يأبى النظام إلا وأن يفتح جبهة داخلية للحرب ، الحرب على هامش الحريات وهامش الحريات هذا تعلمه الصحافة جيدا ، وتعلم أيضا أن نشرها لا يتم إلا تحت رادار الرقيب ، والرقيب هذا أمره عجيب وغريب ومضحك ، على الأقل بالنسبة لي ، إذ كان يُعمل مشرطه في تقطيع مقالاتي حتى عندما أكتب عن دورات المياه ، وأطلق العنان لخيالي واصفا تلك الغرف الضيقة المغلغة التي يوالي بعضها البعض ، والتي تتجمل لتُخرج كل الأشياء و (الغافل من ظن أن الأشياء هي الأشياء ) ، والتي تنبعث منها أيضا أصوات على شاكلة (شوفي الزمن يا يٌمة ساقني بعيد خلاص ، جرعني كاس ، دردني إتغربت وإتعذبت يا يٌمة وريني الخلاص) والأن النظام كأنما يطلق ساقيه للريح ، مستعجلا بلوغ تلك الأمكنة سابقة الذكر ، حيث المياه الجارية والآنيات الملونة والصفوف التي يبدو عليها تلاحق الكتوف ، وطغيان النوع الواحد ، يستعجل بلوغها كمبطون معيون في وليمة ثعالب أشرار ، جمع بينه وبينهم الزمن الذي قاده الى أبعد مما يتعشم وتتمنى نفسه ، وزاد عليه تجرع كأس ودردرة ، أرجعته ألى أُمه الحاجة مستجيراً مستنجدا (وريني الخلاص) عموما يخرج الآن النظام سوءآته بعيدا عن تلك الأماكن المستحيلة وممكنة ، ويرمي بها وجه الصحافة الورقية في ظاهرة فريدة وغير مسبوقة (14) صحيفة ، بما فيها إجتماعيتان ، تقول لي برضو حق (السبق الصحفي) حصريا على الصحافة !! الخوف من الحقيقة النسبية التي تقولها الصحف ، من الممكن جدا أن تدفع النظام إلى إغلاق كل دور الصحف (ويلّا بلا لمة) ، وهذا وارد جدا في ظل تصريات وزير الإعلام بعد (السبق المجزري ) هذا إذاً إعلان الحرب على الحريات هذا أمر قديم متجدد بالنسبة للنظام ، مع زيادة نسبة المصادرة ، وبدأ جليا أنه لن يتوقف ، خاصة وأنه كان قد أعلن حروب أُخرى على جبهات أُخرى يراها أكثر خطرا من الحريات ، مما تغذي لديه نظرية المؤآمرة المتنامية و (المتوهمة) منذ يوما عبوسا من أيام يونيو 89 بقدر ما تعد هذه المصادرة المحزنة ، بمثابة إعلان حرب على الحريات ، بل هامش الحريات بعموم البلاد ، تعد إنقلابا صريحا على صحافة ورقية هي في الحقيقة مهادنة أكثر منها مصادمة . إذا بعيداً عن دورات المياه تعالوا نكتب عن ، عن ، عن ماذا ؟! عن شوفي الزمن يا يمة ساقني بعيد خلاص جرعني كاس دردرني إتغرّبت و اتعذبت يا يمة ورّيني الخلاص .