لو لم تكن يا والدة يا مريم قصيدة شعرية،لكانت مانفستو الإشتراكية والتقدم في بلادنا وسائر بلدان العالم. قبل 35 عاماً،كنت ضمن جوقة فنية في كورال بدائي(ما قبل الأورغن والساوند سيستم)،نغني ما تيسر من ديوان الأطفال والعساكر،وحادي ركبنا المطرب المطبوع (سوس)وآلتنا الموسيقية (الطنبور)،نلتقي عند مغيب الشمس في ديم النور،ومع الشاي باللقيمات يمتد الطرب إلي ما بعد منتصف الليل . وديوان الأطفال والعساكر نفسه كان مطبوعة سرية،مثل الميدان،نخفيه مع المطبوعات الحزبية،حتي لا يعثر عليه أفراد الأمن عند التفتيش،وكان دورالغناء الثوري ولا زال يشحذ همم الناس،ويقرب أوان الثورة،وكانت جوقتنا تضم أيضاً التاج وعبد العظيم،وغيرهم من رفاق أعزاء في ثغر السودان الباسم وهي مدينة بورتسودان . من هناك بدأت علاقتي بمحجوب شريف،وكلماته تنفذ للقلب،إن كانت عاطفية أو وطنية ،ولكنها تنطلق كالرصاص في وجه الديكتاتورية،التي كان محجوب شريف زبوناً دائماً في سجونها،وحراساتها،وحتي في الفترات القليلة التي كان فيها حراً طليقاً كان تحت المراقبة اللصيقة التي تتبعه كظله،أو عبر (بتاع الأمن)الذي تنكر في هيئة بائع سجائر وطبليته أمام باب ناس محجوب شريف . وعرفت محجوب عن قرب في المعتقل،ولم يكن فقط الشاعر الذي هزم المعتقل بشعره،وبطريقته في تخفيف معاناة الإعتقال والسجن اللئيم ،بل الزميل المنضبط،صاحب الفكر الثاقب،والمبدئي في كل شئ،وتقترن هذه الصفات بالتواضع والقدرة علي الإستماع لأي فكرة ،والإهتمام بالناس أينما وكيفما كانوا . وبمثلما كان محجوب صديقي وابن امي،كانت أميرة شقيقتي ومريم ومي بناتي،نلتقي في الحلوة والمرة،وطق طق طرق يا بن .. والقهوة كيف ومزاج. وادعينا أنا محجوب شريف الغناء والتلحين في سجن كوبر،وبعد الإنتفاضة،ومن حسن الصدف أن هنالك تسجيلاً تلفزيونياً لحلقة برنامج قدمته وأعدته الصديقة عواطف سيد أحمد بعد انتفاضة مارس ابريل 1985 مع محجوب وكورال السجن وفيه عبد الرحمن عبدالله والهادي جمعة وطه راسقبور،وعبدالله الفكي،وحسن حسين،وميرغني عطا المنان ،لا زال دائراً في اليوتيوب،لكن صوت محجوب الأجش،كان يطرب الناس عند الغناء،وكانت له القدرة علي التلحين. ومن خلال محجوب عرفت رد الجميل وناسها الحلوين،وتلك الأفكار الشعبية التي نبعت من محجوب،فصارت واقعاً يمشي بين الناس،فكانت سر خلود محجوب،وبقائه في قلوب الناس الكادحين والغلابة… ونأتي إلي بيت محجوب،وهو قد رحل من دنيانا،بعد شجاعة أسطورية في وجه مرض قاسي،كان نتيجة حتمية للحراسات والمعتقلات،فنراه بيننا ينشد الشعر ويلقي التحية،وأميرة التي غابت الإبتسامة عن فمها تستقبلنا بكرمها الفياض،ومريم ابنتي الحبيبة وزوجها انريكو والكلمة المعهودة (بابا كمال)،ومي وقاسم وحميد،وكثيرون من زوار بيت الشعب لم أكن لأعرفهم لولا محجوب شريف،عقد الجلاد،معاوية،سرسر،وبنات الصادق المهدي(باستثناء مريم التي أعرفها من زمااان)،وكوكبة رد الجميل بلا استثناء،وراشد،وآدم،وأزهري الشاعر والقدال،وأروي الربيع،وأطباء وطبيبات،وشبان وبنات،كانوا ولا زالوا يردون الجميل للشعب السوداني. عزيزي محجوب … إفتقدك .. وبشدة .. حتي نلتقي [email protected]