وساطة الفريق اول ابراهيم سليمان: هل تكرار لذات السيناريو    شاهد بالفيديو.. ياسر العطا يقطع بعدم العودة للتفاوض إلا بالالتزام بمخرجات منبر جدة ويقول لعقار "تمام سيادة نائب الرئيس جيشك جاهز"    عقار يشدد على ضرورة توفير إحتياطي البترول والكهرباء    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    ريال مدريد يهزم دورتموند الألماني ويصطاد النجمة 15    (زعيم آسيا يغرد خارج السرب)    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    قنصل السودان بأسوان يقرع جرس بدء امتحانات الشهادة الابتدائية    المريخ يتدرب على اللمسة الواحدة    إعلان قائمة المنتخب لمباراتي موريتانيا وجنوب السودان    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني ينطق اسم فريقه المفضل بوروسيا درتموند بطريقة مضحكة ويتوقع فوزه على الريال في نهائي الأبطال: (بروت دونتمند لو ما شال الكأس معناها البلد دي انتهت)    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    منظمات دولية تحذر من تفشي المجاعة في السودان    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    صلاح ينضم لمنتخب مصر تحت قيادة التوأمين    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد.. زوج نجمة السوشيال ميديا أمنية شهلي يتغزل فيها بلقطة من داخل الطائرة: (بريده براها ترتاح روحى كل ما أطراها ست البيت)    بعد الإدانة التاريخية.. هل يستطيع ترامب العفو عن نفسه إذا نجح بالانتخابات؟    أسعار الأدوية في مصر.. المصنعون يطلبون زيادة عاجلة ل700 صنف    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يقدمون فواصل من الرقص "الفاضح" خلال حفل أحيته مطربة سودانية داخل إحدى الشقق ومتابعون: (خجلنا ليكم والله ليها حق الحرب تجينا وما تنتهي)    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    في بورتسودان هذه الأيام أطلت ظاهرة استئجار الشقق بواسطة الشركات!    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبد المعطي حجازي : الثورة الدينية.. أو الانقراض!
نشر في حريات يوم 23 - 03 - 2015


نعم نحتاج لثورة دينية !
أحمد عبد المعطي حجازي
نعم نحن فى أشد الحاجة إلى الثورة الدينية التى طالب بها رئيس الجمهورية فى احتفاله مع علماء الدين بالمولد النبوى يوم الخميس الأسبق.
وقد استخدم السيد الرئيس فى حديثه مع هؤلاء السادة لغة قوية منذرة عبر فيها عن خطورة ما نحن فيه، وخطورة ما نحتاج إليه، وأعتبر الثورة الدينية مطلبا عاجلا ملحا نكون به، ولا نكون بغيره فى الدنيا، ويحاسبنا الله على موقفنا منه واستجابتنا له أو عدم استجابتنا يوم الحساب. هكذا وجه خطابه للدكتور أحمد الطيب، ولمن معه من رجال الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية فقال لهم: والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أبرأت ذمتى أمام الله أى أشكوكم له وأقارعكم أمامه الحجة بالحجة لأنه لا يمكن أن يكون هناك دين يتصادم مع الدنيا كلها.
ونحن نرى أن رئيس الجمهورية لم يبالغ، فيما قال، ولم يستخدم كلمة زائدة، ولم يضع كلمة فى غير محلها، فالإسلام، كما يقدمه الذين يزعمون أنهم يدعون إليه ويجاهدون فى سبيله يتصادم الآن مع الدنيا كلها، يتصادم معنا، ومع غيرنا، مع الشرق والغرب، مع الأمة ومع الدولة، ومع السياسة والاقتصاد، ومع الأدب والفن، ومع المرأة والرجل.
الإسلام كما يقدمه هؤلاء، أو أكثرهم، وكما يلقنونه طلابهم ويرفعون به أصواتهم فى المساجد والزوايا، وحتى فى الصحف القومية يتعارض مع المبادئ الدستورية، ومع المواثيق الدولية، ومع ثوابت العلم، ومع حقائق التاريخ، ومع حقوق الإنسان. ولننظر فى الكتب المقررة على طلاب الأزهر، ولننظر فى هذه الحرب التترية المعلنة علينا من كل الجهات فى الداخل والخارج، من الإخوان فى مصر وغزة وليبيا وقطر وتركيا إلى داعش فى سوريا والعراق، ومن بوكو حرام فى نيجيريا والكاميرون إلى طالبان والقاعدة فى أفغانستان وباكستان.وفى مواجهة هؤلاء جميعا خرج ملايين المصريين فى الثلاثين من يونيو يسقطون دولة الإخوان الإرهابيين ويعلنون أن الاسلام دين لا دولة، لأن الدين لله، والدولة للجميع. وهو مصحف لا سيف ولا خنجر ولا قنبلة ولا صاروخ.
هذه الملايين التى أنقذت مصر مما كان يراد بها أنقذت العالم كله، وأنقذت الإسلام، لأنها رفضت أن يكون الإسلام اغتصابا للسلطة وانفرادا بها، ورفضت أن يكون استعبادا للمسلمين واضطهادا للمسيحيين، ورفضت أن يكون صداما مع العصر والعقل ومأوى للجهل والخرافة وسندا للعبودية والطغيان، وإذن فالملايين التى خرجت فى الثلاثين من يونيو تطالب باسلام آخر غير إسلام الإخوان والقاعدة وداعش وبوكو حرام إسلام استفتت فيه قلبها، وعرفته بفطرتها النقية، وتلقته من مصادره دون وسيط هذه الملايين هى التى بدأت الثورة الدينية، وهى التى يجب أن نتعلم الاسلام منها، فحيث تكون الفطرة النقية يكون الاسلام، وحيث تكون الديمقراطية يكون الإسلام، وحيث تتحقق المصلحة العامة يتحقق الاسلام الذى آن له أن يتحرر من قبضة المتاجرين المنتفعين به، ويعود لقلوب المؤمنين، وتلك هى الثورة الدينية التى دعا لها عبد الفتاح السيسى باسم الثورة التى انحاز لها ووقف إلى جانبها فى الثلاثين من يونيو، فانتصرت وحملته إلى رئاسة الجمهورية.
ولقد بدأ السيسى، فتبنى الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، لكنه أدرك أخيرا أن ما نحتاج إليه ليس مجرد خطاب جديد، وإنما نحتاج لأصول جديدة نعرفها بالعقل قبل النقل ونقيمها على أساس من المقاصد والغايات، ونحترم فيها قانون التطور، ونلبى فيها مطالب البشر التى تتغير من مكان لآخر ومن زمان لزمان. أى نحتاج لثورة نخلص فيها الاسلام مما الحقته به قرون التخلف وعصور الطغيان وأساطير الأولين والآخرين.
ولقد يخلط البعض بين تجديد الخطاب الدينى والثورة الدينية، ويظن أن الثورة ليست إلا مرادفا للخطاب الدينى الجديد، فمن واجبنا أن نتوقف أمامهما، ونعرف الفرق بينهما لنعرف ما الذى يجب أن نثور عليه فى فهمنا للدين، وما يجب أن تجتهد فيه ونضيفه ونتمسك به.
ونحن نعرف أن الإسلام لا توجد فيه سلطة دينية نظريا على الأقل! وأن الاجتهاد فى فهمه ليس احتكارا لفئة أو جماعة، وإنما هو حق لكل مسلم وساحة مفتوحة لاصحاب الرأى جميعا لا يمنع فيها أحد من التعبير عن رأيه، ولا يدعى أحد لنفسه امتيازا يعطيه الحق فى أن يفرض رأيه على غيره، لكنى نظرت، فيما علق به بعض رجال الأزهر على كلام رئيس الجمهورية، فوجدت رغبة صريحة فى تحويل الثورة الدينية المطلوبة إلى تكليف رسمى ينهضون به وحدهم، فيشكلون اللجان، ويعقدون الاجتماعات، ويدلون بالتصريحات، وتمر الشهور والسنوات، ونصاب بالملل، وننسى ما نحتاج إليه، ونيأس من تحقيقه، ثم لا نستطيع أن نحاسبهم، لأننا وقد سلمنا بأنهم وحدهم المختصون المؤهلون للكلام باسم الإسلام نعطيهم الحصانة التى تجعلهم فوق النقد والمساءلة، فضلا عن أن علاقة الازهر التاريخية بالسلطة تعطيه، وتعطى رجاله هذه الحصانة.
ولا يستطيع أحد أن يجادل فى الدور التاريخى الذى أداه الأزهر فى احتضان الثقافة العربية الاسلامية والدفاع عنها. ولا يستطيع أحد أن يجادل فى أننا نحتاج لمرجع دينى نثق فيه ونطمئن إليه، ولاشك فى أننا ننتظر من رجال الازهر أن يكونوا هذا المرجع المأمول، وأن يكون لهم الدور الأول فى هذه الثورة الدينية، التى أصبحت بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت، وأن ينهضوا بما لم ينهضوا به من قبل رغم أنهم كانوا مؤهلين بالأمس، كما هم مؤهلون اليوم، لكننا لا نتحدث عن حاجتنا لدروس أو فتاوى، وإنما نتحدث عن ثورة دينية، وعن أئمة مفكرين مجتهدين يواصلون السير فى طريق محمد عبده ويصلون بنا إلى غايتها، فليس يكفى أن يكونوا مختصين فى علوم الدين، بل لابد أيضا أن يكون لهم اتصال بعلوم الدنيا ومعرفة بحقائق العصر ومطالب أهله التى هى مطالب كل البشر لا يختلف فى حاجتهم إليها المسلمون عن غير المسلمين، ولأن الثورة الدينية هى مطلب الجميع، فلابد أن يشارك فيها الجميع.
ولقد رأينا أن ما قدمه غير المختصين فى الثقافة الإسلامية، وفى الدعوة للاجتهاد لا يقل عما قدمه المختصون، محمد فريد وجدى الذى لم يتعلم فى الأزهر قدم الكثير للإسلام وللفكر الإسلامى، وكذلك عبد الرزاق السنهورى، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوى، وحسين أحمد أمين، وطه إبراهيم، ورشاد سلام، ولو قارنا بين ما قدمه هؤلاء فى نقد الخطاب الدينى والدعوة للثورة، وما قدمه رجال الأزهر لرجحت كفة هؤلاء.
وسوف أواصل.
…………………………
(2)
ليس جديدا أن نتحدث عن تجديد الخطاب الديني. فتجديد الخطاب الدينى مطلب قديم تبناه الرسول ذاته وطالب المسلمين بتبنيه فى حديثه الذى يقول فيه «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها دينها».
ونحن نتأمل هذا الحديث الشريف فنجده حافلا بمعان لم نكن ننتبه لها من قبل.وأول ما نفهمه من هذا الحديث أن الإسلام دين للمستقبل، فضلا عن أنه للماضى والحاضر. إنه تراث نعتز به ونرجع إليه ونهتدى بهديه. لكنه فكر مفتوح واجتهاد دائم، نصحح به الماضى ونتقدم فى ضوئه نحو المستقبل. فالحياة الإنسانية لا تتوقف عن الحركة ولا تكف عن التطور والتغير. والتاريخ الإنسانى ليس كما كان يتصوره القدماء دورة حياة تبدأ وتشب وتشيخ وتموت، ولكن التاريخ تقدم مستمر، وخبرات تنضج شيئا فشيئا، ويكمل بعضها بعضا، وهو عصور تأتى بعد عصور ويتحقق فيها ما لم يكن ممكنا أن يتحقق من قبل.
الزمن إذن بالنسبة للإسلام ليس عدوا، والأيام لا تأخذ من الإسلام بل تعطيه. وإذا كان هذا الدين الحنيف قد بدأ وحيا وتنزيلا على يد نبيه الكريم، فهو يواصل حياته المتدفقة على يد أتباعه المجتهدين تفكيرا وتجديدا وتمثيلا لروح العصر ومطالبه، وإدراكا للثوابت فيه، وقدرة على فهم المتغيرات واستنباط ما تدعو الحاجة لاستنباطه من النظم والأحكام والقوانين.
ولاشك فى أن هذه المعانى كانت حاضرة حية فى حياة المسلمين الأوائل التى انتشر فيها الإسلام وازدهر وأسس ملكه وبنى حضارته. لكنها تراجعت وغابت حين أصبح الحكم طغيانا، والدين تجارة، والحياة قهرا وإذعانا. عندئذ أدار المسلمون ظهورهم للمستقبل وتنازلوا حتى عن الحاضر وفقدوا مكانهم فيه، وتخلوا عنه للذين زاحموهم ولجأوا إلى الماضى يبكون على أطلاله ويناجون الأسلاف الراحلين ويحاولون اللحاق بهم فلا يدركون حتى الغبار.
وفى هذا المناخ الراكد والماء الآسن أصبح الزمن كله ماضيا يكرر نفسه، وأصبحت الحياة تقليدا فى تقليد، وأصبحنا نفهم من حديث الرسول عكس ما يعنيه. فالمستقبل لم يعد فى نظرنا زمنا صاعدا مفتوحا، بل بات زمنا نازلا أو نهاية للزمن. وبدلا من الاعتماد على العقل فى مواجهة المطالب الجديدة أصبح الاعتماد على الكلام المنقول والنص المحفوظ. وبدلا من أن يكون التجديد حياة جديدة للإسلام تمكن له فى العقول والضمائر، أصبح التجديد بدعة وأصبح ضلالة. وها نحن ننظر فى القرون العشرة الماضية، فنجد أن أئمة التقليد كانوا أكثر ألف مرة من أئمة التجديد، ونجد أن الزمن يتقدم ونحن نتخلف، وأن العصر كله يتكلم لغة، والمسلمون وحدهم يتكلمون لغة أخري، وأن مطالب البشر وأحلامهم وأسئلتهم وقضاياهم لا تجد لها استجابة فى خطابنا الدينى المعاصر منذ أحرقنا مؤلفات ابن رشد فى قرطبة قبل ثمانية قرون حتى صادرنا مؤلفات على عبدالرازق، وطه حسين، ونجيب محفوظ، ولويس عوض، واغتلنا فرج فودة، ونفينا نصر حامد أبوزيد فى القرن الماضي.
نعم. البشر يسألوننا ونحن لا نجيب. والبشر يتحررون من نظم العصور الوسطي، ويسقطون الدول الدينية، ويضعون حكامها المتألهين فى المتاحف، ويفصلون بين الدين والسياسة، ويقيمون دولهم الوطنية على أسس من روابطهم الدنيوية ومصالحهم المشتركة، فالجماعة الوطنية أو الأمة فى هذه الدول بمبادئها ومصالحها وحياتها التى تتطور على الدوام هى مصدر السلطة، وهى الحكام والمحكومون.
لكن الخطاب الإسلامى لايزال ينظر لهذه التطورات مبهوتا غير مصدق، ولايزال يقف أمامها مترددا متلعثما يتظاهر بقبول الدولة الوطنية لكن بشرط هو ألا تكون هذه الدولة الوطنية دولة مدنية. لأن السلطة فى الدولة المدنية للجماعة الوطنية أو للشعب.والخطاب الاسلامى السائد حتى الآن يريد أن تكون السلطة فى هذه الدولة لرجال الدين، وإن لم يستخدم هذا التعبير، لأن الإسلام لا يعرف السلطة الدينية المستقلة، وإذن فليس فيه رجال دين، وإنما هم علماء كما يقولون عن أنفسهم.نسألهم عما نريد معرفته من أمور ديننا فيجيبون دون أن تكون لهم سلطة يفرضون بها ما يريدون.
ومن المؤكد أن الإسلام لم تقم فيه سلطة دينية مستقلة، كما حدث فى المسيحية التى تطورت عن اليهودية وانشقت عليها، وأصبحت لها سلطتها المتمثلة فى الكنيسة، فضلا عن أن المسيحية ظهرت فى بلاد يحكمها قياصرة الرومان الذين اضطهدوا المسيحيين الأوائل فمن المنطقى أن تتحول المسيحية فى الامبراطورية الرومانية إلى سلطة روحية تضم المسحيين وتقابل سلطة القياصرة السياسية. وهذا ما لم يحدث فى الإسلام الذى سار فى طريق آخر.
الإسلام ظهر فى بلاد لم تنشأ فيها أى سلطة من قبل، لا سياسية ولا دينية، ولم تعرف السلطة إلا فى المدينة التى قامت فيها بعد هجرة الرسول حياة جديدة نشيطة احتاجت لمن ينظمها فى مجالاتها المختلفة، ويؤلف بين عناصرها وأطرافها ويضع لها القوانين ويطبقها. وتلك هى الدولة التى أنشأها الرسول فى المدينة وجمع فيها بين السلطة الدينية والسلطة السياسية اللتين ظلتا مجتمعتين فى أيدى الحكام المسلمين طوال العصور الماضية. فالحاكم المسلم هو رأس الدولة أو هو الدولة كلها وهو فى الوقت ذاته أمير المؤمنين، وهو بهاتين الصفتين يملك كل السلطات فهو المرجع فى التشريع، وهو المسئول عن التنفيذ، وهو القاضي، وهو الإمام.
لكن جمعه بين هذه السلطات لاينفى وجود سلطة دينية فى الإسلام . كل ما هنالك أن السلطة الدينية فى الإسلام ليست مستقلة، وإنما هى وجه من وجوه السلطة المطلقة التى ينفرد بها الحاكم المسلم ويمارسها بنفسه وبمن يستعين بهم من الوزراء والفقهاء الذين يبايعونه على السمع والطاعة، فهم ليسوا مستقلين، وإنما هم أدوات للسلطة، أو هم سلطة تابعة أو ملحقة بمصدر السلطة أى بالحاكم، تخدمه حين تتولى نيابة عنه شئون الرعية، أو حين تتحدث نيابة عنه باسم الدين. وتستخدمه حين تتحدث باسمه للرعية وتستمد سلطتها من سلطته.
من هنا كان حرص الملك فؤاد فى دستور 1923 على أن تكون المعاهد الدينية خاضعة له و«على أن يكون تعيين شيخ الجامع الأزهر وغيره من الرؤساء الدينيين مسلمين وغير مسلمين منوطا بالملك وحده»
ومن هنا أيضا جاءت المادة الثانية فى الدساتير الأخيرة التى ساومت فيها جماعات الاسلام السياسى السلطة الحاكمة فمنحتها غطاء دينيا وضعها فوق الدستور، وحصلت منها فى المقابل على غطاء سياسى مكنها من الوصول الى رئاسة الجمهورية .
السلطة إذن عندنا لم تتغير. والخلط مستمر بين الدين والدولة. والخطاب الدينى يبرر الارهاب. ونحن اذن فى أشد الحاجة لثورة دينية تحسم الفصل وتمنع الخلط وتجعل الدين لله والوطن للجميع.
……………………………
الثورة الدينية.. أو الانقراض!
أواصل الكتابة عن الثورة الدينية التى ختمت حديثى عنها يوم الأربعاء الماضى بأنها آتية لا ريب فيها. لماذا أؤكد أن هذه الثورة قادمة ولا يخالجنى فى ذلك أى شك أو ارتياب؟
وأنا أبدأ الإجابة على هذا السؤال فأقول إن حياتنا التى ركدت قرونا طويلة كانت انحطاطا شاملا فى كل مجال، فحالها لا ينصلح إذا غيرنا أوضاعنا فى مجال وتركناها كما هى فى مجال آخر. وقد ثرنا فى الخامس والعشرين من يناير فأسقطنا نظام يوليو الذى رزحنا تحته ستة عقود. ولأن دولة الإخوان كانت استمرارا بلحية للنظام الساقط ثرنا عليها فى يونيو وأسقطناها. ولأن دولة الإخوان لم تأت من فراغ، وإنما جاء بها الطغيان، والأمية، والجوع، والفساد فلابد أن تستمر الثورة لنخلص أيدينا وأعناقنا ورءوسنا من هذه الأغلال. وإذن فالثورة الدينية آتية لا ريب فيها.والثورة الدينية آتية لا ريب فيها لأن ثقافتنا عامة وثقافتنا الدينية خاصة ثقافة متخلفة تتعارض مع الثورة السياسية التى قمنا بها ولا تتفق مع مطالب العصر الذى نعيش فيه.نحن نعيش فى عصر الجماعة الوطنية، والدولة المدنية، والنظم الديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان. ومؤسساتنا الدينية والمشتغلون بها والقائمون عليها يعيشون فى عصر الدولة الدينية، والتمييز الديني، والسمع والطاعة، والتحريم والتحليل.
يتحدثون عما يسمونه الأمة الإسلامية، كأن الدين لايزال هو الرابطة الوحيدة التى تربط بين أفراد الجماعة. وكأن المصالح المشتركة، والتاريخ المشترك، والثقافة القومية لا مكان لها ولا اعتبار. وكأن الذى يجمع بين المسلم المصرى والمسلم البنجالى والمسلم النيجيرى أقوى وأهم وأنفع من الذى يجمع بين المسلم المصرى والمسيحى المصري. وكأن المصريين ليسوا أمة وإنما هم طائفتان منفصلتان.
هذا المفهوم المتخلف للأمة مازال شائعا ليس فقط فى الكتابات والخطب الدينية التى تلقى فى المناسبات، بل حتى فى الدستور الذى صدر قبل عامين اثنين وجاء فى مادته الأولى أن «الشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية».
ولقد يظن البعض أن هذه عبارات تتسع لأكثر من تفسير، وأن الكلام عن أمة اسلامية لا يعنى أكثر من تأكيد الرابطة التى تجمع بين مختلف الأمم الإسلامية. غير أن بعض الظن إثم. لأن هذه العبارات المضللة لم تسمح فقط للإخوان الذين صدر هذا الدستور وهم فى السلطة بأن يفتحوا أبوابنا على مصاريعها للإرهابيين القادمين إلينا من أنحاء العالم، بل سمحت لهم كذلك بالتفكير فى التنازل عن سيناء لحماس وعن حلايب للأخ البشير؟
المصريون ليسوا جزءا من أمة، وإنما هم أمة مكتملة، وربما كانوا أقدم أمة فى التاريخ. هذه الأمة تربطها بالأمم العربية والاسلامية روابط قوية تصلح لأن تزداد قوة فى المستقبل، دون أن نكون مضطرين لإنكار أننا أمة مكتملة، وأن العواطف والمصالح التى تربط بيننا نحن المصريين على اختلاف عقائدنا الدينية هى أقوى بما لا يقاس مما يربط بيننا وبين أى جماعة أخري.
فإذا كان علماء الدين والمشتغلون بشئونه لايزالون يتبنون هذا المفهوم الدينى المتخلف للأمة ،فمن المنطقى أن يتبنوا المفهوم المتخلف للدولة. الدولة عندهم ليست دولة وطنية وليست دولة مدنية، وإنما هى دولة دينية تستمد قوانينها من الشريعة وتسمح للجماعات الدينية بأن تتحول إلى أحزاب سياسية، وأن تصل بالتالى إلى السلطة رغم وجود نص فى الدستور الجديد يمنع ذلك.
ولقد كنا ننتظر من مؤسساتنا الدينية أن تراجع مواقفها السابقة.
من مسألة الخلافة، وأن تصدر بيانا أو فتوى تغلق به هذا الباب الذى يدخل منه الإرهابيون، وتقول للمسلمين، أن الخلافة ليست ركنا من أركان الدين، وليست حاجة من حاجات العصر الذى نعيش فيه، بل هى نظام سياسى كان يصلح للعصور الوسطى، وقد حلت محله الدولة الوطنية فى العصور الحديثة. لكن هذه الفتوى لم تصدر حتى الآن. بل نحن نرى أن مؤسساتنا الدينية تبتعد عن العصور الحديثة بقدر مانحتاجه نحن لاقتراب منها، وأنها تتراجع للوراء بقدر حاجتنا لأن تتقدم إلى الأمام.
ونحن نقرأ الآن ماينشر عن البرامج المقررة على طلاب المعاهد الأزهرية، وعن الوهابيين والإخوان والسلفيين الذين أصبح لهم ممثلون فى هيئة كبار العلماء، وفى مجمع البحوث الإسلامية، وفى الجامعة الأزهرية فيزداد شعورنا بالحاجة الى ثورة دينية نتحرر بها ونحرر الاسلام مما فرضته عليه العصور الوسطى من أفكار ونظم وقناعات فى السياسة والثقافة والمجتمع.
العصور الوسطى التى تأخذ ديننا من فقهائها ومفسريها ومحدثيها لاتعرف شيئاً اسمه الديمقراطية، ولاتعرف شيئاً اسمه المواطنة، ولاتعرف حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، ولاتعرف المساواة بين الرجل والمرأة، ولاتعرف حقوق المواطن ولاحقوق الإنسان، وقد أخذت الأمم المتقدمة تتحرر من هذه العصور الوسطى وتخرج من نظمها وأفكارها وثقافتها منذ خمسة قرون أوأكثر، ونحن لانزال نتخبط فى ظلماتها، لأن بلادنا كانت طوال القرون التى تحررت فيها الشعوب الأخرى وتقدمت خاضعة للمماليك والاتراك الذين حكمونا بالسيف وبالسوط وبالدين، وفرضوا علينا تخلفهم، وحولونا إلى رقيق أرض نزرع لهم ونحصد لهم. وفى الوقت الذى أنتقل فيه الاوروبيون من العصور الوسطى الى عصر النهضة، ومن عصر النهضة الى عصر الاستنارة، ومنه إلى العصور الحديثة ظللنا نحن إلى اليوم نعيش بفكرنا الدينى فى القرن الثالث عشر، وإن كنا نعيش بأجسادنا وحدها فى القرن الحادى والعشرين. نحن نعيش فى هذا العصر دون أن نصبح جزءا منه ودون أن ننتمى إليه. نستخدم مايكتشفه غيرنا من طاقات، ونستهلك ماينتجونه من أجهزة وأدوات، لكننا نفكر بالطريقة التى كان أسلافنا يفكرون بها فى العصور الماضية. والوضع الذى يجسد هذه الحقيقة ويرمز لها هو وضع المهاجرين العرب فى المجتمعات الأوروبية. يعيشون معها دون أن يندمجوا فيها ومنهم من يولد فيها، ويتعلم ويعمل، حتى اذا حانت له الفرصة انضم لداعش.
وباستطاعتنا أن نقول إن الشعوب العربية والاسلامية كلها أو معظمها تعيش فى العصور الحديثة، دون أن تندمج فيها أو تشارك فى بناء حضارتها، فهى تعانى من الاغتراب فى الزمن رغم وجودها فى الوطن، وهو الوضع الذى تعرضت له الاجناس التى انقرضت فى الأزمنة السحيقة لأنها لم تستطع أن تطوع نفسها للتغيرات والتطورات التى حدثت فى الطبيعة، ولم تستطع أن تطوع الطبيعه لنفسها
نحن ايضا مهددون بالانقراض أو بوضع لايختلف كثيرا عن الانقراض، لأننا لانستخدم عقولنا كما يستخدم الآخرون عقولهم، ولانستثمر ثرواتنا كما يستثمر الآخرون ثرواتهم، ولاننمى طاقتنا لنعرف مانجهله وننتفع بما لم نكن ننتفع به، بل نحن نبدد طاقتنا ونفقد ما استطعنا أن نحصله فى القرنين الآخيرين من ثقافة العصر الحديث وعلومه وفنونه، ونرجع القهقرى الى ماكنا عليه فى عصور الظلام ونحن إذن مهددون بالانقراض. ولأننا مهددون بالانقراض فالثورة الدينية آتية لاريب فيها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.