*كنت من المتحفظين على مشروع فتح حدود السودان لاحتضان المعارضين في بلادهم عندما طرحه الدكتور حسن الترابي في بدايات عهد الإنقاذ ليس رفضاً للمشروع من حيث المبدأ، ولكن للتفريق بين الدولة القطرية والسودان القديم العريض التليد، وبين الدعوة الإسلامية التي جاءت للعالمين كافة. *الآن تجدني حزينا على مصير السودانيين المسلمين من أبناء الجنوب الذين يريد لهم البعض إن يرحلوا من السودان الباقي ليلحقوا بمواطنيهم في دولة جنوب السودان، بل احتفل حزب المؤتمر الوطني الذي قام بناؤه الأساسي على المشروع الإسلامي السياسي الذي أطلقوا عليه المشروع الحضاري. *لا أريد هنا الدخول في معركة من معارك طواحين الهواء التي كلفتنا كثيراً بلا طائل، ولكنني قصدت التنبيه إلى مخاطر النهج البراجماتي النفعي الذي جعل بعض أهل الإنقاذ وفي مقدمتهم تيار منبر “الحرب الظالم” مع احترامي لرموزه هداهم الله لأنهم أكثر أهل الإنقاذ فرحاً بالانفصال الذي بدأت آثاره السالبة تتداعي على السودان الباقي له. *نقول هذا بمناسبة قيام المهرجان الثقافي الأول لتراث جبال النوبة الذي أقيم السبت الماضي بحدائق النخيل بأمدرمان تحت شعار:”التراث جسر للتواصل والإبداع” وقد رفد تراث جبال النوبة الإرث الثقافي السوداني بانماط مميزة من الفنون والآداب وظل حاضراً خاصة في فرق الفنون الشعبية التي كانت خير سفير لتراث أهل السودان عامة وهذا ما عبر عنه وزير الثقافة السموءال خلف الله في كلمته امام المهرجان عندما قال إن تراث جبال النوبة من أغني التراث الثقافي والفني في العالم. *كم كنا حريصين على الحفاظ على كل التنوع الثقافي بثرائه وغزارة عطائه، ولكن ما حدث قد حدث وإن كنا نطمح في استمرار وتعميق العلاقات الطبيعية بين شعبي السودان اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً، ويزداد حرصنا هذه الأيام على ضرورة استثمار التعدد الإثني والثقافي في السودان الباقي لصالح استدامة السلام والاستقرار في بلادنا. *جاء المهرجان الثقافي لتراث جبال النوبة في وقته تماماً لأنه أعطى رسالة واضحة خاصة لمن يرفضون التعدد الثقافي والاثني في بلادنا ممن دفعوا بأهل السودان من الجنوب دفعاً للاستقلال بدولتهم بأن هناك ثقافة حية ومتنوعة شهد لها العالم أجمع في المحافل الدولية باعتبارها جزءا أصيلا من التراث السوداني الجميل. *أننا نرى ضرورة دعم مثل هذه المهرجانات وتعزيز عملية التواصل الثقافي بينها وبين كل مكونات الأمة الثقافية والإثنية كما كان الحال في السودان القديم حتى لا تستغل جهويا في غياب الحراك السياسي والفكري السلمي الايجابي الذي يعزز القبول بالآخر بكامل حقوقه السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية في السودان الباقي.