لها، لا زالوا مستمسكين بانتماءهم للعصابة الحاكمة كذبوا كلامي وتجربتي، عندما كشف لهم فساد أحد القادة الذي يعرفونه ظاهريا لكن لا يعرفونه مثل ما عشت معه وسافرت معه ولي معه الكثير من الاحتكاكات في جوانب شتى، فإن كل صاحب نفس أبية متصالح مع نفسه يشعر بالألم تجاههم لأنهم لا زالوا متيمين بالقادة الذين سقطوا في وحل مستنقع الرزيلة وفي وحل الفساد المالي والاخلاقي، ينطلقوا من عاطفة بلا منطق ولا وعي ولا حقيقة يدركونها بتعصبهم، ومكمن الألم أنهم يستميتون في الدفاع عن النظام الحاكم وعندما تضغط عليهم في النقاش يتبرأ الواحد منهم من الحزب الحاكم، مع إنه يعيش ويعتاش ويتنفس ويحيا داخل هذه المنظومة الفاسدة التي أحلت الموت والدمار ونهب المال العام، هؤلاء الذين يعيشون داخل الحُكم ومجتمعه لا يتمكنون من الاستقلالية في التفكير ولا في إبدا الرأي، وليس لديهم اي موقف غير انهم يكذبون كل ما لا يخرج من ماكينة إعلامهم، وهم في حالة تكذيب دائم للآخرين.
يُكذبون القتل اليومي في دارفور وجبال النوبة..يكذبون ما تقوم به الاجهزة الامنية من تجاوزات.. ويكذبون الواقع المعاش لأنهم مجبرين على التكذيب، فالنفوس التي تعيش في مجتمع من يقتل ويسرق المال العام ويظلم العباد لا يمكن ان ترى الحقيقة لأن الله سبحانه وتعالى قد أعمى بصيرتهم لذلك يتشدقون بملء فيهم بأنهم على صواب ومن يختلف معهم على خطا، ليس هذا فحسب إذ يرمونك بالشيوعية او بالانتماء للحركات المسلحة لأنك تعارض القصف الجوي اليومي على الأبرياء والعزل والنساء والمسنين، وعندما تجادلهم في حرمة القتل يرمونك هذه المرة بالعمالة الخارجية، ويصفون أنفسهم بالوطنيين وفي يقيني عندما يتحدثون عن (الوطن) فإنهم لا يتحدثون عن السودان بقدر ما يتحدثون عن وطنهم الحزب الحاكم ودوائر الحكم وما فيه من علاقات اجتماعية وتنظيمية، لكنهم لا يعرفون السودان الذي نتحدث عنه نحن الذين دخلنا كل مدنه وقراءه بلا استثناء، وتألمنا لآلام الناس وفرحنا لفرحهم، ونقف معهم ضد هؤلاء الأوباش الذين يعتقدون بأنهم سيخلدون في الحكم حتى ماشاء الله..!.
قبل أكثر من 16 عاما عندما كنا داخل مجتمع الحاكمين كنا نستقي معلوماتنا كافة السياسية والاقتصادية وغيرها من مصدر واحد لا غير،و كان الفاسدين هم من يحللوا لنا الاحداث، وهم من يقرأ لنا التاريخ ويستقرأ لنا المستقبل، هم فقط من يدلونا على السبيل، لذلك نجد أن المنتمين والمتعاطفين وأصحاب المصالح التي ربطتهم بهذه العصابة قد وقعوا تحت تأثير النظرة الآحادية في كل أمور الدنيا، وأن عيشهم وحياتهم قد أصبحت مرتبطة بعصابة المافيا هذه ارتباطا وثيقا لا فكاك منه خاصة لأن العضو فيها إذا أبدى رأيه بصراحة في النظام الحاكم سيحرم من الوظيفة التي يتقلدها مهما كانت درجتها، ويتهم بأنه عدو للنظام، وإذا كان لديه سيارة من العمل التنظيمي ستقلع منه اقتلاعا، وكذلك إذا كان يسكن في بيتا للحكومة التي يقودها الذين نتحدث عنهم اليوم.
ومن مصاريف القدر العجيبة أن أحد القيادات الذي تحدثت عنه من الفاسدين المفسدين هو الآن في موقع قيادي كبير يتحكم في مصائر الانسان السوداني الاقتصادية، والذين يمدحون مثل هؤلاء ويطلقون عليهم الأوصاف الانسانية لم يعرفوا حقيقتهم ولا انسانيتهم ولا الخسران الذي هم فيه، وحتما سيأتي اليوم الذي تفتضح فيه هذه القيادات أمام عامة الناس، وسيحدث ذلك وقد تنبأنا بالكثير من الأشياء وقد حدثت، وإن لم ينفضحوا في الدنيا فأنهم سيفضحون يوم الوقف العظيم أمام رب كريم لا يُظلم عنده أحد، عزيز جبار منتقم.
وتلخيصا للاجابة على الأسئلة..من أين أتى فساد الحكم..وماهي الأسباب..؟! إن فساد الحكم الانقاذي الذي دمر مقدرات البلاد جاء من الذين حسبوا أنهم يحسنون صنعا، استولوا على الحكم ولم يفكروا أبدا في أن تكون لهم دولة قانون ومؤسسات، بل صنعوا بإصرار شديد وعزيمة لا تلين نظاما قاهرا مستبدا متعاليا لا يخاف الله عز وجل، يخافون من أمريكا أكثر من خوفهم من رب أمريكا، وطدوا اركان حكمهم بالقهر وسلطة السلاح لا بالقانون، لذا نجدهم قد قتلوا وصنعوا الحروب المهلكة وزرعوا الرعب والخوف في البلاد، وسرقوا المال العالم، وأضاعوا صحة المجتمع وضعضعوا تماسكه.
إن مبدأ المحاسبة والمساءلة هو أساس قيام دولة القانون، فالمحاسبة والمساءلة تعني توقيع العقاب على من خالف القانون، والعقوبة دائماً تحتوي على شقين مهمين: أولهما: الجزاء الذي يناله من خالف القانون أو اعتدى على حقوق الآخرين، والشق الثاني وهو الأهم والمتمثل بالردع، فتوقيع الجزاء يردع من يقع عليه ويردع كذلك كل من علم بهذه العقوبة التي نالها مرتكب هذا الجرم، وهنا تتجلى أهمية المحاسبة التي توقعها السلطة التي تهتم في المجتمعات الكبيرة بتطبيق القانون وحماية المجتمع ممن تسول له نفسه مخالفة القوانين فيه، وعندما غاب هذا الأمر البديهي –المحاسبة والمساءلة- وجدنا انفسنا أمام نظام غريب الاطوار، يقوده الذين عميت بصيرتهم، وماتت ضمائرهم بأكل الحرام.
صباح الخميس 4 ديسمبر 2014م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.