صدق رئيس الجمهورية عندما وصف وزيره للصحة بولاية الخرطوم ب(البلدوزر) وأنه لا يعر أي إهتمام "للكواريك" التي حوله. البلدوزر أو الجرافة آلة ضخمة تستخدم غالباً للهدم. إرتبط البلدوزر أو الجرافة على المستوى الإعلامي والسياسي بعمليات التحطيم الكبرى، كتلك التي تقوم بها الجرافات الإسرائيلية لإزالة منازل الفلسطينيين وتدمير الشوارع والمزارع، حتى تتمكن من بناء المستوطنات الإسرائيلية ومحاولات محو الوجود الفلسطيني، حتى أن منظمات حقوق الإنسان وتلك الداعمة للشعب الفلسطيني طالبت الرئيس أوباما بالضغط على شركةCaterpillar كتربيلار المنتجة لتلك الآليات لوقف مبيعاتها لإسرائيل، باعتبارها تستخدم كسلاح لتدمير البنى التحتية في المناطق التي يسكنها الفلسطينيون. كما إرتبط البلدوزر في السودان بحملات إزالة معسكرات النازحين والسكن الإضطراري( العشوائي) وإزالة الأكشاك تحت مسميات زائفة مثل إعادة التوطين ونظافة العاصمة وإعادة التخطيط وجميعها تتم بنفس العقلية البلدوزرية التي تستخدم ضد الفلسطينيين. أما البلدوزر الذي أشار له الرئيس في مجال الصحة فقد تهيأ دوره هذا ضمن آليةProcessمن عمليات الهدم والتحطيم تتم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، شملت مؤسسات الدولة بما فيها الخدمة المدنية والقوات المسلحة والمؤسسات السياسية الراسخة، وباعت مؤسسات القطاع العام بأبخس الأثمان، وأججت الحروب وفصلت الجنوب ومزقت النسيج الاجتماعي، فحولت مواطنيه إلى نازحين ومهجرين وأبناء سبيل، وفرقت بينهم على أساس اللون والنوع والقبيلة والدين والمنشأ والثروة. في هذا الإطار التحطيمي الإهداري للرأسمالية الطفيلية الإسلامية يحطم هذا (البلدوزر) البنى التحتية للصحة في بلادنا بتفكيك المستشفيات الكبيرة أو إستئجارها للقطاع الخاص، والتخلص من المراكز الصحية الحكومية لمصلحة القطاع مثل المعركة التي تدور رحاها الآن، حول ملكية مركز صحي سمير بالرغم من أنه وقف معروف وظل يقدم الخدمات الصحية للآلاف من سكان المنطقة، وما تم من تدميرٍ لمستشفى الخرطوم التعليمي العريق، والتي تمثل حصيلة جهود أجيال من العلماء والعاملين في مجال الصحة وتوفرت لها من الإمكانيات المادية والبشرية والعلمية والتطور في الهياكل والأداء ما لم يتوفر للمستشفيات الأخرى؛ وبعدها ينتقل (البلدوزر) إلى المستشفيات الأخرى. إن التعدي على مؤسسات القطاع العام الصحية، خاصةً تلك المتعلقة بالرعاية الصحية الأولية والصحة العامة هو تعدٍ على صحة الجميع، لأنَّ هذا المستوى من الرعاية الصحية هو المعني بالوقاية من الأمراض الوبائية، والتي تمثل غالبية الأسباب التي تقود للتردد على المستشفيات للعلاج وتؤدي للوفاة وسط الراشدين والأطفال حسب تقارير وزارة الصحة الإتحادية. بالإضافة إلى إنها تؤدي خدمات واسعة على مستوى السودان لإنتشار المراكز الصحية والشفخانات والصيادلة ووحدات الرعاية الصحية الأولية، والتي بدأت في التناقص وتعرضت للإهمال المتعمد. هذا وقد كشف خطر وباء الإيبولا في غرب أفريقيا والذي أثار حالة من الذعر إمتدت للسودان، كشف عجز الأنظمة الصحية في هذه البلدان عن التصدي لمثل هذا الوباء، والذي كان من الممكن منعه أو تقليل خطره بدلاً من وفاة الآلاف، وذلك إذا توفر نظام صحي متكامل وفعَّال مستند على الرعاية الصحية الأولية ومهيأ للتصدي للأوبئة. أما تحطيم المراكز الصحية والمستشفيات القائمة بحجة نقل الخدمات للأطراف فأمر يدحضه الواقع، وإتضحت الأسباب الحقيقية لهذه الحملات (البلدوزرية) للجميع، إذ سرعان ما حلت المستشفيات والإستثمارات الخاصة محل المستشفيات والمراكز الصحية المملوكة للشعب مثل إيجار أجزاء من مستشفى الخرطوم لشركات خاصة ومعامل وصيدليات خاصة وغيرها مما ستكشف عنه الأيام القادمة؛ لا عجب فقد أصبح العلاج سلعة يحصل عليها القادرون وأنحسرت الخدمات الصحية الوقائية. نعود لحجة نقل الخدمات للأطراف، بالتأكيد أن التوسع السكاني والإسكاني الذي تشهده العاصمة وغيرها من المدن يتطلب توسعاً في الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية وغيرها، بل من المفترض أن يكون ذلك جزءاً أصيلاً من التخطيط لأي توسع عمراني. بالإضافة إلى ضرورة توفير هذه الخدمات للملايين من النازحين والنازحات الذين قدروا عددهم ب(6)ملايين ويزداد يومياً بسبب الحروب، ولاشك أن أغلب هذا العدد يعيش في أحزمة الفقر المحيطة بالعاصمة، إذن الضرورة تقتضي التوسع في إنشاء المؤسسات والخدمات الصحية المتنوعة في هذه المناطق على المستويات الوقائية والعلاجية، أما تحطيم المستشفيات والمراكز الصحية القائمة أصلاً وبهذه الطريقة(البلدوزرية) وما تبعها من تهديد وتشريد للكوادر العاملة وإجبارها على الهجرة للقطاع الخاص بالداخل أو للخارج، ونهب الأجهزة والممتلكات من وراء ظهر العاملين وإشعال الحرائق( بواسطة مجهول) لهو أمر لا علاقة له بتوسع الخدمات الصحية وينم عن عقلية تحطيم العام لمصلحة الخاص بل والخاص جداً. يكشف التقرير المشترك لمنظمة اليونسيف والبنك الدولي وشعبة الأممالمتحدة للسكان والصادر في سبتمبر2014م إن(8) دول من أصل(60)دولة قد تجاوزت الأهداف الإنمائية للألفية والمتعلقة بخفض وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنسبة(67%) وهذه الدول هي:(ملاوي72%، بنغلاديش71%، ليبيا71%، تنزانيا69%، تيمورليش68%، النيجر68%، وإريتريا 67%). وأشار التقرير أن التحسن الرئيسي في خفض وفيات الأطفال يعود جزئياً لتدخلات وسياسات غير مكلفة وقائمة على الأدلة العلمية للتصدي للأمراض المعدية الرئيسية، وهي على سبيل المثال التطعيم المنتظم وإستخدام الناموسيات والإرواء لمعالجة الإسهالات وتحسين مستوى التغذية؛ بالإضافة إلى تحسين وحماية صحة الأمهات. ليس غريباً أن السودان لم يكن ضمن هذه الدول إذ أن مقاصد السياسات والممارسات (البلدوزرية) لا تصب في هذا الإتجاه، بل في الإتجاه المعاكس. إنه إستهتار حقيقي بالإنسان السوداني، فتكاليف زواج أي من المتنفذين أو أحد أبنائهم تفوق بكثير ما رصد لدعم العمليات بالمستشفايات أو دعم العلاج بالحوادث. هذه الأرقام تكشف حقيقة أولويات الرأسمالية الطفيلية الإسلامية، وتوضح لماذا أشاد المشير ب(البلدوزر) وعدم إكتراثه "بكواريك" المرضى حوله. إن استعادة الخدمات الصحية كحق لكل إنسان تحتاج لآليات بناء لا آليات هدم، وإلى آذان صاغية لآلآم الشعب وقلب موجوع بهمومه لا(بلدوزرات) صماء Namaa AL-Mahdi UK Mobile:07546239190 07427515961 Viber, Whatsapp : ++44 7427515961 Skype: namaa.al.mahdi Twitter handle @Namaa0009