النظم الديكتاتورية العسكرية لاسيما التي تستند الى مؤازرة جماعة تتلبس فكراً سياسياً عقائدياً بعينه وغالباً مايكون صاحب اقلية وإن كانت أكثر وعياً بين بقية الفعاليات التي تتناطح في الساحة إما بقرون الطائفية وإما تترافس بأظلاف الجهوية والقبلية .. فإن تلك النظم وإن جاء مبتداها مبهرجاً بالشعارات التي تستلهم بعضاً من البريق ينسل من ظلمة الديمقراطيات الناقصة التي تتخذ منها ذريعة لتفجير ماتسميه ثورة فهي دائماً تفرض نهجها على الأغلبية بتلك القوة المستلفة من الظروف على عكس الديمقراطية الحقيقية الراشدة والتي تستفتي الأمة في ماهية النهج الذي يسلكه دولاب الحكم و تعتمد في ذلك الصدد على راي الأغلبية حيث تمتثل الأقلية لذلك وبكامل الرضاء..! ولنا في السودان ثلاث تجارب ديكتاتوريات إستندت الى تلك المعطيات في بداية حكمها و رسمت من الأحلام ما جعل الشعب يتوسم فيها شيئاً من الصدق بغضاً لما كان قبلهم من فوضى تحكم البلاد بتلك الديمقراطيات المجيرة لبيوتات لا تشكل الديمقراطية لبنة في بناء كياناتها إذ هي لم تقم على مؤسسية بالمعنى المعروف ! بيد أن خبر تلك الأنظمة كان كارثياً هذا إذا إستثنينا فترة الفريق عبود التي خرج منها الوطن بخسارة لا تقاس بتلك التي أودت بالسودان كحصيلة لفترة مايو التي إقترنت برقبة حصيلة الإنقاذ .. فكانت فترة الثلاثة وأربعون عاما التي ضمت الحقبتين مع إستبعاد ثلاث سنوات مابعد إنتفاضة ابريل هي قاصمة الظهر التي كتبت نهاية لبلاد عظيمة كان إسمها السودان الكبير وكان يشار اليها إعجاباً بالبنان فصارت الإشارة اليها استخفافاً بمد اللسان ! أياً كان إعتقاد الكثيرين في عدم صحة المقارنة بين مايو والإنقاذ ومهما يكن ذلك الإعتقاد مبنياً على معطيات كثيرة أهمها عدم جنوح رئيس مايو ناحية عصابات الفساد أوإعجابهم بزهده الشخصي في الغنى أو إقتناء حتى منزل فخم ولكن جنون التشبث بالسلطة دون شك قد جعل عيار الحكمة و العقل ينفلت منه فدفعه عامل المحافظة على كرسيه أن يدع مصلحة البلاد جانباً تقوده نرجسية زينها له أصحاب الغرض في تقلباته من أقصى اليسار الى أقصى اليمين حتى سقط في فجوة طموحاته .. فذهب غير ماسوفٍ عليه ليترك لنا سوساً ظل ينخر في جسد الوطن حتى فلقه الي نصفين ولا زال مندسا يسعى للأيتيان بالباقي ..! في مثل هذا اليوم الخامس والعشرين من مايو 1969 كانت بداية نهايتاتنا ..التي يقوم برسمها الآن من تركهم لنا جعفر نميري علة وشِبكة..وذهب الى ملكوت آخر.. سامحه الله ! [email protected]