حفل رائع في قرعة دورة الصداقة بالضعين    تواصل العمل في صيانة وتأهيل مباني هيئة البراعم والناشيئن بمحلية بورتسودان    أكاديمية الفريع (A) تقلب الطاولة على أكاديمية الفريع (B) في ديربي الفريع الأهلي بالدامر    إجتماع ثلاثي مصغر لترتيب الاوضاع داخل الأكاديمية القضارف    شعار براؤن يصل يورو 2024 روديغر لاعب منتخب المانيا يقلد المصباح ابو زيد والاتحاد الأوروبي يتدخل    برمة: لا سبيل لمخرج آمن للبلاد إلا بالحوار الذي يفضي إلى إيقاف الحرب    تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟    يورو 2024: تعادل أول وتراجع بمعدل التسجيل 17 يونيو، 2024    مناوي: حرب 15 أبريل حربُ من أجل الحرب ولا أهداف سياسية أو رؤية وطنية    حكومة دارفور: نحذر جميع قادة مليشيات قوات الدعم السريع في النزاع من مغبة جرائمهم واحترام القانون الدولي    جبريل: سائلاً المولى عز و جلّ أن يحقق لبلادنا العزيزة نصراً عاجلاً غير آجل على المليشيا الآثمة و على مرتزقتها و داعميها    بالأرقام.. السعودية تكشف أعداد و"تصنيفات" الحجاج في 2024    شاهد بالصور.. الحسناء السودانية "لوشي" تبهر المتابعين بإطلالة مثيرة في ليلة العيد والجمهور يتغزل: (بنت سمحة زي تجديد الإقامة)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في بريطانيا يحاصرون الناشط البارز بالدعم السريع الربيع عبد المنعم داخل إحدى المحلات ويوجهون له هجوم عنيف والأخير يفقد أعصابه ويحاول الإعتداء عليهم بالعصا    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. حسناء سودانية تستعرض مفاتنها بوصلة رقص تثير بها غضب الجمهور    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر د. حيدر إبراهيم علي : المعارضة السودانية بين العقلانية والخرافة
نشر في حريات يوم 22 - 02 - 2015


المعارضة السودانية بين العقلانية والخرافة
حيدر إبراهيم علي
مشهد أول:
في افتتاح مستشفي(أبودليق)جاء في الأخبار:ولوح البشير بالعصى لرافضي سياسة حزبه، ومضى يقول: "أي زول يرفع نخرتو للمؤتمر الوطني بندوسو لأننا فوق كل رأس ، وأي زول يتطاول بنواسيه ،اى زول برفع يدو بنكسرها ليهو، واى زول يرفع عينو للمؤتمر الوطني بنقدها ليهو.. والانقاذ ماشة لقدام"..وكان قدأعلن مبكرا أنهم أتوا بالسلاح والقادر" يشيلهم بالسلاح فليواجههم".
وبعد ربع قرن،في الشهر الماضي وفي (أمبدة) نقرأ في صحيفة(الجريدة):"من جهته أكد والي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر التزام حكومته بالشريعة الاسلامية معلنا تاييده لدعم ترشيح الرئيس وتحدى الحالمين بإسقاط النظام وقال "الزارعنا غير الله يجي يقلعنا" وأضاف "نحنا معاك يالبشير رجالة وحمرة عين".( يوم16 يناير2015).
وبين كل هذا تأتي دُرر أدب الاستفزازي الأعظم(نافع علي نافع) ولحس الكوع واللغة الدنيا.
*****
المشهد المقابل:
يقبع ثلاثة من قيادات المعارضة التي وقعت النداء معتقلين منذ6 ديسمبر الماضي ولم تخرج مظاهرة من 50شخصا تحتج وتطالب بإطلاق سراحمها.فالمعتقل الأول الاستاذ(فاروق أبوعيسى)هو رئيس قوى الاجماع الوطني،فأين هي الأحزاب التي يرأسها ولا تتوقف عن التصريحات والاطلالات من أجهزة الاعلام بانواعها؟وأين القوى السياسية التي وقع معها النداء واعتقل بعد وداعهم قبل ساعات؟ألا يستطيع حزب واحد من الاجماع الوطني،وليكن حزب(محمد ضياء الدين)أن يخرج 20 محتجا من لجنته التنفيذية أو مكتبه السياسي؟أما الثاني فهو الدكتور(أمين مكي مدني)رئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني ،ألا تستطيع واحدة من منظمات الكونفدرالية إخراج 30 من جمعيتها العمومية الي الشارع للدفاع عن رئيسها؟
وبعد هذا الصمت،يتجرأ النظام ويقرر النظام منع نشاط(اتحاد الكتاب السودانيين)وهو أكبر تجمع نقابي للمثقفين والمبدعين السودانيين.وكنت أتوقع أن تكون هذه سانحة رائعة لكي يقوم المثقفون السودانيون بقيادة المقاومة ضد النظام بعد أن وصلت وقاحته قطع رأس الأمة المفكر والمبدع.واستدعيت قيادة(سارت)و(برتراند رسل)للمظاهرات في شوارع باريس ولندن ضد الحرب في فيتنام.ثم عقدهما ل(محكمة الضمير)لوقف التجارب النووية.وكلاهما كان فوق السبعين عاما آنذاك.ولكن الاتحاد ذهب ليحارب النظام في ميدانه، وليعترف بقضائه الفاسد وغير النزيه وليدوخه النظام في المحاكم والاستئنافات والمذكرات.وكان يمكن لاعتصام واحد داخل دارهم أن يلفت انظار المتضامنين في كل العالم.
ابتكرت منظمات المجتمع احتجاجا سرياليا يحسدها عليه(سلفادور دالي)فقد جاء في الأخبار:"نفذت أكثر من 30 منظمة سودانية مستقلة، منضوية تحت "كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السودانية"، اليوم الأربعاء(18/2/2015)، احتجاجاً ناجحاً بالتوقف عن العمل ليوم واحد، تنديداً على ما وصفته بالانتهاكات التي تمارس على المجتمع المدني وقياداته، للدستور وللقانون الدولي الإنساني.وأكدت الكونفدرالية أن هذا الشكل الإحتجاجي ستتبعه أشكال أخرى من المقاومة لكل أشكال الظلم والامتهان المُمارسة بشكل ممنهج وضار، كما يمكن لأي من المؤسسات في الداخل والخارج أن تبتكر أشكال الإحتجاج التي تناسب ظروفها لتعبر عن تضامنها ودعمها ومساندتها لحرية العمل والتنظيم في السودان".تصور أن منظمات المجتمع المدني تساعد النظام في تعطيل نشاطها عوضا عن تصعيد نشاطها.وبالتأكيد النظام كان زعلان جدا لأن منظمات المجتمع المدني توقفت عن العمل يوما كاملا-ياللخسارة!هذا خيال في العمل العام يحسدون عليه ونخشي عليهم من عين الحسود فيها عود.
دخل النظام موسوعة(قينيس)للارقام القياسية فقد صادر 14 صحيفة سياسية في يوم واحد!مقابل هذا الانجاز العظيم ان هم محررو وإداريو وعمال ال14 صحيفة ألا تحركهم هذه المهانة ولا تلك الأعاصير؟لم يقف ولا 5 أشخاص محتجين أمام المجلس القومي للصحافة أو اتحاد الصحفيين؟
*****
اخشي أن أبدأ بالقول أننا أمام مجتمع فاشل وليس دولة فاشلة فقط.هل نجح النظام في إعادة صياغة الإنسان السوداني أو بالأصح"حيونته" بحيث يفقد القدرة علي المطالبة والدفاع عن احتياجاته الاساسية المادية والروحية؟هل نجح في إعادته لمرحلة"كائن"باحث عن الغذاء من الفجر وحتي الليل،وكثيرا بلا جدوى؟وأن ينفّس رجاله عن احباطاتهم وهزائمهم الداخلية بالهروب مساءً والعرضة في أغاني الحماسة:"فارس الحديد إن حمي صدرك موشح بالدمي" ولينسي أنه موشح بعار الصمت وقبول اذلال الانقاذ اليومي؟وأن يُغرق نساءه في كريمات تبييض البشرة وتشكيلات الحناء بما فيها"حنة بيت البكاء"؟وإن مرض السوداني فشركة "النيل للاعشاب" تشفيه بالحجامة والرقية ونبات المارنجا .بينماتمد عيادات القاهرة الخاصة لسانها،فهي تعج بمئات السودانيين المرضى بالسرطانات والفشل الكلوي والعيون والباحثين عن الانجاب.
مؤيدو هذا النظام، الداعشي السوداني، هم واحد من ثلاثة كائنات:عوير أو عبيط لا يحسن التقدير والادراك،أو مجنون يختلط في عقله المشوش الواقعي والمتخيل،أو"مستهبل" يعي ويدرك حقيقة النظام المجرم ولكنه مستفيد ماديا أو معنويا(وظيفة أو مكانة)،فيصهين أويبرر.ولكنهم جميعا العوير، والمجنون، والمستهبل يشتركون في كونهم فاسدين ووقحين وسئ الأدب.لذلك،فمن الطبيعي ألا يحترموا شعبهم ،ويخاطبونه باللغة التي أوردتها في صدر هذا المقال.وبالمناسبة ،هم يسيئون الأدب مع النبي الكريم نفسه. لنقرأ:"فى جلسة الاستماع الى تقرير وزير الصحة مامون حميدة بالمجلس التشريعى قال العضو البرلمانى كمال حمدنا الله بعد انتهاء تقرير وزير الصحة انه كان فى العمرة وعندما كان يغط في نوم عميق في أحد أيام العمرة ، حلم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له : ابلغ مامون حميدة التحية وقل له جزاك الله خير لما تفعله ، وضجت القاعة بالتكبير ولاحظ المصدر ابتسامة واسعة علت على وجه مامون حميدة."(الصحف المحلية10/2/2015).فهذا النائب غير المحترم،حقيقة غير محترم، لأنه بالتأكيد ذهب للعُمرة من أموال نفايات ولاية الخرطوم،فهو يتعامل مع النبي الكريم وكأنه عضو في أمانة"الذكر والذاكرين"بالمؤتمر الوطني.كما أننا ما كنا نعلم من قبل، أن تجفيف مستشفيات العاصمة ،وحرمان الفقراء من العلاج،وفتح العيادات الخاصة للمحاسيب،هي من السنة النبوية المطهرة لدرجة أن النبي الكريم يشجع (حميدة)علي أفعاله،ويقول له: جزاك الله خير لما تفعله!
*****
هذا ليس موضوعي وهمي الاساسي،فهذا نظام يعرف ماذا يفعل وماذا يريد؟ولكن السؤال كيف تعامل المعارضون والرافضون مع هذا الفجور واستباحة الوطن تماما من قبل هذه الطغمة طوال ربع قرن؟ وهنا تأتي نظرية المؤرخ(أرنولد توينبي)عن (التحدي والاستجابة).فهو يقول أن أي تحد عظيم أو خطير،يجب أن تكون الاستجابة أو(ان يقابله) رد الفعل تجاهه من نفس طبيعته وطريقته.لذلك ،فالنظام العنيف والشرس لابد أن تواجهه مقاومة عنيفة مثله أو أكثر. ويصبح المطلوب في مواجهة التحدي الذي رمي به النظام:القوة، والرجالة، والعنف، والقمع، وحمرة العين،فيجب أن تكون الاستجابة من طرف المعارضة من نفس الصفات والخصال والمكونات.ولذلك،من العجز والخيبة والإنهزامية،أن نبرر استمرار النظام، بالقول:أن النظام عنيف،وقمعي،وشرس أمنيا.ومن الطبيعي،أن يكون كذلك،فهذا صراع سياسي وليس عيد الحب.ولكنني لا أظنه اعنف وأشرس من نظم (بينوشه)و(شاشيسكو) والتي رمت بها شعوبها في مزبلة التاريخ.ولكن المعارضة السودانية مازالت متوقفة عند وسائل وأدوات صدئة وباردة،منذ بداية التسعينيات أي قبل أكثر من ربع قرن.وهذا ما يسميه علماء النفس التثبت أو(fixation): هو توقف نمو الشخصية عند مرحلة متخلفة من النمو.ولذا يُعتبر-بلا تردد- استمرار المعارضة السودانية في استعمال أدواتها ووسائلها القديمة المجربة لربع قرن،هو تكريس لعملية نصب سياسي وفكري كبرى كان ضحيتها الشعب السوداني اليتيم،ولابد من تعريتها ثم تجاوزها.
إن خضوعنا لهذا النظام لأكثر من 25عاما هو عار مقيم يدين السودانيين:أحزابا،وقوى سياسية،ومجتمعا مدنيا،ونخبة؛وهم الذين عرفوا بادعاء كونهم الأكثر ديمقراطية،وكرامة ،وشجاعة،وكرما،وذكاءً بين شعوب منطقتهم.والمشكلة هي أن السودانيين لا يقبلون النقد من الآخر،وفي نفس الوقت لاينقدون ذاتهم.ومن هنا يستحيل التغيير بدون النقد والنقد الذاتي،والهروب من الاخطاء وعدم النظر لها في عينها لا يجدي.ومن حيل تجنب النقد،ظهور مصطلحات،مثل:جلد الذات،والتخذيل ونشر الاحباط.أما نقد "الكبار"فهو تطاول.كما يقال أن المستفيد الوحيد من النقد هم الأمن والمؤتمر الوطني.لذلك علينا أن "نغطغط"اخطاءنا ،وونقول:ليس في الامكان أحسن مما كان.
تفسر العقلانية بأن تكون الوسائل المختارة في الفعل يمكن أن توصل للغايات المبتغاة.فالسؤال هو:هل الوسائل التي تستخدمها المعارضة السودانية الآن يمكن أن تؤدي الي هدف العمل وهواسقاط نظام الطغمة؟بسبب وجود المعارضة في الخارج اختارت المعارضة من البداية اسلوب الاحتجاجات والشجب،وكانت طريقة مطلوبة في تلك الفترة المبكرة لفضح النظام وعزله دوليا،وقد حققت ذلك.وكان علي المعارضة أن تتنقل من هذ المرحلة للاهتمام بتعبئة وحشد الجماهير في الداخل.ولكن المعارضة توقفت في طفولتها أو شابت بجهلها،واستمرت في نهج بيانات الإدانة ،وحملات جمع التوقيعات،الاستنجاد بمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي،والهرولة لمقابلة دبلوماسيين في الخارجية البريطانية والفرنسية والالمانية والنرويجية ،والتهليل بلقاء سكرتير ثالث في أي وزارة خارجية.كذلك الحديث في لجنة بالكونقرس الامريكي أوالحديث في(Chatham House)آو في(Freedom House).كل هذا العمل مطلوب وضروري،ولكنه يأتي ليكمل ويساند العمل الجماهيري الداخلي.ويكون موقف "القائد"الذي يقابل المسؤولين الأجانب،أقوي ومحترما حين يتحدث لهم أولا عن المظاهرات والمواكب المندلعة في شوارع مدن بلاده،ويطلب دعم الجماهير،ولا يكتفي بالشكوى:لأن "فالشكوى لغير الله مذلة".
تظل القضية والسؤال الجوهري ،هو:- لماذا فشلت كل الجهود السابقة في خلق جبهة معارضة جامعة وفعّالة ومستدامة؟فنحن الآن نجرب المجرب ومن جرب المجرب يعيد صناعة العجلة وتحل عليه الندامة.فلابد للحركة السياسية المعارضة من ان تخلق لنفسها ذاكرة وتاريخ لكي تتعلم وتتقدم.والا تكون مثل الذي يحمل كثيرا من الاسفار ،ولكنها دائما ما تبدأ من بداية البداية. ومع أنه من المفروض ان تبدأ مما انتهي اليه العمل السابق.ونسأل مثلا:هل تم تقييم تجربة (التجمع الوطني الديمقراطي) والذي اضاع من الناس أجمل سنوات عمرهم في العمل السياسي ثم انتهي ب12 نائبا في مجلس النظام ومرت من تحت أرجلهم قوانين الأمن والانتخابات التي كرست الوضع الراهن؟وهل تم تقييم تجربة تجمع "احزاب جوبا" اثناء الفترة الانتقالية وتقاعس الحركة الشعبية وانسحاب مرشحها؟لقد تعود قادتنا واحزابنا السياسية القفز علي المراحل والدخول في مرحلة جديدة دون الالتفات الي الماضي،واستخراج العبر والدروس منه.لذلك،فهم يحرثون في البحر ،ويدورون في دائرتهم المفرغة.وأصبح العمل السياسي مجرد تبرئة ذمة، وأداء واجب يخلو من الصدق والاقتناع ووضوح الاهداف.وقد تكون هناك نوايا طيبة ولكن يصدق القول المأثور:"إن الطريق للجحيم مفروش بالنوايا الطيبة".
تتجنب القوى السياسية التاريخ لأنه يقود بالتأكيد الي النقد والنقد الذاتي،وهذا ما تخافه كالموت، وترفضه.لا تريد أن تعترف باخطائها ،ولا أن يذكرها الآخر باخطائها .فهو في هذه الحالة،حاقد، وموتور،ومتخاذل، اذا تجرأ وانتقد.وفي هذه الحالة لا تختلف القوى التقليدية عن القوى الحديثة،فهما سودانيان في النهاية.بمعني الجساسية للنقد لأنه ينقص القيمة والرجولة.فالنميمة لا بأس بها ولكن لا للنقد.فنحن في حاجة ماسة الآن لتقييم كل تجاربنا في العمل المعارض.ولابد من المحاسبة والمواجهة واقتسام تحمل المسؤوليات والشجاعة في الاعتراف بالأخطاء والخطايا.ولا ننسي أن بعض الحركات المعارضة ازهقت أرواح شابة واخري حولت مقاتليها الي متسولين حين طالبوا بتعويضات يستحقونها.ورغم كل هذا لم تتعرض لتجربتها في العمل المعرض المسلح،بالنقد والتقويم.هل تم تقييم تجربة(قوات التحالف)و(جيش الأمة)و(جيش الفتح)و(الأسود الحرة)؟وهذا منتهي الهروب من المسؤولية،وانعدام الشجاعة الاخلاقية، والتهرب من الحقيقة.
يحاول النظام توظيف ما يُسمي:" شرعية غياب البديل".فقد عجزت المعارضة عن تقديم نفسها كبديل للنظام يقنع الجماهير بالوقوف ضده واسقاطه.فقد ظل سؤال رجل الشارع العادي يمثل تقييما حصيفا للمعارضة:لو ديل راحو نجيب منو؟ ويعدد رموز المعارضة التي يعرفها بسخرية وعدم احترام.فالمعارضة لم تجدد نفسها رغم أنها شاخت عمريا وابداعيا،ولهذا تكرر أخطاءها، وتعودت عليها ولم تعد تعتبرها اخطاء بل اصبحت جزءا من تاريخنا أو"عاداتنا وتقاليدنا" السياسية.من البدهي القول أن السياسة من أكثر المجالات الاجتماعية حاجة الي الخيال والابتكار لأنها ميدان الممكنات والاحتمالات.ولكن مع الشيخوخة ،واللامبلاة،خمد خيال القيادات السياسية وقنعت بتكرار نفس تجاربها القديمة.وبالتأكيد ستكرر وتعيد المعارضة نفسها لغياب التاريخ والخيال معا.وسوف تفرغ كل الاعلانات والنداءات الجيدة من مضمونها حين لا تحولها لواقع وفعل جماهيري.
الاولوية الآن :الشارع،لقد قلنا كل ما يمكن أن يقال.والآن نطلب نتائج جدوى كل هذا العمل والنشاط،ومن حقنا أن نسأل:ما هي انجازات الفجر الجديد بعد عامين وشهر؟ماهو مردود(إعلان باريس)منذ أغسطس الماضي غير الرحلات المكوكية ل"تنوير الرأي العام العالمي"؟ولماذا عجز"نداء السودان" عن حماية قادته الذين وقعوا عليه من السجن والاهانة؟والآن حملة "أرحل"جيدة وفي وقتها،ولكنها لا تحتاج لمليون توقيع،والأجدي لها حشد 100 متظاهر في ميدان (ابو جنزير)و(سعد قشرة)و(حوش الخليفة).لقد آن الأوان للجدية والصدق،ولم يعد لدينا عمر ولا للوطن عمر،للاستمرار في هذا السيرك في التجول الخارجي والذي استمر منذ عهد(البارونة كوكس)فقد استمرأت طواويس المعارضة رؤية صورتها في بحيرة الإعلام العريضة.فهؤلا النرجسيون لا يهمهم من مقابلة المسؤوليين في الخارج ما يمكن تقديمه للشعب السوداني،ولكن همهم أن تصابحنا صورتهم في كل المواقع ووسائل الإعلام،بالبدل الكاملة والكرافتات المخططة والحمراء.وتذكرت ناس(هوشي منه)و(جياب)عندما كانوا يدخلون قصر المؤتمرات ببدل الكاكي وشبط أو شقياني تموت تخلي.وجاءني من بعيد صوت( الشيخ)وكلام( نجم):
ما رأيكم دام عزكم يانتيكات
يا غرقانين
ف الماكولات و الملبوسات
يا دفيانين
ومولعين الدفايات
يا محفلطين
يا ملمعين يا جميسنات
يا بتوع نضال آخر زمن
ف العوامات
ما رأيكم دام عزكم
جيفارا مات
لا طنطنة
و لا شنشنة
و لا اعلامات و استعلامات
من المطلوب أن نوقف فورا الهزل والنرجسية،وعملية النصب الكبرى علي الشعب السوداني،وأن نتداعي لمؤتمر شامل يبدأ بسؤال واحد تتفرع منه بقية الأسئلة:
لماذا فشلت كل الجهود السابقة في خلق جبهة معارضة جامعة وفعّالة ومستدامة؟
ونواصل التساؤل:ماهي الأسس الموضوعية التي استندت عليها جبهات دارفور واقتضت قيام هذا العدد من التنظيمات؟وماهي العقبة الكؤود التي تجعل من المستحيل علي(الصادق المهدي)أن يدعو هذه الاجنحة والافراد للتفاكر وهو الرجل المتسامح وصاحب القلب الكبير مع الآخرين من غير أعضاء حزبه؟وماذا ينتظر حزب الوسط والحركة الوطنية وسليل الاشقاء،الاشارة من(محمد عثمان الميرغني)وهو لم يعد مؤهلا صحيا ولا ذهنيا لكي يؤشر؟ وماذا دهي الشباب من(قرفنا)و(التغيير الآن) وغيرهم من الائتلافات لكي يتشرذموا ويتناحروا،اخشي أن تكون قدوتهم ومثلهم الاعلي نحن وجيلنا "بتاع الزمن الجميل"؟
هذه الاسئلة وغيرها وغيرها لابد أن نواجهها.
والتحية للشاعرعالم عباس.
يبدو أن التاريخ لا يمل اعادة نفسه في السودان،ورغم أنه من المعروف عقليا أن التاريخ لا يعيد نفسه أبدا،ولو حدث ففي شكل مأساة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.