بعد أن نظفت تلك السوح على امتداد المدينة و دوما تحتل الساحة موقعا وسطا في كل شارع من المدينة .. و ظلت تلك المساحات أمكان اتفق عليها لتناول إفطار رمضان لعقود طوال من الزمن .. فرش الأطفال و الشباب فبيل مغرب الشمس تلك الساحات " بالسباتات" التي صنعت من السعف خصيصا لمناسبة رمضان .. و تسمى تلك الساحة ب "الضرا" .. و هو المكان الذي يجلس فيه الناس جماعة لتناول إفطار رمضان .. و تجد بحد ضرا واحد في كل شارع رئيسي من المدينة.. و لا يقل عدد الاسر في كل ضرا من العشرة و غالبا ما يتفق أهل الضرا الواحد على رجل من بينهم يقوم بإمامة الناس لصلاة المغرب…!! و دوما ما تقوم ربات البيوت بإعداد كل أنوع الأطعمة الرمضانية الشهية طوال اليوم و تضع على صواني كبرت أو صغر أحجامها لتخرج إلى الضرا لإطعام الصائمين و غيرهم ممن يأتي بهم الطريق من الفقراء و المساكين و أبناء السبيل .. و غالبا ما يصل أهل الضرا قبل موعد تناول الإفطار بدقائق و على كتف كل واحد منهم صينية تعج بعدد من أنواع الطعام و تهبط الصينية تلو الأخرى .. و لا يخرج الطبق الرئيسي في أي صينية عن القراصة و اللقمة و حتما يختلف "الايدام" أو "الملاح" من صينية إلى أخرى .. و المشروبات فهي من كل نوع يخطر على ببال الصائم.. و دوما يكون المشروب الرمضانى المعروف "الحلو مر" "الابرى " سيد كل العصائر و الشربات في رمضان … !! يحرص أهل كل ضرا بعزيمة العزاب من الموظفين أو المدرسين و الطلاب حضورا على امتداد المدينة .. و غالبا ما تتم عزيمتهم قبل بداية رمضان إلى هذا الضرا أو ذاك و غالبا ما يتم تنسيق غير مباشر بين الاضرية على أن يتوزع كل هؤلاء على الاضرية بالتناوب و التساوي " الاضرية دى جمع من عندي أنا " و يشمل ذلك الاضرية في المدينة و ذلك من باب إكرام الضيف و الغريب و نيل الأجر من الله سبحانه و تعالى ناحية أخرى .. دوما ما يشمل ضيوف المدينة الصائمين من المسلمين و غير الصائمين من أهل الملل الأخرى.. بحسبان أن في كل كبد رطب اجر … !! قبيل الإفطار يطمئن أهل الضرا أن الناس حضورا .. إلا أبو سوط .. و ابو سوط رجل .. أخضر .. متوسط الطول .. !! دوما يظل أبو سوط واقفا على قارعة الطريق يلتفت يمينا و يسارا عله يغنم بضيف من أهل السبيل راكبا كان أو ماشيا .. و غالبا ما ينادى ضيوفه باعلى صوته و قد ينتهرهم حتى سيتجيبوا لدائه .. و غالبا ما يصيد عددا من سالكى الطريق يوميا طوال شهر رمضان .. و حينما يجد ضيوفا يعود إلى الضرا و هو هاشا باشا و مبتسما كمن غنم بكنز ثمين .. و حينا يسمع آذان المغرب يدعو أبو سوط ضيوفه وأهل الضرا لتناول وجبة الإفطار و أثناء الإفطار غالبا ما يكون أبو سوط واقفا و لا يهدأ له بال و لا يتاح حتى يتأكد إن الكل قد استطعم من كل أنوع الطعام .. تلك الأطعمة لتي أتت من بيوت متفرغة.. و من نافلة القول ان أبو سوط قد عرف بالكرم و الشهامة و الشجاعة و طيبة النفس.. و ما الكرم عند أبى سوط إلا ممارسة يومية اعتادت عليه منذ صباه الأول .. و ما الترحيب بالضيوف و إكرامهم إلا أدنى خصاله. !! و غالبا ما يسمع تعليقا ساخرا أو نكتة من أهل الضرا عن أبى سوط .. و مرة قال احد أهل الضرا : أنت يا أبو سوط .. !! شفقان كده مالك يا أخوى .. ؟ عمرك كله قضيته .. بتكرم .. و تعزم .. و تذبح للضيوف.. يا أخي كفاك .. الجنة دى .. بتدخلها .. بتدخلها .. تأنى عاوز شنو .. يا آخى ؟ يا أخي كفاك … !! و ينفجر الجميع ضاحكين… !! إن أهل القيقر كانوا أهل كرم و عز و شرف .. نسأل الله سبحانه و تعالى في هذا الشهر الكريم أن يرحم عبدا لرحمن أحمد أبو سوط و أن يرحم كل المتوفين من أهل مدينة القيقر و أن يدخلهم أجمعين الفردوس الأعلى … !! [email protected]