اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    جون مانو يقترب من اهلي بنغازي    رئيس بعثة منتخبنا الوطني الى جوبا يضع النقاط فوق الحروف…محمد سيد أحمد: الشكر لسعادة الرئيس سلفا كير والمستشار توت    مجزرة ود النورة... هل تسارع في تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؟    المدير العام لقوات الشرطة يؤكد ان قوات الاحتياطي المركزي قدمت تضحيات كبيرة في معركة الكرامة    البرهان يؤكد عزم القوات المسلحة القضاء على المليشيا الإرهابية وأعوانها    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي وفد هيئة شورى الفور    مصدر دبلوماسي : الخارجية السودانية لم تتواصل مع نظيرتها السعودية بشأن إيقاف المواطن (المصباح أبو زيد طلحة)    ️ الهلال يكون غرفة لمتابعة مطلوبات لجنة التراخيص    قرار ولائي باغلاق المدارس بجميع المراحل الدراسية بالولاية    وصلت 50 درجة مئوية.. ما وراء موجة "الطقس شديد الحرارة" في مصر؟    محتال يُقلق نجم منتخب السودان قبل جولات الحسم لكأس العالم 2026    منتخب مصر يواجه أزمات قبل موقعة غينيا بيساو بتصفيات المونديال    تحقيق أوروبي.. استثمارات ل"اتصالات الإماراتية" في بلغاريا والمجر وصربيا وسلوفاكيا    ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    نصائح مهمة لنوم أفضل    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طفولةٌ تبتزُّها عناكبُ الشّياطينِ !
نشر في حريات يوم 14 - 07 - 2015

هل نستغربُ مِن تصرّفِ مربّيةٍ، تُعرّي طفلاً وتقيّدُهُ وتصوّرُهُ مِن أجلِ ابتزازِ والديْهِ؟
النّجمةُ سيندي كروفورد تعرّضتْ لمحاولةِ ابتزازٍ، مِن خلالِ نشرِ صورِ ابنتِها العارية؛ ابنة السّبع سنوات، عن طريقِ صديقِ مربّيتِها!
ثمّ حاضنةٌ أخرى في ريعانِ شبابِها وجمالِها، تهتمُّ بشؤونِ الطّفلِ أثناءَ غيابِ أمِّهِ وأبيهِ المُوظّفيْن، لكنّها بعدَ خروجِهما بفترةٍ وجيزةٍ، تخرجُ بمعيّةِ الطّفلِ تتسوّلُ، إلى أن اكتشفَ أمرَ الطّفلِ أحدُ الجيران، فدعا والدَيْهِ ليُصدَمَا بمرارةِ الحقيقةِ العقيمة!
حاضنةٌ أخرى تعملُ على تنويمِ الأطفالِ مدّةَ وجودِهم لديها، إلى أنْ يحينَ موعدُ عودةِ الأهل، كي لا تتكبّدَ معاناةَ بكائِهم ومسؤوليّةَ رعايتِهم، لكن تشاءُ الصّدفةُ أن يُكشفَ احتيالها، إذ أعطتْ أحدَ الأطفالِ جرعةً مضاعَفة!
وهل تكونُ روايةُ "عمارة يعقوبيان" الّتي تُسلّطُ الضّوءَ الفاجعَ على طفلٍ تعرّضَ لاغتصابِ خادمِهِ المتكرّرِ، في عتمةِ ائتمانِ الأهلِ للخادمِ على الطّفل، إلاّ نموذجًا حيًّا لِكَمٍّ هائلٍ مِن أطفالٍ يَفضُّ بكارةَ طفولتِهم بعضُ خدَمٍ وأقرباء بغير توقّع!
وماذا عن تزويجِ طفلاتٍ في العاشرةِ مِن أعمارِهنّ وما دون أو ما ينيف، مِن رجالٍ ميسوري الحال، بشتّى الزّيجاتِ متعدّدةِ التّسمياتِ والأشكالِ والتّبريرات؟
على مدارِ أيّامٍ كانتِ الدّمعةُ تترقرقُ في عينيْها الذّليلتيْن، تتحاشى نظراتِ نزلاءِ الفندقِ، وهيَ تحتضنُ طفليْنِ في غرفةِ الطّعامِ ومجلسِ الاستقبال، تُلقّمُهُما الصّمتَ العاجزَ، فيجيبانِها بحركاتٍ متمرّدةٍ طفوليّةٍ، يتقافزانِ يتصايحان يتضاحكان ويتباكيان، ولا سلطانَ لها عليهما.
أينَ يغيبُ والداهُما عنهما كلَّ هذا الوقت؟ كيف ينشآنِ بكنفِ رعايةٍ منقوصةٍ مِن فلبّينيّة، يثيرُ الشّفقةَ عجْزُها، ويثيرُ البؤسَ طفلانِ ينقصُهما الحنان!
ولا زالتْ خيوطُ عنكبوتِهِ عالقةً في ذهنِ طفلةٍ لم تُصدّقْ ما يحدثُ، ويرفضُ دماغُها الطّفوليُّ الصّغيرُ البريءُ، إلاّ أن يُقرَّ بأنّ هذا الّذي رأتْهُ، ما هو سوى فعلِ خيالٍ، أو مجرّد فيلمٍ يُعبّئِ وقتَ فراغٍ بخيالٍ بعيدٍ بُعدَ السّماءِ عن الأرضِ مِنْ حيثُ الواقع!
رجلٌ منزوعُ القلبِ يخطفُ أطفالاً ويشوّههُم ببترِ أطرافِهم، وفقْءِ عيونِهم، ثمّ يُجبرُهم على ممارسةِ حرفةِ التّسوّلِ والسّرقةِ وبيْعِ المخدّرات، بوسائلَ مريرةٍ وبمنتهى القسوةِ والتّعذيبِ والتّجويع!؟
أيُعقلُ أن تكونَ هناكَ عصاباتٌ بهذهِ القسوةِ واللاّإنسانيّة؟
وهل يلتقي النّقيضان؛ القسوةُ والإنسانيّةُ معًا؟
فيلمٌ قاسٍ طوَتْهُ الذّاكرةُ، وباتَ مركونًا تُغلّفُهُ الأغبرةُ على رفوفِ النّسيان، لكنّ الواقعَ أبى إلاّ أن يُثبتَ براءتَهُ أمامَ ذاكرةٍ معطوبةٍ متعاليةٍ، تغطُّ في سباتِها المُلحِدِ!
ولا يسعُ الألمُ إلاّ أن يطفوَ على صفحةِ الواقع جثّةً نتنةً، تحرّكُها مخالبُ الحقيقةِ الرّجسةِ بأشكالِ تسوّلٍ متعدّدةٍ! شبكةُ تسوّلٍ يُشغّلُها رجلٌ مسؤولٌ عن عددٍ مِنَ الأطفالِ، يوزّعُهم على الطّرقات، يتحايلونَ على السّائقينَ ويستعطفونَهم، ليبيعوا أشرطةً صوتيّةً أو مرئيّةً، أو علبَ كبريتٍ ومناديلَ ورقيّة، أو سجائرَ وحاجاتٍ خفيفةً لا تخطرُ ببالِ سائقٍ.
ترى الأطفالَ يتراكضونَ بينَ السّيّاراتِ، يتزاحمونَ ويتسابقونَ، يتصارعونَ ويتشاتمونَ فيما بينهم، وكلُّ واحدٍ يريدُ الخلاصَ مِن حِملِهِ الّذي على كاهلِهِ مِنَ الحاجيّات بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ!
منهم مَن يعملُ على تمسيحِ زجاجِ السّيّاراتِ المارّةِ عندَ إشاراتِ المرور، مقابلَ الحصولِ على الزّهيدِ مِنَ المالِ، يُسلّمونَها للمسؤول، ليُعطِيَهم القليلَ ممّا حصلوا عليه!
أن تجدَ أطفالاً يتسوّلون ما وراءَ الحواجزِ فذاك أمرٌ قد يبدو عاديّا أو اضطراريًّا، وقد تتشفع التّبريراتُ في جعلِهِ شبهَ طبيعيٍّ في ظلِّ الاحتلالِ وضنكِ العيشِ والفقرِ المحيقِ بأبناءِ المخيّماتِ خاصّة، لكن؛ أن تغصَّ مفارقُ البلدانِ العربيّةِ في الدّاخلِ بسنحِ أطفالٍ نحيلةٍ، أحرقتْها عيونُ الشّمسِ، واكتوتْ أقدامُها بلهيبِ الشّوارع!
كيف يصلُ آلافُ الأطفالِ مُهرَّبينَ إلى داخلِ الأراضي المحتلة 48، في أوقاتِ منع التّجوّل وإغلاقِ الحدودِ والحواجز، ولم يتجاوز أكبرهم ال 12 سنة؟
هل بلغَ بهم النّضجُ قبلَ أوانِهِ، فجعلَ منهم رجالاً صغارًا يتجاوزون الحدودَ والحواجزَ؟
هل هو الموتُ بشكلٍ آخرَ، يدفعُهم إلى الموتِ الأرحمِ في الضّفّةِ الأخرى؟
أيّةُ جرأةٍ تدفعُ أحدَ الأطفالِ المتسوّلينَ إلى الهجومِ على امرأةٍ تقودُ سيّارتَها، ليشَدَّها مِن شَعْرِها، لأنّها لم تُحسنْ إليهِ العطاءِ؟
كانَ ذاكَ يومًا لستُ أنساهُ؛ ثلاثةُ أطفالٍ على مفرقِ النّاصرةِ حيفا طبريّا في ساعةٍ متأخّرةٍ مِنَ اللّيلِ، مبلّلونَ بالمطرِ، ترتجفُ فرائصُهم خوفًا وبردًا، يقرعونَ على زجاجِ نافذةِ السّيّارةِ، يستحلفونَ ويترجّوْن.. ليسَ مالاً إنّما مأوًى حتّى الصّباح!
دمعةُ طفلٍ جائعةٌ للحنانِ همَتْ تقولُ: فتاتٌ مِن تَصَدُّقِ المارّةِ كانَ يوْمي!
ماذا تفعلُ أنتَ يا ابنَ جلدتِهِ، والقانونُ يقفُ أمامَ إنسانيّتِكَ، فلا يجوزُ لكَ أن تُقلَّهُ بسيّارتِكَ أو تُؤويهِ في بيتِك، وإلاّ نالَكَ مِنَ العقابِ أبسطَهُ؛ غرامةً ماليّةً بآلافِ الدّولارات، أو ملاحقةَ الشّرطةِ بتحقيقٍ وتجريمٍ وسجنٍ؟
أينَ هو مُشغِّلُكُم؟ ولماذا لا يأخذُكم لتناموا في مخادعِكم المخصّصةَ حتّى الصّباح؟
للأسف، معاقبون من رئيسِهم، لأنّهم لم يحصلوا على الحدِّ الأدنى مِنَ المالِ بتسوّلِهم ذاكَ اليوم!
أيّةُ لغةِ ابتزازٍ هذهِ المستخدمة بحقِّ الطّفولةِ المنفيّةِ؟ وممّن؟ منك يا ابنَ بلدي؟
منذُ مراحلِ الطّفولةِ الأولى نلحظُ من خلالِ مشاهداتِنا لأطفالِنا حركاتٍ طفوليّةً، تتبدّى لأوّلِ وهلةٍ بسيطةً، كأن يقومُ طفلٌ بتكوينِ شلّة مِنَ الأطفالِ يتزعّمُها من خلال التقليدِ والألعابِ، فيأمرُها وينهاها، وتستجيبُ لهُ حينَ يُسلّطُها على أحدٍ ما، وتدخلُ اللعبةُ في مرحلةِ الجدّيّة، كأنْ يستضعفُ طالبًا ما أصغرَ منهُ أو يُجايلُهُ، فيأخذُ لهُ حاجاتِهِ الخاصّةَ مِن مصروفٍ، أدواتٍ قرطاسيّةٍ وألعابٍ وحاجاتٍ بسيطة، وقد تتطوّرُ إلى استغلالِهِ بتحميلِهِ الحقيبة المدرسيّة، أو تسخيرِهِ في شراءِ حاجيّاتٍ مِنَ الدّكّان، ثمّ المطالبة بمبلغٍ أكبرَ مِنَ المصروفِ، ممّا يضطرُّ المستضعَف إلى السّرقة، لينجوَ مِن بطشِ المستقوي عليه، ومن تهديدِهِ وتخويفِهِ لهُ بالضّربِ بعدَ الدّوامِ، أو تعريتِهِ أمامَ الشّلّةِ لإضحاكِ الأولادِ عليه، أو بفضحِ سِرِّهِ بالتبوّلِ اللّيليّ، أو بأساليبَ أخرى مهينةٍ يتجنّبُها المستضعَفُ.
قد يبدو الأمرُ بسيطًا للأهل، لكنّهُ تربويّا يحملُ مِنَ الخطورةِ ما يبعثُ على القلقِ، إذ إنّ السّلوكَ هذا قد يتطوّرُ سلبًا، لِما يتبطّنُ ويتضمّنُ بوادرَ سيّئةً لاحقًا، إن لم تجدْ مَنْ يَحدُّها ويوقفُها قبلَ أن تستشريَ في استفحالِها!
وأخيرًا.. هل الابتزازُ طريقةٌ أخرى للتّسوّلِ بالإكراهِ، لإرضاءِ الذّاتِ معنويًّا ومادّيًّا وجسديًّا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.