ضياء الدين ميرغني الطاهر الفن والناس : استطاعت العديد من الفنون إحداث حالة التغيير والارتقاء او الهبوط بالحس الإنساني تبعا لتوظيفها إيجابا او سلبا. ويشهد علي ذلك التاريخ القديم والحديث للإنسانية وأحداثها. والفن هو حالة ابداعية ملهمة تؤثر عميقا في النفس الانسانية وغير الانسانية وتفتح لها أفقا في التعامل مع الكون بما يجعله اكثر جمالا وراحة ويفسح مساحة واسعة للتعايش معه. من المؤكد ان تفسير الظواهر ومعرفة كنهها ليس ممتلكا عند الجميع ، ولكن ألتاثير المباشر للفن بأشكاله المتعددة ، محسوسا من الجميع حتي لمن يدعي العداء للفن وأشكاله المختلفة . فالشيخ القارئ المرتل للقرآن يجب ان يمتلك ناصية العلم بالمقامات المتعددة إن نتجت عن الموهبة المدعومة بالدراسة او الموهبة المجردة. ولذلك كان كان يطلق علي الفنانين الذين يضربون ( يعزفون) علي العود لقب الشيخ كما حدث مع الشيخ زكريا احمد او الشيخ سيّد درويش وغيرهم . وذلك بما لهم من علم بعلم المقامات وهو من الأسس الهامة في دراسة الفن الموسيقي. واذا خصّ هذا الحديث المنطقة العربية والشرق أوسطية ، فان الفنون كانت ولا يزال تأثيرها عميقا في الغرب فالي جانب الموسيقي التي تشكل اساسا ضاربا في التواشيح الدينية الكنسيةفهناك أيضاً فن النحت والتماثيل الواسع الانتشار في الغرب . والذي يدخل في تأرخت كل المراحل في الغرب ويتعدى هذا الديانات السماوية حتي عند التطرق للديانات الأخري كالبوذيةوالوثنية الخ... أردت بذلك ان اقول ان ادعاء التعارض بين الفن والديانات الذي يسعي البعض لتأسيسه في الذهن الجماعي حاليا هو ادعاء مصطنع وموهوم ومُوجّه النوايا. والخلاصة في هذه النقطة ان الفنون هي نتاج إنساني جميل من أسس الحياة وهي كغيرها من الاشياء ، يمكن ان توظف سلبا وإيجابا علي حسب ما تراه وتعمل له المؤسسة الحاكمة او الممتلكة لتوجيهه. دور الفن : لا شك ان كافة انواع الفنون هي الخبز اليومي للبشر سوي أدركوا هذا ام لا . ولذلك فان تأثيره كبيرا وعميقا . وبالتحديد الموسيقي وعندما نتحدث عنها فإننا لا نقصد فقط العزف علي الآلات الموسيقية فكل نغم هو موسيقي ان تم عبر الفم او الآلة الموسيقية . ولذلك فانا استعجب فرضية التحريم والتحليل علي هذا الأساس . والناس مراتب في تعاطيهم مع انواع الفنون المختلفة . انتشرت في الآونة الاخيرة الفرق التي تؤدي موسيقيا بدون مصاحبة الآلات الموسيقية وذلك بتوظيف الصوت البشري فقط هارمونيا (تناسق الأصوات) او بتقليد الصوت البشري في محاكاة الآلة الموسيقية . فهل يعني هذا تحليل الفن من واقع عدم مصاحبة العزف علي الآلات ؟ لم تتخلي عن ذلك حتي الجماعات السلفية التي تؤسس لفرضية تحريم الفن الموسيقي وبسهولة يمكن ملاحظة ذلك الاستخدام في أنشادهم وما يعتبرونه سبيلا لدعوتهم . إذن السؤال المهم هل تأتي هذه الفرضية من استخدام الموسيقي ام من محتوي الفن المقدم ؟ وهل الفن رسالة ام حالة ترفيهية فقط ؟ في تقديري ان الفن هو رسالة إنسانية عظيمة خصّ الله بها بعض عباده ممن اصطفاهم لهذه المهمة . وهم رُسُل بالضرورة للجمال والإبداع والفن. ولكن هل يعيّ اصحاب المواهب هذا التكليف؟ هنا يأتي الحديث عن الانسان الفنان ودوره. وكيف يؤدي هذا الدور علي الوجه المطلوب. الفنان ودوره في المجتمع والناس : الفنان هو كائن مبدع يمتلك الحس الجمالي والإبداعي تجاه الاشياء وينتجها وفق منظوره الخاص في اشكال متعددة حسب موهبته التي يمتلكها وهو ابن المجتمع لذلك فهو يعكس الواقع في صور اخري اكثر جمالا مما يراه الشخص العادي . ولذلك صحت مقولة ان الفن هو مرآة المجتمع . وبالتالي هو مصدر غذاء يومي للناس والمجتمع بحسب عطائه وقدرته علي مسّ هذه المشاعر الانسانية .ولذلك فان الفنان يتأثر ويؤثر سلبا وإيجابا بحسب الاحداث وصيرورتها . ولكن الفنان المبدع هو الذي يُحِدث ذلك التأثير الإيجابي في المجتمع والناس متجاوزا الاحداث السلبية والحالة المجتمعية بقدرته الابداعية القادرة علي نقل الناس من الواقع السلبي الي الواقع الإيجابي والإمساك بالتفاصيل الصغيرة والغير مرئية وعكسها. وفي ذلك يتدرج الفنان بمراحل متعددة تنتهي بمرحلة (القبول المطلق ) وهي المرحلة التي يصبح فيها محط كل الأنظار في قبول منتجه الابداعي بما يجعله قدوة لكل معجبيه ومحبيه. ولكن كيف يصل الفنان الي هذه المرحلة وكيف يكون فاعلا إيجابيا في الفن والمجتمع؟ لا شك ان للفن دوره المميز والكبير في الارتقاء بالصفات الانسانية حد الكمال . والفن في تقديري يفعل احيانا فعل الدين في الانسان من حيث بعث كل ما يجعل إنسانية الانسان متحققة وسليمة . وهناك فرق كبير بين الحديث عن القيم مهما اتفقنا او اختلفنا حولها وبين تحقيق الانسانية عند الناس . فنحن نتفق حول بعض او كل القيم السامية والنبيلة ، وقد نختلف فيها لقناعة كل منا وإيمانه بها. ولذلك من الخطأ الحديث عن رسالية الفن من واقع اقترابه او ابتعاده عنها . ويشمل هذا الحديث بالضرورة عن صفات الفنان . فالفنان بطبعه انسان قلق واكثر حساسية تجاه الواقع سواء تمثل ذلك في احداث او تصرفات او مواقف الخ.. من الاشياء . ولذلك فان للفنان عالمه وصومعته الخاصة التي تحيط بلحظة ولادة منتوجه الابداعي . وهي لحظة من لحظات عديدة تمر بها مراحل وولادة الحالة .وهي أشبه بالانفصال والانعزال عن كل المحيط به والتفرد مع الذات. ان الشرط المطلق وجوده في الفنان الانسان في تقديري ، هو الحرية المطلقة والتحرر الكامل من كل القيود التي تكبّل او تعيق العطاء الفني واختيار الفنان لطريقه ولقناعاته التي تؤطرفيما بعد رسالته الفنية والإنسانية . علي اساس ان تعريف الفن هو انه ( نتاج الإبداع الإنساني والخروج عن المألوف في التفكير وفي النظر او الحكم علي اي شئ . فمن خلال الفنون يعبّر الانسان عن أناه وذاته، او عن رأيه او إحساسه . وقد عرفت الفنون علي انها نوع من انواع التعبير غير المباشرة ، وقد يكون التعبير عند الفنان لا الكلام فقط بل عن طريق الإيحاء ، والتمثيل، والكتابة، والرسموالنحت ، والموسيقي، والغناء، والرقص الخ.. من دائرة الفنون)mawdoo3. Comوهو شرط لا غني عنه ليس للفنان فقط ، وانما لكل المؤثرين الحقيقيين في تشكيل الوعي الإنساني سواء كانوا فلاسفة او مفكرين او فنانين او سياسيين