د. فيصل عوض حسن لا يخفى على أي ذي بصيرة الحالة المأزومة التي يحياها السودان وأهله، والتي أتت كنتيجة لحكم المُتأسلمين الذين سطوا على السُلطة في البلد عام 1989، ومارسوا أبشع صور الفساد والإفساد في حق البلد وأهلها، وبلغنا حدوداً غير مسبوقة من التراجُع والدمار في كافة الأصعدة، وتزداد الحالة سوءاً يوماً بعد يوم، ما بين قتلٍ واغتصابٍ وتشريد إلى فتنٍ وصراعاتٍ داخليةٍ وتدميرٍ للاقتصاد، انتهاءً بتقسيم البلد وتمزيقها بعدما فصلوا الجنوب الحبيب! مما أوصلنا جميعاً لقناعةٍ واحدة لا جدال فيها تتمثل في اقتلاعهم، لكي لا يمتد أذاهم ويستطيل ويتضاعف. وبما أنَّ وسائل المُقاومة والإصلاح تتعدَّد وتتنوَّع، والتي على رأسها الانتفاضة الشاملة المعروفة لدينا كسودانيين كما لغيرنا، فقد كتبنا في هذا الخصوص أكثر من مقالة، استهدفنا فيها قطاعات الشعب السوداني لإنقاذ البلد (إنقاذاً) حقيقياً، كالقوات النظامية بصفةٍ عامَّة والجيش والشرطة بنحوٍ خاص، ونُخصص هذه المقالة للشباب السوداني بصفةٍ عامَّة دونما فرز، وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو مناطقهم الجُغرافية، باعتبارهم – أي الشباب – المعنيين بأمر البلاد ومُستقبلها الذين سيحيونه وحدهم، ويقع عليهم (بعد لطف الله) جعله واعداً وأخضر، أو العكس بائس ومُظلم وكارثي كما خطَّط ويُخطط له المُتأسلمون. فالشباب هو العنصر الأساسي في ضبط الحاضر وبناء المستقبل المُستند للقيم الإنسانية وتحقيق الذات في إطارٍ من الديمقراطية؛ وهم الطاقة والقوة المُحركة للمُجتمعات الإنسانية ومحور ارتكاز تنميتها وتطويرها، وللأسف أصبح شبابنا السوداني أكبر ضحايا المُتأسلمين عقب استهدافهم ال(مُتعمَّد) لهذه الشريحة فعمدوا لتدميرها وتحطيمها بأكثر من وسيلة، تبدأ منذ المهد عبر تغيير السُلَّم التعليمي الأساسي الذي يجمع بين فئات عُمرية مُختلفة للتلاميذ، مما ساهم في ارتفاع نسبة الشذوذ الجنسي واختلال السلوك، مع ضعف التحصيل العلمي والأكاديمي لتخرج أجيال من شبابنا لا يستطيعون المُنافسة في سوق العمل ساء لهذا السبب أو ذاك. كما عمل المُتأسلمون على ترسيخ مبادئ التمييز بين شبابنا، و(تأصيل) قيم الظلم والاستبداد والفقر والتهميش والفساد والنهب المُنظَّم لثروات البلاد، وتعميق الجمود الثقافي ونشر الجهل والمُخدرات وثقافة العنصرية والانغلاق على الذات وإقصاء الآخر، وصنع الأزمات أمامهم باحترافية وتحطيم طموحاتهم وآمالهم في ما يخص العمل والمُستقبل وتطوير الذات، إلا في إطار جماعتهم المُستبدَّة ووفقاً لرُؤيتهم الحزبية الأحادية الضيقة لمعززة لرفض الاختلاف والتعددية، وتبخيس الآخر ووأد الإبداع وقتل روح المُبادرة! رغم هذه المتاريس المصنوعة باحترافية وخبث (إسلاموي)، إلا أنَّ شبابنا السوداني ما يزال بخير، فثمَّة إشراقات ومُؤشِّرات مُبشِّرة وتدعو للتفاؤُل بأنَّهم قادرون على تجاوُز المحنة والمُساهمة بقوة في صناعة وصياغة مُستقبل واعد للسودان وأهله، ودونكم اجتهادات شبابنا (على اختلافهم) ومواقفهم الجادة في أكثر من صعيد، سواء الإنساني إبان الفيضانات التي اجتاجت أجزاءً واسعة من البلاد في العامين السابقين، أو على صعيد النضال ضد هذه الفئة الفاسدد والمُفسدة على غرار ما حدث في سبتمبر بل ويجري يومياً في الجامعات والمنابر الحُرَّة الأخرى، وآخرها لقاوة بكردفان وما جرى في جامعتي سنار والبحر والأحمر وغيرها. ومع هذه الجهود المُقدَّرة، إلا أنَّ طاقات شبابنا السوداني ما زالت دون الطموح، وبحاجة لتفجيرها وإخراجها من إطار الحزبية الضيقة أو الجهوية التي صنعها المُتأسلمون باحترافية وخبث، ليقوموا بدورهم الإصلاحي (كاملاً) ويأخذوا بزمام المُبادرة على كافة المُستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وتطوير العمل المدني بصفةٍ عامَّة، والذي لن يتأتى إلا باقتلاع هذه العصابة الإسلاموية المُفسدة. هذه الأمنية ليست بعيدة المنال، إذا ما توحَّدت القوى الشبابية السودانية (بغض النظر عن الجغرافية والانتماء الفكري والقبلي) في كيانٍ واحد، يستوعب مُتطلَّباتهم واحتياجاتهم وطموحاتهم، ويرعى مُبادراتهم وأفكارهم وإبداعاتهم، ويحفظ الخصوصية والتعدُّدية التي يتمتَّع بها أهل السودان وأقاليمه! فالآن نجد شباباً سودانياً رائعاً لكنه مُتفرِّق، إما في كيانات حزبية مُتآكلة ومُتكلِّسة أو مُتطفَّلة ومُستبدة لا تنظر إلا لذاتها وأسرها وعائلاتها الكبيرة، أو في كياناتٍ صغيرة تفتقد لمُقومات استدامة النضال سياسياً (الخبرة) ومادياً وفكرياً وثقافياً، مما أضعف فاعليتها في تحقيق التغيير المنشود! فعلى سبيل المثال لا الحصر يُمكن تفعيل التنسيق والاتحاد بين أكثر من كيان شبابي مثل جبهة تحرير حلايب وشباب الجبهة الوطنية العريضة وشباب أرقين ومجموعة قرفنا وشباب تمرد السودان والتغيير الآن وغاضبون بلا حدود وشباب الجبهة الثورية والحركات النضالية وقوى الإجماع الوطني والحركة الشعبية وشباب الأمة والاتحادي كبداية، يمكن بعدها استقطاب أي شباب وطني وغيور وصادق وراغب في إحداث التغيير والإصلاح المنشود للسودان، وليكن اتحادكم برعاية القوى الناضجة والمعروفة الرافضة للتحاوُر مع هؤلاء المُجرمين والمُجاهرة به، ولم يتلوَّثوا بالعمل معهم كالجبهة الوطنية العريضة أو البعث (على سبيل المثال)، الذين لم يرفضوا فقط الحوار مع المُتأسلمين، بل يعملون على اقتلاعهم كأوَّل خطوة (عقلانية) و(عملية) لإنقاذ البلد وأهلها. قد يتساءل بعض شبابنا عن كيفية تجاوُز قياداتهم التاريخية، أو يتردَّدون في مُخالفة مسار أحزابهم المُتكلسة والمُتواطئة مع الكيزان، نقول لهم إنَّ الحاضر يتبخَّر من بين أياديكم، والمُستقبل تتضاءل فرصه أمامكم وتشوبه الضبابية وهو ملكٌ لكم أنتم يا شباب السودان وحدكم، ولن تعيشه قياداتكم التي سعت – في أغلبها – لتأمين ذاتها وأسرها وعائلاتها الكبيرة، بقبول فتات موائد الكيزان الملطخة بدماء الأبرياء من أبناء السودان وتخصيصها لأبنائهم. كما وأنَّ غالبية القيادات الحزبية أخذت فرصتها كاملة وكانت في مُعظمها فاشلة، بخلاف الاعتبارات البيولوجية للإنسان، أو ما يُعرف بالأجيال واختلافاتها، والتي تبدأ بالطفولة فالمُراهقة ثمَّ الشباب الذي يُوصف بمرحلة الإنتاج النشط في شتَّى أوجه الحياة، ثم مرحلة النُضج والكهولة. وعلى هذا فإنَّكم يا شباب السودان الآن، يقع عليكم إعادة تأهيل وبناء السودان ومُعالجة علته ووعكته، وأولى خطواتكم تبدأ بالعمل الجاد لاقتلاع المُتأسلمين، كهدف استراتيجي يصعُب تحقيقه إلا بتوحيد جهودكم وتفعيل التنسيق في ما بينكم لتعبيد مُستقبلكم، وقد آن الأوان لتحددوا مسارات حياتكم بعيداً عن الأوصياء من القيادات المُتكلسة، الذين جعلوا منكم أدوات لتحقيق أهدافهم ومآربهم الشخصية وتعلية أبنائهم على حسابكم كما فعلوا بآبائكم! الأمر ليس مُستحيلاً، فقد فعلها شباب تونس ومصر، مع اختلاف المُعطيات والمُقومات المُتاحة لهم ولكم، فأنتم يا شباب السودان عدوكم بات واضحاً وقام بتدمير أهلكم وبلدكم، ويعمل على تدميركم أيضاً في مُقابل إعلاء أهله ومن والاهم. وكافة أدوات ومُعينات اتحادكم مُتاحة ومُتيسرة بدءاً بالوعي والحس الوطني والصدق، انتهاءً بالتكنولوجيا المساعدة وطاقات الغضب الكامنة في دواخلكم، ولتكن ذكرى الاستقلال رمزية مُناسبة وأرضية مُلائمة، لتحقيق التغيير وبصلابة وسرعة دون تسويفٍ أو تعطيل، ولا تخشوا عدوَّكم المُتهالك، فهو ومن والاه تجَّار دين ومُجرَّد مُغامرين، قد يقفون ويبطشون لكنهم لن يصمدوا طويلاً أمام إرادة التغيير الصادقة. وأنتم أصحاب قضية، ولديكم رغبة قوية في الحرية والانعتاق من الاسترقاق الإسلاموي البغيض الذي طال واستطال أمده، وآن أوان اقتلاعه.