منصف المزغني الطبيب "سيغموند فرويد" اجترح مصطلح "قتل الأب"، فهل جاء الدور على الأُمّ. 1- كان جثمان الشابة الليبية انتصار الحصايري موضوعاً في الصندوق الخلفيّ لسيارتها المركونة في ليل طرابلس بعد أسبوع واحد من ذكرى اندلاع الثورة على "الأخ قائد الثورة". كان هاتفها لا يردّ وكان لابدّ من التأكّد من أنّ حادثة اغتيال هذه الشابة كانت بسبب نشاطها الحقوقي، فهي عضو مؤسس في حركة "تنوير" ذات التوجه الليبرالي، ولها كتابات ضد "داعش" التي تبنّتْ قيامها بتفجيرات في مدينة "القبّة" الليبية وكانت حصيلتها 45 ضحية ومئات الجرحى. - الجهة القاتلة تملك الرصاص للاغتيال - ولا تملك الشجاعة للاعتراف بالجريمة. - ولكن رائحة الرصاص الطائش كانت تشير إلى جهة تكفيرية. 2- لم تكن "انتصار" المرأة الليبية الاولى التي تُقتَل غدراً مع عمّتها المرأة المسنّة، فقبْلهما كثيراتٌ نكراتٌ أو معروفاتٌ بنشاطهنّ نحو الحرية والانعتاق. فالنساء الليبيات شاركن، في حدود تقاليد المجتمع العربي، بالاحتجاج ضد القذافي، ومساندة الابن والزوج والأب والأخ والحبيب وتظاهرن أيّام القذافي أمام بوابات الحبس يسألن ويُحرجن صمتَ السجان عن الذين طال غيابهم بعد أن طغى الغموض حول مصائرهم في غياهب سجون "الأخ العقيد". 3- ليست "انتصار" استثناء في الاغتيال النسائي الليبيّ، فقد سبقتها اثنتان هما: الأولى سلوى بوقعيقيص، المحامية المعروفة والناشطة الحقوقية التي اقتحموا منزلها واغتالوها في بنغازي. والثانية فريحة البركاوي عضو المؤتمر العام عن مدينة درنة الليبية، وكانت تصريحات فريحة شديدة اللهجة عندما اتهمت فيها جماعةَ "أنصار الشريعة" باغتيال المحامية سلوى، وقُتِلتْ "فريحة" وهي تعبئ سيارتها بالوقود قرب منزلها في درنة. 4- لقد افتكّت المرأة العربية دوراً في الانتفاضات الكبرى. - الثورة الفلسطينية أنجبت نساء مثل فاطمة برناوي وليلى خالد والشهيدة سناء محيدلي. وهن أيقونات وعلامات مسجلة على طريق النضال ضد الاستعمار الصهيوني. - وقبل فلسطين، كانت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي قدمت العديد من النساء الشهيدات أمثال حسيبة بن بوعلي التي لعبت دوراً مهمّاً فتركت أثراً كبيراً في النفوس وخلدت في الذاكرة الجزائرية وأنتج فيلم عنها بعنوان "الجزائرية حسيبة". وكذلك الشهيدة مليكة قايد التي كانت قائدة جمعية النساء للثورة التحررية في تنظيم الخطط وتسييرها ودراسة الأماكن لوضع القنابل ونقل الأخبار، وكانت تعالج بعض المرضى إلى أن اكتُشِفَ أمر بعض المجاهدين، حيث قام الجيش الفرنسي برمي قنبلة في المنزل الذي كانت فيه مليكة قايد فاستشهدت. - وقبل الجميع نظمت هدى شعراوي وجماعتها في 20 مارس (آذار) 1919 أول تظاهرة نسائية ضد الاستعمار الإنجليزي الذي نفى إلى مالطة الزعيمَ سعد زُغلول ورفاقه المطالبين بالاستقلال والجلاء، وكانت هذه المظاهرة النسائية، في رأي كثيرين، ثورة ضد المجتمع الذي يصادر حرية المرأة، وينسى أنّ الرجل والمرأة واقعان معاً في شرك الاحتلال نفسه. - بعد هذه المظاهرة وصدامها مع جيش الاحتلال كتب "شاعر النيل" حافظ ‘براهيم قصيدة شهيرة موفّقة القافية، نقطف منها هذه الأبيات: خرج الغوانى يحْتَجِجْنَ / ورُحْتُ أرقبُ جمعَهُنّه يمشين فى كَنَف الوقار / وقد أبَنَّ شُعورَهُنّه وإذا بجيشٍ مقبلٍ / والخيلُ مطلقة الأعِنَّه . 5- -لماذا النساء يقُتلن في الليل وفي النهار في ليبيا؟ يذكرني السؤال بسؤال آخر: لماذا تتفنن إسرائيل في قتل الأطفال. والجواب متشابه: إسرائيل تقتل الأطفال لأنها تخاف من الطفل لأنه كناية عن المستقبل، وهي لا تريد أن تراه. وهي تقتل، في يومها، الأطفالَ لأنها خائفة من الغد. في ليبيا، يعتقد "أنصار الشريعة" و"الإخوان المسلمون" و"القاعدة" وكل مشتقات داعش التكفيريين، أن قتل امرأة معناه إخراج المرأة من المسرح الاجتماعي، فلا دور تلعبه في التعبير ولا في التغيير ولا في التنوير. ولا في التثوير ولا في تقرير المصير. 6- - أليس هدف قتل امرأة هو محاولة لتأديب المواطنين أبناء النساء؟ - وتذكيرهم بأن أمهم أو أختهم أو زوجتهم يُعاملن مثل أي مجرم! - ويحاولون إعدام الأمومة في هذه الحياة. - وهكذا يُهْوون بالسواطير على "القوارير". عن موقع 24.