نهاية العام 2013م أعلنت تسع شركات طيران وطنية تجميد نشاطها ذلك في أعقاب إعلان شركة لوفتهانزا الألمانية توقف رحلاتها إلى الخرطوم بعد 51 عاماً من العمل، كان ذلك لأسباب تتصل في نهايتها بما آل إليه الوضع الاقتصادي بعد الانفصال وأزمة الدولار، وتوقف لوفتهانزا كان كافياً لتلخيص الأزمة بالتالي ما ينبغي تداركه.. لكن توقف شركات الطيران ما كان إلا جزءا من منظومة كاملة بدأت في الانهيار التدريجي وصولاً إلى أن تتوقف نحو 70 في المئة من المصانع في السودان، وهذا ما نشرته "بي بي سي"، توقفت هذه المصانع لأسباب ارتفاع الضرائب، والرسوم متعددة المسميات، وانعدام الطاقة الكهربائية، وتوقف هذه المصانع- أيضاً- ما هو إلا تتابع لانهيار انتظم القطاع الصناعي على انهياره الذي لحق به منذ مجيء الإنقاذ، 2011م توقف نحو "80" مصنعاً في منطقة الباقير عن العمل بعد أن أنهكتها الجبايات والرسوم متعددة المسميات مقابل لا شيء تُقدمه سلطات المحلية، المهم هي رسوم لا بد من تحصيلها، اضطر المستثمرون في نهاية الأمر إلى إغلاق المصانع الخاسرة، وكان هذا الخبر- وقتذاك- لافتاً، لكنه الآن أصبح سهل التعايش معه. سوف نسمع كثيراً أحاديث النهضة والتنمية والإصلاح، لكن الواقع سوف يتواصل فيه الانهيار بلوغاً نهايته التي باتت وشيكة، المسألة ليست في توقف مصانع عن العمل- فقط- أو تجميد نشاط شركات طيران، المسألة أكبر مما يُكتب فيها، هذا الوضع إذا استمر هكذا سوف يتجمد نشاط وطن كامل يحمل اسم السودان.. انهيار اقتصادي شامل لم يعد في حاجة إلى بيانات تضخم أو أسعار صرف العملات مقابل العملة الوطنية، والدليل أن المسؤولين تجاوزوا الإشارة إلى الفعل الحقيقي غير الموجود أصلاً، فتحولت الأرقام إلى أماني، وتحول الاقتصاد بالتالي إلى مفاجآت- فقط- انتظرونا.. ثم أزمة سياسية خانقة قادت إلى عزلة لم تمر على السودان في تأريخه، أدت في المحصلة إلى ما نحن عليه، وجميعه مرتبط ببعضه. سوف تصبح قضية أن تغلق مصانع أبوابها أمر أكثر من عادي، وسوف يصل توقف الإنتاج مرحلة قد لا تخطر ببالنا الآن.. عددوا منذ الانفصال حتى اليوم، كم عدد الخطط والبرامج التي اتبعتها مؤسسات الاقتصاد في الدولة لإنقاذ الاقتصاد؟، عددوها ابتداءً من البرنامج الإسعافي لوزير المالية السابق علي محمود، وصولاً إلى مفاجآت الذهب، النتيجة صفر، ليس- فقط- لفشل هذه الخطط أو واضعيها، لكن لأن كل هذه الخطط يتم تخطيطها دون مخاطبة أصل المشكلة الاقتصادية وهي الإنتاج.. الإنتاج الفعلي، أن تكف هذه الألسن عن الكلام، وأن تعمل هذه الماكينات المتوقفة لربع قرن.