كتاب "أزمنة الريح والقلق والحرية"، سيرة ذاتية للدكتور حيدر ابراهيم على، كتاب يستحق القراءة من قبل الجميع. لقد خرج هذا الكتاب عن النهج المألوف للسيرة الذاتية الى سيرة وطن، وهو أيضا موسوعة ثقافية تعكس أفكار ومواقف المؤلف في مراحل حياته المختلفة، الكاتب-كما تدل سيرته الذاتية- قارئ نهم والكتاب بالنسبة له خير جليس بل أفضل صديق. تتجلى في الكتاب شخصية المؤلف الذي يسرد الأحداث بإسلوب موضوعي ورصين به صراحة نادرة قلما توجد في مؤلفات مماثلة إذ أن الكاتب قد تخصص في علم التاريخ أثناء دراسته الجامعية ومن ثم عرف كيف يؤرخ سيرته الذاتية بإسلوب علمي دون أي افتئان على الحقائق. لقد فرغ كل ما في ذاكرته ولم يترك شاردة أو واردة حتى يطلع القارئ على تفاصيل سيرته مثلما كانت، ولم يستخدم "مقص الرقيب" لحذف مشاهد قد تحسب عليه مما يدل على أنه كاتب شجاع وجرئ. تتجلى في الكتابة منهجية عالم الإجتماع الذي يحلل الأحداث ويفسرها على نحو أكاديمي صارم، ولم يكن ذلك مستغربا حيث أنه حصل على دراسات عليا في علم الإجتماع. ويتميز ما كتبه بالدقة والوضوح والصدق إذ أنه يعود بالقارئ إلى المراجع درءا للشكوك. وتبرز في الكتاب شخصية المثقف الموسوعي المطلع على التيارات الفلسفية والثقافية والفنية، كما أن قراءته لأي كتاب لم تكن من أجل المتعة والتسلية المؤقتة،بل أصبحت جزءا من تكوينه العقلي والوجداني. ويستشف من ذلك أن الكتاب أصبح مرشدا له في دوامة الحياة المستمرة!! وتؤكد المؤلفات التى أطلع عليها على أنه مثقف موسوعي والكتاب هو أداته للوصول إلى الفلسفات المعاصرة دون تلقين من أحد أو جماعة أو تنظيم.هذا يعني أنه سيد نفسه وربان مصيره!!. تتجلى-أيضا- في السيرة شخصية المفكر الحرالذي لم يخضع لسلطة حزب أو مذهب معين. الوطن هو همه الأول، هذا الوطن الذي تعرض للتدمير من قبل قوى ظلامية غاشمة، وأصبح في أعلى قائمة الدول المصدرة للاجئيين والمغتربين والمغامرين من أجل الوصول إلى شواطئ أوربا من أجل الخبز والحرية والكرامة، رحلات مأساوية!! بما أن مواقف الكاتب مبنية على مواقف وقيم ثابتة، فهو لم يقبل الإذعان أو التنازل أو التراجع وظل من القابضين على الجمر .. إنتقل من مهجر إلى مهجر ومن منفى إلى منفى، وفضل التشرد على الوظيفة إذا كان هناك ما يمس كرامته ومن ثم أصبح الزهد من الخصال التى تطبع عليها حتى لا يرفع الراية البيضاء. ختاما يمكن القول أن صاحب السيرة الذاتية قد حمل رسالة من أجل إشاعة العلم والثقافة – دون تراجع أو تهاون – في بلد يعاني من تفشي الأمية بكافة أنواعها، وتحيط به الظلال السوداء من كافة الجهات، وكان وما يزال يبحث عن بصيص نور للخروج من النفق المظلم!!