المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد الفكري في كلمة الأستاذ محمود محمد طه أمام المحكمة
نشر في حريات يوم 14 - 01 - 2015


البعد الفكري في كلمة الأستاذ محمود أمام المحكمة
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
تمر في الثامن عشر من يناير الجاري، الذكرى 30 لوقفة الأستاذ محمود التاريخية ضد الهوس الديني، وبهذه المناسبة التاريخية سنحاول إلقاء بعض الضوء على كلمته في مواجهة المحكمة (المهزلة) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، بهدف تفصيل الأفكار التي وردت في تلك الكلمة.. وقد بدأت المواجهة في الأساس من جانب الجمهوريين في إطار التوعية العامة التي كانوا، ولا زالوا، يقومون بها لتصحيح مسار البلاد حتى لا تتورط في السياسات الخاطئة بوحي من الهوس الديني.. وقد خرجت العديد من الكتب في هذا الاتجاه، مثل: بنك فيصل الإسلامي، التكامل، الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة..الخ.. فردت السلطة على هذا النقد الفكري بأن اعتقلت كل من يدير ركن نقاش من الأخوان الجمهوريين في الجامعات أو الشارع العام، حتى بلغ عددهم 62 ثم اعتقلت الأستاذ محمود، وكان ذلك في النصف الأول من عام 1983م، وامتد الاعتقال السياسي حتى 19/12/1984م حين أفرج عنهم جميعا..
وفي أثناء فترة الاعتقال ولغت السلطة حتى أخمص قدميها في الهوس الديني، فأصدرت قوانين سبتمبر 83، مدعية بأنها إنما تطبق شرع الله، ولكن الهدف الحقيقي وراء ذلك الإجراء كان هو استغلال العاطفة الدينية من أجل التأييد الشعبي ومن ثم تأمين السلطة ضد حملة الاحتواء التي كانت تسير على أشدها من جماعة الأخوان المسلمين تحت دعاوى تطبيق شرع الله.. فكأن سلطة مايو، ظنت أنها بسنها لقوانين سبتمبر، قد فوتت على الأخوان المسلمين فرصة تفكيكها من الداخل، بحجة غياب تطبيق شرع الله!! فالصراع في حقيقته كان صراعا سياسيا حول السلطة، يستغل فيه الدين أبشع استغلال، ولا علاقة له بالتدين الصادق في أي مستوى من مستوياته..
ما إن وصل الأستاذ محمود إلى منزله حتى صرح لتلاميذه: (نحن ما خرجنا لنرتاح)، ثم واصل في اجتماع أمسية نفس اليوم:
(نحن أخرجنا من المعتقلات لمؤامرة.. نحن خرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للإذلال وللجوع، الجوع بصورة محزنة..
ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق، وكل من يحتاج أن يقال ليهو في نفسه شيء قلناه ليهو!!
ومايو تعرف الأمر دا عننا!!
ولذلك أخرجتنا من المعتقلات لنتكلم، لتسوقنا مرة أخرى ليس لمعتقلات أمن الدولة، وإنما لمحاكم ناس المكاشفي!!
لكن نحن ما بنصمت!!
نميري شعر بالسلطة تتزلزل تحت أقدامه فأنشأ هذه المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر في الحكم..
وإذا لم تكسر هيبة هذه المحاكم لن يسقط نميري!!
وإذا كسرت هيبتها، سقطت هيبته هو، وعورض وأسقط!!
نحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها!!
فإذا المواطنين البسيطين، زي الواثق صباح الخير، لاقوا من المحاكم دي ما لاقوا فأصحاب القضية أولى !!)) انتهى..
وعلى الفور، كونت لجنة مركزية من عشرة من قيادات الجمهوريين برئاسة الأستاذ سعيد الطيب شايب، لتتولى إدارة المواجهة فأصدرت اللجنة منشور "هذا أو الطوفان" في 25/12/1984م.. وما إن بدأ توزيع المنشور في الشارع العام، حتى اعتقلت السلطة كل من يحمل المنشور، ثم اعتقلت فيما بعد من يحمل الكتب كذلك.. هذا، وقد أطلق سراح بعض الأخوان بعد أن تم اعتقالهم بتصرف فردي من الشرطة لعدم القناعة رغم تنفيذ الأمن الاعتقال، فالتحية لمن وقف هذا الموقف من رجال الشرطة..
فتحت بلاغات في أول أربعة أخوان تم اعتقالهم وهم: عبد اللطيف عمر حسب الله، محمد سالم بعشر، تاج الدين عبد الرازق الحسين وخالد بابكر حمزة، ونشرت الصحف خبر تقديمهم للمحاكمة، وحدد تاريخ المحاكمة.. وقد قاد الأستاذ محمود مسيرة كبرى قوامها جميع الجمهوريين، بالزي القومي، الجلابية والعمة للرجال والثوب الأبيض للنساء، إلى المحكمة رقم 4 جوار الإذاعة، وانتظرت المسيرة في فناء الموقع بدء المحاكمة لكن أعلن تأجيلها.. وقد كان واضحا أن الهدف من التأجيل هو إضافة الأستاذ محمود، وهكذا ختمت السلطة حملتها باعتقاله يوم 5/1/1985م، وصارت الصحف تكتب بعنوان محاكمة الأستاذ محمود وآخرين..
وفي يومية التحري، قال الأستاذ محمود للمتحري: "إنه المسئول الأول عن كل ما يدور حول حركة الجمهوريين في داخل السودان وخارجه" وفي رد على نقد المنشور لقوانين سبتمبر، وهل هو رفض للشريعة، قال:
(إذا في إنسان قال قوانين سبتمبر مخالفة للشريعة، لا يتهم بأنه ضد الشريعة وإنما يفهم أنه ضد قوانين معينة، بل هو يدافع عن الشريعة!! ويمكن أن يسأل عن برهانه على مخالفة تلك القوانين للشريعة!!
ولكننا نقول: إن الشريعة الإسلامية، على تمامها وكمالها، حين طبقها المعصوم في القرن السابع، لا تملك حلا لمشاكل المجتمع المعاصر، فالحل في السنة وليس في الشريعة!!) انتهى..
وبهذا التحري، فتح البلاغ ورفعت القضية إلى المحكمة، وكان المستند الوحيد هو المنشور مضافا إليه رد الأستاذ على المتحري..
رفض الأستاذ محمود التعاون مع المحكمة لأسباب أجملها في كلمته أمام المحكمة:
(أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر 83، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام.. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ونفرت عنه..
يضاف إلى ذلك، أنها وضعت، واستغلت، لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير..
وأما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق، وتشويه الإسلام، وإذلال الشعب، وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين..
ومن أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب، وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين) .. انتهى..
وبالنظر بدقة إلى هذه الكلمة، نلاحظ أنها اشتملت على أربعة محاور :
1/ مخالفة الشريعة وتشويهها، وتشويه الإسلام وتنفير الناس عنه ثم تهديد وحدة البلاد..
2/ الهدف من وضعها ليس هو إقامة الدين وإنما هو إرهاب المعارضة بالقهر والإذلال من أجل حماية السلطة وتثبيتها..
3/ عدم التأهيل لدى القضاة..
4/ انتهاك حرمة استقلال القضاء من السلطة..
أولا: المحور الأول:
جاء في منشور "هذا أو الطوفان" حول مخالفة الشريعة والإسلام ما يلي:
(فهذه القوانين مخالفة للشريعة، ومخالفة للدين، ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق من المال العام، مع أنه في الشريعة، يعزر ولا يحد لقيام شبهة مشاركته في هذا المال.. بل إن هذه القوانين الجائرة أضافت إلى الحد عقوبة السجن، وعقوبة الغرامة، مما يخالف حكمة هذه الشريعة ونصوصها.. هذه القوانين قد أذلت هذا الشعب، وأهانته، فلم يجد على يديها سوى السيف، والسوط، وهو شعب حقيق بكل صور الإكرام، والإعزاز.. ثم إن تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية، وهي أرضية غير محققة اليوم )..انتهى..
إن الشريعة في الأساس ليست قوانين عقوبات وحسب، وإنما هي معالجة متكاملة لجميع قضايا المجتمع، فمجرد إظهار الشريعة بأنها عقوبات فيه تشويه للشريعة وفيه إظهار للإسلام بمظهر القصور، ويضاف إلى ذلك أن الشريعة على تمامها وكمالها ليست الكلمة الأخيرة في الإسلام، وإنما هي طرف الدين الذي لامس أرض الناس في القرن السابع، فهي مرحلية لأنها تقوم على الوصاية وقد اقتضاها قصور المجتمع.. ففي مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع، لا بد من تطوير الشريعة لتستوعب المستجدات التي أحدثها الزمن.. وإنما يكون التطوير من الشريعة إلى السنة، فالإسلام موعود بأنه سيعود بالسنة، فقد ورد في الحديث: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله!!؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. وقد كانت الشريعة في وقتها حكيمة في القمة وقدمت الحلول الناجعة لمشاكل مجتمعها، لكن بمرور الزمن تطور المجتمع البشري وتعقدت مشاكله بصورة لا يمكن أن تعالجها الشريعة، وإنما المعالجات الحقيقية في السنة.. ولذلك فإن أي محاولة لإقحام تلك الشريعة بكل تفاصيلها في المجتمع المعاصر لا تعدو أن تكون تشويها للشريعة وتشويها للإسلام نفسه.. وبوحي من هذا التشويه، وإظهار الإسلام بمظهر العجز والقصور، ينفر الناس عن الدين ويبحثون عن حلول في فلسفات أخريات ترفض الدين جملة كالعلمانية فيكون حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار..
…………………………….
(2)
في آخر لقاء بين الأستاذ محمود والأخوان الأربعة الذين كانوا معه في زنازين الإعدام، سألهم: هل نحن قمنا بأداء الواجب المباشر؟؟ أجابوا: نعم.. فرد عليهم: إذن ترضوا بالنتيجة!! ثم واصل: واعلموا أن ما يريده الله خير ليكم، موتا كان أو حياة!!
وهذا البعد الروحي في غاية الأهمية، لكل سالك في الطريق النبوي، إذ أن المطلوب دينا في الأساس هو الدفاع عن المستضعفين في الأرض.. وهذا الدفاع يضع المدافع تحت بطش الظالمين، وقد ينتهي به إلى الموت، فيكون موته فداء للمستضعفين، ولذلك ورد التحدي في القرآن: "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين"..
سأل الأستاذ محمود محمد طه أحد تلاميذه : هل تدخل سينما ؟ أجاب التلميذ : نعم با أستاذ.. واصل الأستاذ: أي الأفلام أحب إلى نفسك؟ أجاب : الكاوبوي والأفلام الهندية.. ثم سأل: ما رأيك في الفلم الذي ينتهي بموت البطل؟ أجاب التلميذ مستغربا : بطلو يموت !؟ الأستاذ: نعم.. أجاب : والله دا فلم بايخ يا أستاذ!! فضحك الأستاذ ثم قال: إيه رأيك إذا قلنا ليك الفلم البطلو بموت دا، هو الفلم الممتار!! أجاب : كلام غريب!!
على خلفية هذا الحوار واصل الأستاذ حديثه حول أصل الموضوع فقال ما معناه : الحقيقة إعجاب المشاهدين ببطل الفلم الجيد ناتج من تجويده لدوره، والتجويد ناتج من المعرفة، لأنو عارف المطلوب منو بدقة.. ونحن إذا تحققت لنا المعرفة بدورنا والمطلوب مننا في حياتنا، فإننا نجود دورنا بأكمل مما يفعل بطل الفلم.. لكن الخوف الناتج من الجهل يجعلنا متقاعسين عن أداء دورنا بالصورة المطلوبة إلى أن يأتينا الموت فلا نموت ميتة الأبطال.. فإذا تحققت المعرفة بهذا المستوى، لإنسان فإنه يعيش حياته بطلا ويموت بطلا..
السؤال هو: كيف نتمكن من تحقيق هذه المعرفة ؟
إن أول خطوة في هذا الطريق، طريق المعرفة، هي العمل على التحرر من الخوف الساذج، وذلك بتوحيد الخوف في مصدر واحد هو الله.. وبذلك يقع في نفوسنا معنى التحرر من تعدد مصادره لأنها جميعها تحت سيطرة الخالق في الحقيقة، فهو الفاعل الأصلي والوحيد.. قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير* لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم.. والله لا يحب كل مختال فخور)
إن الخوف هو الأب الشرعي لجميع معايب السلوك التي إيفت بها الحياة اليشرية عبر مختلف عصورها.. فالبخل مثلا، سببه الخوف من الموت جوعا، وفي سبيل ضمان الرزق تأتي الحروب والصراعات العنيفة التي تهلك الزرع والضرع والإنسان نفسه، والسبب الأساسي هو الحوف من غير الله.. ومن أجل تأكيد وحدة الفاعل في موضوع الرزق جاء في القرآن: (وفي السماء رزقكم وما توعدون*فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون).. إذن المعرفة بالتوحيد هي المدخل على التحرر من الخوف من أجل التخلص من الصفات الحيوانية في الإنسان وتثبيت الصفات الإنسانية.. ولذلك تجد أن الدعوات الدينية دائما تبدأ بالدعوة إلى التوحيد، لأنه هو الأساس الذى تنبني عليه جميع القيم الفاضلة من الناحية العلمية وكذلك من الناحية العقائدية..
ويشير الأستاذ محمود إلى أن الإنسان في سباق مع الموت، ولايمكن التحرر من الخوف نهائيا إلا بالاطّلاع على حقيقة ما بعد الموت، فإذا تحققت هذه المشاهدة اليقينية لعابد فإنه ينتقل بالموت كما ينتقل المهاجر من بلد إلى آخر.. ومن هنا يمكن أن نتصور أبعاد البطولة في الموت التي يعنيها الأستاذ محمود في الحوار الذي أوردناه في صدر هذا البحث.. وحول سؤال: كيف يبرر الإسلام الموت؟ جاء في كتاب أسئلة وأجوبة الجزء الأول ما يلي:
(الموت الحسي ليس، في حقيقته، كما نظنه نحن الآن، وإنما هو ميلاد في حيز غير الحيز الذي نألفه نحن، مثله، في ذلك، مثل ميلاد الطفل في عالمنا هذا، فإنه قد جاء من حيز عاش فيه مدة، و ألفه، و اطمأن إليه، ولم يخطر بباله حيز غيره، ولو خيّر لكره الخروج عنه الى عالمنا هذا كما يكره أحدنا أن يموت الآن.. نحن أيضاً عندما نموت سنجد أنفسنا في عالم خير من عالمنا هذا.. الموت بمعنى الفناء ليس هناك.. فبالموت يغير الحي قشرته فقط يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحاً من الزمن، وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها ، فالإنسان لا يموت، وإنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية.. وتبرير الاسلام للموت انه سير الى الله سير من البعد الى القرب وهذا لجميع الناس.. "يأيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحاً، فملاقيه" ومن ملاقاة الله الموت، لأن به رفع الحجاب "لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك، اليوم، حديد".. )..
وفي نفس المصدر "أسئلة وأجوبة " رد الأستاذ محمود على السؤال: ثمة آيات في القرآن تبخس الدنيا وتصفها بالفناء.. هل يقول الإسلام بالإنكار المطلق لقيمة الحياة؟ بالآتي:
(الإسلام يقسم الحياة إلى درجتين، بينهما اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع : الحياة الدنيا والحياة العليا.. فأما الحياة الدنيا فهي حيوانية، وأما الحياة العليا فهي إنسانية,, فالإنسان، ما دامت مسيطرة عليه صفات الحيوان، خضع لها، أو قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فإذا تخلص من صفات الحيوان، بفضل الله، ثم بفضل المجاهدة المستمرة لدواعي هذه الصفات، فقد أصبح في الحياة الأخرى، أو الدار الآخرة كما يرد عنها التعبير في بعض الأحيان,, وقد جعل الموت الحسي فاصلا بين الحياتين، فلكأنه، ليدخل الإنسان المجاهد لدواعي صفات الحيوان فيه، في الحياة العليا، لا بد له من تجربة الموت الحسي، ولكن الموت المعنوي يحقق طرفا من هذا الدخول، والموت المعنوي يعني أن تسكن دواعي صفات الحيوان في الإنسان تحت قهر العلم في مستوى "علم اليقين" ولذلك فقد قال المعصوم: "موتوا قبل أن تموتوا" يشير إلى هذا الموت المعنوي.. فالحياة الدنيا أو حياة الحيوان هذه، هي التي يشدد القرآن عليها النكير، ويصفها بالفناء، والزوال، ويندب الناس ليزهدوا فيها، ليرتفعوا إلى إنسانيتهم في الحياة العليا الحياة الإنسانية.. فالإسلام لا يقول بالإنكار المطلق لقيمة الحياة، وإنما يميز بين قيم الحياة، ويجعل وكده تسيير الناس إلى الحياة الإنسانية بتزهيدهم، وإزعاجهم عن الحياة الحيوانية، ومعني فناء الحياة الدنيا افضاؤها، رضي الإنسان أم لم يرض، إلى الحياة العليا: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " ).. انتهى ..
………………………….
(3)
ورد في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" للأستاذ محمود وتحت عنوان (لا إله إلا الله) حوار حول الموت في الجزئية الآتية :
(( وأول الدلائل على أن الدكتور مصطفى لم يرح رائحة اليقين قوله من صفحة 240 : ( لا إله إلا الله إذن لا معبود إلا الله.. ولن يعبد بعضنا بعضا .. ولن يتخذ بعضنا بعضا أربابا ولن نقتتل على شيء وقد أدركنا أنه لا شيء هناك.. ولن يأخذنا الغرور وقد أدركنا أننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء ولن نفرح بثراء ولن نحزن لفقر ولن نتردد أمام تضحية.. ولن نجزع أمام مصيبة، فقد أدركنا أن كل هذه حالات عابرة وسوف تلهمنا هذه الحقيقة أن نصبر على أشد الآلام.. فهي آلام زائلة شأنها شأن المسرات.. لن نخاف الموت وكيف يخاف ميت من الموت؟) انتهى حديث الدكتور مصطفى.. وأنت حيث تقرأه يخيل إليك أنه يمكنك تحصيل هذا الإدراك في جلسة واحدة أو في أيام قلائل بعدها تملك الصبر على (أشد الآلام) وما هو هذا الإدراك؟ هو إدراكنا (اننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء) وهل نحن حقاً خيالات ظل؟ أم نحن خلائف الله في الأرض؟ (ولن نخاف الموت) يقول الدكتور ثم يردف: (وكيف يخاف ميت من الموت؟) فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت ؟ هو يراه في اليأس من الحياة، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت.. (وكيف يخاف ميت من الموت؟) والحق غير ذلك فإن انتصارنا على الخوف من الموت إنما يجيء من إطلاعنا على حقيقة الموت، ومن استيقاننا أن الموت في الحقيقة إنما هو ميلاد في حيز جديد تكون فيه حياتنا أكمل وأتم ، وذلك لقربنا من ربنا.. وبالموت تكون فرحتنا، حين نعلم أن به نهاية كربنا وشرنا وألمنا.. قال تعالى عنه: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وإنما بالبصر الحديد ترى المشاكل بوضوح ، وتواجه بتصميم.. وعندما اشتدت بالنبي غصة الاحتضار وقالت السيدة فاطمة البتول "وا كرباه لكربك يا أبي" أجابها المعصوم : "لا كرب على أبيك بعد اليوم" وقد سمي الله تبارك وتعالى الموت "اليقين" فقال :" وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ، "واليقين" أيضاً العلم الذي لا يكاد يكون فيه شك، والذي به تنكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر.. وإنما سمي الموت "اليقين" لأن به اليقين، ولأن به يتم اليقين الذي يكون قد بدأ هنا عند العارفين، وإنما يكون بدؤه بالموت المعنوي الذي هو نتيجة العبادة المجودة.. وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم: " موتوا قبل أن تموتوا" وقال عن أبي بكر الصديق: " من سره أن ينظر إلى ميت يمشي في الناس فلينظر إلى أبي بكر " هذا هو اليقين الذي بإطلاعنا عليه لا نتحرر من خوف الموت فحسب، وإنما به قد يكون الموت أحب غائب إلينا..
وما هو الإدراك الذي به توصل الدكتور إلى مثل هذا القول الذي قاله (وكيف يخاف ميت من الموت؟) إنه من غير شك الإدراك الذي تعطيه العقول لحقيقة الموت – الإدراك الذي يعطيه النظر – هو إدراك قاصر ومخيف.. فإن الموت كما يعطيه النظر العقلي هو عند أكثر الناس نهاية، به تتقطع الحياة وتسكن الحركة ويتصلب البدن، ويعود إلى "تحلل" "ونتن" ويستحيل إلى تراب.. ألم يقل الدكتور نفسه في صفحة 237 (أين كل هذا؟ تحت الردم؟.. انتهى .. أصبح تراباً كان حلماً في مخيلة الزمان وغداً نصبح، أنا وأنت تحت الردم) إن هذا هو الموت كما يعطيه نظر العقول غير المرتاضة، ولكن الموت كما تعطيه حقائق القلوب السليمة والعقول الصافية فهو شىء يختلف اختلافا كبيراً ولا عبرة بالعقول غير المرتاضة بأدب القرآن، فإن علمها ليس بعلم لأنه يقف عند الظاهر، ولا يتعداه إلى بواطن الأمور.. وقد قال تعالى في ذلك: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) وهم لا يعلمون اللباب وإنما يعلمون القشور (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) ولا يكون بعلم القشور تحرير من الخوف.. هذا هو مبلغ علم الدكتور، وهو به يظن أنه (لن يخاف الموت) ويقول في ما يشبه البداهة (وكيف يخاف ميت من الموت؟) ألا ترى أنك قد هونت صعباً، وأرخصت عزيزاً ؟ إني لأرجو أن تحدث مراجعة لأمرك هذا )) .. انتهى..
في ختام هذه الحلقة، أحب أن أقتطف من آخر حديث للأستاذ قبيل المحاكمة حول دور العارفين في فداء المستضعفين، بأنفسهم من تاريخ السادة المتصوفة..
قال الأستاذ في ختام مؤتمر عيد الاستقلال في يناير 1985م:
(أفتكر مؤتمرنا دا لابد أن يؤرخ تحول عملي فى موقف الجمهوريين.. زي ماقلنا قبل كدا: الناس سمعوا مننا كثير، الكلمة المقروءة المكتوبة.. نحن عشنا زمن كثير فى مجالات عاطفية، الإنشاد، والقرآن، والألحان الطيبة، وجاء الوقت لتجسيد معارفنا، وأن نضع أنفسنا فى المحك ونسمو فى مدارج العبودية سمو جديد!!
الصوفية سلفنا ونحن خلفهم.. كانوا بيفدوا الناس، الوباء يقع يأخذ الشيخ الكبير، الصوفى الكبير وينتهى الوباء.. دى صورة غيركم ما يعقلها، كثيرة هي..
الجدرى فى قرية التبيب تذكروها؟ كان فى كرنتينه فى القرية لا خروج ولا دخول.. الشيخ الرفيع ود الشيخ البشير أخو الشيخ السمانى مات بالجدرى فى القرية ..
شيخ مصطفى خال خديجه بت الشريف، هو صديقنا وبزورنا كثير قال: حصلت وفاة ومشيت أعزى.. مر علىّ الشيخ الرفيع، ( أخو الشيخ السماني، شيخ المقاديم الهسع بيعطروا ليكم حلقات الذكر ديل ).. قال لى بمشى معاك..
قال: مشينا سوا إيدو فى إيدى كان فيها سخانة شديدة.. وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو يا الشيخ!! المرض دا ما كمَّل الناس؟؟
الشيخ الرفيع قال: المرض بنتهى، لكن بشيل ليهو زولاً طيب.. قمنا من المجلس وصلنا البيت والسخانة كانت الجدرى!! ومات الشيخ الرفيع ووقف الجدرى..
السيد الحسن أيضا مات بوباء وانتهى الوباء..
وفى سنة 1915م الشيخ طه مات فى رفاعة بالسحائى، وكان مستطير بصورة كبيرة وما عندو علاج وما كان بينجى منو زول، الما يموت يتركو بى عاهة.. مات الشيخ طه والمرض انتهى..
الحكاية دى عند الصوفية مطَّردة ومتواترة، العلمانيين تصعب عليهم ..
انتو هسع لابد تفدوا الشعب السودانى من الذل والمهانة الواقعة عليهو والجلد..
واحد من الأخوان لاحظ وقال: القيمة من المسيرة أن تشاهدوا الجلد الواقع.. واحدة من الأخوات قالت : العسكرى شاب والمجلود شيخ كبير والقاضى واقف يستمتع.. وهى مسالة أحقاد وضغائن ونفوس ملتوية تتولى أمور الناس!!
قد تجلدوا.. ما تنتظروا تسيروا فى المسيرة وتحصل معجزة تنجيكم.. هى بتحصل لكن ما تنتظروها.. خلوا الله يجربكم ما تجربوا الله..
تعملوا الواجب العليكم، تنجلدوا ترضوا بالمهانة.. ومن هنا المحك البيهو بتكونوا قادة للشعب العملاق.. ويكون فى ذهنكم قول الله تعالى : (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وآية ثانية: ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ ألا أن نصر الله قريب..)
ما أحب أن تصابوا بخيبة أمل من العقبات البتلاقيكم فى الطريق!!
ويكون مؤكد، الأمر النحن بنواجهو محتاجين ليهو فى الداخل.. كل أمر يساق ليكم يقويكم وهو عناية من الله ولطف.. ولكن الناس يسوقوا أمرهم بالجد، وكل واحد يدخل فى مصالحة ورضا بالله.. تواجهوا أمركم لتفدوا شعبكم وبعضكم بعض لترتقوا درجات فى واجبكم وعبادتكم.. أمركم قريب ومعنيين بيهو.. انتو محفوظين..
لكن ماتفتكروا الطريق مفروش أمامكم بالورود!!
استعدوا فى قيامكم بالواجب المباشر تكونوا دائمى النعمة وموضع نظر الله وعنايتو.. ثقوا بيهو.. إن شاء الله أمركم قريب والله ادخركم للأمر دا..
وانتو اليوم الغرباء بصورة كبيرة، كل المجتمع السودانى فى كفة والجمهوريين فى كفة!!
الجمهوريين مطلوبين، الناس الطالبنكم فداية ليكم، وظلماتكم نور.. أنتم موضع عناية، تقبلوا العناية، وسيروا راضيين بالله، بالصورة دى يكون ختام مؤتمرنا)..انتهى..
……………………..
(4)
انتهينا في الحلقة الأولي بتقرير حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن الدين سيعود بإحياء السنة حسب البشارة النبوية في حديث الغرباء، وليس بالشريعة.. وقلنا إن الشريعة هي طرف الدين الذي لامس أرض الناس في القرن السابع، ولذلك تحتاج إلى تطوير نحو السنة النبوية فيما يختص بالسياسة والاقتصاد والاجتماع، أي الجوانب المتأثرة بتحولات المجتمع مع الزمن.. والسنة هي عمل النبي في خاصة نفسه، وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة تنظم المجتمع، ففي السياسة الحكم الدستوري، وفي الاقتصاد النظام الاشتراكي وفي الاجتماع محو الفوارق الطبقية التي تقف حائلا دون التزاوج بين الناس..
والناحية، التي نحب أن نركز عليها، في هذه الحلقة وردت في كلمة الأستاذ أمام المحكمة في قوله عن قوانين سبتمبر "أنها هددت وحدة البلاد"..
والسؤال هو لماذا هددت تلك القوانين وحدة البلاد!!؟؟
ورد في منشور "هذا أو الطوفان" حول هذه النقطة:
(إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب.. إن من خطل الرأي أن يزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة، ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصي على غير المسلم، بموجب آية السيف، وآية الجزية، فحقوقهما غير متساوية ..
أما المواطن، اليوم، فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة، وعلى قدم المساواة، مع كافة المواطنين الآخرين.. إن للمواطنين في الجنوب حقا في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة، وإنما يكفله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن ( السنة ( .. لذلك فنحن نطالب بالآتي :-
1/ نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر 1983م، لتشويهها الإسلام، ولإذلالها الشعب، ولتهديدها الوحدة الوطنية..
2/ نطالب بحقن الدماء في الجنوب، واللجوء إلى الحل السياسي والسلمي، بدل الحل العسكري.. ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة، كما يتوجب على الجنوبيين من حاملي السلاح، فلا بد من الاعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة، ثم لا بد من السعي الجاد لحلها ..
3/ نطالب بإتاحة كل فرص التوعية، والتربية، لهذا الشعب، حتى ينبعث فيه الإسلام في مستوى السنة (أصول القرآن) فإن الوقت هو وقت السنة، لا الشريعة (فروع القرآن).. قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا، كما بدأ، فطوبى للغرباء ‍‍ قالوا: من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. بهذا المستوى من البعث الإسلامي تتحقق لهذا الشعب عزته، وكرامته، ثم إن في هذا البعث يكمن الحل الحضاري لمشكلة الجنوب، ولمشكلة الشمال، معا‍.. أما الهوس الديني، والتفكير الديني المتخلف، فهما لا يورثان هذا الشعب إلا الفتنة الدينية، والحرب الأهلية..
هذه نصيحتنا خالصة، مبرأة، نسديها، في عيد الميلاد، وعيد الاستقلال، ونرجو أن يوطئ لها الله تعالي أكناف القبول، وأن يجنب البلاد الفتنة، ويحفظ استقلالها ووحدتها وأمنها.. وعلي الله قصد السبيل.) انتهى..
إذن، إضافة إلى الهدف الأساسي من المواجهة وهو فداء الشعب من نير السيف والسوط، فقد كانت ترمي إلى تصحيح التفكير الديني المتخلف الذي يزج بالشريعة السلفية في المجتمع المعاصر، فيشوهها ويشوه الإسلام، وقد أشرنا إلى أقوال الأستاذ محمود للتحري خاصة قوله: "ولكننا نقول إن الشريعة الإسلامية على تمامها وكمالها حين طبقها المعصوم في القرن السابع لا تملك حلا لمشاكل المجتمع المعاصر، فالحل في السنة وليس في الشريعة!!"
وقد زجت الإنقاذ بفكرة تطبيق الشريعة عام 1990م، وكانت تداعيات هذه التجربة اشتعال الحرب الأهلية في الجنوب وتصعيدها لدرجة المطالبة بانفصال الجنوب، وبالفعل تحقق الانفصال عام 2011م والسبب الأساسي هو الفهم المتخلف للإسلام، وبذلك انفرط عقد الوحدة الوطنية كما تنبأ المنشور..
إذن لا بد من أن نؤسس لفكرة تطوير الشريعة، ونبين سند الحكم الدستوري الذي يساوي بين الناس في حقوق المواطنة ولا يفرق بينهم بسبب العقيدة أو الجنس أو اللون ومن ثم يتسنى لنا الحديث عن عودة الوحدة بين الشمال والجنوب على أساس متين من ديننا الحنيف..
لقد أرسي الإسلام المبادئ الدستورية, عندما قرر في أصل أصوله المسئولية الفردية إمام الله.. والمحاسبة يوم يقوم الحساب قائمة في مواجهة الإفراد بصورة حاسمة. قال تعالى:
(ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) وقال:(إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا, لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وقال: (كل نفس بما كسبت رهينة) وقال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).. وقال في توكيد ذلك : (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى)..
ولما كانت المسئولية الفردية والمحاسبة بهذه الدقة وهذا الشمول, فقد جاء القرآن عندما بدأت الدعوة الإسلامية في مكة بسلسلة من الآيات تقرر بقوة مبادئ الحقوق الأساسية, من حق الحياة وحق الحرية في التصرف لأنه لا يمكن أن يحاسب الإنسان بهذه الدقة ثم لا يعطى حق حرية التصرف كاملة.. اقرأ إن شئت هذه المبادئ في مجموع الآيات المكية التالية, كأمثلة:
(فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).. والاختلاف الأساسي بين القرآن المكي والقرآن المدني, هو هذه المسئولية الفردية.. فكل آية تعتبر الناس مسئولين مسئولية فردية وتخاطبهم على هذا الأساس فهي مكية وان نزلت في المدينة, وأي آية تفرض وصاية على الناس حتى لو كانت هذه الوصاية من النبي الكريم فهي مدنية, فالاختلاف بين المكي والمدني لا يؤسس على مكان وزمان النزول وحسب..
إذن، المبادئ الدستورية في المساواة أمام القانون والحرية في التصرف أو حرية الرأي والاعتقاد ثابتة, بنصوص القران المكي وهو قرآن الأصول.. وهذه الحقوق سميت أساسية لأنها لا تعطى ولا تسلب في شرعة العدل, فهي هبة من الله لخلقه، فكل إنسان يولد حي ويولد حر وله مطلق الحق في التصرف بشرط ألا يتعدى على حقوق الآخرين فإذا تعدى تصادر حريته وفق قانون دستوري.. والقانون الدستوري هو الذي يوفق في سياق واحد بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة..
هذا هو السند للحكم الدستوري من أصول القرآن, وعندما نزلت هذه الأصول على ارض الواقع في القرن السابع, واستمرت ثلاثة عشر عاما اتضح بالتجربة العملية أن المسئولية الفردية غائبة تماما وان الناس قصر محتاجون إلى مرحلة وصاية لترشدهم حتى يبلغوا مستوى المسئولية.. فهم حين احتمل النبي الكريم كل أذاهم له، وتعذيبهم للمسلمين، لم يتوقفوا وإنما دبروا مكيدة لقتل النبي نفسه والتخلص منه, أي مصادرة حقه الأساسي في الحياة..
ومن هنا نسخت جميع آيات الحريات ومن ثم نسخ الدستور، وأذن للنبي بالهجرة من مكة إلى المدينة وقررت الوصاية بطائفة من الآيات الفرعية المدنية الناسخة لآيات الأصول:
(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير, الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) إلى أن نزلت سورة (براءة) وجاء فيها (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)..
والسبب في هذا التحول الكبير هو حكم الوقت, فلم يكن المجتمع مهيئا لإقامة حكم الدستور، ولذلك فرضت وصاية النبي الكريم على المجتمع كله ووصاية المسلمين على المشركين ووصاية الرجال على النساء.. وهذه التشريعات المعروفة بالشريعة السلفية، كانت حكيمة كل الحكمة فقد رفعت مستوى المجتمع من الجاهلية حيث وأد البنات إلى نور الإسلام في المستوى الذي يطيقونه عن طريق السيف، ولكنها استعملت السيف كمبضع الطبيب لا كمدية الجزار فاستأصلت أمراض مزمنة كعادة وأد البنات.. وبذلك حفظت الحق الأساسي من خلال إيقاف انتهاك حقوق الطفل المتمثل في تلك العادة، ثم حفزت الناس للالتزام بحكم القانون على حساب قانون الغابة الذي كان سائدا، فالعيب كما قلنا، ليس فيها هي- أعني الشريعة- وإنما العيب في العقول التي تحاول إقحامها في زمان غير زمانها وفى مكان غير مكانها..
إذن الرسالة الثانية ما هي إلا بعث لأصول القرآن المدخرة للمستقبل، وهذا الفهم تفردت به الدعوة الإسلامية الجديدة، وتمت الدعوة إليها تحت قيادة الأستاذ محمود منذ عام 1951م، وليس هناك فرصة للخروج من النفق المظلم الذي ظلت البلاد متورطة فيه في جميع مراحل الحكم الوطني إلا بفكرة تطوير التشريع الإسلامي ببعث آيات الأصول ونسخ الشريعة السلفية.. والحاجة إلى بعث أصول القرآن، برزت في كل الأرض بسبب التصعيد المتزايد من السلفيين للعنف وانتهاك الحرمات باسم الجهاد، ولا يمكن أن تنتهي هذه الفتنة بالعنف المضاد لأنها مسألة تنطلق من معتقدات دينية لا تصحح إلا بفهم من غرفة الدين نفسه يرتفع بالعقيدة إلى المستوى الذي طبقه النبي الكريم في خاصة نفسه، وهو السنة..
…………………………..
(5)
لقد تناولنا فيما مضى من حديث وبشيء من التفصيل المعاني التي تدور حولها كلمة الأستاذ محمود، موضوع هذا البحث، وأشرنا في الحلقة الثانية إلى المدرسة التي أهّلت الأستاذ محمود لأن يقوم بفداء الشعب بالصمامة التي شاهدها الجميع، وهي مدرسة النبوة (السنة).. وقد كان الأستاذ محمود يردد بكثرة، ليؤكد أنه ما كتب أفكاره في تنظيم المجتمع أو في المعرفة بالنفس البشرية إلا من أجل أن يأخذ الناس أنفسهم بمنهجية طريق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وليس هناك فرصة لأن تنصلح أحوال الناس بغير عمل جاد بعلمية في تغيير النفوس نحو إنسانيتها، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، و(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كما ورد في القرآن.. كما أشرنا إلى أن الأستاذ محمود عندما قام بالمواجهة إنما كان يجسد المعارف التي حققها كعلم يقين، وقد أوردنا كتاباته حول الموت، ولم تكن مجرد شجاعة عادية، والشاهد على ذلك، الطمأنينة التي ظهرت في الابتسامة العريضة التي بدت على وجهه على منصة الإعدام..
وقد بينا في الحلقة الثالثة وبالأدلة القرآنية كيف أن الشريعة السلفية مرحلية وأن عودة الدين مرهونة بإحياء السنة النبوية في مستوى تربية الفرد ثم على مستوى التشريع الجماعي، وأوضحنا مخالفة قوانين سبتمبر للشريعة ومدى التشويه الذي أفرزته تلك القوانين للشريعة نفسها وللإسلام إضافة إلى تنفير الناس عنه ثم تهديد وحدة البلاد، وكان ذلك في إطار حديثنا عن المحور الأول في كلمة الأستاذ..
ولقد اشتملت الكلمة على ثلاث محاور أخرى هي:
2/ الهدف من وضعها ليس هو إقامة الدين وإنما هو إرهاب المعارضة بالقهر والإذلال من أجل حماية السلطة وتثبيتها..
3/ عدم التأهيل لدى القضاة..
4/ انتهاك حرمة استقلال القضاء من السلطة..
وهذه المحاور الثلاثة، لا تحتاج إلى مجهود كبير في إثباتها، فنميري استولى على السلطة بانقلاب عسكري ضد مجموعة الأحزاب الطائفية والأخوان المسلمين، وقد كانت تلك المجموعة تعمل على إجازة دستور إسلامي جاهل يلتحف قداسة الإسلام، وقد ناهضه الأستاذ محمود وسماه الدستور الإسلامي المزيف مثلما سمى قوانين سبتمبر بهذا الاسم، وبقيام الانقلاب انتهت تلك المحاولة ودخلت البلاد في حكم عسكري.. وبمعاونة بعض المثقفين تمكنت مايو من إنجاز مشروعات في التنمية الاقتصادية كربط أطراف البلاد بشوارع مسفلتة.. لكن المؤسف أن مايو وقعت في أخريات أيامها في نفس الخطأ الذي قضت عليه عند قيامها، فولغت في الهوس الديني وأعلنت قوانين سبتمبر من أجل أن تستمر في السلطة، بأن تقطع الطريق على جماعة الأخوان المسلمين التي كانت تحتوى مايو من الداخل بقوة تحت ستار تطبيق الشريعة.. وقد كان نميري يظن أن إعلان الشريعة سيجلب له تأييد عامة الشعب فيطيل بقاءه في السلطة، ولم يكن هدفه بأي حال من الأحوال هو إقامة الدين في الأرض.. وفي خطبه كان يتوعد معارضيه بالعقوبات الحدية لإرهابهم حتى لا يجهروا بالنقد الموضوعي فينكشف على حقيقته ومن ثم يفقد السلطة، وقد وصل الحال به أن يتوعد معارضيه بالملاحقة حتى لو اقتضى الأمر مخالفة الشريعة التي يدعيها، فقال في إحدى خطبه: نحاكمهم بالقانون البطال.. ندخل البيوت ونفتش من يشرب ومن يزني، في الخفاء…الخ، وهو يقصد "بالقانون البطال" قانون أمن الدولة إذ أن الالتزام بآداب الشريعة، حسب تصوره هو، سيعطي ثغرات للمعارضة!! فالقضية كلها صراع سياسي حول السلطة لا علاقة له بالتدين الحقيقي مطلقا، سواء كان ذلك من جانب نميري أو من جانب الأخوان المسلمين..
والحاكم العسكري، أصلا طالب سلطة وهو باستمرار يعمل كل ما في وسعه من أجل الاستمرار في السلطة، فالنفس البشرية تستلذ بالسلطة بأكثر مما تستلذ بأي شهوة أخرى.. وقديما قال الشاعر:
يقولون إن سعدا شكت الجن قلبه وما علموا أن سعدا لم يبايع أبابكر
لقد صبرت عن لذة العيش أنفس وما صبرت عن لذة النهي والأمر!!
وقال الفيلسوف أرسطو: السلطة تفسد عقول الحكام حتى لو كانوا أفضل الناس!! وتكون الفتنة أوسع وشرها مستطيرا إذا وجد الحاكم فئة من الناس تزين له باطله وتمد له في غفلته كما حدث من بعض أدعياء التصوف في أخريات مايو..
أما محوري عدم تأهيل القضاة، وتنكر محاكم مايو لحرمة القضاء المستقل، فأيضا لن نحتاج لبذل مجهود في توضيحهما، فقد أغنتنا المحكمة العليا عن ذلك عندما أبطلت عام 1986م جميع الأحكام التي صدرت في حق الأستاذ محمود والجمهوريين، في القضية المشهورة التي رفعتها الأستاذة أسماء محمود والأستاذ عبد اللطيف عمر حسب الله، ونكتفي بإيراد طرفا من الحيثيات التي ساقتها في تبيين هذين المحورين:
( أما ما ترتب على ذلك من أحكام بالإعدام فقد ألغيت في مواجهة جميع المحكوم عليهم فيما عدا والد المدعية الأولى.. ورغم ما شابتها من مخالفات للقانون والدستور، فقد أصبحت حقائق فى ذمة التاريخ، تقع المسئولية عليها سياسية فى المقام الاول )!!
وحول تهمة الردة جاء في الحيثيات : ( ولعلنا لا نكون فى حاجة الى الاستطراد كثيراً فى وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثا ومتعارفاُ عليه، أو ما حرصت قوانين الإجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة، أو انطوى عليه دستور 1973م" الملغى " رغم ما يحيط به من جدل.. ففى المقام الاول أخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت إليه من أن المادة 3 من قانون أصول الاحكام لسنة 1983م كانت تتيح لها أو لأى محكمة أخرى توجيه تهمة الردة ).. هذا وقد أوضحت المحكمة سبب الخطأ وهو أن المادة 70 من الدستور " الملغى " تنص على ( لا يعاقب شخص على جريمة ما إذا لم يكن هناك قانون يعاقب عليها قبل ارتكاب تلك الجريمة ).. وحول هذه النقطة قالت المحكمة : ( ومؤدى ذلك أنه ما لم يكن هناك قانون يجرم الفعل وقت ارتكابه فإنه لا مجال لاعتبار الفعل جريمة، والقانون هنا هو التشريع رئيسياً كان أو فرعياً )!!
وتواصل المحكمة العليا: ( على أن محكمة الاستئناف لم تكن عابئة، فيما يبدو، بدستور أو قانون، إذ أنها جعلت من إجراءات التأييد التى ظلت تمارسها المحاكم المختصة فى سماحة وأناة، وبغرض مراجعة الأحكام مراجعة دقيقة وشاملة، محاكمة جديدة قامت عليها المحكمة بدور الخصم والحكم مما حجبها، حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة فى هذه المرحلة فى أن تعيد الاجراءات مرة أخرى لمحكمة أول درجة لإعلان المحاكمة بموجب التهمة الجديدة، وذلك فيما تقضى به المادة 238 ه من القانون، أو أن تتجه إلى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها فى ذلك بموجب المادة 242 من القانون ذاته )!!
وتواصل ايضا : ( ومهما يكن من أمر النصوص القانونية فإن سماع المتهم قبل إدانته مبدأ أزلى لم يعد فى حاجة الى نص صريح بل تأخذ به كافة المجتمعات الانسانية على اختلاف عناصرها وأديانها، باعتباره قاعدة مقدمة من قواعد العدالة الطبيعية )..
وحول بيان نميرى عند التصديق على الحكم جاء فى الحيثيات : ( هذا ما كان من أمر ما تم باسم القضاء، أما ما صدر من رئيس الجمهورية السابق عند التصديق على الأحكام فإنه يكفي لوصفه أن نقرر: أنه مجرد من أي سند في القوانين والأعراف، ولا نرى سبباً للاستطراد فيه بأكثر من ذلك لما فيه من تغول على السلطات القضائية، فقد كاد أن يعصف بها كلها !!).. انتهى..
في الختام نحب أن نؤكد بصورة حاسمة، أن أي محاولة لتطبيق الشريعة السلفية في واقعنا المعاصر من غير تطوير، على النحو الذي أسسته الدعوة الإسلامية الجديدة، لن تقدم إلا تشويها للشريعة وللإسلام.. ولذلك نحن ندعو شباب هذه البلاد لأن يقبلوا على دراسة هذه الدعوة من مصادرها الأساسية على خلفية تجربة الإنقاذ في الحكم التي فتتت وحدة البلاد، وأذاقت الشعب جميع مرارات الحكم الشمولي من إقصاء وفصل تعسفي وتشريد للشرفاء ثم الضرب بالرصاص على من يتظاهرون من أجل حريتهم وكرامتهم.. ونقول للذين نفرتهم التجربة من الدين، فاستبدلوه بالعلمانية، نقول لهم: العلمانية كفلسفة خاطئة إضافة إلى أنها تتناقض مع محبة الشعب للدين، ولذلك فإنكم بصنيعكم هذا قد تركتم ميدان الدين خاليا للهوس الديني ليتمكن أكثر، وفي هذا الاتجاه خيانة للشعب وهروب من الميدان، فحال السودان لن ينصلح بالعلمانية وإنما بالفهم المستنير للإسلام، فلا تضيعوا وقتكم فيما يضر ولا ينفع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.