لقد أعطي نظام المؤتمر الوطني الدليل تلو الدليل علي عجزه عن أداء الدور الطبيعي الذي يقوم به اي نظام يعتمد الانتخابات اسلوباً في ممارسة الحكم. نقول هذا لان فاقد الشئ لا يعطيه ولان الدور المقصود هو دور الديمقراطية التي تكون صمام الأمان في مواجهة الأزمات. تلك التي تفرض نفسها علي اي نظام حكم، ودوننا تجربة زيادة سعر السكر في الديمقراطية الثالثة 1988م. ما ان أعلنت الحكومة الزيادة في سعر السكر إلا وخرجت الجماهير الغاضبة إلي الشوارع، حتي هرعت الحكومة الديمقراطية الي مراجعة القرار بإلغائه. وهكذا كلما نشأت مشكلة جاءت المعالجة لها بالوسائل والطرق الديمقراطية. حدث ذلك من خلال المؤسسات الدستورية والتي في ظلها يتم تطويق الأزمات قبل ان تستفحل ومحاصرتها قبل أن تتطور لتصبح أزمات مستفحلة او مستعصية بل وقبل أن تستحيل إلي محن عاتية. نتساءل الآن: لو لم تفرض الجبهة الإسلامية انقلابها في 1989م، اما كان ان يضع السودانيون حداً للصراعات والاحتراب وتدهور احوال البلاد الي الحد الذي نراه اليوم من تشرذم وتشتت وانقسام. فالمحنة الدامية التي حلت بوطننا بسبب ذلك الانقلاب اقتضت ان يدفع شعبنا ثمناً باهظاً في مستوي معيشته ومستوي ثقافته ومستوي قيمه واخلاقه وانسانيته. في ضوء كل ما سلف، اليست الحقيقة الان اكثر سطوعاً اذا قلنا، انه برغم تعدد الانظمة الانتخابية في ظل المؤتمر الوطني فانه لايمكن الادعاء ان تلك الممارسة هي ممارسة مكتملة العناصر وذلك لان الفائز باستمرار باغلبية الدوائر الانتخابية هو المؤتمر الوطني. واذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية، ثم ان حصيلة الانتخابات في ظل المقاطعة المستمرة لاجرائها فانها لابد وان تتأثر بالنظام الانتخابي الذي تعتمده كل مرة، لان حكومة المؤتمر الوطني تستطيع باستمرار التأثير في نتائج الانتخابات. اليس التساؤل الذي طرحه السيد محمد عثمان الميرغني حين سقط مرشحوه في انتخابات 2009م وفي مناطق نفوذه في شرق السودان: اين الجماهير المؤلفة التي استقبلتني هناك وهل جرفها (شالها) القاش؟ لقد كان تساؤلاً بليغاً حقاً. لكننا نمضي لابعد من ذلك انه وفي ظل التخلف الذي يخيم علي غالبية ارجاء بلادنا فلابد ان يعترضنا سؤال اخر يفرض نفسه: كيف يمكن لانسان محروم من بديهيات الحياة الكريمة ان يتمتع بممارسة انتخابية حقيقية. لماذا؟ لان الانسان المتحرر من الخوف والفزع ومن هموم المعيشة اليومية من شبح البطالة وغائلة المرض وظلمة الجهل والفقر والأمية ان يمارس الانتخابات والاغلال تدمي يديه.