الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضات العربية : أين يقف شعب السودان من ثورته الثالثة؟
نشر في حريات يوم 19 - 02 - 2015

شهدت السنوات الاربعة الأخيرة زخماً ثورياً عارماً عم عدداً من الاقطار العربية، مبشراً بما أطلقت عليه الصحافة الغربية إسم الربيع العرب، وهو الذي بشرت بقدومه الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي ابتداء من تونس، الي مصر وليبيا وسوريا، واليمن، وحتي بعض دول الخليج العربي.
التسمية في حد ذاتها – وإن لم تكن دقيقة – تقف دليلاً علي إن الصحافة الغربية وليست الحكومات الغربية هي التي أهمها الفساد، والكبت وغياب الديمقراطية عن الشعوب العربية، فقد ظلت وتظل الصحافة الغربية الحُرة هي التي تنادي بقيّم العدالة، والديمقراطية وتحرير الشعوب، ولا ما ترزح تحته إمةٌ بحالها. كان المستنيرون من الغربيين، وكانت الصحافة في انتظار إنتفاضات الشعوب العربية لتغيير الأنظمة التي حكمت دول المنطقة، وتسببت في تخلفها وفسادها، بينما لم تكن الدول الغربية لتهتم بما تعاني منه هذه الشعوب، إن لم نقل إنها كانت راضية عن الانظمة الديكتاتورية التي تحكمت في شعوب الدول العربية، بل كانت داعمة لها، وهي أنظمة ظلت طوع بنانها، وتعمل لمصلحة الغرب بدلاً من مصالح شعوبها المقهورة.
هذه الثورات العربية هي في حقيقتها انتفاضات كبرى تمخضت عنها تغيرات سياسية طال انتظارها والتطلع إليها، لكنها وباستثناء ما حدث في تونس وجدت نفسها أمام مأزق التداخل والتصادم بين الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية، ونتج عن ذلك إنفلات الأمن مما قاد إلي تدخُل الجيش، وما تبعه من تعقيد مسارات ونتائج هذه الانتفاضات، وخروجها عما هو مألوف في الثورات الكبري التي عرفها تاريخ الإنسانية.
ولعل للمرء إن يتساءل عن ما الذي يمكن أن يحدث في السودان عقب انتفاضة شعبه التي تأخرت كثيراً، لكن مؤشرات عدة ظلت تبشر بوقوعها، وباتت تدل علي إنها أصبحت وشيكة، إذ لا يوجد ما يمنع قيام السودانيين بانتفاضة ثالثة وهم الشعب العربي الوحيد الذي هب في وجه حكمين عسكريين، وفجر انتفاضتين في تاريخه الحديث (1964 و 1985). لا يوجد في الواقع السوداني ما يمنع قيام انتفاضة في وجه النظام الحاكم، فهذا نظام ظل في سدة الحكم وبذات الوجوه لربع قرن، وهي أطول فترة استمر فيها نظام، واطول فترة رئاسة. إلي ذلك فالنظام أثبت فشله في حكم البلاد والاستفادة من مواردها، لرفع الفقر والمعاناة، ومحاربة الغلاء والعطالة،، وهو نظام إدخل البلاد في حروب متصلة مما ضاعف من اعداد المهاجرين والنازحين، وأدي إلي انفصال جنوب السودان وفقدان جزء عزيز من الوطن، كان بيده حل قضاياه والاحتفاظ بسودان موحد. فوق كل ذلك، وهذه هي ثالثة الاثافي، ففساد النظام قد أصبح حديث الداني والبعيد، بحيث أصبح الفساد سمة لكل المسؤولين، من رئيس ومساعدين ووزراء، مما بدد امكانيات البلاد وزاد من عبء الدين القومي.
نجح السودانيون في الاطاحة بناظمين استبداديين، وهم بل شك قادرون علي الاطاحة بالنظام الحالي، لكنهم فشلوا في الحفاظ علي مكاسب ثورتيهم، فعاد الحكم العسكري، وعاد معه القهر والفساد بعد فترة قصيرة من ديموقراطية وُلدت مشوهة وكسيحة. كان سبب هذا الفشل هو ضعف الأحزاب، وعدم اتفاقها علي ايدولوجية تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وتكالبها علي السلطة من أجل تحقيق مكاسب حزبية ضيقة، وغياب القيادة الفاعلة، وانعدام النظرة السياسية النافذة، والقدرة علي اتخاذ قرارت حاسمة بخصوص المسائل التي تأخرت بالسودان ومنذ نيله استقلاله في 1956، كواحد من أول الدول الافريقية استقلالاً، وأكثرها استعداداً وقابلية للنمو والتقدم بفضل ما تركه فيه الاستعمار البريطاني من مسببات وادوات ذلك النمو والتقدم.
ولعل الأسباب التي جعلت انتفاضات الربيع العربي تختلف عن الثورات الأخري، هي ذات الاسباب التي أوقعت هذه الانتفاضات في مأزق الشرعيتين على غرار الحالة المصرية، وهو مأزق أدي الي افشال الثورة، وعلي ذلك يجب الانتباه اليه، والعمل علي ازالة الاشكاليات قبل وقوع أي تحرك في السودان يقود إلي اسقاط النظام القائم، والذي لم يجلب للوطن، وللمواطنين سوي الظلم والقهر، والفقر والجهل، والمرض والفساد. فالخوف أن تؤدي ضبابية أو غياب الرؤية
، وافتقاد القيادة الواعية، والحال الذي أصبحت عليه القوات المسلحة بعد تسلط الاسلامويين عليها طوال هذه السنوات، ووجود المليشيات المسلحة، وانتشار السلاح، الي ما لا تحمد عقباه، حتي في حال ازاحة النظام.
من بين أهم الاسباب التي أدخلت الانتفاضات العربية في هذا المأزق الآتي:
أولا- إشكالية القيادة:
الشئ الذي ميٌز بدايات كل انتفاضات الربيع العربي هو الفعل الجماهيري الذي ظل يتراكم لسنوات عديدة، إلي أن انفجر في مواجهة النظام السياسي القائم. حدث ذلك بعد أن تأزمت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يعد ثمة مخرج أمام هذه الجماهير سوى الخروج إلي الشارع وتحدي انظمة الكبت والفساد وتقديم أرواح الضحايا ودماءهم مهراً للديقراطية والحرية ولاصلاح حالها، بفك القيود التي كبلت حياة الفرد والجماعة. ومما لا شك فيه أن ردود فعل الأنظمة الدموية، والاستهانة بالغضب الجماهيري، الذي بلغ حد التحدي والتهديد والسباب -ليبيا مثلاً- كان لها دور بارز في إشعال غضب الشعوب الثائرة، وإذكاء روح الفعل الجماعي، واتساع رقعة زخم هذه الانتفاضات وانفجار العنف.
بدأت الانتفاضة في تونس ثم إنتقلت إلي مصر فليبيا وسوريا مطالبة بالاصلاح الإقتصادي، ولم يكن من بين مطالب الثوار إسقاط أنظمتها التي ظلت تحكم لعشرات السنوات دون أن تقدم لشعوبها سوي الكبت، والضنك والفقر والفساد. لم يكن شعار ‘الشعب يريد إسقاط النظام' من شعارات أي من هذه الانتفاضات في بداية أمرها، إنما ذلك مطلبٌ وشعار جاء مؤخراً بعد أن قامت السلطات بقمع تلك الانتفاضات بالعنف ورفض الاستجابة لمطالبها الشرعية.
كانت الانتفاضات ثمرة كبت طويل، ويأس من حدوث أي تغيير، وانسداد أفق الحياة السياسية والاقتصادية، ولم يكن خلفها عمل مخطط ومبيت وموجه، تديره قيادات هي التي اختارت لحظة تفجير الفعل الثوري لإحلال رؤية سياسية واجتماعية بديلة عن الواقع الذي كان سائداً في تلك الدول، واقع الدكتاتورية، والقهر، وارتفاع نسبة العطالة، وزيادة حدة الفقر وانتشار الفساد بين المسؤولين وذويهم، وهي جميعها مما يمكن نشاهده في السودان.
كان الاختلاف بين قيادات الثورة -والتي ما برزت إلا مؤخراً- يخفي خلافا أشد في الرؤية، والمنطلق والثقافة التي تميِّز كل طرف من أطراف هذه القوى المتباينة أيدولوجياً. وجدت هذه القيادات نفسها مدفوعة لأن تقود حركة جماهيرية لم يكن لأي منها دور في إذكاء شعلتها، بل لم يكن أي منها يحلم بوقوعها، وكان هذا من بين أحد الأسباب التي لعبت دوراً فيما بعد في تأزم العلاقة بين الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية. ظهر هذا جلياً في الانتفاضة المصرية وما تبعها من انتخابات فاز بها الإخوان المسلمون، وما تبع ذلك من انقلاب علي الشرعية الإنتخابية والواقع الذي جاء به صندوق الاقتراع، ثم تدخُل الجيش وحكمه للبلاد، وما نتج عنه من مقاومة الاخوان المسلمين واندلاع الارهاب واعتقال قياداتهم والزج بهم في السجون في انتظار تقديمهم للمحاكمات. كان ذلك التأزم في العلاقة بين الشرعيتين من بين أهم العوامل التي أدت إلي فشل الثورة المصرية، إن لم يكن أهمها، وذلك بالنظر إلى عدد من العوامل، من بينها:
أ) غياب العامل القيادي:
سجل العامل القيادي غياباً تاماً في بدايات الفعل الثوري الجماهيري، فلم يسيطر ويوجه ويقود، أو يؤثر في حركة الجماهير، بل بقي خائفاً متردداً في انتظار ردة فعل النظام الحاكم، ثم تشكل وظهر لاحقاً أثناء زخم الفعل الثوري، أي بعد أن فرضت الجماهير على النخب القيادية وضعاً مُحرجاً جعلها تنضم الي الجماهير الثائرة، وتتصدي لقيادتها وتوجيهها، ومن ثم تقوم بطرح رؤيتها البديلة.
ترتبت على ذلك الغياب الباكر، ثم الظهور المتأخر تعددية القيادات والأطروحات التي يناقض أحيانا بعضها بعضاً، فلقد ظهرت أثناء هذه الانتفاضات تنظيمات وتيارات وأحزاب بعضها كان محظورا، وبعضها كان يعمل في ظل النظام السياسي السابق، والبعض كان غائباً عن مصر، وبدأت تحاول أن تخلق لنفسها، وقياداتها وجوداً في المظاهرات والاعتصامات والصراع المسلح مع الأنظمة التي بدأت تترنح تحت هدير الجماهير التي ارتفعت وتيرة مطالبها فأخذت تطالب بإسقاط النظام.
ب) اختلاف رؤية القيادات:
كان الهدف الأوحد الذي جمع بين القوى التي تصدت لقيادة الجماهير هو إسقاط النظام القائم، بينما اختلفت رؤيتها فيما عدا ذلك. إختلفت رؤي القيادات التي برزت لتتبني ثورات لم يكن لها في تلقيحها ولا ميلادها دور حول كل شئ بداية من الوصف الذي يطلق على النظام المراد إسقاطه، هل يوصف بأنه نظام ديكتاتوري مستبد، إم هو نظام فاسد مفسد، أم هو نظام طاغية لا يحكم بشرع الله، مروراً بمصير قياداته ورموزه إلي شكل الحكم القادم. هذا الاختلاف يفصح عن خلاف أشد وأعمق يتعلق بالرؤية والمنطلق والثقافة التي تخص كل طرف من أطراف هذه القوى، والتي وجدت نفسها تقود حركة جماهيرية لم يكن أي منها يتوقع انفجارها، أو يحلم بوقوعها، فكان من آثار هذه التعددية والاختلاف في الرؤية والمنطلق عدم وجود رؤية مشتركة للقيم والمبادئ التي يجب ترسيخها قبل انتهاء مرحلة الشرعية الثورية، وذلك على عكس ما جرى في الثورات التاريخية الكبرى، مثل الثورة الفرنسية، إو ثورة البلاشفة في روسيا، أو ثورة الخميني في إيران. من المعروف، وحسب ما جرى عليه عُرف، ومنطق ومفهوم تلك الثورات أن تعريف الشرعية الثورية زمنيا هي تلك المرحلة التي تلي نجاح الثورة وتغيير النظام، وفيها تستباح الحقوق والحريات، والأرواح والأموال التي تقف في مواجهة الثورة، أو تلك التي يمكن أن تستفيد منها الثورة المضادة، سمها فترة التطهير، وإزالة آثار النظام المخلوع ومحاكمة قادته ورموزه. وفي ضوء هذا الإطار كانت قيادات الثورات ترى بوضوح من تسميهم أعداء الثورة ورموز الثورة المضادة، فهؤلاء يعتبرون أعداءً للجماهير الثائرة وللشعب وللوطن،، ثم تقرر القيادة متى تنتهي مرحلة الشرعية الثورية بكل ما يقع فيها من تجاوزات، ومتى تبدأ مرحلة شرعية أخرى في ظل المبادئ والقيم والمفاهيم الجديدة التي قامت من أجلها الثورة، وهى شرعية لا يجب العودة منها إلى الشرعية الثورية مرة أخرى، وإلا كانت تلك انتكاسة للثورة، وعودة الي الحالة والوضع الذي ثارت عليه الجماهير.
هذه المرحلة تحددها زمنيا تحددها القيادة الثورية الموحدة في رؤيتها التي تريد ترسيخها على أنقاض النظام السابق، وهذا هو عين ما جرى في تلك الثورات الكبري التي تميزت كل منها بوحدة الإطار العام الذي يحدد القيم والمبادئ والمفاهيم والأهداف التي سعت كل منها إلى تحقيقها. فالثورة الفرنسية التي قامت في ظل مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، كانت قياداتها مجمعة على تلك المبادئ والأهداف، فشكلت هذه المبادئ رؤية وإطاراً عاما، وكانت ثمرة ثقافة وفكر جديد، ساهم فيه جان جاك روسو وفولتير ومونتسيكيو وغيرهم من رواد عصر النهضة.
وبما أننا لسنا بصدد تقييم الثورات، بل الحديث فقط عن القوانين والآليات التي تحكمها، فإن ما يقال عن الثورة الفرنسية في هذا الصدد يمكن أن يقال عن الثورة البلشفية والثورة الإيرانية أيضا، بينما لم تكن في انتفاضات أو ثورات الربيع العربي السياسية رؤية أو إطار عام يجمع بين القيادات التي انضمت إلى الشرعية الثورية، التي بدأتها انتفاضات الجماهير في الشارع. فالخلاف بينها لا يجري من داخل إطار من القيم والمبادئ المشتركة، بل هو خلاف جوهري، أيديولوجي ينبئ دائما بثورات وثورات مضادة.
لهذا فإنه عندما بدأت مرحلة الشرعية الانتخابية في مصر برز التناقض بين أطراف لم يكن يجمع بينها سوي الرغبة في اسقاط النظام، والحكم بديلاً عنه -وهو ما أخشي حدوثه غقب الانتفاضة السودانية المرتقبة، كتكرار لما اعقب انتفاضتي اكتوبر 64، وابريل 85- حيث رأينا الطرف الذي فاز بالانتخابات المصرية – أي الأخوان المسلمون في مصر- أخذ يتصرف وكأن هذه المرحلة تعطي له وحده حق تجسيد رؤيته الايدولوجية، وصياغة واقع ما بعد الشرعية الثورية حسب المبادئ والقيم الخاصة به هو وحده، مما جعل الجيش والشعب المصري يتوجسون خوفاً من سيطرة اسلاموية تعود بمصر الاف السنين الي الوراء. هذا، بينما رأى شركاء الأخوان في مرحلة الشرعية الثورية التي لم يفوزوا فيها عن طريق صناديق الاقتراع أنهم همشوا، وخرجوا من مرحلة الشرعية الانتخابية وكأن مشاركتهم في الثورة ما كانت إلا لمصلحة الطرف الآخر، طالما أن هذا الأخير انفرد بصياغة الواقع المؤسسي والدستوري للدولة حسب مبادئه وقيمه ومفاهيمه السلفية.
وعلى خلفية ذلك، فإن بقية الاحزاب المصرية والجيش رفضوا أن يعتبروا أن مرحلة الشرعية الثورية قد انتهت، طالما أنهم لم يكونوا الفائزين فيها، وطالما أن رؤيتهم قد تم تهميشها في البناء المؤسسي والدستوري للدولة في مرحلة ما بعد الثورة. في حين أن الطرف الفائز – الأخوان- إعتبر العودة إلى الشرعية الثورية خيانة للديمقراطية، وأن من وقفوا من خلفها هم من الخونة، أي القوى المعادية للثورة.
ثانيا: شراكة الجيوش
من المعروف أن الجيوش في تجارب الثورات الكبري لم تكن أبداً جزءاً من تلك الثورات بل تم استهدافها باعتبارها جزءاً من بنية النظام المراد إسقاطه, وهذا هو واقعها، فجنرالات جيش آل رومانوف في روسيا القيصرية، وكذا جنرالات جيش آل البوربون في فرنسا الملكية، وأيضا جنرالات جيش الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، كل أولئك كانوا أول ضحايا الثورات الثلاث.
لم تعتمد تلك الثورات في نجاحها على جنرالات تلك الجيوش، بل قامت بتطهير الجيوش، وإعادة بنائها بحيث تصبح تابعة وليست متبوعة من قبل النظام الثوري, بينما لا أحد ينكر دور الجيوش في انتفاضات الربيع العربي، فعدم اصطفاف بعضها إلى جانب النظام، وانضمام بعضها الآخر إلى الانتفاضة رجح في الحالتين كفة الثورة.
ثالثاً: دور الغرب
أدى استعجال الغرب وحرصه على عودة الاستقرار سريعا لهذه البلدان إلى ظهور مشهد سياسي هجين، نصفه ثورة ونصفه ديمقراطية، وهذا الوضع أعطى الجيش دور الحَكَمْ في أي تنافس أو صراع ينشأ بين قيادات أطراف الثورة، وهو قرار تحتكره في حقيقة الأمر مجموعة من الضباط الذين يقودون عشرات الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح والمنضبطين، والذين ينفذون الأوامر دون نقاش، سواء كان ذلك لحماية الشرعية الانتخابية أو الشرعية الثورية، وبالتالي فإن كل طرف من أطراف الصراع يدعو الجيش للانضمام إلى شرعيته، وهنا يكون القرار لهؤلاء الضباط وفق قربهم وميلهم وعلاقتهم مع أي من الأطراف، وليس وفق أي الشرعيتين أولى بالحماية.
لاشك أن الغرب قد ساهم مع هذه الانتفاضات في إسقاط الأنظمة السياسية التي اقتضت مصالحه المتشابكة والمعقدة في المنطقة أن يتخلى عنها بعد أن أصبحت عبئا عليه، وتفاوت حجم هذه المشاركة من المساعدة المباشرة إلى غض الطرف، إلى إعطاء الضوء الأخضر للجيوش بأن تقف على الحياد أو تنضم إلى الثوار.
كان من ضمن الصور عن هذه الانتفاضات في ذهن صناع القرار في الغرب، صورة الثورات الديمقراطية في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولهذا فإن هذه الانتفاضات وقعت منذ البداية تحت رقابة الغرب عبر المؤسسات الرسمية ومنظمات حقوق الإنسان. ولم يكن الغرب يرغب في إطالة مرحلة عدم الاستقرار والصراع، وهيمنة الشرعية الثورية، ولذلك فقد رأينا في عز اشتعال هذه الانتفاضات كيف تحاول القوى التي تقودها المواءمة بين ضرورات الثورة وبين اشتراطات حقوق الإنسان والتمهيد للمسار الديمقراطي، من أجل عدم فقدان ثقة الغرب والعالم بهذه الانتفاضات.
فلحسن أو لسوء حظ هذه الانتفاضات، أنها لم تقع في القرنين الثامن والتاسع عشر، ولا في زمن نظام القطبية الثنائية الدولي، لكي تكون بمنأى عن الكثير من الضغوطات والاشتراطات التي تطالبها باختصار المراحل، وسرعة الدخول في المسار الديمقراطي والشرعية الانتخابية، ولهذا فقد شهدت هذه الانتفاضات حالة غير مسبوقة، تزاوجت فيها الثورة مع محاولة الحرص على حقوق الإنسان.
نجد أنه في الثورات الأخرى تم استهداف بنية الجيوش باعتبارها جزءا من النظام المراد إسقاطه، إما في الحالة العربية فقد أعطيت الجيوش دور الحَكَمْ بين الأطراف المتصارعة علي السلطة، وتحكمت عوامل القرب والعلاقات في انحيازها لإحدى الشرعيتين.
لقد أدى استعجال الغرب، وحرصه على عودة الاستقرار في أقصر وقت ممكن في هذه البلدان إلى ظهور مشهد سياسي هجين كما ذكرت، نصفه ثورة ونصفه ديمقراطية، فأخذ أعداء الديمقراطية وأعداء الثورة وعصابات الإجرام ينشطون بحرية في النصف الديمقراطي من المشهد، بينما ظل النصف الثوري من المشهد يحتضن شرعية ثورية مسلحة، تمارس الاغتيالات وتصفية الحسابات، واستحلال حرمة المؤسسات العامة، وعدم الاكتراث بالسلطة الشرعية المنتخبة.
هكذا تداخلت وتصادمت الشرعيتان، حسب حالة وظروف كل بلد من بلدان الربيع العربي، فخروج الجماهير المتمردة على الشرعية المنتخبة، وانضمام الجيش إليها يتشابه في ملمح من ملامحه مع خروج ثوار مسلحين واستباحتهم لمؤسسات الدولة المنتخبة، وإن لم يعزلوا من فيها فذاك لأن وجودهم لا يعيق هؤلاء الثوار عن ممارسة ما يعتبرونه شرعية ثورية.
وتحولت الشرعية الثورية في وجود شركاء من خارج الثورة إلى تمرد وانقلابات في بعض الحالات، وفي الحالات الأخرى التي تغيب فيها قيادة ورؤية موحدة تسيطر وتقود الشرعية الثورية، تحولت هذه الشرعية إلى اغتيالات وإرهاب منفلت تحت سمع وبصر شرعية منتخبة مكتوفة اليدين.
ما ارجوه أن لا يتكرر هذا السيناريو في السودان، علماً بأن البلد ملئ بالمليشيات المسلحة، وأن سلطات الرئيس أصبحت لا تحدها حدود، وإن دور القوات المسلحة والشرطة قد تم تهميشه لمصلحة المليشيات المنفكة، وقوات التدخل السريع، وجهاز الأمن، وأن السلطة لن تتواني في الضرب بيد من حديد علي أي تحرك قد يهدد نفوذها وثروات متنفذيها وتقديم بعضهم للمحكمة الدولية، كمطلوبين في جرائم ضد الأنسانية..
رغم كل ذلك يجب علي الشعب إن يتحرك، فإن الشعوب هي التي تنتصر في آخر الإمر، وإنه لا حرية بلا تضحيات، ونقول مع أمير الشعراء:
وللحريةِ الحمراء بابٌ 0000 بِكُلِ يدٍ مضرجةٍ يُدَقُ
وعاش شعب السودان حراً كريماً عزيزاً، ويسقط الفاسدون الظالمون
كامل سيد احمد
طبيب نفساني
لنكلن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.