أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنتخابات السودانية (الإنقاذوية) : إقبال هزيل علي مسرحية هزلية!!
نشر في حريات يوم 19 - 04 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
الإنتخابات أحد إجراءات النظم الديمقراطية وعلامة بارزة في تكوينها. والديمقراطية تمثل بدورها واحدة من مستخلصات التجربة البشرية خلال رحلتها الطويلة، في سبيل معالجة واحدة من أكبر معضلاتها او تحدياتها الوجودية، ألا وهي مسألة السلطة والحكم! كأحد تجليات الصراع الأرضي بين البشر، إما بسبب تضارب المصالح، او من أجل الحصول علي أكبر قدر من المنافع وتحصيل المكاسب وإشباع الرغبات والحاجات وتأمين الحماية لها جميعا، وقبل ذلك حماية النفس البشرية ذاتها. علي هذا الأساس تصبح الديمقراطية في أحد أوجهها وأهمها بالطبع، تهذيب الصراع علي السلطة وإكسابه البعد السلمي الحضاري! والذي إذا لم يكسب فيه الجميع، فالمؤكد أن الجميع سينعمون فيه بالحماية والأمان والآمال في المستقبل. وبتعبير آخر، تخليص الصراع من حالة العنف والدموية والوحشية والإرهاب، التي وسمت طابعه وحكمت تاريخه لفترات طويلة. ولذلك يصعب الفصل بين الثقافة الديمقراطية، والتحضر والرقي الإنساني، او كلاهما وجهان لعملة واحدة تشير خلاصتها، الي إستفادة الإنسانية من تجاربها المريرة او عبثيتها وتهورها في التعامل مع قيمة الحياة السامية! وتاليا أي إبتعاد او تحايل عن/علي النموذج الديمقراطي في التعامل مع مسألة السلطة والحكم. يحيل مباشرة الي حالة متخلفة من الصراع، ترتد بالبشرية الي عصورها المظلمة! مهما كان مظهر المتصارعين الحداثي او لغتهم العصرية المنمقة او إجادتهم التعامل مع منتجات الحداثة التكنولوجية! ومن باب الدقة والتحديد، نشير الي أن هذه الصفات تنطبق علي النظم العسكرية، بقدر ما تطال الجماعات الإسلاموية، وما شابهها من التنظيمات العقائدية والطائفية البائدة. مع توافر إمكانيات وفرص الخلط والتخليط بينهما، لا لشئ إلا لغياب الخطوط الفاصلة داخلها، بين الذاتي والموضوعي، الواقعي والغيبي او الرغبوي، الخاص والعام..الخ! وبتعبير بسيط، إحتكار الصاح والخير والفعل، من جهة! والماضي والحاضر وبالطبع المستقبل من الجهة المقابلة.
وبما أن التنافس أحد خصائص الإجتماع البشري، فتاليا تنظيمه وإرتضاء قواعد ذاك التنظيم، هو أول درجات الحصول علي الشرعية الجماهيرية، هذا من جانب، وتقسيم الأدوار والفصل بين السلطات والتخصصات ومن ثم حدوث الإستقرار، من الجانب الآخر. ولهذا السبب تحديدا ولغيره، كانت الإنتخابات من أفضل الآليات التي تتيح الفرصة للمتنافسين، لإبراز مقدراتهم الخاصة ومشاريعهم العامة، التي تتوسل القبول وتاليا التفويض من الآخرين للقيام بتنفيذها. وفي نفس الوقت منح حرية/حق الترشح والإنتخاب للكافة، وفقا للشروط المرعية التي تنظم هذه العملية. ونخلص من ذلك، الي أن الإنتخابات كإبنة شرعية للديمقراطية، هي واحدة من حلقات التطور الإجتماعي، وتاليا يمارسها أناس متحضرون، ليس علي مستوي الترشح او الإدلاء باصواتهم فقط! ولكن كقيم ذاتية وكثقافة عامة، تؤمن بالتنافس الحر وحق الإختيار وتاليا الرقابة والمحاسبة! أي كتفويض مشروط للمرشحين والمسؤولين، يمنحهم المشروعية العامة والصفة القانونية، ولكن مع تحمل المسؤولية وتبعات التكليف ومحدوية الفترة. بمعني، الإنتخابات تعني فيما تعني، إعادة التفويض بعد كل فترة، أي إعادة الرقابة والمحاسبة والمتابعة لتقييم الأداء! وتاليا تنظيم وضبط مسألة السلطة والحكم، لحمايتها من الإنجرار لمستنقع الإستبداد بكل شروره المعهودة! ومن ثم إنفتاحها علي آفاق أرحب من الكفاءة والفاعلية، وسد ثغرات التجاوزات والتسلط والفساد، المرتبطة بها كوظيفة حساسة ومغرية ومشجعة علي شره السيطرة و بدائية الإحتكار. ومما سبق يلاحظ وبكل بساطة ووضوح، الإرتباط المحكم لآلية الإنتخابات بمسألة الشرعية والرضا والقبول العام. وهو ما يشير بطريقة او أخري، الي بطلان كل الشرعيات الأخري، سواء كانت إنقلابات ذات طابع عسكري، وهو النموذج الطاغي(الخشن) او نظم ملكية وراثية تستند علي الإرث العائلي او الحق المقدس(النموذج الناعم). أي ما كان يصلح لفترات سابقة، من طريقة حكم تصادر حق الجماهير في الإختيار، ومن ثم تحمل تبعات هذا الإختيار. قد أصبحت لأغية منذ ميلاد الحق الإنتخابي العام، في الإختيار والترشح والحياد! ولكن أن تأتي هذه المصادرة بعد نضوج التجارب الإنتخابية ورسوخ إيجابيات إفرازاتها او معالجتها الأفضل حتي الآن، لحل إشكالية السلطة والحكم! فهذا لعمري من أسوأ أنواع البدع وأشدها ضلالا وخطرا! ولكن أن تجد هذه البدع، مجموعات موتورة لتسويغ تعديها علي تلك الحقوق، بحجة ضعفها ونعومتها وقلة إنضباطها، ومساواتها بين البشر المتفاوتين في الملكات! او لعدم أهلية الجماهير لنيلها، بسبب فقرها الديمقراطي وقصورها الإختياري! فتلك وربي محنة وروح إستبداية لا مثيل لها. ولكن أن يضاف الي ذلك، التلاعب بآلية الإنتخابات وإفراغها من مضمونها الإختياري الحر، لغرض تبرير التسلط والفساد! فهذه للأسف وعزة الوطن، تمثل كبيرة من الكبائر. وهذا السلوك الأخير، هو ما يميز النظم الإنقلابية العسكرية، في سعيها المسعور للحصول علي الصفة الشرعية، من طريق ليس غير صحيح فقط، ولكنه عنفي دموي وإرهابي إكراهي لأقصي الحدود. ولا يستبعد الجماهير وأحتياجاتها من فضاء السياسة والحكم فقط، وإنما يعيد توظيفها وتشكيلها، بطريقة تخدم بقاءه في السلطة حصريا! ومؤكد أن إعادة صياغة كهذه، فوق مناقضتها لآلية الإنتخابات ومضمون الديمقراطية، وتاليا شرعية الحكم. فإنها أول ما تستهدف تحطيم كل المكتسبات السياسية والإجتماعية والقيمية، التي تم الوصول إليها والحصول عليها بعد جهد جهيِّد! ليبدأ تاريخ الشعوب منذ بداية إنطلاق النظم الإنقلابية(قصور بنيوي في نظرتها وتكوينها!) لتصبح هي الفعل والتاريخ والصاح، وكل ما سواها وماقبلها، باطلا يجب إجتنابه! وتصورات كهذه رغم فطريتها وخواء حامليها(أضعف عناصر المؤسسة العسكرية، إنضباطا وقيما وسياسة ووعيا! هم الأكثر قياما بالإنقلابات وتاليا هم الأوفر حظا في النجاح، وذلك لسببين، أولا، لأنهم أكثر إستثارة، أي يمكن التأثير عليهم بسهولة ومن ثم قابليتهم للإندفاع والمغامرة أكبر! وثانيا، أن من يدفعونهم الي ذلك ويتلاعبون بقلة وعيهم، يتوهمون السيطرة عليهم بمجرد نجاح الإنقلاب! ولذلك تقدم لهم كل المساعدات والضمانات! وهم يجهلون أن السلطة غلابة ومغرية وغادرة بالمتنافسين علي نيل رضاها! مهما كانت درجة جهلهم وغفلتهم او ذكاءهم وحنكتهم! وللسلطة في أسرارها حكم خافية وخسائر بالجملة وإنتصارات كذوبة!) إلا أننا نجد تطبيق عملي وفوري لها! بالقوانين الثورية/الإنقلابية التعسفية حينا، وبوضع إحتياطات حماية الإنقلاب كل الأحيان! وهي إحتياطات لا يندر أنها تمارس أعلي درجات الإرهاب الأمني والكبت السياسي، والإنحسار والإحتكار الإقتصادي، وتعطين بيئة الفساد وإتساعها. ولكن بعد مسيرة تخريبية لا يعرف مداها، ليس علي المستوي المادي والقيمي فقط! ولكن علي المستوي السياسي والديمقراطي بصورة أخص! يأتي الإنقلابيون وقد أدمي الواقع بصعوبته وتقلباته وأرضيته، أحلامهم الطفولية الإنقلابية! وشوهت السلطة المطلقة، أي ذرة إحترام او قناعة، نالوها من بعض الموهومين والمخدوعين، خلال فترات الصعود والإنبهار! ليتنادوا حاسرين من الغرور، أن هلموا الي الديمقراطية، ومرحبا بالإنتخابات! بعد أن إستقرت الأحوال الثورية/الإنقلابية، وأعتاد الناس حظر التجول وحظر كل الأنشطة والنشاطات بمختلف أنواعها وإتجاهاتها، وأستتب الأمن في البلاد! وهم يقصدون تحديدا، بعد أن أعيتهم الحيلة وأحاط بهم العجز من كل إتجاه، وفشلت كل خططهم الماكرة المبذولة لنيل القبول من الجماهير. او علي الأقل تحميل الآخرون قسطا من الفساد المتراكم، علي طول بقاء تلك الأنظمة علي سدة الحكم! بأكثر الوسائل تخلفا وقهرا وإهدارا، ليس لكرامة الجماهير، فهي مغيبة سلفا! ولكن لكرامة السلطة وحرمة المسؤولية وأمانة التكليف. فالإنقلاب في أفضل تفسيراته وأقلاها تجريما، هو نفي للشرعية وتسفيه لحق الجماهير في الإختيار! وتاليا فرض الوصاية عليها، ومن ثم تحديد مواصفات الجماهير والوطنية و أولويات الإحتياجات والمطالب! ولا يصدف أنها جميعا، تصب في التأسيس لأنظمة حكم أبدية وإمتيازية إطلاقية! وحساسية فائقة تجاه أي نزوع ديمقراطي، او إعتراض وتململ سياسي يصدر من معارضين، لهكذا نموذج حكم، غارق في التخلف والإستبداد، ومصاب بأمراض التسلط وموبقات الفساد المزمنة.
إذا صح أعلاه علي كل او بعض النظم الإنقلابية، علي إعتبارات التشابه في السمات والسلوكيات العامة! فإنه أكثر صحة ووضوح في نظام الإنقاذ، الذي يمثل أنموذج صارخ وفاضح لمساوئ تلك النظم، المتماهية مع التخلف وفقه وعقليات وممارسات العصور الوسطي! بل نظام الإنقاذ يزيد عليها، كإنقلاب مركب!! أي بالإضافة الي العنف والتهور والتسلط والجهل العسكري، فهو يحوز ايضا السلطة المقدسة، في شقه المدني او إمتداده السياسي في المجتمع! أي يمثل الثيوقراطية/الديكتاتورية في أسوأ تجلياتها وأخطر إفرازاتها! بمعني، إن فساده مضاعف وتسلطه مضاعف، وتخريبه المادي العمراني والقيمي الأخلاقي والسياسي الحضاري، مضاعف كذلك! أي كأن المجتمع والدولة السودانية، يعانيان من إنقلابين بكل موبقاتهما في وقت واحد! وهما إنقلابان يستمدان من بعضهما الحضور والشرعية والحماية! أي يكملان بعضهما، في إهدار حقوق الجماهير وتزييف وعيها وإرادتها، وتشويه مسألة السلطة والحكم! وما زاد الطين بلة والشعب شقاء والمعاناة إستطالة والتدهور إنحطاط! أن يقود الإنقلاب المدني المقدس شخصية كالدكتور الترابي! لا يتورع عن فعل أي شئ، في سبيل الحصول علي السلطة والبقاء فيها، كغاية وحيدة او كإدمان مرضي بالسلطة ومفاتنها(ونسي أن الناقص في نفسه، لن يكمله إمتلاك كل شئ!) علما بأنه يفتقد لمؤهلاتها السياسية(خلطها بالدين!) والشخصية الأخلاقية(التناقض المشين!) والإحترامية لقيمها الديمقراطية المرعية(الإنقلاب علي الشرعية الديمقراطية!) وقبل ذلك حق المجتمع في تصدير من يراه مناسبا(وقدر الترابي أن يحب السلطة ويكرهه غالبية الجمهور، وهذه من علامات شقاءه في الدنيا، وإحتمال في الآخر، الله أعلم!). وإلا لما لجأ لحيلة الدين مرة، ولجريمة الإنقلاب مرة ثانية! من أجل الحصول علي هذه السلطة، الممتنعة علي شخصه، كما أسلفنا من ناحية! وعلمه بفقدانه المقبولية في الوجدان العام، وهو وجدان لا يكذب ولا يتجمل، من الناحية الأخري! وبالطبع بإستثناء، المفتنون بألاعيبه السياسية وتلاعبه بالمقدس، من حواريه! الذين لم يمس خاطر إحترامهم لجلالته، كل هذه المراوغات والتناقضات والجرائم السياسية والوطنية، علي مسار تاريخه المشؤوم! علما بأن التبرير لها او الصمت عليها، يعني المشاركة طوعيا في هذه الكوارث الترابية! وأعتقد أنه لم يبتلَ وطن في إبنه، كما أبتلينا بهذا المسخ الترابوي الأليم. أما الجانب العسكري والسلطوي السياسي، فقد ترك في عهدة البشير، بكل تواضع مقدراته القيادية والسياسية وبالطبع العسكرية! وإلا لما أتي لحقل السياسة والسلطة، لإكمال نقصه العسكري! بنيل الرتب والترقيات المجانية! وليسبق من هم أكثر تأهيل وكفاءة منه(مساكين قادة كروميل وديجول وابوغزالة وغيرهم، أهدروا زمنهم في العمل الجاد والتخطيط والتجويد، وإكتساب البراعة العسكرية والحنكة السياسية والروح القيادية، عبر المعارك والإنجازات الوطنية! فكان يكفيهم حركة غدر بسيطة، وخيانة صغيرة للعهود والمواثيق والقسم المغلظ لأداء المهنة! ومن ثم نيل الأوسمة والإنجازات والترقيات العسكرية مضاعفة، وهم ينامون في قصورهم، وتحت خدمتهم الحاشية السلطانية المترفة!!). ولكن ما يضيف علي الجرح الإهانة حقا، هو أن يتصدر نموذج البشير واجهة البلاد في كل المحافل! أي أن يكون عنوان لبلاد، بكل هذا الثراء والتنوع والكفاءات المتعددة في كل المجالات! فهذا لوحده يكفي للعن الإنقلابات، وتوقع بؤس حصادها وكارثية نتائجها! لأنه والحال كهذا، فالبشير يمثل نموذج وقدوة، لآلية إنتاج القيادة وطبيعة المسؤولين، في كل مؤسسات الدولة الإنقاذية! وعندما يضاف إليها، النهج الترابي في العمل التنظيمي والتعاطي مع الشأن العام! فعندها لا يثير الإستغراب ويداعب الإندهاش، كم الخراب الشامل والفقر السائد والفساد غير المسبوق، الذي ضرب بأطنابه، علي بلاد بكل هذا التنوع، في مصادر الثراء والتاريخ الضارب في الجذور! ليصبح السودان وطنا طاردا بكل المقاييس، ليس خارج الوطن بالمعني الإقتصادي والسياسي(من إستطاع إليه سبيلا) أحيانا. ولكن بمعني الإنعزال عن قضاياه العامة، والهروب الي الذات الفردية والعائلية وأحيانا القبلية، إيثارا للسلامة الشخصية، كأقصي حدود الطموح! وما أبأسها من نتائج وخيمة وحصاد هشيم مر، أورثنا إياها نظام الظلام الإنقاذوي! سواء بنسخته البشيرية الشريرة او الترابية الأكثر رداءة.
علي خلفية هذه الوضعية المأساوية، تأتي الأنتخابات الحالية تجرجر أذيال خيباتها! وفوق عبثيتها ولا معقوليتها، فهي تأتي علي أنقاض تجاوزٍ دستوري، خطوه بأيديهم الآثمة وبمحض إرادتهم! وهذا ناهيك عن إمتلاك وتسخير كل آليات الدولة بما فيها موظفوها، للدعاية للبشير وبطريقة غير مباشرة أعضاء حزبه! رغم أنف عدالة تساوي الفرص ونزاهة تكافؤ حقوق المرشحين(حتي لو كانو مؤتمرجية إسلامية او تم شراؤهم من قبلهم!) وذلك علي الأقل، من أجل تحسين صورة الإخراج المسرحي، لهذه المهزلة الإنتخابية، الهدرية للأموال والجهود والفرص الجادة، لمعالجة المشكلة السودانية المتفاقمة! وإلا فما معني الإنتخابات؟ وما الداعي لها اساسا؟ حتي ولو بصورة هزلية كما يحدث الآن! فهذا لا يقلل من الحرص علي إجادة المسرحية! والتي تفترض وعلي أسوأ الفروض، إستقالة البشير او إزاحته من منصبه صوريا ولفترة موقتة(فترة الإنتخابات!) ليصبح علي أرضية متساوية مع بقية المرشحين! او علي الأقل هذا ما يبيض وجه اللجنة الإنتخابية المتسخ! ولكن لا تثريب عليه، طالما كان وجها ليس به مزعة حياء او ملامح كرامة! وبصورة أفضح، طالما كان وجها يتصدره البروف الأصم! الذي يتوهم أن دوره يتمثل فقط، في منح البشير شرعية والأوضاع القائمة مصداقية! نظير مكاسب مادية وإجتماعية(يبدو من نضارة وجهه وتسليط الأضواء الإعلامية عليه، كنجم في سماء العملية الإنتخابية، أنه أستوفي حاجته منهما تماما! والبركة في ديمومة لجنة الإنتخابات، وكرم البشير الديمقراطي! كما تعلم ويعلم طلبته في مدارج العلم وتخصص العلوم السياسية والإجتماعية والإدارية! وكل إنتخابات والأصم يزداد توهجا ونضارة، إن شاء تخاذل المعارضة وإستكانة الشعب!). بل نموذج الأصم نفسه، يمثل أحد إفرازات او تشوهات نظام الإنقاذ، علي مستوي النخبة الأكاديمية والمهنية! وهذا القول ينسحب علي جميع أعضاء لجنة الإنتخابات، بل يمكن المجازفة بالقول، أنه ينسحب علي معظم مدراء الجامعات وغيرها من المؤسسات والهيئات البحثية والخدمية، إلا من رحم ربي! المهم، غير العوار الذي يسم قوانين وتصميم العملية الإنتخابية، من أعلي رأسها حتي أخمص قدميها! لدرجة تسمح بالقول أطمئنانا، إنها مصممة فقط لفوز البشير ومن يرضي عنه، لا أكثر ولا أقل! فإن البيئة نفسها غير مواتية لقيام أي عملية إنتخابية حقيقية، سواء من ناحية الإحتقانات السياسية والأوضاع الإقتصادية المتعثرة، وحالة الحروبات الداخلية والحصارات الخارجية! او من ناحية تحكم نظام الإنقاذ في كل الفضاء الداخلي! وهذا دون قول شئ، عن الأخطاء الفادحة والتراكمات السلبية، من ظلم وإنتهاكات وإغتيالات وفساد شامل، ولغ فيها هذا النظام بدم بارد! ويضاف الي ذلك، أنها إنتخابات تضاف للفرصة الضائعة، التي أدمنها هذا النظام المتبلد! أي كفرصة للقيام بتسوية تاريخية، تعيد الحقوق المغتصبة وأولها السلطة الي أهلها(الشعب). نظير مساومة يمكن أن تسمح لهم بالمشاركة في العملية السياسية، ولكن من أرضية مساوية للآخرين. وبعد الإعتذار عن الأخطاء، وإرجاع الإعتبار للدولة والسلطة وكل المظلومين، ضحايا الغدر والعمي الإنقاذي في الفترة السابقة. مع إستبعاد نهائي ومحاسبة عادلة، لكل العناصر التي لوثت أياديها بدماء الأبرياء وأموال الوطن(هل يمكن إستثناء أحد، الله أعلم!). وهذا التسامح ليس حبا فيهم او من باب الشفقة، علي جماعة وعناصر لم ترحم صغيرا او توقر كبيرا او تترك حجرا او شجرا داخل الوطن من دون ضرر! ولكن من أجل كسب الزمن وحماية الحاضر وصيانة المستقبل، من أي أحقاد او روح إنتقامية! أي كخصيصة رغم إفتقادهم لها، إلا أنها يجب أن تتوافر في المعارضة كتنظيمات وأفراد، أوسع أفقا وأكثر رغبة في رفعة الوطن وصلاح مواطنيه، كهموم عليا تعلو علي كل تصفية حسابات شخصية او تنظيمية! ولكن وكما أسلفنا، تأتي هذه الإنتخابات الهزيلة، لتضيع علي النظام قبل الوطن آخر فرصة للنجاة! لأن الإصرار علي إقامة هذه الإنتخابات، وبهذه الكيفية الهزيلة والمسخرة المحزنة! لهو أكبر دليل علي سدر هذا النظام في غيه، وإصراره علي كتابة نهايته بيده او حفر قبره بجهله وغفلته! وهو يسد علي نفسه آخر أبوب الخلاص الجماعي. ويمكن من الأمنيات الكاذبة وأحلام الصحيان بمكان، توقع تعقل نظام جنوني كالإنقاذ، وهو في خريف العمر وتعطلت لديه كل حواس الإدراك ومنبهات الخطر! وآلت أمور كل التنظيم لفرد واحد! فوق تواضع مقدراته، وجد نفسه بسبب سوء تصرفاته وأقواله، وجها لوجه أمام المحكمة الجنائية الدولية! التي تتربص به الدوائر، وتطبخ خطوات حضوره أمامها علي نار هادئة! يظنها البشير والماسكون بقرون السلطة معه، عجزا ومماطلة وقلة حيلة. بمعني، إن مصير البشير أصبح معلقا بالتحكم بالسلطة، وتاليا لا فرصة لديه لتركها، ومن ثم الإنكشاف وتعريض نفسه لخطر الإستضافة في سجون لاهاي الباردة، حسيرا ملوما كسيفا! ومؤكد أن هنالك حسابات أخري بشأن الإنتخابات، تخص البشير والمحيطين به! الذين راكموا ثروات ومصالح، يصعب عليهم تركها او تعريضها للخطر بذهاب البشير. بمعني، إن وجود البشير أصبح يشكل حماية لمصالح مجموعات كبيرة، وهي سلفا جنتها بصورة غير شرعية، مستفيدة بشكل حصري من وجود البشير وحمايته! ولأ يبعد كثيرا من الصحة، أن هذه الجماعات تشكل اللاعب الأساس، في الإيعاز بتصميم هذه المهازل الإنتخابية والحماس لقيامها والدعاية للمشاركة فيها، ولا حقاء الإحتفاء الهستيري بالفوز بها! وكل ذلك من أجل إكساب أوضاعها صبغة شرعية! تشكل حماية لها، ليس من قبل المعارضة، ولكن بشكل أساس من قبل الجمهور العام! أي إكساب أوضاعها الإمتيازية التي حصلت عليها بطريقة غير مشروعة، وعلي حساب إحتياجات وحقوق وأولويات الجمهور المقهور! مقبولية إجتماعية ونفاذية شرعية، ومن ثم مضاعفتها او علي الأقل الإستمتاع بها، من غير إزعاج او في بيئة من الإستقرار، ولا بأس من القيام ببعض الأعمال الخيرية الدعائية، لزوم البر و الإحسان! وبكلمة مختصرة، مهزلة الإنتخابات تمثل حيلة غبية لشرعنة اللاشرعية! او تجميل الخطأ الإنقلابي والأوضاع الإمتيازية غير المستحقة او الجائرة، بمساحيق إنتخابية إجرائية هزيلة! ومقطوعة الصلة عن جذرها الديمقراطي، في بعده القيمي التشاركي الرقابي المحاسبي التداولي للسلطة. وبكلام آخر، الإستمتاع بنعيم الديمقراطية في بعدها الشرعي القبولي العام، ولكن من دون دفع إستحقاقات هذه المتعة! أي دفع أثمان مضامينها في بيئتها التي لا تستقيم من دون، حريات عامة ولجان إنتخابية محايدة ومنتخبة، وفرص متكافئة بين المتنافسين. وفوق ذلك، الإتفاق العام بين شركاء الوطن، علي المفاهيم والمضامين والأسس الديمقراطية ذاتها، وآلية حكم الوطن وطريقة عرض المشاريع المتنافسة، وآلية تنفيذ تلك المشاريع، تحت رقابة الجماهير ورضاها وحكمها النهائي! بمعني، إنتخابات من غير ديمقراطية حقيقية، لا تعني سوي أنها لعبة سمجة او إستكراد سياسي او مسرحية هزلية، يصعب إنطلاءها علي الأنصار وأتباع النظام المستفيدين منها، ناهيك عن المعارضة والجمهور العريض. بمعني، إن البشير قبل حكومته يعلم سخافة هذه الإنتخابات، والأصم قبل لجنته يعلم أنه يقوم بدور(المحلل!) لهذا الزواج الحرام! ولكن لا حيلة أمامهم إلا الدخول في هذا النفق الإنتخابي العبثي، بعد إن إستنفدوا كل الشعارات الخرقاء والوعود الجوفاء، وسدت في وجوههم كل دروب الرجعة، بعد هذا التاريخ الحافل بالجرائم والأخطاء والفساد! ولكنهم في نفس الوقت، يعجزون عن إظهار الوجه الشمولي العابس! في ظل أوضاع محيطة، حطمت هذه الأوجه أمام ناظريهم، وأذاقت أصحابها كأس الذل والهوان والنهايات الفاجعة! أي هذه الإنتخابات ليست غاية للبشير ونظامه، ولكنها وسيلة ضمن وسائل أخري، لبقاء الأوضاع علي حالها لأطول فترة ممكنة. ولكن يبدو فالهم قد خاب هذه المرة، فشكل العزوف عن المشاركة في هذه الإنتخابات والرفض العام الذي قوبلت به هذه المهزلة، مثل موقفا شعبيا مشرفا. ألقم البشير ومناصريه حجرا أسكت طول ألسنة مغالاطاتهم وهراءهم، او كشف عن وهم المقبولية الذي يدعيه البشير ونظامه، وأبان مصنوعية اللقاءات الجماهيرية الحاشدة، وفرية عضوية المؤتمر الوطني المليونية، التي يرددها بتبجح أنصار النظام! فعزوف المواطنين السودانيين عن هذه الإنتخابات وبهذه الكثافة، غير أنه شكل ضربة موجعة لجماعة النظام، إلا أنه أثبت أيضا أن حبل الكذب قصير مهما طال، وأنه إنتهي الي غير رجعة! وأن النتائج القادمة للإنتخابات، ستقع بين سندان المبالغة، إذا ما كانت أرقام ونسب المشاركة كبيرة، كعادة الديكتاتوريات الصبيانية الرتيبة الراتبة، وهو ما يثير الضحك أكثر من الحيرة! او مطرقة، ذكر أرقام متواضعة ومخجلة، تقترب من الحقيقية والمصداقية المعدومة، وهو ما يثير بدوره السخرية والرثاء أكثر من البكاء! والإحتمال الأخير نشك فيه، عبر الإختبارات الفاشلة العديدة، التي تعرضت لها مصداقية النظام! المهم، العزوف عن المشاركة كان أكبر إستفتاء ضد هذا النظام الكارثي، وكرت أحمر في وجه المدافعين عن أخطاءه بالحق او بالباطل او بالحياد! ولن يصلح العطار الإعلامي والدعائي والأبواق المتاجرة بعد الآن، ما أفسده عزوف المواطنين وتشكيكهم في هذه الإنتخابات ومن يقف وراءها، سواء أكان البشير او نظامه المتهالك متعهد الفساد ومبدع الخراب! ولدي إعتقاد أن هذا العزوف ليس بسبب دعوة من قبل المعارضة، رغم موضوعية طلبها وشرعية مطالبها! ولكنه يعود بشكل أساس الي نوع من عدم المصداقية في هذا النظام، الذي تخالف أفعاله وثراء منسوبيه وفسادهم أقواله في الدين وتشدقهم بالوطنية! ولكن بصورة أكبر يعود لنوع من عدم المبالاة، التي أصبحت تسم قطاع عريض من المواطنين! بسبب فقدانهم الثقة في السياسة والسياسيين، من طول ما تعرضوا له من غدر العسكر وإنتهازية كثير من السياسيين! لدرجة حصول نوع من العزل او الفصل الطبقي المكتوم، بين السلطة والطبقة السياسية من جهة، وبين عامة المواطنين من الجهة المقابلة! وهي تقسيمة يحتل فيها المواطنون العاديون المرتبة الأدني! بمعني يقع عليها عبء أخطاء وتكاليف إمتياز الطبقة الأعلي، أي كحقل تجارب ومورد أفضلية! مع إمتناع تمتعها بأي أهلية او أهمية سياسية ذات مردود عام، تتيح لها المساهمة الإيجابية في تعديل كفة العلاقة المائلة! وإذا صدف وتأهل أحد أفرادها وصعد الي الطبقة الأعلي، فهو آليا يعيد إنتاج التميز والأفضلية، او يندرج لا إراديا في الطبقة الجديدة! ومن شدة دونية طبقة المواطنين العاديين، يستنكف أصحاب الطبقة الأعلي الإنتماء إليهم! حتي ولو تجرد الفرد من إمتيازات الطبقة الأعلي، او داهمه عامل الزمن والغي به بعيدا عن أشقائه في الطبقة الأعلي! وهو يعاند هذه الوضعية المكروهة، حتي ولو إضطر للتنكر لشعاراته وتاريخه وكلامه الديمقراطي المعسول، عن طبقة الكادحين وبسطاء المؤمنين والإنصار! أي الطبقة الدنيا(المواطنين العاديين) يحضروا في بال وإهتمامات الطبقة الأعلي فقط، كادوات صراع ولغة تخاطب مؤثرة ومورد بشري، يستخدم في الإنتخابات في حالة السلم(نادرا) او كوقود للحروب في ساعة القتال(وهو الغالب)! وهذا الشرخ في العلاقة بين المواطنين والسياسيين، هو ما يقع علي عاتق المعارضة سد رتقه من جديد، كطريق وحيد لتخليص الجمهور من لا مبالاته وعزوفه عن الشأن العام! أي إعادة الثقة لهذا الجمهور العريض، في السياسيين والسياسة بصفة عامة! كوسيلة أساسية وأصيلة، لتحسين أوضاعهم وشروط حياتهم بأيديهم، عبر مشاركتهم وترقية وعيهم وزيادة فعاليتهم وثقتهم بأنفسهم وإرادتهم، وصلابة دفاعهم عن حقوقهم! بمعني، مسؤولية المعارضة لا تتوقف علي الإستفادة، من حالة العزوف الجماهيري الراهنة عن الإنتخابات! في المسارعة بتنظيم نفسها للتخلص من هذا النظام، كهدف أولي تترتب عليه بقية الأهداف! ولكن التغيير يجب أن يطال بنية السلطة ذاتها، بحيث يجعلها خادمة حقيقية في أيدي الجمهور! أي بتنازل المعارضة عن تصوراتها الإمتيازية للسلطة والحكم! وذلك بتحرير السلطة القادمة من التضخم والمكتسبات غير ذات الجدوي للجمهور! وإختصارها في أغراض محددة، تتحلق محوريا حول حاجات وهموم الجمهور العريضة، وتاليا إمتلاكها او الوصل إليها، لا يخرج من كونه وظيفة مؤقتة لأهداف أكثر تحديدا، وتحت سقف دستور حاكم يزعن له الحاكم قبل
المحكومين! بتعبير آخر، تقديم نموذج من المعارضين، يتقصدون الصالح العام، في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، وبكل تواضع وأريحية تنسجم مع سمو الغايات! وذلك ليس في قمة السلطة فقط، ولكن قبل ذلك! أي في دورهم كمعارضة تعكس النموذج الأفضل والأرقي للسلطة القادمة! وذلك عبر تبني قيم ديمقراطية أصيلة داخل تنظيماتهم وتكويناتهم الإجتماعية الثقافية..الخ كتداول منصب القيادة بسلاسة والشفافية المالية والإدارية..الخ. أي إحداث نوع من الفارق العياني، بين المعارضة والسلطة الإستبدادية الحاكمة! في الوجدان الجمعي يعمل لصالح المعارضة، قبل وصولها الي السلطة! إن لم نقل هو سبيلها الوحيد والآمن والمضمون للوصول الي السلطة، والحفاظ عليها من شر المعتدين! وبما أن تسارع الأحداث وضغط الواقع وحاجته للإصلاح العاجل، يشكل بدوره نقاط ضغط إضافية علي المعارضة! فذلك ما يستدعي سرعة الإصلاح الداخلي، وليس تأجيله، كما ظل يحدث طوال الوقت! ويتخذ أحيانا كمبرر للحفاظ علي أوضاع خاطئة في العمل المعارض! أي ظل كلازمة تاريخية، تنخر العمل المعارض من الداخل! وتاليا تصب في تمكين وإطالة عمر السلطة الإستبدادية، بكل موبقاتها وشرورها غير المنكورة! بمعني، ما يدعم النظام الإنقاذوي ليست مطالب الإصلاح للعمل المعارض، التي تبدو للمتحكمين في العمل المعارض كإنصرافية او حالات شغب مدفعوة الأجر! ولكن الهروب من دفع إستحقاقات الإصلاح والتأجيل المتكرر له، هو ما يدعم الإنقاذ، مما يصلح تسميته بالإنقاذ (تو)! وبكلمة محددة، تغيير السلطة المستبدة الحاكمة، يبدأ بتغيير المعارضة والعمل المعارض من الداخل. وما هذه الإنتخابات العبثية، إلا فرصة مقدمة علي طبق من ذهب للمعارضة، للإستفادة من عبثيتها وعزوف الجماهير عنها(من غير رامٍ!) في الوصول نحو الهدف المنشود! أي تحرير السلطة من الإستبداد وجريمة الإنقلابات والوطن من الإحباط والفساد! والإنطلاق نحو التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي، يستوعب الجميع وعلي قدم المساواة! وأسرع طريق الي ذلك كما أسلفنا، هو تشبع المعارضة بقيم وسلوكيات النهج الديمقراطي الأصيل، ونشر ثقافته بين الجمهور وعلي طول البلاد وعرضها.
وفي هذه السانحة يجب تقديم صوت شكر لدول الإتحاد الأوربي وكندا وغيرها من الدول، التي رفضت المشاركة في هذه العملية الإنتخابية العبثية! بل وعللت عدم مشاركتها بأسباب موضوعية وحقيقية، تبين مدي إحترامها لذاتها ومواطنيها قبل أن تحترم المواطنين السودانين! ولكن هل يكفي هذا الموقف الجاد من هذه الدول؟ أم يستوجب إلحاقه بعدد من الإجراءات العقابية الصارمة، ضد السلطة الإنقلابية الحاكمة في الخرطوم، والتي أصبحت تتسقط الشرعية بالحيل الإنتخابية، مما يدل علي دنو أجلها! علي أن تطال العقوبات بعد عدم الإعتراف به وبشرعيته، تجفيف كل منابع الدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدات الإقتصادية، في وجه هذا النظام! وذلك ليس من قبل الدول الغربية فقط! ولكن بالضغط علي دول الإقليم بتشديد الحصار عليه، ومعاقبة كل من يتجاوز العقوبات بطريقة ظاهرة او خفية ملتوية! ولكن يجب التأكيد علي أن التعويل الحقيقي، يجب إلا يكون علي الخارج، باي حال من الأحوال! والذي قد تتعارض مصالحه في الغالب مع مصالح الداخل، او قد يفرض مصالحه علي أولويات الداخل! لذلك التعويل الحقيقي في التغيير والتصدي لنظام البشير الإنقلابي. هو علي الداخل، بإمكاناته وظروفه، وقبل ذلك رغبة وإرادة مواطنيه. لأن في ذلك خير لمستقبله وإستقلاله وكرامته، وفرصته الحقيقية في حياة عزيزة ومنفتحة علي الآخر، ومشدودة تجاه المستقبل الموعود بالتقدم والرخاء! وذلك إقتداء بالمثل العربي الحكيم( ماحك جلدك مثل ظفرك). ولكن ذلك لا يمنع قبول مساعدات تتوافق مع المصالح العليا الداخلية، من أي مكان أتت وفي أي زمان وصلت! أما بخصوص الدول التي أرسلت مراقبين، كالأتحاد الأفريقي والدول العربية والصين! فأقل ما يقال عنها، وغير مجروحية شهادتها، إن الطيور والإستبدادات علي أشكالها وسلوكياتها تقع! بل العكس هو الصحيح، أي عزوف دول كهذه عن المشاركة في الرقابة، كان سيمنحها نوع من المصداقية والمواقف المشرفة، التي تفتقدها ولا تشبهها بحال من الأحوال! ولكن يحمد لهذه الإنتخابات العبثية، أن إستقطبت مثل هذه الدول المستبدة، القاهرة لشعوبها ومنفرة للحس الإنساني والوجدان الوطني السليم! وهي سلفا مفارقة لروح العصر وقيمه وسلوكياته الديمقراطية، كحال حكومتنا التعيسة! ولكنني أفتقد بصفة خاصة في هذه الإنتخابات، مشاركة إيران الصديق/العدو وكوريا الشمالية! حتي يكتمل حفل الرقابة المسخرية! ولننعم بديمقراطية إنتخابية تقيمها الإنقاذ، ويراقبها ويعترف بها ديمقراطيو آخر الزمان المستبدون! ونسأل الله، أن تكون هذه الإنتخابات العبثية، آخر إنتخابات إستبدادية، وأحزان مقيمة، في هذا الوطن العظيم ولمواطنيه الفضلاء!
وأخيرا
وكترحيب بالعودة الظافرة للأستاذ فتحي الضو لعالم الكتابة، كقلم صادق يرسل شواظ من كلمات تلهب ظهر النظام، وحقائق عن فساده، تشكك في ذمة منسوبيه ومصداقيته الصدئة، وتاليا مزيد من التآكل لسلطة بقائه وإستمراريته الكارثية! وكذلك تحمل مقالاته المعرفة والمعلومات التي تنير العقول وتكشف المجهول، وتعيد للوطنية عافيتها وللمواطنة إستحقاقها وللمعارضة حيويتها. نستعير لازمة يختم بها مقالاته، لأبد من الديمقراطية وإن طال السفر. ودمتم في رعاية الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.