بيان رسمي سعودي بشأن حادث طائرة الرئيس الإيراني    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفسير الطيب زين العادبين : لا أتوقع اصلاحاً داخلياً لان كوادر الاسلاميين تحولوا الى موظفين
نشر في حريات يوم 17 - 03 - 2011

هناك دلائل تشير الى خلافات وسط الاسلاميين ، استطلعت (حريات) عدداً من الاسلاميين المعروفين باستقلال الرأي ، وتنشر شهاداتهم تباعا ، ونبدأ اليوم بافادة البروفسير الطيب زين العابدين .
افادة البروفسير الطيب زين العابدين :
مصطلح صراع مصطلح كبير،وإذا أردنا إعطاءه معني محدد فسنتحدث عن صراعات الإسلاميين داخل الحركة الإسلامية الحديثة،التى كانت تسمى في وقت ما الجبهة الإسلامية القومية،ثم صارت تسمى المؤتمر الوطني،وذلك لأن هناك تيارات إسلامية اخرى ، فالأحزاب التقليدية يمكن تسميتها بالتيارات الإسلامية، حزب الأمة تيار إسلامي، الختمية تيار إسلامي، أنصار السنة أيضا تيار إسلامي.
لذلك سنحصر حديثنا عن صراعات الحركة الإسلامية التى إستولت على السلطة في إنقلاب 30 يونيو 1989م.
وأقول أن المصطلح لا يجب أن يأخذ مصطلح (الصراعات)، بل يأخذ صيغة الإختلافات والتي اذا تصاعدت تصل الى درجة الصراع والإنقسام.
بداية الاختلافات بعد انقلاب 30 يونيو :
كان هناك إختلاف حول أن الحركة الإسلامية يجب الا تستمر كما كانت، وإنما يضاف إليها الذين أخذوا مناصب دستورية،والعساكر الذين تولوا السلطة ،وهذا أدى عملياً الى حل مجلس شورى الجبهة الاسلامية كمجلس منتخب لكل السودان. وأصبح البديل لهذا المجلس مجلسا معيناً، بواسطة الأمين العام (الترابي) وبعض مساعديه ، فدخل فيه عدد من الأشخاص الغير منتخبين وبعد ذلك صارت هذه سمة ملازمة حيث لم تعد هناك إنتخابات من قبل قواعد الحركة الإسلامية لقياداتها . وحتى عندما حدثت مؤخراً كانت ديكورية .
و تجمدت الحركة الإسلامية الآن وليس لها نشاط معلن ، سواء كان نشاطا فكريا أو سياسياً أو ثقافيا و وهذا على اساس ان المؤتمر الوطني استلم هذه المهمة ،.وحقيقة لم يستلمها بالطريقة المطلوبة حتى يومنا هذا.
جذور الاختلافات سابقاً :
كانت هذه بداية الإختلافات ، وكان يوجد قبلها خلاف بين دعاة تقوية التربية فى التنظيم وبين دعاة الإهتمام بالناحية السياسية أكثر، مما خلق إنشقاقاً في مؤتمر فبراير ، 1969م بين مجموعة يترأسها الدكتور جعفر شيخ إدريس ومعه المرحوم محمد صالح عمر والدكتور مالك بدري والدكتور الحبر يوسف نور الدائم وآخرين ، وكانوا يركزون على موضوع التربية، وبين مجموعة اخرى تركز على العمل السياسي كأساس وعلى رأسهم الدكتور الترابي، وفي مؤتمر فبراير 1969 كسب الترابي الجولة وأصبح الأمين العام للحركة الإسلامية.
بعد ذلك جاء إنقلاب مايو1969م لتتجمد الحركة الإسلامية، لكن نشاطها في المعارضة إزداد وهذا هو الذي أعطى وزناً أكبر للنشاط السياسي ، ومن أهم الأشياء التي قامت بها الحركة الإسلامية في ذلك الوقت تكوين الجبهة الوطنية مع حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ، وقامت بحركة شعبان 1973م لتأتي بعد ذلك المصالحة الوطنية مع نميري في العام 1977، و كانت محل إختلاف .
هناك من كان ضدها ، لكنهم من ناحية العدد كانوا قلة ، لكن الموضوع خضع لشورى واسعة وتصويت ، لذلك قبل المخالفون النتيجة ، وأنا أحدهم، حيث كنت ضد دخول الإتحاد الإشتراكي والإشتراك في الحكومة ، لأنني لا أؤمن بأن الحكومات العسكرية يمكن أن تعكس قيم ومفاهيم الإسلام،لكن قبلنا النتيجة ، لأننا هزمنا وفقاً لتصويت ديمقراطي من الأجهزة المنتخبة.
النظم العسكرية لا يمكن ان تعكس القيم الاسلامية :
إنقلاب 1989م نفسه كان ضد إتجاه الحركة الاسلامية ، وكان حوله نقاش ، لكن فى النهاية الاغلبية وافقوا على الإنقلاب ، وأيضاً كنت معترضاً على مبدأ الإنقلاب ، لنفس السبب الذي رفضتُ لأجله دخول أجهزة الإتحاد الإشتراكي ، ذلك أن النظم العسكرية لا يمكنها أن تقيم أنموذجا إسلامياً للحكم ، إطلاقاً.
ولكن الغالبية الساحقة قبلت الحجج والمسوغات التي بُرر بها إنقلاب 1989، وينبغي أن تذكر الآن : وهى أن الحكومة ضعيفة،وهناك تمدد للحركة الشعبية حتى في شمال السودان كالكرمك وقيسان،والحكومة لا تستطيع المقاومة ، والجيش لا يملك الإستعداد والإعداد الكافيين للمقاومة.
والسبب الآخر ، أن هناك حركات إنقلاب موجودة فى القوات المسلحة، بعضها يتبناها البعثيون وقطعوا شوطا كبيراً فى تنفيذ إنقلابهم، اضافة لبعض العناصر المايوية، و جبهة بها عدد من الأقليات العرقية المشتركة.
بمعني أن الحديث كان (ياناس الحركة الإسلامية إذا ما عملتوا إنقلابكم فسيقوم آخرون بعمل إنقلاب ،وبعد ذلك لن تجدوا لا الدنيا ولا الآخرة) .
و كان ذلك مقنعاً .والمعلومات حول الانقلابات الاخرى كانت دقيقة لأن العناصرالعسكرية للحركة الإسلامية كانت مخترقة للمجوعات الأخرى ومشتركة معها، ولذلك رغم التحفظات الكثيرة فقد رجحت المسوغات كفة الإنقلاب،وليتنا لم نفعل..حيث كانت هذه إحدي نقاط الإختلاف.
مواصلة الاختلافات بعد 30 يونيو :
نقطة الخلاف الثانية كانت حول حل الحركة الإسلامية ولكن الأمين العام وقيادة الحركة قاما بفرض الأمر الواقع ، فبعد ان إستلمت الحركة مقاليد السلطة صار هناك هم جديد، هناك إنقلاب ووضع إقتصادي ضعيف،وهناك مواجهة مع حركة تمرد جنوبية قوية، وأنت إلى حد ما معزول من العالم الخارجي وليس لديك تأييد، وأصبح الاسلاميون في همهم وفي كيفية المحافظة على الدولة التى إستلموها، وأصبحت بالتالي الهموم الأخرى ثانوية .
الأمر الذي كان محبطاً لكثير من الناس ، وأنا منهم أن الأنموذج العسكري في الحكم – رغم نجاح إستلام السلطة والإستمرار فيها، ورغم المعارضة الداخلية والعداء الخارجي – إلا أن النموذج هذا كان محبطاً ، ويشبه أى أنموذج يمكن أن نتوقعه من أي نظام عسكري آخر،سواء كان نظاماً عسكرياً إسلامياً أو غير إسلامي، تحول النظام إلى نظام مستبد، إنعدمت فيه الحريات ، ومكن لعناصر الحركة من أهل الثقة الذين يوافقون على رغبات القيادة، وتم ابعاد العناصر التى لديها قدر من الإستقلالية والحرية .
ولان الأجواء لا تساعد المبعدين – حصار داخلي وخارجي – فأصبح كل من لا يعجبه هذا الحال يقف بعيداً.
وبدأ الفساد ينتشر في جسد النظام،وإعترف به الأمين العام نفسه ( د. الترابي) ،وكانت واحدة من المواجهات .
خلافات بين العسكريين والمدنيين :
وحدثت مشكلة بين العسكريين والمدنيين،لأن التخطيط كان أن يستمر الحكم العسكري لمدة ثلاثة سنوات فقط، ليحدث تنازل بعد ذلك عن السلطة وتقوم إنتخابات وتكون هناك منافسة،وتكون الحركة الإسلامية قد قطعت شوطاً في ضمان التأييد الشعبي بصورة إنتخابية.
وهذا لم يحدث،كان الحصار شديداً، والمعارضة الداخلية شديدة، ولم تجد الحركة الإسلامية المجال لتقدمُ على الخطوة، إضافة إلى ان الذين كانوا على رأس السلطة لم يكونوا حريصين على التنازل عنها بسهولة .
وكان حل مجلس قيادة الثورة مشكلة ، حيث لم يقبل العسكريون بحله، وحتى عندما قبلوا رفض الرئيس البشير خلع الرداء العسكري،رغم أنه قيل له بوجوب خلعه، بواسطة الأجهزة، ولكنه إستمر به حتى الإنتخابات الفائتة.
ونشأ صراع ما بين المدنيين والعسكريين وظهر بصورة أوضح قبل دستور العام 1998م حيث حدث نقاش حول الدستور : أيسمح بتعددية حزبية أم لا يسمح؟
كل العسكريين عدا شخص واحد كانوا يعتقدون ألا داعي لتعددية حزبية ، ويكفي الحزب الواحد ممثلاً في المؤتمر الوطني ويجب ان يستمر لوحده : (شمولية) .
وأغلب المدنين – ما عدا قلة منهم- كانوا مع التعددية السياسية . وكان الترابي يقود هذا الإتجاه - إتجاه التعددية السياسية – وفاز هذا بأغلبية ليست كبيرة، وهذا ما يفسر لجوء الترابي في دستور 1998 للكلام عن (التوالي السياسي) ، كان القصد من ذلك تخفيف وقع مصطلح التعددية على الذين هم ضدها وخاصة العسكريين.
عملياً أصبحت التعددية غير مفتوحة إلا لمن قبل بالدستور وقيادة المؤتمر الوطني واطروحاته .
وكان ذلك عنصر خلاف كبير، وعندما هُزم العسكريون في التصويت قالوا بضرورة عمل إنقلاب عسكري ثان، وكانت إجتماعاتهم في ضواحي العيلفون، في المكان الذي يجتمع فيه المجلس الأربعيني- وهو الجهاز الأعلى الذي جاء بالتعيين وأتي بمن هم في السلطة والمتنفذين وصار يمثل الحركة الإسلامية بشقيها العسكري والمدني.
دستور 1998 أحدث إنفراجاً ، لكن أصبح الأمر لا حزباً سياسياً واحداً ولا تعددية سياسية،وصار الأمر هجيناً، وفى النهاية لم يرضي الأمر لا هؤلاء ولا أولئك.
في البداية كان البشير مطيعاً جداً وغاية طموحه اخطاره بالقرارات قبل اعلانها :
بعد ذلك يصبح التطور الأكبر الإنشقاق الذي حدث في العام 1999، وعملياً ما سمي بمذكرة العشرة ديسمبر 1998 وانشقاق 1999 كان السبب فيهما الإختلاف بين المدنيين والعسكريين.
كان العسكريون في البداية مطيعيين جدا بما فيهم الرئيس البشير، الذي كان غاية طموحه أن يطلب إخباره قبل إصدار القرار حتى لا يسمعه من الإذاعة .
وحصلت بعد ذلك المواجهات بين الدكتور الترابي والبشير، وأدت تلك المواجهات لإنقسام الرابع من رمضان .
و بدأ الأمر بمذكرة العشرة، ثم الإنشقاق، وحل البرلمان في 1999، وفي العام 2000 حدثت المفاصلة،وقاطع الترابي ومجموعته المؤتمر الذي دعا إليه البشير، وفي النهاية خلق كل منهما حزباً.
أحد الأشياء التي كانت مزعجة لقدامى الإسلاميين أن جهاز الأمن أصبح جهازاً مهماً للغاية في الحركة الإسلامية وفي الدولة ، وأصبح يُسير كثيراً من الأمور،ليس فقط الأمنية بل صار يضع التقارير والتوجهات . وإنسجم ذلك مع التوجهات العسكرية للدولة القابضة التي تعتمد على الجهاز الأمني لا على الرضا والقبول السياسيين.
ذلك أنهم لا يريدون النقد بأي صورة من الصور، ولا يريدون حرية التعبير، ولا حرية النقابات،ولا حرية التنظيمات المدنية،ولذلك أصبح جهاز الأمن قوياً جداً ومتسلطاً ، وإرتكب من الموبقات ما وصل الأمر درجة القتل والتعذيب، دعك من التحقيق والسجن والإعتقال دون أي تهم . ووصل الأمر درجة تطهير للذين يُظن أنهم من الممكن أن يعارِضوا، فحدث فصل لأعداد كبيرة جداً من القوات النظامية ومن الخدمة المدنية .
اذا لم تكن هناك قيم واخلاق .. أحكم ساي :
وهذا ايضا كان أحد عناصر الإحباط للإسلاميين الذي يعتقدون بان الأنموذج الإسلامي أصلاً هو أنموذج للقيم والأخلاق، فإذا لم تكن هناك قيم واخلاق ، فلا داع للحديث عما هو إسلامي أو غير إسلامي..(أحكم ساي) .
وعندما ظهر الفساد ، اصبح هناك مواجهة من أعنف ما يكون ، وأصبحت المواجهة أشد من المنافسة مع الأحزاب العلمانية ( حتي مع الحزب الشيوعي) ، حيث أصبح العداء بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي على أشده، وأصبح الترابي بالنسبة للحكومة أكثر شخصية معادية ومعارضة وخطرة على النظام، ووصل الأمر حد اتهام الترابي بدعم حركة العدل والمساواة في دارفور، فجاءت السجون والإعتقالات ، والفصل ، وكل الأشياء السيئة التي إرتكبها النظام في حق الأحزاب الأخرى حصلت بصورة أشد بالنسبة للإسلاميين الذين وقفوا مع الترابي.
وإنتصر البشير ليس لأنه يمثل الحركة الإسلامية ، فهو لم يكن في يوم من الأيام من الذين لديهم عطاء للحركة الإسلامية قبل الإنقلاب، ولم يسمع به أغلب الاسلاميين إلا بعد الإنقلاب، وهو لا يمتلك تجارب الحركة الإسلامية ، ولا يستطيع الادعاء أنه بني فيها (طوبة واحدة)، لكن إنحازت له أعداداً كبيرة لأنهم موظفين في الدولة، ضباط في الامن ، وضباط في الجيش ، و وكلاء وزارات فالدولة كانت موظفة لاعداد ضخمة جداً من الإسلاميين،وهؤلاء أصبحت معيشتهم مرتبطة بالدولة، لذلك الإنحياز للبشير لم يكن موضوعيا ، أي لم يتم الإنحياز له كممثل للحركة الإسلامية أكثر من غيره ، وإلى يومنا هذا الترابي يمثل الحركة الإسلامية أكثر من البشير وأكثر من كل العسكريين الموجودين.
الدولة عامل ولكنها ليست العامل الاساسي :
السبب الآخر ، اننا منذ الأربعينيات نعمل لإقامة دولة، وأقمناها الآن ، فهل نتخلى عنها أو نهدمها؟ هم كانوا يتساءلون بهذه الطريقة، ويرون بان المهم هو الحفاظ على الدولة.
واعتقد بان أحد الاخطاء التي كان للترابي دوراً كبيراً فيها عبر نشاطه وطموحاته السياسية ، جعل الإسلاميين يظنون أن الأولوية للسيطرة على الدولة، بعض الإسلاميين إقتنعوا بذلك ، فكيف إذا وجدوا الدولة يفرطوا فيها ، هكذا يفكرون .
الآن اقتنع الكثيرون بان الدولة لا تؤدي دور التوجه الإسلامي في البلد، فالدولة عامل ، لكنها ليست العامل الوحيد ولا العامل الأساسي، لأن الحركة الإسلامية اليوم في أضعف حالاتها ويحدث ذلك في ظل وجود الدولة.
والحركة الآن داخل الدولة كأفراد ، ولا يوجد بها جهاز داخلها بإسمها، رغم أن عناصر الحركة الإسلامية هي المسيطرة على مفاصلها، في كل المناحي، إقتصادية، سياسية ، إجتماعية، لكنهم لا يتحركون كجهاز موحد يتشاور ، فقد تركوا هذه المهمة للمؤتمر الوطني ، وهو مثله مثل الأحزاب التي تكونها الحكومات العسكرية (هيلمانة) لكن تقوم بتحريكه اعداد بسيطة جداً ، ، فالإتحاد الإشتراكي في كل عهده لم يخالف النميري في قرار واحد، ولا الإتحاد الإشتراكي في مصر إستطاع أن يخالف عبد الناصر أو السادات أو حسني مبارك. وهذا ما يفسر إختلاف الشيوعيين مع نميري الذي أراد ألا يكون هناك حزب معه وأراد أن ينفرد بالقرار، والحزب الشيوعي كحزب عريق أراد أن يكون له وجود.
والنظام العسكري نظام تراتبي ، يقوم على حكم الرتب العليا للسفلى بصورة قانونية، ويعتمد الأوامر، وهذا غير النظام السياسي الذي يعتمد على الأجهزة والتراضي والقبول، وبه نوع من المؤسسية، حيث يصدر القرار من الجهات التي لديها الصلاحية، اذن هناك إختلاف جذري بين النظامين . وهذا اثر على الحركة الإسلامية ، تحديداً بعد منتصف التسعينات، وبعد حدوث الانشقاق والمفاصلة .
ونشأ حزبان معاديان لبعضهما البعض، فالحكومة تريد سحق المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ، والذي بدوره يريد إسقاط الحكومة، وهذا هو الصراع إلى يومنا هذا، والآن الترابي داخل السجن دون تهمة ودون محاكمة، وتجاوز المدة التي يحددها القانون.
طبيعة الحكم الديمقراطي لن تتغير ، وقد قبل النظام بالديمقراطية في 2005م بناءً على إتفاقية السلام الشامل ، التي كانت خطوة متقدمة: أن يقبل تعددية سياسية. كما حدث في اليمن ، حين توحد اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي إضطر لعمل تعددية سياسية .
نفس الذي حدث هنا بعد 2005م ، التي تمت بصورة ثنائية بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، و كانت إجازتها من قبل المؤتمر الوطني شكلية ، فكان التشاور بين الفريق المفاوض وبين الرئيس شخصياً إلى أن وصلوا مرحلة الإتفاق الذي عرض على المكتب القيادي بعد التوقيع عليه.
حزب المؤتمر الوطني تقاليده الديمقراطية ضعيفة ، وليس كالحركة الإسلامية التي أصبحت مجمدة، وهذا ما أستغرب له،حيث وصلت الحركة الإسلامية للسلطة وجمدت!!وكان يجب أن يحدث العكس، بأن تفتح لها ابوابا واسعة ، لكن لأن الحركة الإسلامية بها تقاليد ديمقراطية ومؤسسية صارت غير مناسبة لمن يريد أن يحكم حكماً فوقياً.
وكانت إتفاقية السلام غير مرحب بها من عدد من الإسلاميين لكنها قبلت كأمر واقع ، وقبلت لأنها أتت بالسلام، ووجدت قبولاً من القوى السياسية الأخرى، لكن هناك من رفضها كمنبر السلام العادل وبعض العسكريين المعاشيين، وكانت مجموعة صغيرة وليس لها أثر ، ولم ينشئوا حزباً لكنهم انشأوا منبراً .
عموماً منذ قيام الإنقاذ ، ليس هناك شورى ، لا وسط المؤتمر الوطني ولا وسط الحركة الإسلامية.
الإشكال الآن أن إتفاقية السلام الشامل قادت لإنفصال ، وهو مسؤلية كبيرة وجريمة في حق الوطن ، فمن الذي يجب أن يتحمل هذه الجريمة؟ يحاول المؤتمر الوطني أن يقول أن كل الأحزاب وافقت على حق تقرير المصير، لكن تقرير المصير غير النتيجة التي وصلنا إليها ، الإنفصال .
المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كانا في حالة مشاكسة دائمة تقريباً ، في كل القضايا، وأول مشاكسة كانت حول وزارتى الطاقة والمالية ، حيث إختارهما المؤتمر الوطني معاً ، في حين كان يجب أن تذهب إحداهما للحركة الشعبية ،وهكذا ظل التشاكس حتى يومنا هذا .
تحول غالبية الاسلاميين الى موظفين :
أما نماذج اختلافات الإسلاميين، فقد عبر عنها وبصورة واضحة الدكتور التجاني عبد القادر، الدكتور عبد الوهاب الأفندي، والآن البروفيسور مصطفي إدريس البشير – مدير جامعة الخرطوم سابقا - وهو ما زال يكتب حول هذا الموضوع، وأنا أيضاً ساهمت ، من موقع مستقل، لأنى أرى أن التجربة الإسلامية التي شهدناها تجربة بائسة، ولن تصلح أنموذجاً لأى حركة إسلامية، بل بالعكس فتأثير الحركة الإسلامية السودانية على الحركات الإسلامية الأخري صار ضعيفاً جداً بسبب الأنموذج السئ الذي احدثته الحركة الإسلامية في السودان.
نسمع الآن أنه سيكون ميلاد للجمهورية الثانية، التي لم نرى معالمها، لكن نتمنى ان تكون مختلفة وبها تداول سلمي للسلطة وفيها تحول ديمقراطي، ورعاية لحقوق الإنسان، وإلا فإن التجربة البائسة التي إستمرت من 1989م إلى يومنا هذا ستستمر إلى المستقبل.
وما يحدث الآن ، من خلال مجموعة من الدعوات الإصلاحية لم يصل الى مرحلة الصراع، بل أقرب للإختلاف في وجهات النظر والتصور، فالذين كتبوا المقالات لم يصلوا على سبيل المثال لتكوين تنظيم، هناك كتابات عن الإحياء الإسلامي ، بدأها غازي صلاح الدين، وعمل عنها ندوة مشهورة جداً، لكنها نامت في مهدها، إذا لم نقل أنها ماتت تماما، وغازي صلاح الدين مازال جزء من النظام، ويمسك بملفات مهمة ، وبالتالي لا يمكن ان نطلق على هذا صراعاً .
البروفيسور مصطفى ادريس البشير الذي أعلن عن مجموعة من المواقف ، كان مديراً لجامعة الخرطوم ، ومعيناً من قبل النظام ومازال يعتبر نفسه تابعاً له.
هناك من إبتعد ويعتبرون أنفسهم مستقلين ويبدون أراءهم بهذه الصفة.
واعتقد بان الخلافات والأراء المعلنة من قبل بعض الإسلاميين لن تغير هذا النظام، ولن يُستمع لها ، إلا إذا فرضت على النظام . وحتى الآن ليس هناك جهة أو كيان إستطاعت أن تفرض هذا الأمر، بل أغلب الضغوط تأتي من خارج الحركة الإسلامية وليس من داخلها، لأن معظم كوادر الحركة الإسلامية هم الآن موظفين لدى الحكومة ، وهذا وضع لا يتيح الصراع مع النظام ، بإعتبار أنها جزء منه،وبالتالى لا أتوقع أن يكون هناك إصلاح داخلي بسهولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.