تعقيب على رد الإذاعي أيوب صديق (بالانتباهة) (4) د. محمد محمد الأمين عبد الرازق واصل الإذاعي أيوب رده (بالانتباهة) بتاريخ 30 /8/2015م، حول تعقيبنا عليه بعدد من المواقع والصحف، وهو كما لاحظنا، لا يسلك مسلكا موضوعيا في نقده للفكر الجمهوري كأن يتناول فكرة الرسالة الثانية من الإسلام، ويبين الخطأ فيما قالت هنا أو هناك، وإنما خطه باستمرار هو تشويه الفكرة وتلطيخ مؤسسها بدمغه بالبهائية كعقيدة، تارة وبتعمد الكذب أيضا، فقد نشر قصة ملفقة محتواها أن الأستاذ محمود كان يتلقى دروسا في البهائية من إنجليزي عجوز بمدينة كوستي عام 1945م!! فالأستاذ محمود لم ير مدينة كوستي إلا في نهاية الخمسينات، فقد كان يعمل مقاولا بالخرطوم ويسكن الموردة، إضافة إلى أنه خلال الأربعينات كان في صراع مستمر مع الإنجليز، وسجن مرتين من عام 46 حتى عام 48 بسبب مناهضته لقوانين المستعمر.. ولكنه في هذه الحلقة اتجه لتلطيخ محاوره وهو شخصي الضعيف في قضية جانبية، لا أرى أي سبب للزج بها في هذا الحوار، سوى الشحن النفسي والفجور في الخصومة!! فقد كتب عني: (قال عني: «يبدو أن السيد أيوب صديق، له مشرب غريب نقيض للطيب صالح، فهو مؤيد للكبت وإقصاء الآخر، وغارق في التطرف إلى أخمص أذنيه كأنه كان يعمل في إذاعة «داعش» لا إذاعة لندن!!» أولاً أنظر عزيزي القارئ إلى عبارة الدكتور الجمهوري التي وضعتُ أنا تحتها خطاً وهي: «غارق في التطرف إلى أخمص أذنيه»، ومن الواضح أن الدكتور لا يعرف أن الأخمص جزءٌ من القدم وهو باطنها الذي يتجافى عن الأرض، وليس هو جزءاً من الأذن، فيا لك به من «عالم» جمهوري.) انتهى.. أولا: العبارة الخطأ لم ترد في الصورة النهائية التي نشر بها المقال، فقد تم التصحيح بإشارة من مصحح اللغة، ومعلوم للجميع أن الصحف الورقية والالكترونية يعمل بها مصححون دائمون، وكان النص هكذا في الصحف: (ولكن يبدو أن السيد أيوب صديق، له مشرب غريب نقيض للطيب صالح، فهو مؤيد للكبت وإقصاء الآخر، وغارق في التطرف إلى أذنيه كأنه كان يعمل في إذاعة (داعش) لا إذاعة لندن!! فهو قد قال في مقاله هذا، وبلا حياء: (صراحة خفتُ إبان تسجيل الاحزاب أن يُسجل الحزب الجمهوري، حيث كان سيُسمح له بنص القانون الدعاية لعقيدته من مختلف المنابر ) انتهى لكن يبدو أن أيوب صديق وجد موقعا لم ينزل فيه التصحيح بسبب خطأ فني، فأعاد الاقتباس الخطأ متعمدا ليعيب الكاتب في اللغة، مع إنه اقتبس في حلقته الأولى بتاريخ 3/8/2015م الاقتباس الصحيح، وبنى عليه رده: (هذا وبعد أن يورد قول الطيب صالح أنموذجاً لعمل أولئك الرجال الذين عدني منهم بنص قوله كما قلتُ، يرجع فيناقض نفسه قائلاً: «ولكن يبدو أن السيد أيوب صديق، له مشرب غريب نقيض للطيب صالح، فهو مؤيد للكبت وإقصاء الآخر، وغارق في التطرف إلى أذنيه كأنه كان يعمل في إذاعة «داعش» لا إذاعة لندن!!» طيب… أنا هنا في نظر الدكتور محمد محمد الأمين عبد الرازق مؤيد لنظام الانقاذ وللكبت والاقصاء) انتهى.. هذه كتابته هو !! فمادام السيد أيوب يعلم أن العبارة مصححة، واقتبسها قبلا بيده، فما معنى أن يتعمد نشر غير المصحح من الموقع الذي أفلت من التصحيح للتقليل من شأن محاوره!!؟؟ ثانيا: فلنفرض أنني أخطأت في اللغة ونزل الخطأ في كل المواقع من غير تصحيح، فهل هذه عيب يستحق أن يقال فيه: (فيا لك من عالم جمهوري) من الذي قال لك أنا عالم لغة!!؟؟ إن هذه معركة في غير معترك، وبأمانة أنا أقبل أن يصححني السيد أيوب في هذا الجانب اللغوي، فهو خبير إذاعي محترم ولن أبخسه حقه وما ينبغي لي.. لقد ورد عن السيد أيوب في مستهل رده: (أتناول هنا ما استهل به الدكتور رده الاول عليَّ، حيث قال فيه إنني أعمل: «على تشويه قامة روحية، هي مصدر فخر للشعب السوداني بما قدمت من فكرة سودانية من قلب الإسلام، وبما شاهد العالم من مواقف رفعت رأس المثقفين السودانيين عالياً، بين حملة الفكر في العالم». هذا قول الدكتور الجمهوري. فأنا لو كنتُ أعتقد اعتقاده هذا في محمود لما كتبتُ ما كتبت، فما كتبتُ إنما يدل على رأيي في مُلهِمه ومعتقده. أما قوله عنه إنه: «مصدر فخر للشعب السوداني» فهذا يذكرني بكلام السياسيين عندنا، إذ تجد منهم من ينتمي إلى حزب صغير لا يتجاوز أعضاؤه رواد أحد المقاهي، ثم تراه يتحدث للناس باسم الشعب السوداني.) انتهى.. أولا: القيمة عند الله ليست في الكثرة، وإنما هي في المحتوى فقد ورد في الحديث: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة!! قالو: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله!؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم!!).. ثانيا: الأستاذ محمود طرح فكرة جديدة من الإسلام، وبين أن القرآن عندما نزل في مكة كان يوجه رسالته لجميع الناس ولذلك فإن الآيات المكية هي الأصول، وعندما هاجر النبي الكريم إلى المدينة نسخت الأصول واستبدلت يالآيات المدنية التي لامست أرض الناس ولذلك هي الفروع وهي مرحلية اقتضاها حكم الوقت، ثم وضح أن السنة التي طبقها النبي في خاصة نفسه إنما اعتمدت على الأصول، ولا يمكن بعث الدين من جديد إلا إذا بعثت آيات الأصول لتوجه أمر الناس في التربية والتشريع، وقد ورد في الحديث أن الإسلام سيعود بالسنة ويمكن للقراء أن يستوثقوا من التفاصيل في مؤلفات الأستاذ محمود.. هذه الفكرة غريبة، وأحدثت ثورة في الفكر لم يسبق لها مثيل في تاريخ الإسلام، وقد علق الأستاذ حسين أحمد أمين عليها بقوله: (يبدو أنَّ المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكرى فى العالمين العربى والإسلامى، ذلك أنَّ القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً الى الثمار الفكريَّة فى الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب فى السودان، هو كتاب "الرسالة الثانيَّة فى الإسلام" للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامى، والتوفيق بين التعاليم الإسلاميَّة ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى فى مصر (أو فى بلد إسلامى خارج السودان على حد علمى) بالإهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً فى إتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم إحتوائه على فكرة أساسيَّة ثوريَّة لا شكَّ عندى فى قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأى العام الإسلامى، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، فى إطار إسلامى. وفى الكتاب بين أيدينا عرض واف لهذه الفكرة ولغيرها من الأفكار التى نادى بها المرحوم الأستاذ محمود محمد طه. غير أنه لا بأس من أن نوجز الفكرة الرئيسة فيما يلى: إنَّ النظرة المتمعنة فى محتوى القرآن الكريم والسنة النبويَّة تكشف عن مرحلتين لرسالة الإسلام: المكيَّة والمدنيَّة. والرسالة فى المرحلة الأولى هى الرسالة الخالدة والأساسيَّة، رسالة تؤكد الكرامة الأصيلة لكافة البشر، دون إعتبار للجنس، أو العرق، أو العقيدة الدينيَّة أو غير ذلك. وقد تميزت هذه الرسالة بالتسويَّة بين الرجال والنساء، وبحريَّة الإختيار الكاملة فى أمور الدين والعقيدة. فأما أسلوب الدعوة اليها فقائم على أساس الإقناع بالحجج العقليَّة، والجدل بالتى هى أحسن، دون أدنى قدر من الإكراه أو القهر. وإذا رفض المشركون هذا المستوى الرفيع للرسالة، وبدا واضحاً أنَّ المجتمع ككل لم يكن بعد مستعداً للأخذ بها، جاءت الرسالة الأكثر واقعيَّة فى الفترة المدنيَّة، ونفذت أحكامها. وعلى هذا فإنَّ جوانب رسالة الفترة المكيَّة، التى لم تكن قابلة للتطبيق العلمى فى السياق التاريخى للقرن السابع الميلادى، علقت وحلت محلها مبادئ أكثر عملية. غير أنَّ الجوانب المعلقة من الرسالة المكيَّة لم تضع الى الأبد بوصفها مصدراً للشريعة، وإنما أجل تنفيذها الى حين توافر الظروف المناسبة فى المستقبل.) انتهى.. ختاما: أليس من حقنا نحن السودانيين أن نفخر بأن أخرج الله من بيننا مفكر بهذه القامة الروحية المتفردة!!؟؟