وجه رئيس حزب المؤتمر الوطني السوداني، رئيس الجمهورية المشير عمر البشير نقداً حاداً لحزبه المؤتمر الوطني ناعيا ضعف صلة الحزب بالقواعد الذي تبدى خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وغيابه من الساحة السياسية، وحذرهم من أن يلاقوا نفس المصير الذي لقيه الاتحاد الاشتراكي الذي نشأ في كنف النظام المايوي- ولم يوجه الرئيس هذا النقد وراء الأبواب المغلقة لكنه كان في الهواء الطلق أمام مجلس شورى الحزب ووجد طريقه للإعلام ونشرته كل الصحف والوسائط الإعلامية السودانية واعتبرته قمة النقد الذي وجه من قمة المسؤولية في الحزب. والشيء الذي يثير الاستغراب أنه رغم مرور أسبوع على هذه التصريحات فهي لم تحظ بأي تعليق من قادة الحزب تأييدا أو تفنيدا، بل لم يصدر من تلك القيادات ما يفيد أنها ستتخذ من الإجراءات، ما يؤدي إلى إصلاح الخلل الذي كشف عنه رئيس الحزب نفسه فهل هذه القيادات متفقة مع ما أورده الرئيس من نقد أم أنها غير متفقة معه؟ وإذا كانت هي متفقة معه فماذا تنوي أن تفعل لإصلاح المسار؟ وإذا كانت غير متفقة فلماذا لم تتصد للتصحيح والدفاع عن الحزب وأنشطته؟ الصورة التي رسمها رئيس الحزب لأوجه الخلل فيه ليست غريبة ولا جديدة، بل هي سمة راسخة لكل الأحزاب التي تنشأ في كنف الحكومات كجهاز من أجهزتها أو كوحدة أو (كوزارة) من وزاراتها فهي ليست (أحزاب حاكمة) بل هي أحزاب حكومة وهي تتصرف كوحدة حكومية مهمتها الترويج لسياسة الحكومة لا صناعة تلك السياسة، وكانت هذه الحقيقة واضحة لكل القوى السياسية الأخرى ولكل المراقبين والمحللين، بل ولبعض أعضاء المؤتمر الوطني نفسه. والمصير الذي حذرهم منه رئيس الحزب هو قدر مكتوب على كل حزب حكومة فحزب الحكومة يتغذى بالحبل السري الذي يربطه بالحكومة ولا حياة له إلا في كنفها ومصيره -حياة أو موتا- مرتبط بمصير الحكومة ولن تستطيع أي جهود تبذل أن تحول مؤسسة حكومية إلى حزب سياسي فاعل. وكل ممارسات الحزب ظلت تعكس ذلك دوما ولكنها بلغت ذروتها خلال الحملة الانتخابية فرئيس الحزب أدار حملته الانتخابية بنفسه وسافر لكل عواصمالولايات وحده وخاطب كل الاجتماعات منفردا ولم يشارك أي من قيادات الحزب في الحملة، بل سجل الحزب غيابا تاما عن فعاليات تلك الحملة ومن حق رئيس الحزب أن يقول إن أي أصوات حصدها هو الذي تكفل بأمرها وهو الذي استقطبها منفردا، بل إن أعضاء الحزب المرشحين لعضوية البرلمان لم يجتهدوا في ابتدار أي حملات انتخابية لصالحهم يخاطبون فيها القواعد لأنهم كانوا مطمئنين إلى سلطة الحكومة التي ستحصد لهم الأصوات نيابة عنهم وتملأ لهم الصناديق، فكانت أغرب انتخابات في تاريخ السودان الحديث؛ إذ لم يخاطب فيها المرشحون ناخبيهم أو يقتربوا منهم وليس لديهم إنجازات في خدمة دوائرهم ليباهوا بها، فكيف يقيمون علاقات وثيقة مع قواعد لم تسعد بوجودهم أصلا؟ وأحزاب الحكومة في كل مكان لا تملك من أمرها شيئا فهي تؤمر فتطيع ويطلب منها التأييد فتمنحه لأن تلك هي مهمتها وتفرض عليها القيادات فتقبل بها، فحينما تقرر أن يسحب من أهل الولايات الحق في انتخاب ولاتهم، وجاء الولاة من خارج الولاية وجد كوادر الحزب في كل ولاية أنفسهم فجأة تحت إمرة رئيس جديد للحزب جاء ليقود حزبهم هناك، وفرض عليهم بحكم منصبه في الحكومة كوالٍ وهو لم ينشط قط في فرع حزبهم الولائي ولا علاقة له بقواعد الحزب ولا كوادره في الولاية، بل وقد يكون الكثير منهم لم يلتقِ به قط من قبل وفرض عليهم الولاء للحكومة القبول به رئيسا لهم دون أن يعرف مشاكلهم ولا قضاياهم فكيف تكون له علاقة بتلك القواعد؟ حزب الحكومة تنظيم غير قابل للإصلاح الحزبي لأنه تحول لمجرد مؤسسة حكومية الترقيات والتنقلات فيها تصدر من قمة الجهاز وغاية المطلوب من أعضائه التأييد، وقد يستفيد من مبادرات إصلاح جهاز الدولة لأنه جزء من الوزارات والمصالح الحكومية، لكنه غير مؤهل للإصلاح السياسي في حكم مركزي يجير السلطة كلها لمن يملك زمامها في قمة الهرم.