النيل ..هذا الاسم الرنان الذي تغنى به الشعراء فقال فيه احمد شوقي: من اي عهد في القرى تتدفق وبأي كف في المدائن تغدق وقال فيه التيجاني يوسف بشير: انت يانيل ياسليل الفراديس نبيل موفق في مسابك حضنتك الاملاك في جنة الخلد ورقت على وضيء عبابك مخرتك القرون تشمر عن ساق وسنى من لؤلؤئي ترابك وكم من الحضارات العريقة التي قامت على ضفاف هذا العملاق الذي فتن به الشعراء والادباء والفنانين ونسجوا من الهامه الكثير من الابداع والروائع ويعتبر نهر النيل من اطول انهار العالم واعذبها ماء وهو مصدر رزق لايقدر بثمن بالنسبة لشعوب الدول التي تطل على ضفافه خاصة دول المصب مصر والسودان – كنت في زيارة خاصة للولاية الشمالية وتحديدا محلية مروي منذ ايام وقد لايعلم الكثيرون ان هذه الفترة من شهر اغسطس وحتى بداية اكتوبر هي فترة موسم الهجرة الى الشمال لحصاد النخيل وهو يكاد ان يكون مصدر الدخل الوحيد للكثيرين من سكان المنطقة والتي تدهورت فيها الزراعة بسبب هجرة معظم القادرين على العمل في الزراعة وبسبب التكلفة العالية للانتاج خاصة القمح وتدني الاسعار بجانب المشكلة الكبرى والتي لاتعرها الحكومة اي اهتمام وهي مشكلة تقلص مساحات الحيازات بسبب نظام الميراث وتواجد جزء من الملاك في المنطقة واغلبهم هاجروا خارج المنطقة وقد ادى ذلك لعزوف الناس عن زراعة تلك المساحات الضيقة وقلة العائد بعد توزيعه على الورثة وليس لها حل غير قيام جمعيات تعاونية من قبل القادرين على فلاحتها وتقسيم العائد على الملاك والزائر للشمالية في هذا الموسم او غيره لابد من ان يطل على النيل ليجتر ذكريات الطفولة الجميلة والتي حفلت بالكثير من الالعاب والمرح في مياه النيل من سباحة وغطس وصيد للسمك والاستمتاع بتلك الطبيعة الخلابة في الجروف والجزر واصوات السواقي الحنونة تشق سكون الليل الهادي -تلك كانت ذكريات جميلة ولكن اامشهد تغير وكانت المفاجأة ان مياه النيل هذا العام وفي موسم الفيضان لم تتحرك من مكانها ولم تغطي الجروف كما كان يحدث في موسم الدميرة ومياه النيل مبعثرة بين كثبان الرمل وهي اشبه بمستنقعات النيل الابيض وهو منظر كان يألفه الناس في موسم التحاريق في شهر ابريل ومايو حيث يبدأ موسم ارتفاع النيل من يونيو ولاشك ان ذلك ينذر بكارثة على الزراعة الشتوية بالشمالية والغريب والمحزن بان المسؤولين لا يعيرون ذلك اي اهتمام ولو حدث مثل ذلك في بلد غبر السودان لاعلنت حالة الطوارئ والاستنفار ولكن حتى الان لم تحرك حكومة الولاية او الحكومة المركزية ساكنا لمواجهة كارثة انحسار مياه النيل وضعف الفيضان الذي تعتمد عليه الزراعة بالري الدائم وزراعة الجزر الممتدة على طول النهر وتغزية المياه الجوفية واذا كان ذلك هو الحال بعد قيام سد مروي فكيف يكون الحال بعد اكتمال سد النهضة باثيوبيا والذي سوف يخزن 74 مليار متر مكعب من المياه خلفه ونسمع بعض المسئولين يقولون بان السودان سوف يستفيد من سد النهضة ونحن بعد لم نر فائدة من سد مروي الذي قيل بانه سوف يحعل من الشمالية جنة الله في الارض مع ان هجرة السكان زادت بعد قيام السد حتى تقلص عدد السكان ليصبح حوالي 600 الف نسمة والهجرة مستمرة لانه لايلوح في الافق امل لايقافها بسبب عدم وجود مشاريع تنمية استراتيجية وكان الامل في فتح الطريق البري بين مصر والسودان والذي للاسف لم يستغل بصورة اقتصادية تجعل منه طريق حيوي ينعش الزراعة والسياحة في الشمالية ميث تحتاج مصر للكثير من السلع التي يمكن انتاجها بالشمالية والمناطق السياحية في شمال السودان تعتبر امتدادا طبيعيا للمناطق الاثرية في جنوب مصر وكان في الامكان استقطاب الكثيرين من السواح اذا تم تجهيز بعض المرافق السياحية بالشمالية وهناك الكثير يمكن عمله لتنشيط تجارة الحدود بين البلدين ولكن من يقوم بوضع الخطط العلمية ومن المعروف بان معظم الكوادر الموظفة تفتقر للتاهيل والكفاءة ومعظمها تعيين سياسي مع ان بالولاية علماء في مجال الزراعة والصناعة والاقتصاد وغيره واذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف يهاجر بقية السكان والذين اصبحوا يعيشون على عطايا المغتربين والبعض يتسولون في الاسواق وخلاصة القول بان الولاية الشمالية موعودة بمجاعة اذا تتدارك الولاية كارثة انحسار مياه النيل وغياب التخطيط والكوادر المقتدرة لانتشال الولاية من تخلفها .