مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برانويا الاغلبية الصامتة ما بين كلاب بافلوف والشخصية السايكوباتية (4-20)
نشر في حريات يوم 09 - 10 - 2015

" خير لك أن تظل صامتاً ويظن الآخرون أنك أبله، من أن تتكلم فتؤكد تلك الظنون"
أبراهام لنكولن
تحدثنا في المقال السابق عن ملامح الخطاب الإسلاموي لتلفون كوكو، ولكنه قد رد بمقال على مقالاتنا السابقة بموقع www.sudaneseonline.com وهو يكيل السباب والشتائم، وحسناً فعل، لأن فعله هذا يؤكد ما ذهبنا إليه حول شخصيته السيكوباتية وما جرّت عليه من إضطرابات في فكره تظهر خلال كتاباته، وانا لست هنا بصدد الرد عليه لما توجه به من إساءات لشخصي ولأسرتي فإنها كما يقول د. منصور خالد: (كضراط العنز يزكم الأنوف ولكن سرعان ما تأخذه الريح بعيدا) وطالما أن الريح سيتكفل بها فلن أرهق نفسي بوعثاء تفنيدها. وهو بذلك كحال الذي يريد أن يرتقي سلم الكتابة دون أن يمتلك ما يكفيه من أدوات، سوي ماضوية لا تسمن ولا تغني من جوع والإلتصاق بها دون أي رؤية أو بصيرة لإسشتراف المستقبل، وهنا يتجسد فيه قول الشاعر الحطيئة وهو يهجو الذين يسلكون مدارك الشعر ولا يدركون مرتفعاته من مزالقه، فيقول:
الشعر صعبٌ وطويلٌ سلمه إذا إرتقى فيه الذي لا يعلمه
ذلت به الى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه
أما عن مهنتي التي لم أشر إليها من بعيد أو قريب في كتاباتي فإني سأقول في هذا، أن الطب مهنة شريفة لا يجادل في ذلك أثنان لكن النضال مهنة أشرف، والمزاوجة بين المهنتين بالطبع سيكون أكثر شرفاً، ويكفيني فقط أنني بين المقاتلين والمناضلين في الصفوف الامامية، أقاتل معهم وأضمد جراحهم.
فإن يقينية تلفون بخبر صديقه المزعوم يقول عنها د. فؤاد زكريا: هنالك نوع من اليقين نستطيع أن نطلق عليه اليقين الذاتي وهو الشعور الداخلي لدى الفرد بأنه متأكد من شيء ما. هذا النوع من اليقين كثيراً ما يكون مضللاً، إذ أن شعورنا الداخلي قد لا يكون مبنياً على أي أساس سوى ميولنا أو إتجاهاتنا الذاتية. وإنا لنلاحظ في تجربتنا العادية أن أكثر الناس يقيناً هم عادة أكثرهم جهلاً. فالشخص محدود الثقافة " موقن" بصحة الإشاعة التي سمعها عن صديقه، وبصحة الخرافة التي كانت تردد في طفولته. وهو لا يقبل أي مناقشه في هذه الموضوعات لأنها في نظره واضحة ويقينية.(1)
فالكبرياء والعنجهية داء بغيض، لا يخرج منه إلا أسوأ السلوك، لتظهر الأنا الفردية فيها كبر وإستعلاء و تميز، وتفضيل لكينونتها عن البشر، لتكون أذى وشر على الآخرين، لغتهم تكبر ونزعاتهم إستعلاء ومنطقهم جحود ولهجتهم نكران.
يقول د. أحمد زكريا: علينا أن نميز بين ثلاثة مفاهيم تبدو لكثيرين متشابهة غير أنها مختلفة في التشخيص النفسي، هي : قوة "الأنا"، ونرجسية "الأنا "وتضخم "الأنا". فقوة "الأنا" تعني أن صاحبها يمتلك شخصية عقلانية ..يتعامل مع الناس والأحداث بواقعية مجردة، ويقيس الأمور والآخرين من حوله وفقاً لأحجامها الحقيقية، فهو لا يعظم شخصاً و "ينفخ" فيه، ولا يبخس حق شخص آخر ويحظى بإمتياز مستحق..حتى لو كان منافساً له في مهنته أو تخصصه. وهو يقيس نفسه أيضاً بحجمها الحقيقي، ومعترفاً بسلبيات فيه (نقص معرفي، تقلب مزاج…الخ)، وبهذا يتمتع صاحب قوة الأنا بإحترامه لذاته وإعتزازه الإيجابي بنفسه، ولا يضطر شعوره الشخصي إلى إستعمال آليات نفسية مشوهة للواقع وبخاصة: الإنكار والتبرير والإسقاط ( ترحيل عيوب النفس على الآخرين). أما تضخم "الأنا" (مثال تلفون كوكو) فإن صاحبه يعمد إلى أن يبدو للآخرين بحجم أكبر من حجمه الحقيقي، وعلته انه تتحكم به حاجة قسرية هي تكبير حجمه وتصغير حجوم الآخرين العاملين معه بنفس مجال نشاطه الفكري والثقافي، ناجمة عن أنه يكون في الغالب من نوع الشخصية الإحتوائية التي من خصائصها السعي إلى السيطرة على الآخرين وإحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم وسواء بالإبهار أو بأساليب درامية إلتوائية أو "فذلكية". وبسبب هذه الحالة النفسية غير المستقرة فإن اللاشعور الشخصي لدى المصاب ب " تضخم الأنا" يعمد إلى ممارسة الإنكار والتبرير والإسقاط لخفض القلق لديه الناجم من رفضه الإعتراف بواقع حجمه الحقيقي وحجوم آخرين أكبر.(2)
ويعرف تضخم الأنا بأنها حالة عصابية لها أسباب متعددة: أهمها الشعور بالإضطهاد والإغتراب. أما العوامل المؤثرة في شخصية " الأنا المتضخم" والتي تعتبر غير ظاهرة ومخفية، فإنها تتجمع في توليفة من ثلاث شخصيات مختلفة هي (3):
1.النرجسية:
فمن الشخصية النرجسية تأخذ حاجتها القسرية إلى الإعجاب.. أي أنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي تريدها هي، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء. فحالها في الإعجاب لا يتوقف ولا يستكين في طلب المزيد، فالنرجسية لا شيء يماثلها أو يشاكلها ولسان. حالها دائماً يقول:
" أنا مميز " ،ودأبها المستمر في تملك الاحساس بتفخيم اهمية الذات، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة ، وأن على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز، وأن تقديمه على أنفسهم هو استحقاق لا يستوجب حتى الشكر منه !.
إن تلفون كوكو يريد أن يقول أنني مميز لأني إلتقيت القائد د.جون والأب فيليب عباس والشهيد يوسف كوة، فإلتقائك بالقائد أو جلوسك معه أو تحدثك إليه لا يعني تلقائياً أنك أصبحت مثله في فكره وعطاءه، فهؤلاء القادة تميزوا بثبات المواقف والأفكار وفي أحلك الظروف والأزمات واستشهدوا وهم على هذه المواقف لأن تفكيرهم كان ممنهجاً لا عشوائياً، علمياً لا عاطفياً، كلياً لا جزئياً… في مقابل فكرتلفوني جزئي مضطرب، متناقض وعاطفي.
2.التسلطية
وتأخذ شخصية " الأنا المتضخّم " من الشخصية التسلطية : انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها. وهذه الإندفاعية قد بدأت واضحة في مقال تلفون الأخير في الرد على مقالاتي، وما يؤكد هذه الإندفاعية أنه إستقى معلوماته المغلوطة عني من خلال محادثة تلفونية فأوقف على إثر ذلك كتاباته الأخرى وبدأ الرد على مقالي وعلى عجالة مما جعله يخطيء حتى في تاريخ ميلادي حيث قال أنه العام 1986م في حين اني من مواليد الثاني من ابريل العام 1977م، فكيف بالله برجل أنه زعيم تنظيم يقع في مثل هذه العثرات، فلو تحرى قليلاً لتذكر أنني الذي كنت أخدمه وبقية المعزين للأسرة في وفاة والدي بأمدرمان، ولو أنه تمهل قليلاً لتصفح سيرتي الشخصية من خلال صفحتي بالفيس بوك، ولو ذهب أكثر سيجدني إبن الأستاذ المربي المرحوم: زكريا إسماعيل زكريا عضوالبرلمان السوداني في العام 1965م عن دائرة كادقلي عبر إتحاد عام جبال النوبة، والذي كان لهم الفضل، هو ورفاقه في إلغاء ضريبة الدقنية المذلة لكرامة شعب النوبة،ولكنه الإنفعال الذي أظهره في مقاله بهذا الموقف، حتى أنه إستنفذ ما لديه من كلمات في قاموس مفرداته النابية..فكيف بشخص كهذا يدعي بأنه يستطيع أن يقود شعب إذا أنه لم يستطع التأني للرد على مقال يعتبره مكتوب من قبل "صبي صغير" حتى إن إنفعاليته أنسته بأنه ليس لدي صفه تنظيمية، وتناسى أن عضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان هي صفة تنظيمية ، كما أن المدافعة عن التنظيم لا تحتاج لأن يكون العضو متقلداً منصباً تنفيذيا في الهياكل التنظيمية،فما باله يخاف "الرصاص الميت" كما يقول هو، وللمفارقة فإن رصاص كلماتنا ليس بميت وانه أشد فتكاً من الرصاص الحي، وسنوجهه ضد كل من يريد أن يقف في طريق نضال الشعب السوداني أجمع
3.الاحتوائية
وتأخذ من الشخصية الاحتوائية : السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم ، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية تذكرنا بإنفعاليه مسرحيه فوق العادة ,فيها إلتواء وانحراف عن كل ما هو طبيعي وعادي.
يقول علم النفس:ان"ألأنا" عند الانسان العادي, تمارس ما يعرف بآليات او حيل دفاعية,وهي استراتيجيات لا شعورية, مشوهة للواقع, يعتمدها الأنا لحمايته من القلق أو خفض القلق لديه, عندما يرفض الاعتراف بواقع ,سواء كان خارجيا" آم داخليا". وهي تكتيكات يمكن ان نمارسها جميعا, الا ان الفرق بين الانسان السوي والمصاب بتضخم ألأنا, ان الانسان السوي يمارسها بمرونة في المواقف التي تستدعي ذلك,أما المصاب بالتضخم ألانا ,فيمارسها بتصلب و منها:
1.الإسقاط : ويعني ترحيل عيوب الأنا ورمي " ذنوبه " على شخص أو موضوع، ولقد فندنا هذا الأمر في مقال سابق من هذه السلسلة.
والملاحظ من خلال كتابات تلفون كوكو إنه يستعدي جيل السبعينات، الثمانينات، والتسعينات من الالفية الماضية، لا لشيء إلا أنهم جاءوا الى النضال زمن باردة، وهو بذلك لن يستطيع قيادة هذه الأجيال والتي تشكل الان أكثر من 80% من عضوية الحركة الشعبية والجيش الشعبي وحتى عندما "حرت" حسب المصطلح التلفوني مازال يستعديهم، وهو بذلك قد حكم لنفسه بالإعدام( هذه المرة مجازيا) للمرة الثالثة، الاولى يإيتانق من قبل وليم نون بانج " وسبب هذه سنستخدم لها منهج التحليل الفرويدي في المستقبل القريب"، والثانية في الجبال في زمن يوسف كوة مكي، والثالثة هذه قد حكمها بنفسه هو.
اما مشكلة هذه الايام وما تلقيه علينا تبعات هذا التضخم الهائل فهو انتقاء الرموز والاوصاف والالقاب التي تطول وتتنوع قبل الاسم,رافضا ان يخاطبه احداً دون ان يرفق اسمه ويصعب على الكثيرين هذه الايام ان يراقبوا انفسهم لحماية سلوكهم من اي انحراف يؤدي بهم الى حالة من الكبر و التعنجه, او رفع ذاته الساميه عن الاخرين فلا يرضى الا بالنظرات الدونيه للاخرين، اني اريد أن أحيل القراء لمراجعة بيانات ومقالات كتاب الاغلبية الصامتة فإنهم يزيلونها بمناصبهم السابقة ( حاكم سابق، نائب رئيس مجلس تشريعي سابق…وهكذا)، وهي أحد أعراض تضخم الأنا.
ان احد ادوات التفكير السليم هو إمتلاك منهج علمي نتبع خطواته للوصول الى الغايات المرجوة، وإلا فان تفكيرنا سوف يأخذ منحى أعوج يقود الى جدال سفسطائي لا نتيجة له، ومهمة العلم هي تمليكنا مثل هذا المنهج، لذا فإن التنكر للعلم ووصفه (بالفلقصة) لهو رؤية قاصرة ،حيث أن أحد خواص العلم، التراكمية، فهو أشبه بالذي يبني بناءا علويا وفي كل مرة ينتهي طابق يرحل سكان الطابق السفلي إلى الطابق العلوي ويبقى الطابق السفلي مجرد أساس، ولكن ان تلفون وأقليته قد اعياهم الصعود على سلالم المعرفة التراكمية فآثروا البقاء في "القبو" بينما الناس يصعدون يوما بعد يوم. لذا فإن سمة المفكرين والمبدعين دوماً تكريم العلم والمعرفة، وفي هذا يقول شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه: "إن حرصي على تكريم الفكر إنما يستمد أسبابه من إقتناع تام. بأن ليل الجهل قد أخذ ينجاب، وأن نور الفكر قد أخذ ينتشر أجنحته المشرقة على هذه الأرض الحزينة ومن ورائها، على هذا الكوكب". (4)
وعلى الرغم من معارضته – بالضرورة عن جهالة – التراكمية العلمية الا انه يناقض نفسه، وحتى في معرض إستشهاده بمقولة للعالم الفيزيائي ألبيرت أينشتاين " أن قيمة المرء فى المجتمع الذى يعيش فيه تعتمد أولاً وأخيراً على المدى الذى يسهم بعواطفه وأفكاره وأعماله فى تطوير وإثراء حياة أفراد ذلك المجتمع" وأنا أتفق تماماً مع هذه المقولة، ولكن لا أتفق مع تقسير تلفون كوكو وفهمه القاصر لها إذ أن السيد تلفون فهم هذه المقولة بشكل خاطيء حيث إستدل بها في معرض سرده للأعمال الخدمية والتنفيذية التي قام بها في تاريخه، في حين أن هذه المقولة ذات بعد واسع تبدأ بتحديد الغرض والميول العاطفي تجاه أمر ما، ومن ثم التفكير فيه بشكل علمي ووضع النظريات اللازمة لتطبيقه ومن ثم إنزاله على أرض الواقع،و لو أن أينشتاين كان يقصد الأعمال التنفيذية لما أفنى عمره في وضع النظرية النسبية العامة والخاصة، نظريات المفعول الكهرو ضوئي، الحركة البراونية، تكافؤ المادة والطاقة، معادلات المجال، ونظرية التوحيد الكبير(5) ولم يعلم السيد تلفون كوكو أن أينشتاين قد إنطلق من قاعدة الفلسفة لذا نجد أن نظرية التوحيد الكبير إنطلقت فكرتها من أساس فلسفي لتوحيد السماء بالأرض بمعادلة رياضية، كما فعل نيوتن في نظرية الجاذبية الأرضية. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من قصوره الفكري والمفاهيمي (سنتناوله بالتحليل في مقالات قادمة). ولمزيد من تأكيد تناقضاته التي تنبع من مواقف إنفعالية سنقارن لقولين له لندرك هذا التناقض فهو يقول:" بينما الأفكار التى تريدها أنت هى تلك الأفكار الخيالية الخالية من المنطق .. وهى لا تفيد المجتمعات بشئ ولا تحمل فى عنصرها غير الفلسفة .. كنظرية ماركس ولينين الموجودة فى الكتب بفلسفة مدهشة .. هل إستطاعت تلك النظريات تقديم كوز موية للمجتمعات التى عاش فيهما ماركس ولينين ؟ " ويقول ايضا في موضع اخر من نفس المقال: "لذلك كان من أهم الأجسام التى رأينا أنها ستساعدنا فى هذا العمل هو تأسيس جمعيات تعاونية فى المنطقة وذلك لحماية المواطنين من الإستغلال اللاإنسانى الذى كان يقوم به التجار الوافدون إلى المنطقة بقصد كنس الأموال وما يمارسونه من تمييز عرقى نوعى فى الطواحين .. وبالفعل تمكنا من تسجيل الجمعية".(6)
لم نسمع يوما او نقرأ بأن فكرة التعاونيات هي فكرة من بنات أفكار تلفون كوكو بل إنها كانت فكرة الفيلسوف الاشتراكي المثالى روبرت أوين (1777-1858م) أحد واضعي اسس الإشتراكية المثالية والحركة التعاونية، ومن ثم أعقبه لينين بتطوير الفكرة التعاونية بإستخدام الكلخوزات (جمعيات تعاونية زراعية في الارياف) وجمعيات تعاونية إستهلاكية في المدن لتسويق منتجات الكلخوزات، حيث أن لينين يعتبر التعاونيات الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تدفع بالفلاحين إلى الإنضمام الى الإقتصاد الجماعي. ويقول كارل ماركس " إن التعاون اداة يجب إستخدامها لتغيير الجماعة الرأسمالية القائمة،.. ويجب أن تنظم على أساس قومي يشمل كافة أفراد الأمة وتستخدم كافة مواردها (7)…لذا وجب توضيح القصور الفكري للسيد تلفون فيما يختص بأن العلم عبارة عن "فلقصة" بالإستشهاد بفكرة التعاونيات التي أشار إليها لنؤكد له إن المعرفة هي عبارة عن خبرة تراكمية من التجربة البشرية في كافة مجالات الحياة وشتى ضروب العلم بما فيها العلوم الإجتماعية والتي من ضمنها العلوم السياسية والإقتصادية. ففقط في هذا المجال الصغير لابد لتلفون كوكومن تطبيق أحد النظريتين ، فإذا سمح تلفون لهؤلاء التجار بمواصلة تجارتهم وكنس أموال الشعب فإنه بذلك سيكون قد طبق نظام إقتصاد السوق الحر وهو نظام النظرية الرأسمالية في الإقتصاد، وإذا سعى مع الآخرين لكبح جماح التجار فهو بذلك قد تبنى ملامح النظرية الإشتراكية في الإقتصاد وهذا ما حدث في تجربته تلك، فهل كان تلفون ماركسياً أو إشتراكياً عندما نحى ذلك الإتجاه؟ بالطبع لا ولكنه رأى من غير دراية بالمنشأ أن هذه الفكرة سوف توقي الناس شر الاستنزاف الذي كان يمارسه هؤلاء التجار في ذلك التاريخ ولكنه في نفس الوقت يتنكر لمطوري هذه الفكرة ويقول أن نظرياتهم لم تقدم " كوز موية".
كان من المفترض أن نمضي في مقالنا الرابع هذا في التحليل للتفكير الأعوج لتلفون كوكو، إلا أننا رأينا أن يتم تناول بعض ما ورد في مقاله لأنه يدعم ما ذهبنا إليه في المقالين الثاني والثالث من تحليل نفسي لشخصيته، لأنه لا يدري لماذا وضحت في المقدمة تجربة بافلوف، لأن هذه التجربة الفريدة قد وضعت ما يعرف بالمثير والاستجابة، ولكي تحلل شخصية ما لابد أن تعرضه لمثيرات ومن ثم تقيس ردود فعله على هذه المثيرات ومدى إستجابته لها، كما فعل بافلوف مع كلابه، وسنقرع أجراسنا في المقالات القادمة في عملية لإستنطاق وتحليل مقالات تلفون كوكو.
ونواصل
المصادر:
أحمد زكريا إسماعيل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.