تناولت الكثير من الأقلام النواحي الإيجابية للفيسبوك وذلك من حيث انه يربط بين الأفراد وقد يعيد الصلة بزملاء دراسة قدامى أو جيران أو أقارب فرقت بينهم ظروف الحياة والهجرة. كذلك من إيجابيات الفيسبوك طرح القضايا العامة التي ترتبط بالوطن خاصة في ظل أنظمة تُعرّض بعض أفراد المجتمع للاعتقال والتنكيل والبطش لدواعٍ سياسية أو أمنية، مما يجعل أهل السلطة يتراجعون عن بعض مظالمهم أو على أسوأ الفروض "يستحون" في دواخلهم. كما أن الفيسبوك هو المنبر الذي اندلعت من خلاله شرارة الربيع العربي.على أنه من أهم فوائد الفيسبوك أنه عبارة عن موسوعة كاملة في جميع ضروب العلم والمعرفة وشؤون الحياة بصفة عامة. وبما أنني أملك تلك الخاصية التي تدفعني دائماً إلى النظر فيما وراء الأشياء، فقد عَنّ لي أن أنظر إلى الفيسبوك من الجانب الفارغ من الكوب. "الفيسبوك" صورة مصغّرة للمجتمع السوداني ، والمجتمع السوداني دون سائر الشعوب يتفرد بخصلة ذميمة (خصلة اللوم) التي قد توجد بدرجات محدودة "جداً" عند بعض الشعوب. أما نحن السودانيين فقد بلغنا في ذلك المجال شأواُ بعيداً . وإذا كان البعض يحسّن صورة اللوم فيطلق عليه "صابون القلوب" فهذه المقولة تنطبق على الذين تربطهم أواصر ذات جذور عميقة سواء صداقة متينة أو قرابة وثيقة فهنا الهفوة يمكن أن "تُرمَّم" بالمكاشفة والاعتذار اللذان يزيلان عن النفوس كل كما علق بها من شوائب. وتعود العلاقة أقوى مما كانت. إن اللوم في أبسط الأمور ينغّص حياة الفرد وقد يدفعه إلى أن يتعامل بالمثل فيصبح المجتمع ساحة لمعارك مستترة تنتفي فيها العلاقة الطبيعية وتتحول العلاقة إلى "دفتر حسابات" تُسجًّل فيه "المخالفات" والتقصير في أي مناسبة كبيرةً كانت أو صغيرة .. وبذلك تحولت العلاقات الإنسانية إلى أعباء وديون ثقيلة تكبل حرية الفرد فما أن ينتهي من بعض تكاليفها حتى تظهر مناسبة أخرى،فعجلة الحياة لا تتوقف ومسلسل المناسبات لا نهاية له. وهكذا يجدالفردنفسه مثل لاعب الأكروبات يعيش حالةتوتر دائم وهو يسير على حبل مشدود يخشى أن تنزلق قدمه فتتناوله ألسنة اللوم الحادة وتكفهر في حضرته الوجوه. - فلانة جات من السفر مشت بيتها ونزّلت شنطها حتى جاتنا للعزاء على راحتها - ولدي نجح في الكي جي 1 (نقلوه سنة تانية روضة) ما جا بارك لي - أختي عملت عملية الزايدةما جاتهاإلا بعد ما مرقت من المستشفى. - بنتي شالو ليها اللوز ما حضر معانا العملية. - في بكاء حبوبتي عمة أبوي، جات عزتني على طولها وتاني ما عاودت الفراش إلخ. و"الفيسبوك" بوصفه صورة مصغرة للمجتمع الكبير انتقلت إليه عدوى "اللوم" التي تشبّع بها المجتمع السوداني .. - تصوَّر فلان ما بارك لي الBirthday (عيد الميلاد) بتاعي .. خلاص أعمل ليهوdelete(حذف) من قائمة الأصدقاء - فلان ما عمل لي Likeعلى صورة ولدي حاردها ليهو في أي حاجة يرسلها تاني - علانة طلبت منها الانضمام لقائمة أصدقاءها my friends ما "عبّرتني" - فلانة ما عملت ليّLink (رابط)لأغنية "السمحة قالوا مرحّلة " لمصطفى سيد أحمد مع إنهاعارفاني من معجبينوفي الوقت الرسّلت للباقين ويستمر مسلسل اللوم .. ويستمر معه مسلسل ال delete ورد الإهانة "المفترضة" بمثلها ! ومن جهة أخرى فإن ثقافة اللوم وما ينتج عنه من إشكاليات تخلق نوعاً من الرقابة الذاتية التي تُكرِه المرء على التصرف بخلاف طبيعته أو يكلف نفسه ما لا يرغب أو ما لا يطيق .. - والله فلانة دي بتجاملني دايماً حاحاول أشوف ليها تعليق ظريف على صورة بتها بس ما قادرة ألقى ليّ كلام مناسب أجاملها بيهو وفي الفيسبوك يعمد البعض من خلال الصور و"الحكاوي" إلى رسم صورة وردية عن حياتهم فهم يرفلون "دوماً" في السعادة مما يصيب أصدقاء "الفيسبوك" بالإحباطويشعرهم ب"التعاسة"وفي حقيقة الأمر فإن أولئك "السعداء" قد يرسمون صوراً مزيفة لواقع يتمنون أن يعيشوه. ولكن على الرغم من كل تلك السلبيات، يظل "الفيسبوك" ابتكاراً مفيداً لا ينقصه سوى أن يغيّر مستخدموه من طبيعة تعاملهم مع بعضهم البعض. ملاحظة: ولكن أيضاً هذا لا ينفي حقيقة أن البعض قد جعل من "الفيسبوك" ساحةً لتصفية الحسابات وما يتبع تلك التصفيات من همز ولمز أو تجاهل "متعمّد" مما يُصدِّر للشركاء الآخرين شعوراً بعدم الارتياح. [email protected]