أرض الله الواسعة، للإنسان.. والشعراء الإنسانيون، تلك الأرض أرضهم.. وكل الأزمنة أزمنتهم! "مات" الشاعر الإنسان، الفيتوري. مثله لا يموت. "فناؤهم استغراق|" لمثله، لا يحفر له المشيعون قبرا. لمثله تتلهف الأرضُ- حيث كانت- لغرسه. الشعراءُ الإنسانيون- مثل البذور- تشهقُ بهم الأرضُ، ويشبون ( وعدا وقمحا وتمني)، فما.. ما أجمل الرفات البذرة.. الشجرة.. الظل، الثمرة! كان سودانيا.. ولم. ولم يكن ليبيا، وكان.. وكذا لم يكن عراقيا، ولا مصريا، ولا مغربيا، ولا تونسيا، ولا موريتانيا، ولا من بلاد الواق واق، ولا من بلاد ماركيز، ولا بلاد همنغواى، ولا من بلاد جيفارا، ولا من أرض سوكارنو، ولا من أرض سنغور، ولا من ارض أديث بياف، لكنه كان، وكان..وهو لم يكن كل ذلك واكثر، إلا لأنه كان إنسانا.. والإنسان حيثما وأينما كان، كانت الأرضُ أرضه والزمانُ زمانه.. فطوبى للإنسان! حين مات، لم نشأ أن ننسبه إلينا – فقط- نحنُ السودانيون. كان العنوانُ في الصحيفة: رحل الشاعر الفيتوري. لم نقل رحل الشاعر العربي، كما قالت صحف وإذاعات وشاشات.. وكما ظل النقاد والشعراء العرب يجردونه من سودانيته، حين كانوا ينسبونه للعروبة، وفي مقدمة أدمغتهم ومؤخرتها استخفافا بالسودان، هذا الذي هو عندهم من العرب المستعربة، فكيف لمثل هذا النوع من العرب أن تنجب شاعرا فذا مثل هذا.. هذا الفصيحُ البليغُ شرودُ الخيال،عميقُ الحلقوم جزيل العطاء، الجزلُ، الدرويشُ الذي يحدقُ بلا وجه ويرقص بلا ساق.. هذا المملوك، سلطان العشاق: محمد مفتاح الفيتوري! نتركهم الإعراب العاربة، يبخسوننا أناسا وأشياء.. نتركهم في استخفافهم، يستخفون ماشاءت لهم أنفسهم الإستخفاف، ولنمضي.. نقدمُ لهذه البشرية في كل مرة، من يؤنسن هذا العالم، بالشعر أو القصة، أو التشكيل أو النحت، أو الفكر الحر. رحل الشاعر الفيتوري. هكذا كتبنا. لم نرد أن (نجغرفه) في جغرافية ماتبقى من المليون ميل.. ولا أردنا أن ( نجغرفه) مثلهم في الجغرافيا العربية تلك التي تمتد من الماء إلى الماء. كان شاعرا إنسانا.. وكان من الذين أنسنوا الشعر وأنسنوا الحياة,, ولأجل ذلك، وهبناه ميتا- لا كما جغرفه العرب- إذ هو حى في جفرافيتهم- للإنسانية كلها. الفيتوري، مثل الطيب الصالح، مبدعان لا تحدهما الحدود الوطنية او الإقليمية الضيقة. الإثنان، كانا باتساع هذا العالم الفسيح وفسيح. "مات" الفيتوري.. راح في استغراق.. غرسوه في باطن أرض المغرب، وكان يمكن أن نغرسه- يغرسوه- في غيرها.. أوليست أرضُ الله الواسعة، هى أرضُ كل شعراء العصور.. أرضُ كل الإنسانيين؟ أوليست كل الأزمنة أزمنتهم؟ بلى.. يأيها الصحاب.. … ويا صحابي، يكفينا أن لنا في أرض المغرب، علم ثان.. ومزار!